شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أحبّت التصوف ودعمت الثورة الدستورية ولُعنت... فُروغ الدولة، ملكة إيران الليبرالية

أحبّت التصوف ودعمت الثورة الدستورية ولُعنت... فُروغ الدولة، ملكة إيران الليبرالية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء

الجمعة 28 أكتوبر 202205:28 م

ثمة صورة من صور نساء العصر القاجاري في إيران (1796-1925)، ارتدت فيها ثلاث نساء ثيابَ الدراويش يحملن طاسات وفؤوساً. مَن وقفت في الوسط مكتنزة قليلاً ولديها شارب وحاجبان كثيفان ملتصقان تشبه كثيراً ناصر الدين شاه (رابع وأقوى ملك القاجار الذي حكم إيران ما يُقارب الخمسين عاماً. وهو أول ملك قاجاري سافر إلى أوروبا). وهناك امرأتان أكثر شباباً ونحافة. كلّ واحدة منهما تحدّق في جهة مختلفة. النظرات غير المتناسقة تظهر أنها صورة تسخر من الدراويش، خاصة أنّ المرأة على يمين الصورة على فمها ابتسامة. بيد أنّ الواقفة وسط الصورة هي مفتاح القصة؛ إنها تومان آغا ابنة ناصر الدين شاه من زوجته "خازن الدولة"، والأخريتان ابنتاه أيضاً. 

يكتب دوست علي خان معيّر الدولة (حفيد ابنة ناصر الدين شاه) في مذكراته عن البلاط: "كان لناصر الدين شاه من خازن الدولة (من زوجاته) ابنتان باسم توران آغا وتومان آغا بين ولادتهما خمس سنوات وكلّ منهما في غاية الجمال والرشاقة. لم يصلا إلى سن الرشد حين توفيت أمهما. حزن الملك جداً ولأنه كان يهتمّ بالفتاتين، سلّمهما إلى (تاج الدولة) أول زوجة له، بعد جلوسه على العرش. وضعت تاج الدولة لكلّ واحدة منهما ثلاث غرف مزينة، وعيّنت لهما خدماً ولم تبخل في أمر في تربيتهما".

فروغ الدولة ملكة إيران

لُقبت فروغ الدولة في العام 1879 بـ"ملكة إيران"، وتزوجت في سنّ الثامنة عشرة من ميرزا علي خان ظهير الدولة (1864-1937، سياسي وصوفيّ في العصر القاجاري). أدّى زواجها من ظهير الدولة الملقب بصَفا علي شاه من مريدي صفي علي شاه (من أشهر متصوفة القرن التاسع عشر في إيران) إلى تعرفها على الدراويش. عن طريق هذا الاقتراب أحبت التصوف وخدمت في جميعة "أخوَّت" (من أقدم الجمعيات الإيرانية التي أصدرت كتباً وصحيفة، وأقامت صفوفاً تعليمية وحفلات) وقد كان زوجها من مؤسسيها.

يضيف معير الدولة في مذكراته: "كان ظهير الدولة رجلاً متواضعاً وزاهداً، وفيه صفات رفيعة أخرى. أسس جمعية باسم (جمعية أخوّت) في بيته الواقع في شارع فِردوسي (في طهران)، وانضمّ إليه رجال معروفون وأصحاب فكر".

أحبت التصوف والرسم والنحت والأدب، وخدمت في أقدم الجمعيات الإيرانية، ودعمت الثورة الدستورية في بلادها... فروغ الدولة ملكة إيران الليبرالية

في الثورة الدستورية التي حدثت عام 1906 وامتلك من خلالها الشعبُ الإيراني أولَ مجلس شورى وطني، وغيّروا الحكومة الإيرانية من الاستبداد المطلق إلى الدستور، وأصبحت إيران صاحبة قانون مدوّن بعد تشكيل المجلس، دعمت فروغ الدولة مع زوجها المطالبين بالثورة الدستورية، وانضما إلى الفريق الليبرالي.

 بعد عام من تشكيل المجلس في إيران حاول الملك الجديد محمد علي شاه، حفيد ناصر الدين شاه، وقف الحركة الدستورية بحججٍ كثيرة، وقام بقصف المجلس بالمدفعية، ما أدى إلى وقف عمل المجلس، واشتهر هذا اليوم في تاريخ إيران بـ"يوم المدفع". في نفس هذه الفترة كان المقربون من البلاط يهربون إلى أماكن آمنة أو يرفعون أعلام الدولة العثمانية والروسية فوق منازلهم للبقاء في أمان، بينما يُقال إن فُروغ الدولة خلال كل هذه الاضطرابات كانت تجلس في بيتها بعزّةٍ وكبرياء، رافعةً فوقه علمَ الأسد والشمس (العلم الرسمي لإيران في تلك الفترة).

قد تكون هذه الشجاعة هي مَن أثارت عداوةَ الجناح الآخر، فبالرغم من قرابتها من الملك (عمة محمد علي شاه) طال منزلها هجوم. تكتب عين السلطنة من أميرات القاجار في مذكراتها:

"سألتُ عما حدث لبيت ظهير الدولة... بضعة أشخاص اتُّهموا بالجريمة، أحدهم عضو في الجمعية، وكانوا قد أخفوهم في المنزل. بحث عنهم القازاق (القوة الحكومية تحت أمر الملك) ولكن لم يُسمح لهم بالدخول، وأُطلقتْ قذيفة على القازاق. قام القازاق فوراً بالتجمع وأحضروا مدفعاً. أطلقوا ثماني قذائف مدفعية على (جمعية أخوّت) وواجهة بيت ظهير الدولة. حينها قبضوا على المتهمين ونهبوا كلَّ ما في البيت. وما بقي قُسّم بينهم. فقدَ ظهير الدولة مكانةَ والده ومكانته وبيته وأثاثه بسبب جهل خادم له".

يشرح الكاتب الإيراني بامْداد، صاحب كتاب "رجال العصر القاجاري" هذه الواقعة:

"بعد أن قُصف المجلس، ولأنّ منزل وتكية ظهير ادولة يقعان في مركز شارع فردوسي، وكان حينها حاكم كيلان (محافظة في شمال إيران)، أطلق محمد علي شاه المدافع عليه ونُهب أثاث البيت الثمينة".

تشرح فُروغ الدولة ما حدث في رسالة وجهتها إلى زوجها حين كان في كيلان، تخبره عن هجوم القازاق على بيته، ونهب المكتبة والبيت، وتضيف أنهم أسقطوا شادور ملكة إيران عن رأسها، وقصفوا بيت ظهيرة الدولة بالمدفع. سحلوا نساء البيت والخدم وخرجت بنات ظهير الدولة من الحمام نصف عاريات، ونهبوا الأثاث الثمين.

"سمعتُ أنه في غرّة هذا الشهر حصل أمر غريب لفروغ الدولة؛ فقد ذهبت إلى حضرة عبد العظيم. جلست داخل الحرم، وكان أغلب الأشراف هناك يطلقون لعناتهم عليها، ولعنها كل من كان هناك حتى الزوار"

النساء الهاربات إلى السطوح رأين كيف تُنهب أموالهن من الأعلى. بعد مماطلة طويلة هربت الكثير من النساء إلى الزقاق، بيد أن كلّ باب كان يطرقنه لم يٌفتح لهن. أخيراً سمح لهن بدخول بيت "أتابَك" (الصدر الأعظم)، وبعد تفتيشهن أُخذت كلُّ واحدة منهن إلى مكان آمن. لذلك ذهبت ملكة إيران وابنتها فُروغ الملوك إلى بيت ابنتها الثانية. في هذه الأثناء دعا محمد علي شاه ملكةَ إيران، وبعد تقديم اعتذاره كان مستعداً أن يدفع تعويضَ النهب لها، وأظهر اهتمامه بظهير الدولة. في النهاية أُخذت ملكة إيران ومن يرافقها إلى بيت أخيها.

صاحبة ذوق وشاعرة ولبقة وساخرة

كانت فروغ الدولة داعمة للثورة الدستورية، ليست فقط من علية القاجار، بل ابنة أحد أهم الملوك، وقد يكون هذا التناقض هو ما أدّى إلى نهب منزلها، ومن جانب آخر واساها الملك إلى درجة أنّ دوسْت علي خان (حفيد ناصر الدين شاه) يقول عما حدث: "كانت ملكة إيران امرأةً صاحبة ذوق وشاعرة ولبقة وساخرة". ويكتب في مكان آخر اعتمادُ السلطنة (الصحافي ومترجم ناصر الدين شاه): "سمعتُ أنه في غرة هذا الشهر حصل أمر غريب لفُروغ الدولة؛ فقد ذهبت إلى حضرة عبد العظيم (من المراقد المعروفة القريبة من طهران وقد اهتم به أهل طهران كثيرا). جلست داخل الحرم، وكان أغلب الأشراف هناك يطلقون لعناتهم عليها، ولعنها كلُّ من كان هناك حتى الزوار".

ومن جانب آخر اتهموها بعلاقات غير مشروعة، فيكتب حفيد الملك: "سمعتُ اليوم أنّ سليمان ميرزا شعاع الدولة (من أمراء القاجار) قد كتب رسالة حبّ إلى ابنة الملك زوجة ظهير الدولة. وأرسلت فروغ الدولة إلى نائب السطنة. وطلب نائب السلطة شعاع الدولة. وجمع شعاع الدولة جمعاً من الشهود ليشهدوا على أنّ هذه الورقة تدليس".

على أية حال الترعرع في كنف زوجة الملك تاج الدولة بعد وفاة أمها، ثم الزواج من ظهير الدولة بكل ما يحمله سجلّه من التصوف والأدب، لم يجعل من فروغ الدولة امرأة ذات فكر حرّ وحسب، بل جعلها تحب الرسم والنحت والأدب. يكتب دوست علي (حفيد ناصر الدين شاه): "تخلصت من شهرة زوجها وتجلى روح الفقر والطهارة في حديثها، فهكذا نشدت: 

ألمُ هجرك الذي لا دواء له/لا شفا له ولا علاج

العهد الذي قطعته في طريق حبك/مهما سرتُ فيه لا نهاية له.

توفيت ملكة إيران، فروغ الدولة، في عام 1916 عن عمر 54 عاماً في طهران.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image