شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
انتهاك الآداب العامة في بعض الدول... مفارقات من العيار الثقيل

انتهاك الآداب العامة في بعض الدول... مفارقات من العيار الثقيل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والحريات العامة

الجمعة 11 نوفمبر 202201:39 م

مجرد جولة على قوانين بعض الدول العربية المتعلقة بانتهاك الآداب العامة، ستضعنا أمام العديد من وجهات النظر الحقوقية، من ناحية قوة القانون ووضوحه وعدم وجود ثغرات فيه، إضافة إلى موضوعة الالتزام بتطبيقه، وآليات تحصيل الحقوق من مرتكبي جرائمه، ومقدار الغرامات التي تنصّ عليها تلك القوانين، والعقوبات الرادعة. والغريب أيضاً التَّنوُّع في مُسمّيات الجهات المُصدِّرة لتلك القواعد القانونية، والنسبية التي وضعها المُشرِّعون في التعاطي مع قضايا الآداب العامة وانتهاكاتها.

وإن كانت تلك الجولة تتركز على موضوعات "التبوُّل والصّراخ والعُري والتّجمّع" في الأماكن العامة، فإنها ستحمل في طيَّاتها الكثيرَ من المفارقات، وأحياناً بعض الفكاهة، لاختلاف الثقافات، واندغام تلك القوانين معها، ولتفاوت مستوى الحريات، وآليات الالتزام بتنفيذ تلك التشريعات.

إذا بدأنا من قانون العقوبات الجزائري، فإن القسم السادس المُعنون بـ"انتهاك الآداب العامة"، وتحديداً المادة 333 منه تنصّ على: "يُعاقَب بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة من 500 إلى 2000 دينار جزائري كلّ من ارتكب فعلاً علانياً مُخِلّاً بالحياء". أما المادة 335 فجاء فيها: "يُعاقَب بالسّجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات كلُّ من ارتكب فعلاً مُخِلّاً بالحياء ضد إنسان، ذكراً كان أو أنثى، بغير عنف أو شرع في ذلك. وإذا وقعت الجريمة على قاصر لم يكمل السادسة عشرة يعاقب الجاني بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة".

متصلة بالأمور الجنسية فقط

وفي تفسيرات هاتين المادتين يوضح الشُّرَّاح القانونيون بأن الآداب العامة في الجزائر تتعلق على وجه الخصوص بتلك المبادئ والأسس المتصلة بالأمور الجنسية فقط، ومنها الفعل الفاضح العلني، الذي يكون فيه الجُرْم محلاً للمشاهدة بقصد أو من دون قصد، كقيام شخص بإظهار أعضائه الجنسية للمارة، أو قيام آخر بأفعال جنسية أو حتى إشارات ذات محتوى مُخلٍّ، ولو كان في سيارة تقف في طريق عام.

جولة على قوانين بعض الدول العربية المتعلقة بانتهاك الآداب العامة تركز على موضوعات "التبوُّل والصراخ والعُري والتّجمّع" في الأماكن العامة تحمل في طيَّاتها الكثيرَ من المفارقات، وأحياناً بعض الفكاهة

كما أن هناك عقوبةً بالحبس من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة من 500000 دينار جزائري إلى مليون منه، لكلّ من صور قاصراً وهو يمارس أنشطة جنسية بصفة مبينة، حقيقية أو غير حقيقية، أو صوّر الأعضاء الجنسية للقاصر لأغراض جنسية أساساً.

بينما لا يندرج الصُّراخ بأي معنى من المعاني، على اعتباره انتهاكاً للآداب العامة. لكن ذلك لا يعني أن القانون الجزائري أتاح حريةَ التعبير والتظاهر ببساطة، إذ برغم أنه في عام 2016 ضَمِنَ الدستورُ الجزائري حقَّ التظاهر السّلمي، لكن السلطات انتهكت مراراً ذاك الحقَّ من خلالِ مجموعةٍ من القوانين، ومنها المادة 98 من قانون العقوبات الذي يعاقب بالسجن سنةً واحدة على تنظيم مظاهرة غير مرخّص لها في مكان عام أو المشاركة فيها.

هذا يعني أن حظر المظاهرات العامة منذ عام 2001 عندما كانت البلاد في حالة طوارئ استمرّ بعد رفع حالة الطوارئ عام 2011، وتم التأكيد على ما جاء في دستور 1975 وفي المادة 97 منه تحديداً، وأقصد حظر التجمهر المسلح، والتجمهر غير المسلح الذي من شأنه الإخلال بالهدوء العمومي، مع فسح المجال لممثلي القوة العمومية الذين يُطلبون لتفريق التجمهر أو للعمل على تنفيذ القانون أو حكم أو أمر قضائي استعمالَ القوة إذا وقعت عليهم أعمالُ عنف أو اعتداء مادي، لا سيما بعد أن قامت الشرطة ومن بحكمها بتنبيهِ المتجمهرين باستعمال إشارات صوتية وضوئية للتفرق.

ويعاقب، حسب المادة 98، بالحبس من شهرين إلى سنة كلُّ شخصٍ غير مسلّحٍ كان في تجمهر مسلح أو غير مسلح و لم يتركه بعد أول تنبيه، ويكون الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات إذا استمرّ الشخصُ غير المسلح في تجمهرٍ مسلح لا يتفرق إلا باستعمال القوة.

مجلة جنائية!

في تونس يختلف الوضع عما هو عليه في الجزائر؛ إذ قام القانون رقم 73 والمؤرخ في 2 آب/أغسطس عام 2004 بتنقيح وإتمام "المجلة الجنائية" بخصوص "زجر الاعتداءات على الأخلاق الحميدة وزجر التحرش الجنسي"، أي أن الموضوع لم يُصنَّف فقط على أنه مجرد انتهاك للآداب العامة يُعالجه قانونُ عقوبات، وإنما ربطه القانون التونسي ووضعه موضعَ الجنايات؛ ففي الفصل 226 نصَّت المجلة الجنائية على أنه "يُعاقَب بالسّجن مدة ستة أشهر، وبخطية قدرها ألف دينار، كلُّ من يعتدي علناً على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة، بالإشارة أو القول، أو يعمد علناً إلى مضايقة الغير بوجهٍ يخلّ بالحياء".

في الجزائر، يُعاقب بالحبس من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة من 500000 دينار جزائري إلى مليون منه، كلُّ من صور قاصراً وهو يمارس أنشطة جنسية بصفة مبينة، حقيقية أو غير حقيقية، أو صوّر الأعضاء الجنسية للقاصر لأغراض جنسية أساساً

ويستوجب نفسُ العقوبات المذكورة "كلّ من يلفت النظر علناً إلى وجود فرصة لارتكاب فجورٍ، وذلك بكتابات أو تسجيلات أو إرساليات سمعية أو بصرية أو إلكترونية أو ضوئية".

لكن ما يعيب مثل هذه الفصول القانونية هو عباراتها الفضفاضة والقابلة للتأويل؛ فمثلاً ما هو تعريف "الأخلاق الحميدة"؟ وما معنى "بوجه يخلّ بالحياء"؟ وما الذي تُحدِّده عبارة "التجاهر بما ينافي الحياء" التي جاءت في فصل آخر، وإلامَ تُلمِّح جملةُ "وجود فرصة لارتكاب الفجور"؟

وكأن هناك رغبةً في تونس لتكريس ضبابية القوانين المتعلقة بالآداب العامة، وإبقائها من دون ضوابط دقيقة، بحيث أن أيَّ عنصر أمن بإمكانه إيقاف مواطنٍ بتهمه التجاهر بما ينافي الحياء أو الاعتداء على الأخلاق الحميدة، استناداً إلى تأويل شخصي وقراءة ذاتية. ومن الجائز اعتبارُ أيِّ فيلمٍ أو رسمٍ كاريكاتوري أو لوحة فنية بمثابة اعتداء على المقدسات والآداب العامة. هذه الأخيرة التي بقيت هي أيضاً من بين المفاهيم الهلامية الكثيرة الواجب توضيحها وتحديدها حتى لا يتم تأويلها ذاتياً وتوظيفها لتحجيم الحريات وتطويقها والمسّ من جوهرها.

إخلال بالحياء وفجور

كل هذا يجعلنا تائهين فيما إذا كان التبوّل في الأماكن العامة يُعتبر مُخِلّاً بالحياء، أو كان التَّعرِّي نوعاً من أنواع الفجور الذي تحدثت عنه المجلة الجنائية أم لا؟ ولا ندري إلى أيِّ مادة قانونية يمكن أن يندرج موضوعُ الصُّراخ أو إزعاج الغير. حتى أننا لا نستطيع التأكيد إن كان بعض تلك الحالات مشمولاً ضمن الفقرة الثالثة من الفصل 226 التي تنصّ على "يُعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار مرتكبُ التحرّش الجنسي"، لا سيما أنها اعتبرت ذاك التحرش هو "كلّ إمعان في مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته أو تخدش حياءه، وذلك بغاية حمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته على التصدي لتلك الرغبات".

وموضوع الضبابية يستمرّ في ما يتعلق بحرية الاجتماع والتظاهر السلمييْن، والتي جاء في الفصل 42 من الدستور التونسي أنها مضمونة، لكن واقع الحال يثبت العكس كما يشير الكثير من الحقوقيين، إذ دأبت السلطات على ممارسة تضييقات على المظاهرات الاحتجاجية المعارضة للنظام الحاكم، وكثيراً ما عمدت إلى غلق المنافذ التي تؤدي إلى عدم وصول المواطنين إلى ساحات التجمع، وتكثيف حواجز التفتيش، فضلاً عن استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين.

البصق والتّبوّل

أما في السعودية، فلا تندرج انتهاكات الآداب العامة ضمن قانون للعقوبات ولا ضمن مجلة جنائية، وإنما تنضوي في ما يسمى "لائحة المحافظة على الذوق العام"، التي أقرّها مجلس الوزراء بقرار رقم 444 بتاريخ 4/8/1440هـ. أي في عام 2019، وجاء فيها تعريفُ الذوقِ العام بأنه "مجموعة السلوكيات والآداب التي تعبّر عن قيم المجتمع ومبادئه وهويته، بحسب الأسس والمقومات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحكم". ونصت المادة الثالثة بأنه "يجب على كلِّ من يكون في مكانٍ عامٍّ احترامُ القيمِ والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في المملكة"، بينما الرابعة جاء فيها: "لا يجوز الظهور في مكان عام بزيٍّ أو لباسٍ غير محتشم أو ارتداء زيٍّ أو لباس يحمل صوراً أو أشكالاً أو علاماتٍ أو عبارات تسيء إلى الذوق العام".

كأن هناك رغبة في تونس لتكريس ضبابية القوانين المتعلقة بالآداب العامة، وإبقائها من دون ضوابط دقيقة، بحيث أن أي عنصر أمن بإمكانه إيقاف مواطن بتهمه التجاهر بما ينافي الحياء أو الاعتداء على الأخلاق الحميدة استناداً إلى تأويل شخصي وقراءة ذاتية

وتم التأكيد في المادة السادسة على أنه "لا يسمح في الأماكن العامة بأيِّ قول أو فعل فيه إيذاء لمرتاديها، أو إضرار بهم، أو يؤدي إلى إخافتهم أو تعريضهم للخطر". وفي المادة الثامنة تمّ تحديد "غرامة مالية على كلِّ من يخالف أيّاً من الأحكام الواردة في اللائحة بما لا يتجاوز خمسة آلاف ريال، وفقاً لجدول تصنيف المخالفات المنصوص عليه في المادة التاسعة من اللائحة، ويضاعف مقدار الغرامة في حال تكرار المخالفة نفسِها خلال سنة من تاريخ ارتكابها للمرة الأولى.

وبمراجعة جدول تصنيف المخالفات نجد الكثيرَ من التفاصيل، ومنها مثلاً: "البصق والتبوّل في الأماكن العامة ورمي النفايات في أماكن غير مخصصة لها وعقوبتها 500 ريال، إزعاج قاطني الأحياء السكنية من خلال رفع صوت الموسيقى، أو استخدام أيّ وسيلة أو أداة يمكن أن تسبب أيَّ نوعٍ من الضجيج وتعكير الهدوء العام مثل رفع صوت الأجهزة والآلات، أو إقامة الاحتفالات الصاخبة بطريقة تسبّب أو يحتمل أن تسبب إزعاجاً للمجاورين والعابرين ومن ذلك استخدام مكبرات الصوت في الشوارع والمرافق دون إذنٍ رسمي (عقوبتها 500 ريال)، وأيضاً رفع صوت الموسيقى وتشغيلها أثناء أوقات ومواعيد إقامة الصلاة (عقوبتها 1000 ريال)".

موضوع الضبابية  في القوانين التونسية يستمر في ما يتعلق بحرية الاجتماع والتظاهر السلمييْن والتي جاء في الفصل 42 من الدستور التونسي أنها مضمونة، لكن واقع الحال أثبت العكس

وهناك أيضاً عقوبةٌ بحقِّ من يرتدي أيّاً من الملابس غير اللائقة في الأماكن العامة، وذلك على حسب طبيعة المكان. أما قواعد اللباس في الأماكن العامة للزوّار من خارج البلاد فتُحدّد وفق قواعد ونماذج معينة ومحددة لذلك الغرض أو الهدف، ويمنع أيضاً ارتداء ملابس معدة للنوم داخل الأماكن العامة، كما أن على الملابس التي يتم ارتداؤها في الأماكن العامة ألا تحتوي على عباراتٍ أو صور مخالفة، وتخدش الحياء العام أو الذوق العام، وكلّ مخالف يُغرَّم بـ100 ريال، بينما تتضاعف الغرامة لتصل إلى 3000 ريال عند القيام بأيٍّ من التصرفات التي تخدش الحياء ذات الطبيعة الجنسية، وتكون العقوبة للطرفين، حسب جدول التصنيفات.

تقييد للحريات الشخصية

 من هنا فإن لائحة الذوق العام في السعودية، لا تكتفي بمعاقبة من يتعرّى، وإنما من يرتدي ملابسَ غيرَ ملائمةٍ للأماكن العامة، ولا تقتصر على معاقبة من يتبوَّل في الأماكن غير المخصصة لذلك، وإنما من يبصق أيضاً، وتخالف من يزعج الآخرين أو من يحتمل أن يزعجهم.

وعلى إيجابيات التَّشدُّد في بعض تلك المواضيع، إلا أنها في ما يتعلَّق بالملابس، نراها أقربَ إلى فرضِ "يونيفورم" شبهِ موحَّد للجميع، وفي ذلك تقييد للحريات الشخصية. هذا في موضوع اللباس، فما بالك بحق التظاهر والتجمُّع السّلمي؟ هذا الحق المنسيّ نهائياً منذ تأسيس المملكة، والحجة في ذلك "تعارضه مع الشريعة الإسلامية". لذا يمنع منعاً باتاً كافةُ أنواعِ المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والدعوة لها، وذلك لتعارضها مع مبادئ الإسلام، وأيضاً مع قيمِ وأعرافِ المجتمع السعودي.

ولذلك فإن قوى الأمن مخولةٌ بأخذ كافة الإجراءات لمنع ما تُسميه "محاولات الإخلال بالنظام"، ولديها حجج وذرائع كثيرة لسجنِ المحتجين والمتظاهرين، وحتى المجتمعين سلمياً؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "الخروج على وليّ الأمر"، "الإساءة إلى سمعة المملكة"، و"الإساءة إلى الإسلام"، بحيث تعمل الذهنية التشريعية في السعودية وكأنها وصيّ على الدين الإسلامي، وممثلٌ شرعي وحيد له، وكلُّ معارضة لذلك توجب العقوبات.

في سوريا أيضاً لم يَعرّف المشرع السوري الآدابَ والأخلاق العامة، بل جاءت كما تعارف عليه الناس وما عدّوه مشيناً ومخلاً بالحياء. وهناك عدد من المواد ضمن قانون العقوبات تعاقب على التعرض للآداب والأخلاق العامة، ومنها المادتان 517 و520 اللتان  يأتي فيهما: "يعتبر مخالفة كلّ ما اعتاد الناس على اعتباره من الآداب والأخلاق وأقدم الفاعل على ارتكابها علناً، فأساء إلى المجتمع وتعرض للآداب العامة"، ويعاقب مرتكبها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.

ويتجلى التعدي على الآداب العامة كما نصت عليه المادة 208 من قانون العقوبات: "في كلِّ فعل يصدر عن الإنسان باذلاً فيه جهداً عضلياً كالمشي والأكل والشرب، والوقوف والجلوس والصفير وارتداء الثياب أو نزعها، والتبوّل والجماع وعرض الأعضاء التناسلية وتعاطي المسكرات أو المخدرات".

مفاهيم نسبية

وقررت محكمة النقض السورية أن من التعرض للآداب العامة ظهورَ الشخص عارياً في مكان عام، أو كشفه عن عورته، أو قيامه ببعض الحركات أو الإشارات المنافية للآداب، كأن يشير إلى مكان عضوه التناسلي، أو أن يحرك جسمَه بحركاتٍ تفيد المعنى الجنسي. ومما يمس بالأخلاق العامة في القانون السوري الكلام والصراخ، ويشمل ذلك القول والخطابة والغناء والصياح، وكلّ ما يخرج من فم الإنسان من ألفاظ.

لكن يبقى مفهوم الآداب والأخلاق العامة نسبياً هنا أيضاً، وضوابطه مستمدة، كما يراها الباحث القانوني عيسى المخول في مقالته المنشورة ضمن الموسوعة العربية، من الشعور العام السائد في المكان والزمان اللذين ارتكب فيهما الفعل، ومن مجموعة القيم الأخلاقية والدينية ومجموعة من التقاليد والآداب الاجتماعية السائدة.

لذا يرى المخول أنه على قاضي الموضوع أن يكشف هذه القيم والتقاليد، وأن يستخلص منها فحوى ونطاق الآداب العامة السائدة في المجتمع الذي ارتكب فيه الفعل، ليتأكد إذا كان الفعلُ قد جرح هذه الآدابَ، وعليه أن يسلم أن الآداب العامة فكرة نسبية تختلف باختلاف المكان، فما يعدّ فعلاً فاضحاً في قرية، لا يُعدّ كذلك في المدينة، وما يُعد فعلاً فاضحاً في داخل المدينة ربما لا يُعدّ كذلك على شاطئ البحر، وما كان يُعدّ فعلاً فاضحاً في زمن مضى، ربما لا يُعدّ كذلك في الوقت الحاضر.

وهن نفسية الأمة

أما حق التظاهر السلمي فهو مكفول للمواطن السوري بموجب المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2011، والذي يهدف إلى تنظيم حقّ التظاهر السّلمي للمواطنين بوصفه حقاً من حقوق الإنسان الأساسية التي كفلها دستورُ الجمهورية العربية السورية، والتوفيق بين أمن الوطن وسلامته وممارسة المواطنين حقَّهم في التظاهر السلمي، وتمكين السلطات العامة من حماية الأموال والممتلكات العامة والخاصة، واستمرار سير المرافق العامة، والحفاظ على النظام العام.

وطبعاً جاء هذا التشريع بعد أن كانت التجمعات ممنوعة بناءً على قانون الطوارئ الصادر عام 1962، ومن ثم إعلان حالة الطوارئ عام 1963. واستمرّ الحال لغاية إنهاء حالة الطوارئ في عام 2011. ولكن كما يرى حقوقيون سوريون أن قانون تنظيم التظاهرات والتجمعات شبه مُجَمَّد حالياً، لأسباب تتعلق بالخوف الشعبي العارم، وعدم القدرة على التَّكهُّن بردودِ فعل الأجهزة الأمنية المختلفة، واتهاماتها الجاهزة لكلِّ من يفكر بالاحتجاج أو التظاهر، من مثل "وهن نفسية الأمة"، و"التخابر مع جهات أجنبية"، وغير ذلك من تهمٍ قد تودي بالمتهم إلى غياهب السجون لمدة غير معروفة.

جريمة السلوك المزعج

وكي لا نبقى في إطار الدول العربية، سنأخذ مثالاً عن إحدى دول العالم المتقدم، وهي السويد، التي يحوي قانونها على جريمة تُسمّى "السلوك المزعج" وذلك في الفصل 16 من القانون الجنائي الذي يتناول انتهاكات النظام العام. وتنص تلك المادة على أن "أي شخص يصدر ضوضاء في الأماكن العامة بطريقة من المحتمل أن تثير الانزعاجَ لدى الجمهور، يمكن أن يُحكم عليه بغرامةٍ بسبب سلوكه المزعج. وفي إيضاحات هذا القانون: "يجب أن يكون السلوك المزعج عادةً كافياً لإثارة غضب الجمهور، ويمكن أن يؤثر الوقت من اليوم على هذا التقييم هنا، على سبيل المثال ما إذا كنت تزعج نوم الأشخاص".

ويمكن أن تكون الضوضاء أيضاً مشكلةً بيئية يغطيها قانون البيئة، إذا كانت تنطوي على إزعاجٍ لصحة الإنسان وفقاً للفصل 9، قسم 3، من قانون البيئة، بمعنى أنه من الضروري أن يكون الإزعاج الذي يلحق بصحة الإنسان واضحاً طبياً.

لائحة الذوق العام في السعودية، لا تكتفي بمعاقبة من يتعرّى، وإنما من يرتدي ملابسَ غير ملائمة للأماكن العامة، ولا تقتصر على معاقبة من يتبوَّل في الأماكن غير المخصصة لذلك، وإنما من يبصق أيضاً 

هذا بخصوص الأماكن العامة، أما بخصوص إزعاج الجيران بالصراخ أو الموسيقى، فهناك قانون يحدّ من هذه الظاهرة، حيث من الممنوع وتحت طائلة الغرامة أو الإنذار بالطّرد من الشقة إذا أصدر الجارُ بعد الساعة عاشرة ليلاً ضوضاء تقلق راحةَ الجيران.

كما يُعتبر التبوّل في مكان عام سلوكاً مزعجاً، ويمكن أن يؤدي إلى غرامة قدرها 80 يورو. ويمكن للشرطة أن تغرّم أولئك الذين يتم ضبطهم وهم يتبولون في الأماكن العامة مباشرة.

التّعرّي غير ممنوع

أما ما يتعلق بتنظيم التجمعات والمناسبات في الأماكن العامة فتنصّ المادة 4 من القانون السويدي أنه لا يجوز ذلك من دون إذن، وينبغي أن يكون الطلب كتابياً في موعد لا يتجاوز أسبوعاً واحداً قبل الاجتماع أو الحدث. ويُقصد بالتجمعات العامة: المظاهرات والمسيرات، المسارح والرقص، الاحتفالات والحفلات، السيرك والملاهي المتنقلة، إلخ، مع العلم أن المادة 10 تنصّ على أنه لا يجوز رفضَ الإذن بعقد اجتماع عام، إلا إذا كان ذلك ضرورياً في ما يتعلق بترتيب الاجتماع أو سلامته، أو في ما يتعلق بحركة المرور أو لمواجهة وباء، بينما يجب رفض الإذن بالتجمع العام أو الحدث العام إذا كان التجمعُ أو الحدثُ يعتزم عقده في خيمة التجمع التي لم تتم الموافقة عليها، أو لا يجوز استخدامها وفقاً للمادة 12، أو في خيمة أخرى لا توفر الحماية الكافية ضدّ حريق وحوادث أخرى. كما أن المادة 15 تنص على أنه لا يجوز عقد التجمعات العامة والمناسبات العامة في منطقة معينة، إذا كان الحظر ضرورياً.

ومثال ذلك إن كانت السويد في حالة حرب أو في خطر الحرب أو لمواجهة وباء أو لمنع الأوبئة أو مكافحتها وفقاً لقانون الأوبئة الحيوانية المنصوص عليه في قانون 1999، وتحديداً المادة 657 منه.

وفي ما يتعلق بالتعري، فإن القانون السويدي لا يمنعه بشكلٍ صريح في بيئة عامة، لكن هناك بعضَ الأحكام الجزائية التي قد تنطبق، حسب الظروف، عندما يظهر الشخص عارياً، كأن يزعج العريُ الناظرَ، الذي قد يقدم بلاغاً بالانزعاج من الشخص العاري، فينطبق عليه الحكم الجزائي والعقاب بالغرامة.

وفي بعض الأحيان يُعتبر التعري تحرشاً جنسياً، حسبما جاء في الفصل 6، القسم 10، القسم 2 من القانون الجنائي، وحينها يُعاقب العُري إما على أنه تحرشٌ جنسي أو سلوك مزعج، ولكن فقط إذا كان سلوكُ الشخص العاري مناسباً لإثارة الانزعاج لدى شخص آخر أو لإثارة الانزعاج لدى الجمهور. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

شكل حياتنا اليومية سيتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image