شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الحقوق الطبيعية حقوقٌ للفرد قبل أن تكون حقوقاً لمجموعة

الحقوق الطبيعية حقوقٌ للفرد قبل أن تكون حقوقاً لمجموعة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 15 يوليو 202209:52 ص


موضوع الحقوق البشرية حقيقةً موضوع معقّد. حتى ضمن المجتمع العلمي، نشاهد معارك طاحنة بين الفلاسفة والمفكرين في حديثهم عن تعريف الحقوق وتحديدها.

في الواقع، توجد ثلاثة مذاهب فكرية كبيرة تحاول اكتشاف المكان الذي تأتي منه الحقوق.

المذهب الأول يتحدث عن كون الحقوق تأتي من الإله. الإله يعطي حقوقاً ويحدد واجبات للأفراد ويصمم منظوماتهم المجتمعية ويلهم مؤسساتهم القانونية. من أهم الانتقادات الموجهة لهذا المذهب أنّ إثبات هذه الحقوق يتطلب خطوة مسبقة وهي إثبات وجود الإله، كما أن البشر يمتلكون آلهة كثيرة وكلّ معتنق لمعتقد مقتنع بأنّ معتقده هو الصحيح ما يحتّم وقوع الصدام. في العلم، نحتاج إلى التدقيق في كلّ الخطوات الموضوعة للوصول إلى الاستنتاج، أما في الإيمان فعلينا تجاهل ذلك والتسليم بشيءٍ ما، وإنْ كان مستحيلاً يمكننا القول عنه إنه معجزة إلهية دون الحاجة للاهتمام بتفسيرٍ علمي. ثمّ بعد ذلك وبسبب وجود الكثير من الآلهة والمعتقدات نقع في مشكلة ثانية، فهذه المعتقدات قد تتفق في العموميات مثل إلغاء العبودية واحترام حياة البشر إلّا أنها تختلف بشكل جوهريٍّ في التفاصيل مثل مواضيع الزواج والعمل وأنواع الطعام المسموح والأعمال المشروعة بالإضافة إلى الاختلافات في المحرمات.

المذهب الثاني يعتبر أنّ السلطة هي مصدر حقوق الأفراد. الدستور والقوانين فقط هي ما يعطينا حقوقنا ويحدد لنا واجباتنا. ومن الانتقادات الجوهرية الموجهة لهذا المذهب أنّ الدستور والقوانين موضوعة من بشر أيضاً، وبالتالي هذا يعطي لبعض البشر القابعين على هرم السلطة القدرة على التحكم بحقوق الآخرين وتحديد واجباتهم كما أنّه يجعل السلطة مغرية أكثر بسبب ما يرافها من قوة على تغيير الواقع وفرض المعتقدات على الآخرين.

المذهب الثالث يحاول تقديم حلٍّ أفضل من الحلين السابقين. في المذهب الثالث الحقوق تأتي من الطبيعة. مجرد كوننا وُلِدنا بشراً فنحن نمتلك حقوقاً مُنحت لنا دون الحاجة لأي تدخلٍ بشري. هذا المذهب يمتد تاريخياً من أرسطو إلى جون لوك واصلاً إلى آين راند. أرسطو يعتبر أننا طبيعياً نولد بمزايا معيّنة تعطينا قدرات مختلفة عن باقي الكائنات، أهمها قدرتنا على عقد الاتفاقيات وإبرام العقود فالبشر يمتلكون القدرة العقلية لعقد اتفاق طويل الأمد يحددون من خلاله حقوقهم وواجباتهم، وكلهم يولدون بشكل متساوٍ فلا أحد يولد سيداً ولا أحد يولد خادماً. كثيرون من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية كانوا متأثرين بذلك ولذلك حاولوا إدخال هذه الفكرة في الدستور الأمريكي، فالحكومة لا تمتلك سلطة على أحد إلا من خلال موافقة ذلك الفرد على منح الحكومة هذه الصلاحيات أي بالتراضي.

من أين تأتي حقوق الإنسان؟ ما هو مصدرها؟ معارك طاحنة اندلعت بين الفلاسفة والمفكرين في حديثهم عن تعريف الحقوق وتحديدها، وفي الواقع، توجد ثلاثة مذاهب فكرية كبيرة تحاول اكتشاف المكان الذي تأتي منه

يعتبر جون لوك أن هناك ثلاثة حقوقٍ طبيعية، أي تأتي من الطبيعة بمجرد أن نولد بشراً وهي حق الحياة، حق الحرية، وحق الملكية الشخصية. من المنطقي أن هذه الحقوق الثلاثة جوهرية لإنشاء مجتمعات منسجمة ومزدهرة، فحق الحياة يحمي الأفراد من التعدي على حياتهم وحق الحرية يحميهم من الاستعباد وحق الملكية الشخصية ينمّي منظومة الدافع لديهم كي يعملوا باجتهاد لتحقيق ازدهارهم ومن خلال ذلك ازدهار المجتمع ككل.

تتفق آين راند في فلسفتها مع فكرة الحقوق الطبيعية، إلا أنها تضيف القليل عليها. هي واحدة من الفلاسفة المؤثرات جداً، ودافعت في مؤلفاتها عن الفردية بشكل كبير كما رفضت التسلط الحكومي ونادت بفصل الاقتصاد عن الدولة بشكل مشابه للعلمانية التي فصلت الدين عن الدولة وحققت بذلك مزيداً من الازدهار والاستقرار. عند الحديث عن الحقوق، ترفض آين راند فكرة المجموعات سواء أكانت أقليات أو أكثرية وتعتبر أنّ تأطير المجموعات يشكّل عقبة في وجه الحريات. وبالرغم من الدافع الذي قد يهدف إلى حماية الأقليات فإن النتائج حسب رأي راند قد تكون في الغالب كارثية فتنتج تمييزاً مضاداً بدلاً من الانسجام. تقول إن "الأقلية الأصغر على الأرض هي الفرد. أولئك الذين ينكرون حقوق الفرد لا يحق لهم الادعاء بحماية الأقليات".

"النظر إلى المجموعات يخلق صورة نمطية في الأذهان وكثيراً ما تكون نظرة غير مطابقة للواقع. الحقوق للأفراد لكل الأفراد بغض النظر عن المجموعة التي ينتمون إليها أو يحاول غيرهم أن يؤطروهم ضمنها بالإكراه"

ما نشاهده اليوم من حملات رافضة للمثلية هو في الحقيقة حملات رافضة لحقوق الفرد الطبيعية، تحديداً حق الحرية. هذه الحملات وحملات اليمين المتطرف الغربي أو اليسار المتطرف الغربي تتخذ أشكالاً مختلفة، ولكن القاسم المشترك بينها أعمق من كره فئة محددة في المجتمع. القاسم المشترك بينها هو الرغبة في مزيد من السلطة للتدخل في حياة الأفراد والتحكم بها. بالطبع، ليس من حق أحد إجبار أحدٍ آخر على محبة فئة معيّنة، فالحب حسب رأي راند لا يمكن أن يكون غير مشروط والذي يريد أن يكون محبوباً عليه أن يعمل في سبيل ذلك، إلا أنّ المختلف –وإنْ كنت لا تحبه- يظل يمتلك حقه الطبيعي في الحرية وممارسة حياته. اختلاف الأفكار موضوع طبيعي، بل حتى إيجابي ومفيد للمجتمعات إلا أن قمعها وتهديد أصحابها بالعنف لا يجلب سوى المزيد من العنف.

أختلف مع أصدقاء كثر من تيارات فكرية مختلفة، ولكن ذلك لا يجعلنا أعداء. قد نكون خصوماً سياسيين، ولكننا نحترم حقوق بعضنا الطبيعية وأكثر من ذلك نعمل على حمايتها، ليس حباً بالأفراد، بل لعلمنا أن إلغاء حقوق أحدهم ما هو إلا الخطوة الأولى في طريق إلغاء حقوقنا نحن.

النظر إلى المجموعات يخلق صورة نمطية في الأذهان وكثيراً ما تكون نظرة غير مطابقة للواقع. الحقوق للأفراد لكل الأفراد بغض النظر عن المجموعة التي ينتمون إليها أو يحاول غيرهم أن يؤطروهم ضمنها بالإكراه.


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image