شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لا يمثّلني وقد مارست النفاق الاجتماعي عبره"... مغربيات قرّرن خلع الحجاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 27 أكتوبر 202204:35 م
Read in English:

The veil is not for me: Moroccan women speak out

انتشر الحجاب في المنطقة العربية، ومن ضمنها شمال إفريقيا، بسبب صعود الإسلام السياسي، وكثرة الدعاة المنتشرين في القنوات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام، وطال حتى الحرم الجامعي، حيث ارتدته طالبات شُعب الدراسات الإسلامية والفلسفية، وهو أمر كان يسترعي الاستغراب بشكل كبير، ما جعل المفكر الراحل محمد عابد الجابري، ذات تكريم له في اليوم العالمي للفلسفة، ينصح طالبات الفلسفة بالاهتمام بأُسّ الفلسفة، ألا وهو السؤال، والإقدام على الأشياء التي يقتنعن بها، من دون الرضوخ لأي سلطة مهما كانت. دفعني الأمر إلى إجراء تحقيق في الموضوع. وقفت عند أن الكثير من طالبات الفلسفة لبسن الحجاب بسبب الخوف من المدّ الإسلامي في الجامعة، وبسبب أسباب اقتصادية واجتماعية أخرى، لكن الوضع بدأ يتغير في السنوات الأخيرة في المنطقة العربية، وتحديداً في المغرب، وهو ما انتبهت إليه بعض الدراسات والتقارير، التي كشفت عن تراجع ظاهرة ارتداء الحجاب، التي تعود في جزء كبير منها إلى "التراجع والانحسار الذي عرفه ويعرفه التيار الإسلامي عموماً، وإلى الفشل الذريع للبرلمانات المتتالية التي هيمن عليها الإسلاميون في حل مشكلات البلدان".

ليس من أركان الإسلام

امتد نزع الحجاب حتى إلى النساء المنتسبات إلى حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي، إذ أثارت النائبة المغربية أمينة ماء العينين، عن الحزب عينه عام 2019، جدلا كبيراً، بسبب انتشار صورة لها على وسائل التواصل الاجتماعي من دون غطاء رأس في أحد شوارع العاصمة الفرنسية باريس، وهو الأمر الذي عدّه العديد من القياديين في الحزب إخلالاً بقيم "العدالة والتنمية"، القائمة على أسس دينية تعطي للحجاب مكانةً رمزيةً رفيعةً، فيما ردّت النائبة على كل معارضيها من داخل الحزب وخارجه، قائلةً في حوار مع أسبوعية "الأيام"، إن الحجاب لديها شخصياً "ليس ركناً من أركان الإسلام، وإن الحركة الإسلامية المغربية عرفت تحولاً كبيراً لا يزال يتفاعل، فقد بدأت مسارها بتضخيم جوانب شكليّة كالحجاب واللحية".

من جهتها، أثارت الطبيبة والباحثة المتخصصة في قضايا المرأة والإسلام، أسماء المرابط، الاهتمام حينما أقدمت بدورها على خلع الحجاب، الذي ارتدته لسنوات، بعد مرور سنة تقريباً على تقديم استقالتها من رئاسة "مركز الدراسات والأبحاث في القضايا النسائية في الإسلام"، التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، وهي مؤسسة رسمية، جرّاء الهجمة الشرسة التي تعرضت لها من قبل المحافظين، بسبب رأيها الحداثي حول موضوع الإرث، ومقاربتها لإشكالية المساواة في الحقوق من داخل المرجعية الإسلامية.

لأن هناك من ربط خلعها للحجاب، بمنصب زوجها الدبلوماسي، كتبت المرابط، في تدوينة لها على صفحتها في فيسبوك: "هذه قناعتي، وهذا القرار ليس له أي علاقة بالمنصب الدبلوماسي لزوجي. للتذكير، كنت زوجة سفير بغطاء الرأس خلال 8 سنوات في بلدان أمريكا اللاتينية وأفتخر، كما ارتديته بكل صدق ووفاء أمام الله، واتخذت قرار تركه أمام الله بعد تدبّر وتأمّل عميقين، وقررت إعلانه لأنني دائماً أتحمل بكل وضوح وشفافية نتائج أفعالي من دون نفاق. الصدق هو أبلغ المبادئ لدي وأقدسها".

في حوار سابق لها مع رصيف22، اعترضت المرابط على تسمية غطاء الرأس بالحجاب، وقالت إنه ليس ركناً من أركان الإسلام، وشددت على ضرورة التحرر من التبعية والهيمنة، موضحةً أن "التحرر ليس في اللباس ولا في الشكل".

ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، نسرد قصصاً لنساء ارتدين الحجاب وخلعنه، وهن من مستويات مختلفة، وأغلبهن متعلمات، منهن الكاتبة والإعلامية، والأستاذة والباحثة الأكاديمية والموظفة.

ما كنت أرتديه لا يمثّلني

تقول الأستاذة غيثة، التي خلعت الحجاب بعد مرور قرابة سبع سنوات على ارتدائه، إنها تنحدر من عائلة لا ترتدي غالبية نسائها الحجاب: "جل شقيقاتي وخالاتي وغالبية محيطي لا يرتدينه. كنت متخرجةً حديثاً عندما تعرفت إلى أحد الأشخاص، الذي كان بين الفينة والأخرى يطرح عليّ السؤال التالي: ألا تفكرين في ارتداء الحجاب؟ ومن كثرة إعجابي به، كانت إجاباتي هي: مؤكد أني أفكر في ارتدائه، بالرغم من أن الواقع مغاير لذلك".

مرت الأيام وبدأت أحس بأنه يجب عليّ ارتداء الحجاب، ورحت أقنع نفسي بأنني حينما أمرّ من أمام الجنس الآخر، تخنقني نظراتهم، بل أضع مقارنات بيني وبين من يرتدينه، وأقول: "لماذا هي ترتدي الحجاب؟ هل جسدها أغلى من جسدي؟

"مرت السنوات وانفصلت عن الشخص الذي أقنعني بدايةً بارتداء الحجاب، فبتّ أحس بأنني أنافق المجتمع، وأن ما أرتديه لا يمثلني، بل بت أحس بأنّي نشاز مقارنةً بمحيطي"

وتضيف غيثة، في حديثها إلى رصيف22، أنها قررت بين عشية وضحاها ارتداءه وكانت صدمةً لكل عائلتها التي لم تتوقع هذا الأمر، بينما هي كانت سعيدةً حينها بهذا التغيير، بل أقنعت نفسها بأنه جاء عن اقتناع".

تردف: "مرت السنوات وانفصلت عن الشخص الذي أقنعني بدايةً بارتدائه، فبتّ أحس بأنني أنافق المجتمع، وأن ما أرتديه لا يمثلني، بل بت أحس بأنّي نشاز مقارنةً بمحيطي. احتجت إلى سنوات أخرى لأجد الشجاعة قبل أن أخلعه، وأنا في سن الثلاثين، بعد أن مضت قرابة سبع سنوات على ارتدائه. لكن اليوم أحس بأنني سعيدة وبأنني استعدت حياتي وشخصي، من دون أن أقوم بأي شيء لإقناع أي شخص، فما بات يهم اليوم هو راحتي وسعادتي دوناً عن الآخرين، سواء زوجي أو أهلي أو أي أحد".

لم يغيّر خلعه من قناعاتي

ارتدت سهام، الحجاب لأنها تنتمي إلى عائلة محافظة معروفة في مدينتها كما تحكي لرصيف22. تقول: "لم يطلب أبي من بناته السبعة أن يضعنه أبداً. لطالما نظرت إليه كرجل حداثي تقدميّ عاش كل التحولات التي عاشها المغرب من الاستعمار حتى الحرب العالمية الثانية والاستقلال وحركات التحرر التي عرفتها بعض الدول العربية، وظل يشجع بناته على الدراسة وذلك في حد ذاته تشجيع على التحرر والاستقلالية. لكن أخي، ومن دون سابق إنذار، صار سلفياً ومرتداً عن قناعات والده، ومقتنعاً بأفكار السلف، وكان كل يوم ينصت إلى الشيخ كشك، وهو يلعن النساء السافرات، ابتداءً من المغنية أم كلثوم". تضيف سهام، أن أخاها لم يكن يصلّي أبداً، "لكنه ظل متشبثاً بالقشرة فقط حتى وفاة أبي في بداية تسعينيات القرن الماضي، إذ لم تكن أي واحدة من أخواتي الستة مجبورةً على وضع الحجاب لا من طرف زوجها ولا من طرف أبي، لكن بعد وفاته أجبرنا أخي الأكبر، الذي صار الوصيّ علينا قانونياً، على ارتدائه. في الجامعة، ومع المد الذي عرفته الحركات الإسلامية بين الفرق الطلابية، كان معتاداً أن تستوقفني طالبة من تلك الجماعات لتلقي محاضرةً طويلةً عن الحجاب الشرعي، معلقةً بأن ما أرتديه ليس حجاباً، فكنت دائماً أفكر في غرابة الأمر، وأتساءل: كيف نسمح لكل من هبّ ودبّ بالتعليق على ما نرتديه؟".

"بعد الزواج والإنجاب لم أعد أرى أيّ سبب مقنع للاستمرار في وضع الحجاب، فكانت لدي الشجاعة الكافية لأنزعه أمام استغراب الجميع"

توضح أنه "بعد الزواج والإنجاب لم أعد أرى أيّ سبب مقنع للاستمرار في وضع الحجاب، فكانت لدي الشجاعة الكافية لأنزعه أمام استغراب الجميع. لم يتدخل زوجي ولا عائلته في هذا القرار، حتى أنهم لم يعلّقوا على الأمر. والآن، يبدو لي بوضوح أن تأرجحي بين وضع الحجاب ونزعه ليس مشكلةً في العقيدة أو الفكر، فعقيدتي لم تتغير، وحتى جزء كبير من قناعاتي الفكرية ظلّ ثابتاً منذ أن وضعت الحجاب وحتى بعد أن نزعته. المشكلة هي في إجبار النساء على ذلك، سواء بذريعة دينية أو سياسية. وهنا أتذكر أنني التقيت يوماً في نيو أورلينز في الولايات المتحدة الأمريكية، بنادلة في مطعم تشتكي من إجبارها من طرف مستخدميها على الالتزام بارتداء تنورة قصيرة جداً وضيقة في أثناء فترات العمل. لم تكن تدين بأي ديانة، لكنها وجدت أن إجبارها على ارتداء زيّ معيّن إهانة في حق إرادتها وحريتها. اللباس مسألة مرتبطة بالإرادة والحرية الشخصية التي هي أغلى ما نملك، بعدما انتزعت منا الحياة وقسوة الأنظمة ولا مبالاتها كل شيء تقريباً".

الحجاب وخداع النفس

فاطمة الزهراء، فتاة في مقتبل العمر تعمل في صالون للتجميل، حكت لي قصتها مع الحجاب وخلعه، قائلةً: "ارتديت الحجاب في فترة حرجة من حياتي، وذلك بعد انفصالي عن زوجي الذي كان يشك فيّ باستمرار، ويعدّ اهتمامي بنفسي وبأناقتي علامةً على فساد أخلاقي، بالرغم من أنني تركت عملي من أجل الاهتمام به وبالبيت".

وتضيف: "كان الطلاق صدمةً قويةً في حياتي، وهو ما دفعني إلى ارتداء الحجاب بعدها، بالرغم من أن لا أحد في عائلتي يرتديه. تفهموا وضعي وتركوني لحال سبيلي، لكن والدتي كانت في كل مرة تسألني عما إذا كنت مقتنعةً بما فعلته أم أنني أعذّب نفسي بسبب أمر لا يد لي فيه".

مرت السنوات وخفّت الصدمة، فبدأت الشابة تفكر في ما فعلته. تقول: "كنت أجد حرجاً كبيراً في خلعه، إلى أن جاء يوم وتقدّم أحدهم لخطبتي، فواجهته بما يدور في خلدي، وقلت له: هل ترغب في الزواج بي لأنني محجبة أم لشخصي؟ وقلت له إنني سأخلعه ولن أستمر في خداع نفسي والآخرين، وإن رغبت فيّ فأهلاً بك، وما كان منه إلا أن تشبّث بي وأُعجب بصراحتي، فتزوجنا وتغيّرت حياتي، وعُدت إلى عملي".

ارتديته من أجله...

من جهتها، تحكي ليلى (32 سنةً)، الموظفة في بنك، أن قصتها مع الحجاب غريبة جداً، لأنه لا أحد في عائلتها يرتديه، وتقول: "بدأت قصتي مع الحجاب عندما كان عمري 23 سنةً، حين تعرفت إلى شاب وارتبطت به من أجل الزواج. ولأنه كان متديّناً كان في كل مرة يقول لي إن الحجاب فرضٌ على المرأة، وإن علينا العمل لآخرتنا. ولأنني كنت أحبه، اقتنعت بأفكاره وارتديت الحجاب بالرغم من أن والديّ كانا يرفضان هذا الأمر جملةً وتفصيلاً، ويقولان إنني سأخلعه في ما بعد لأنه غير مبنيّ على اقتناع حقيقي".

تضيف ليلى في تصريح لرصيف22، أنها ارتدته لمدة خمس سنوات، وبعد فشل تلك العلاقة واكتشافها أن ذلك الشخص "كان أكبر منافق، يختبئ وراء قناع الدين، وجدت أنني متحكم فيّ، وبأنني لم أضع الحجاب عن اقتناع، بل من أجل إرضائه وحتّى يظل معي لأنني كنت أحبه بشكل رهيب. لهذا بدأت أفكر في خلعه بجدية، وهو ما أقدمت عليه فعلاً بعد تردد، فعدت إلى حياتي الطبيعية من دون حجاب، ووالداي لم يسألاني عن الأمر لأنهما كانا مقتنعين بأنه هو السبب في كل ذلك التحول، فلما ابتعدت عنه وكرهته، كرهت كل شيء فعلته بسببه".

تغلبت على الحجاب بفضل قراءاتي

عن قصتها مع ارتداء الحجاب وخلعه، تقول الأستاذة دلال (34 سنةً)، إنها ارتدت الحجاب للمرة الأولى لمدة شهر أو أقل، عندما كانت قاصراً وكانت مجرد فكرة راودتها فطبّقتها على الفور، ولم تعد تذكر الدافع الحقيقي لارتدائه في ذلك الوقت. لكنها تتذكر أنها كانت معجبةً كثيراً بأستاذة التربية الإسلامية، وتحب الحديث معها، وقد يكون السبب، كما تعتقد، محاولة تقليدها. حينها لم يكترث للأمر أي أحد في الأسرة، ربما لأن وقت ارتدائه كان يصادف فصل الشتاء، والكل اعتقد أنها وضعته بسبب البرد فقط، وهي أيضاً ملّت منه في وقت قصير.

في البداية، كنت أجد عمرو خالد شخصيةً مصطنعةً ومضحكةً، خاصةً صوته عند الدعاء، ولكن يوماً بعد يوم اعتدت على الاستماع إليه، وكنت أنا وصديقتي نناقش مسألة ارتداء الحجاب

تضيف دلال في تصريح لرصيف22: "لم تعد فكرة الحجاب تراودني بعدها، ولكن عندما وصلت إلى مرحلة البكالوريا، ظهر عمرو خالد على قناة "اقرأ"، وكانت صديقتي المقربة من المتابعين المخلصين له. كانت معجبةً به، ومتأثرةً بكلامه عن الدين بشكل عام والحجاب بشكل خاص، وكانت تحاول إقناعي بمتابعته وتهديني بعض الأقراص المدمجة التي تتضمن بعض الحلقات حول الحجاب. في البداية، كنت أجد عمرو خالد شخصيةً مصطنعةً ومضحكةً، خاصةً صوته عند الدعاء، ولكن يوماً بعد يوم اعتدت على الاستماع إليه، وكنت أنا وصديقتي نناقش مسألة ارتداء الحجاب، وكانت هي تميل إلى ارتدائه، أما أنا فقد كنت ما أزال أرفض الأمر، ولكن في ما بعد تعرّفت صديقتي إلى امرأة متدينة تنتمي إلى جماعة العدل والإحسان، كانت تقيم في بيتها كل أسبوع درساً دينياً، تديره برفقة سيدة أخرى، وطلبت من صديقتي دعوة الفتيات اللواتي تعرفهن لحضور الدرس. كانت جميع الفتيات اللواتي حضرنه في المرة الأولى غير محجبات، لكنهن يوماً بعد يوم بدأن يفكرن في الحجاب كونه فرضاً دينياً، وقد ارتدينه فعلياً. عندما قررت أنا وصديقتي أخذ المبادرة، لأننا كنا بمثابة القائدات بالنسبة إلى المجموعة، فقد كانت هؤلاء النسوة يطلبن منا نحن الاثنتين تحضير دروس دينية وتقديمها في بعض الأحيان".

تشير دلال إلى أنها عندما ارتدت الحجاب هي وصديقتها، كان الجو حاراً، ولم تكن لديهما ملابس مناسبة للحجاب، فكانتا ترتديان ملابس الشتاء لأن ملابس الصيف لا تناسب الحجاب، فكان البعض يسخر منهما لكنهما كانتا تجيبان بكل ثقة: "نار جهنم أصعب من حرارة الدنيا"، وتعتقدان بأنّ ما تقومان به هو بمثابة تضحية في سبيل الدين.

توضح دلال: "أسرة صديقتي كانت سعيدةً جداً بارتداء ابنتها الحجاب، أما أنا فقد كانت أسرتي ترى أن لا مبرر لارتدائه، وكانوا يحاولون إقناعي بخلعه، وبأن الدين مسألة ترتبط بالإيمان والسلوك أكثر من الشكل، أما أنا فقد كنت مقتنعةً بأن الحجاب فرض لا يحتمل النقاش، ولكن مع مرور الوقت بدأت أشعر بأنني لست مرتاحةً في هذا الشكل الجديد الذي اخترته، وأنه لا يتناسب مع شخصيتي الحقيقية، شخصيتي المتمردة بطبيعتها، فقد كنت أمارس الرياضة والمسرح، وأقرأ الشعر والروايات وأحب الموسيقى ومشاهدة الأفلام، وفجأةً أقحمت نفسي في خانة من الانتقائية والتحريم، فبدأت أشعر بأنني شخصان متناقضان في واحد، وشعرت بأنني اختزلت نفسي في خانة ووضعت لها القيود، وقد تأجج هذا الإحساس بعد دخولي الجامعة، وانفتاحي على العلوم الإنسانية، إذ لم أعد أرى الموضوع من زاوية واحدة بل من زوايا عدة، فبدأت أفكر في خلعه، بعد أن ارتديته لمدة سنتين ونصف تقريباً.

ترى الشابة أن الأصعب هو الأفكار الداخلية التي تتنازع كل شابة أمام اختبار نزع الحجاب. تقول: "يكون أمامها نوعان من الخوف، الأول نفسي إذ تشعر بأنها ستموت بمجرد التخلي عنه، وهذا بسبب القصص التي كانت ترددها نساء الجماعة، وهو خوف تغلبت عليه بفضل قراءاتي التي اقتنعت من خلالها بأن الحجاب مجرد عادة كان لها سياقها التاريخي، أما النوع الثاني فكان يرتبط بمواجهة المجتمع في وقت كانت موجة التدين فيه في أوجها".

اعتمدت دلال على دعم عائلتها. تقول: "عندما عبّرت عن رغبتي في خلع الحجاب لوالدتي، قالت لي: أنت لم تستشيري أحداً عندما ارتديته، ولا تحتاجين إلى أن تستشيري أحداً لخلعه. أنت حرة. كانت كلماتها بمثابة تشجيع لي. أما والدي فلم يكن يتدخل في أموري، لهذا لم أجد أي مقاومة بل تلقيت كل الدعم. لكن في الجامعة سمعت إحدى زميلاتي المحجبات تقول على سبيل السخرية إنه يجب أن يقام حدّ الردة على اللواتي يخلعن الحجاب، وفي الحي قالت إحدى الجارات لصديقتي: "الله يخليك يا بنتي على حالك، ليس كصديقتك التي نزعت غطاء الرأس".

خلعت الحجاب ولم أندم

أما الباحثة الأكاديمية ياسمين، (35 سنةً)، فقالت لرصيف22، إنه "بين ارتداء الحجاب ونزعه، مسار حياة للنفس ذاتها، ففي نهاية الأمر المسار جزء مني ومن شخصيتي وما تغيّر هو تأويلي للعالم".

تحكي قصتها قائلةً: "منذ مرحلة المراهقة في الإعدادية، فكرت في أن أرتدي الحجاب من دون أي تفكير مطوّل. كان فكرةً في لحظة من الزمان عملت على تنفيذها. لم يستمر الأمر إلا شهراً فقط، حتى وجدتني مع حر الصيف أنزع الحجاب. أتذكر أنني التقيت بصديق يكبرني في السنّ، فوبخني كون الحجاب قراراً أبدياً وحازماً لا تراجع عنه، لكن حينها لم أكترث لرأيه.

أضافت: "لم تنتهِ القصة هنا، إذ وجدتني أعود إلى الحجاب من جديد في مرحلة التعليم الثانوي، لكن هذه المرة بمسار شخصي طويل دام لمدة 16 سنةً. أتذكر أني حينها كنت أحضر مع بعض التلميذات اللواتي كن 'داعيات' داخل مسجد المؤسسة، وكانت غالبيتهن من جماعة العدل والإحسان، ويعتمدن على الإقناع العاطفي عبر التدبّر في القرآن والأحاديث، وبعدها قامت بعض التلميذات باصطحابي معهن إلى منازل بعض الأستاذات اللواتي كنّ من الجماعة ويقمن في منازلهن في الدور نفسه، فوجدتني أقتنع ببعض أفكارهن، ثم صرت حينها أشاهد القنوات الفضائية إلى أن وجدتني أتخذ قراري بارتداء الحجاب".

"لماذا ترتدين الحجاب وأنت صغيرة، ستصبحين مثل الغراب، أطلقي شعرك واستمتعي به وعيشي حياتك"

لم يكن الأمر في بدايته سهلاً بتاتاً وفق الشابة: "تعرضت لمقاومة شرسة من عائلتي التي كانت رافضةً لقراري خصوصاً جدتي التي وبّختني كثيراً وكانت دائماً تقول لي: "لماذا ترتدين الحجاب وأنت صغيرة، ستصبحين مثل الغراب، أطلقي شعرك واستمتعي به وعيشي حياتك"، لكن لم أكن ألتفت إلى مقاومة أسرتي على أساس اقتناعي حينها بحديث "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، فقد كنت حينها أرى أنني أنفّذ أمراً إلهياً وفقاً لتعاليم القرآن. أتذكر كذلك، أنني تعرضت لانتقادات عدة وسط عائلتي، لكن ظل لباسي على حاله لما يقارب السنة. بعدها ستتغير أمور كثيرة في داخلي وستتسلل مساحة النقد الذاتي إلى ذهني شيئاً فشيئاً، وذلك لسبب أساسي وهو تخصصي الأكاديمي الذي استطاع أن يغير النظّارات التي أنظر من خلالها إلى ذاتي وإلى جسدي وإلى عالمي التفاعلي وإلى الحياة بأكملها. وما سيحدث كذلك أنه كلما استعدت مساحة النقد في داخلي، اتسع الصراع بشكل تصاعدي، خصوصاً أن ذهنيتي قد وضعت قطائع عديدةً مع مجموعة من التأويلات بما فيها الدينية. وبعد صراع حاد وطويل مع ذاتي، انتصر صوت القوة في داخلي بأن أنزع ما كنت أراه حجاباً وصرت أراه مجرد غطاء للرأس، من دون أي رمزيات سوى أنه منبع اشتداد الصراع داخلي الذي يعيق انسجامي مع ذاتي، فاتخذت قرار نزع غطاء الرأس وواجهت المجتمع بقرار شخصي كنت المسؤولة الوحيدة عنه لتحقيق راحتي النفسية، وهو القرار الذي لم أندم عليه إطلاقاً وشعرت وكأني أتمم حياتي التي توقفت قبل ارتداء الحجاب".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image