انطلقت القافلة الأولى للّاجئين السوريين العائدين إلى قرى القلمون الغربي وبلداته، أمس الأربعاء في 26 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد تنسيق دام طوال الصيف الماضي بين الحكومتين اللبنانية والسورية. 483 عائلةً كانت قد تسجلت في عرسال، بجميع أفرادها مع كامل أمتعتهم، في هذه القافلة، عن طريق المنسقة القانونية لوزارة المهجرين اللبنانية، المحامية السورية رنا رمضان، المقيمة في البلدة منذ لجوئها إلى لبنان قبل سنوات.
وبدأ الأمن العام اللبناني، الأسبوع الماضي، بالاتصال بالعوائل التي تمّت دراسة ملفاتها أمنياً وقانونياً في سوريا، بعد أن أبدى جزء منها استياءه خلال الأسابيع الماضية، بسبب المماطلة، إذ قاموا مسبقاً بفكّ خيمهم واستمروا في انتظار يومي للقافلة.
ويقول ناشطون تابعوا موضوع التسجيل والعودة، إنّ 511 شخصاً من أصل نحو 2،500 مسجّلين، عادوا اليوم إلى سوريا في القافلة التي انطلقت عند السادسة صباحاً، وسجّل الأمن العام الأسماء، ورافقتهم قوى الأمن والجيش اللبناني والصليب الأحمر اللبناني، عبر معبر وادي حميد، متجهةً نحو الزمرّاني، لتنتظرها من الناحية السورية في بلدة جراجير لجنة أمنية وقضائية تعمل على شمل الأشخاص بالعفو، ومن المنتظر أن تتحرك قافلة ثانية يوم الإثنين المقبل.
الأعداد قليلة
بدأ الأمن العام اللبناني، الأسبوع الماضي، بالاتصال بالعوائل التي تمّت دراسة ملفاتها أمنياً وقانونياً في سوريا
ويقول الناشطون لرصيف22، إنّ "الملفات الأمنية والقضائية للمئتي عائلة العائدة نظيفة، أمّا عن الأشخاص المسجلين وقد غيّروا قرارهم بالعودة، فجزء منهم لديه ملفات قضائية"، علماً أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، شجعهم وقال إنه يضمن أمنهم مع النظام السوري، وإنه أخذ تعهداً بعدم طلب أي شخص للخدمة الإلزامية، وبعدم تدفيعهم رسوم السيارات إلا بعد ستة أشهر من عودتهم.
وبحسب حديث مصادر مطلعة على الملف، إلى رصيف22، فإنّ العوائل لم تعد إلى سوريا بأكملها، أي جميع الأفراد المسجلين، إنّما قسم منهم عاد بعض أفراده بطريقة غير شرعية قبل أيام عن طريق بلدة الهرمل الحدودية، وفرد أو اثنان من كل عائلة عادوا ضمن القافلة اليوم، والأسباب تعود إلى الوضع الاقتصادي المتدهور جداً في سوريا، وتريد هذه العوائل ضمان بقائهم على لوائح المساعدات لدى المفوضية والمنظمات الإنسانية.
الجدير بالذكر أنّ عدد العائدين ضئيل جداً مقارنةً بالعدد الكلّي للّاجئين المقيمين في بلدة عرسال، والبالغ قرابة ستين ألف لاجئ متحدرين من مختلف مناطق حمص والقلمون وأريافهما. وتحدث الأهالي الذين تسجلوا على قائمة العودة، عن أن التسجيل المسبق قام به أقاربهم في سوريا لدى البلديات، قبل النشاط الذي بدأته المنسقة رمضان، هذا الصيف، بتواصلها مع وزارة المهجرين، وطلبها دعم هذا الملف وتيسيره من جهة لبنان.
انطلاق أحلام السلطة
انطلقت القافلة الأولى، وانطلق معها حلم السلطات اللبنانية بتحقيق وعودها بتأمين عودة "طوعية" للاجئين السوريين، وضمانها إعادة أكثر من نصف مليون لاجئ، على أن تقوم بإعادة 15 ألفاً شهرياً، فيما فتح الأمن العام 17 مركزاً في مختلف الأراضي اللبنانية للراغبين في التسجيل. ويُذكر أنّ آخر القوافل السابقة توقفت نهاية عام 2019، وتمّت إعادة عدد من العوائل إلى مدينة القصير وريفها، بمصالحات قادتها بعض العشائر والأمن العام. وبالرغم من جميع الضمانات المقدمة حينذاك، إلا أنّ ناشطين حقوقيين رصدوا حالات لأشخاص تمّ اعتقالهم وتعذيبهم وتجريدهم من حقوقهم المدنية في سوريا، وباعت إحدى هذه العوائل جميع ممتلكاتها لمحاولة إخراج ابنها من المعتقل، وإعادته إلى لبنان عبر "التهريب"، مع وجود آثار التعذيب الجسدي عليه، ومعاناته النفسية مستمرّة حتى الآن.
وبحسب ما أخبروا رصيف22، يراقب الناشطون حركة اللاجئين على الحدود المفتوحة منذ الصيف الماضي، وذهاب النساء منهم وإيابهن عن طريق دفع مبالغ تتراوح بين 50 و200 دولار أمريكي للمهرّبين التابعين لحزب الله اللبناني في المناطق الحدودية. وتقول أم محمد (اسم مستعار): "ذهبت إلى مدينتي القصير، ودفعت للمهرّب الذي اصطحبني من الحدود حتى قلب المدينة، وهو بدوره يدفع لحواجز الجيش السوري مبالغ بسيطةً (ألفاً أو ألفين أو علبة دخان لعساكر النظام)".
لم أستطع البقاء في القصير بسبب عدم وجود أدنى مقومات الحياة، فمعظم الموجودين من المسنّين الذين يرسل لهم أبناؤهم مبالغ ماليةً من الخارج، والكثير من العوائل استباحت منازل جيرانها التي لم تُدمّر
وتضيف: "لم أستطع البقاء هناك بسبب عدم وجود أدنى مقومات الحياة، فمعظم الموجودين من المسنّين الذين يرسل لهم أبناؤهم مبالغ ماليةً من الخارج، والكثير من العوائل استباحت منازل جيرانها التي لم تُدمّر، بينما أكثر من 70% من المدينة مدمّر وتبدو كأنّها خربة. ذهبت لأتفقد الوضع، وما إذا كان يصلح للعودة، وكانت أختي المقيمة في حمص، قد سجلت اسمي لأحصل على موافقة من الجانب السوري، لكنني لن أعود ثانيةً، فبالرغم من أنّ الخيمة ضيقة والوضع صعب هنا، إلا أنّه أرحم من سوريا".
وتيرة الانتهاكات
ارتفعت وتيرة الانتهاكات في حقّ اللاجئين السوريين في لبنان منذ مطلع الصيف الماضي، بالتزامن مع تصريحات لعدد من المسؤولين، ومنهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي صرّح بأن "لبنان قد يضطرّ إلى ترحيل كل لاجئ سوري لا يملك تصريح عمل أو إقامةً رسميةً"، في حين كُلّف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بمتابعة موضوع إعادة اللاجئين السوريين وتأمين عودة آمنة وطوعيّة لهم، مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الفائت.
ومع بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أصدر اللاجئون السوريون في بلدة عرسال الحدودية بياناً موّجهاً إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، ومنظمة اليونيسف، وكل المنظمات العاملة في عرسال، في لقاء حضره مشرفو المخيمات والناشطون وعدد من ممثلي البلدية والمنظمات والمتطوعون، يرفضون فيه القرار الصادر عن المفوضية بتخفيض حصة الفرد من 27 ليتر ماء في اليوم، إلى 7.5 ليترات، واقتصار كميات سحب الجور الصحية على ليترين للفرد يومياً في جميع المخيمات على الأراضي اللبنانية.
وأبدى اللاجئون قلقهم ومخاوفهم من توتر العلاقة الطيبة بينهم وبين أهالي البلدة، جرّاء النتائج المترتبة على هذه القرارات، إذ فاضت المخيمات وانتشرت المياه الملوثة للصرف الصحي في شوارع البلدة وبين المخيمات، ما قد يتسبب في انتشار الأمراض وتدهور الوضع الصحي لجميع السكان في البلدة، تزامناً مع انتشار وباء الكوليرا وتسجيل عدد من الوفيات بسببه في لبنان.
ضغوط ممنهجة
ترى الناشطة هدى البريدي، في حديثها إلى رصيف22، أن الضغوط التي يتعرض لها اللاجئون متعددة، بدءاً من فصل المفوضية للعوائل من المساعدات الغذائية الشهرية، وتخفيض نسبة المساعدات التي تتلقاها، والتي لا تكفي لتوفير أبسط مستلزماتها وحاجياتها مع ارتفاع سعر صرف الدولار، وتفاقم الأزمة الاقتصادية وتبعاتها، بالإضافة إلى قرارات اليونيسف والمفوضية المستجدة والتي دفعت العديد من العوائل للتسجيل على قوافل العودة.
ارتفع عدد المخيمات التي داهمتها قوى الأمن في مناطق البقاعين الغربي والأوسط، وصادرت وحطمت أجهزة الإنترنت وغيرها
وتشير البريدي إلى أن "ارتفاع وتيرة العنصرية تجاه اللاجئين، والمعلومات المغلوطة حول المساعدات التي يتلقونها، وأزمة توقف الكهرباء وانقطاعها كلياً عن بلدة عرسال منذ أكثر من شهرين، زادت العبء على كاهل اللاجئين"، وتشدد على أنه "لا توجد أيّ عائلة تعيش في عرسال حصلت على إعادة توطين خارج لبنان، بالرغم من أنّ غالبيتهم هربت من النظام السوري ولجأت إلى لبنان لأسباب أمنية وسياسية، لكن هذا الملف مغلق لدى المفوضية".
كذلك، ارتفع عدد المخيمات التي داهمتها قوى الأمن في مناطق البقاعين الغربي والأوسط، خلال الآونة الأخيرة، وقيامها بمصادرة وحجز أو تحطيم شبكات الإنترنت وأجهزة التلفاز وألواح الطاقة الشمسية وغيرها في حال وُجدت في المخيم، وتمّ ذلك وسط جوّ من الهلع والرعب بثته مخابرات الجيش وقوى أمن الدولة، حسب رصد وتوثيق ناشطين محليين في المنطقة، في حين أنذرت المخابرات بقية المخيمات في المنطقة بإزالة هذه الأجهزة وإلاّ ستتم مداهمتها.
وداهمت القوى الأمنية أماكن سكن جميع اللاجئين في قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان، بتاريخ 13 أيلول/ سبتمبر الماضي، في ساعات متأخرة من الليل، واعتقلت 150 رجلاً بينهم كبار في السن ومرضى، مع تفتيش منازلهم وحجز أوراقهم الرسمية وسوقهم إلى مكتب المخابرات في بلدة بيت الدين في ظروف سيئة جداً تخللها تكبيل اليدين وتعصيب العينين ونقلهم فوق بعضهم البعض داخل سيارات عسكرية، وقامت بالتدقيق بامتلاكهم إقامات وأوراقاً ثبوتيةً رسميةً وصالحةً، وأفرجت عنهم بالتتالي، بعد يومين من التحقيق معهم، كما يذكر ناشطون لرصيف22.
في المقابل، تتحدث البريدي عن عودة العديد من العوائل السورية إلى لبنان، والتي كانت قد غادرته قبل سنوات، وتعزو الأسباب إلى انعدام الأمن وعدم قدرتها المادية على ترميم منازلها، خاصةً أنّ الأبنية غير المدمرة بالكامل، مجردة كلياً من محتوياتها، حتى من الأبواب والنوافذ وأسلاك الكهرباء، فضلاً عن الغلاء المعيشي الذي تعاني منه سوريا، وعدم قدرة العوائل على تأمين قوت يومها.
وتضيف: "جزء كبير ممن عاد من قبل، بقي مسجلاً لدى مفوضية الأمم المتحدة، ويتلقى المساعدات الشهرية، ويحضر إلى لبنان بطرق غير شرعية (تهريب)، لبصمة العين وإجراء المقابلات لتجديد الملفات لدى المفوضية، بينما تعيش العوائل اللاجئة ولا تزال ضمن سكنها في لبنان من دون تلقّي أي مساعدات، وأنا من هذه العائلات".
تواطؤ غير مباشر
يرفع أصحاب العقارات والمنازل والأراضي في لبنان، إيجارات أملاكهم بشكل مفاجئ، أو يطلبون من ساكنيها إخلاءها بطريقة مفاجئة إذا لم يستجيبوا للسعر الجديد، ومنهم من لديه أسباب غير مفهومة لإخلاء المخيمات أو المباني من اللاجئين. وتتكرر هذه الحالة منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان، وقد ازدادت وتيرتها بشكل ملحوظ هذا العام، إذ لا توجد عقود رسمية تحمي اللاجئين في هذا الشأن، وهو ما وثّقه مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR)، الذي "يعمل بشكل متخصص في رصد وتوثيق أوضاع اللّاجئين من حيث حقوقهم الإنسانية، وينشر إصدارات دوريةً بهدف التوعية والمناصرة المحلية والدولية لضمان حقوق اللاجئين في بلدان اللجوء إلى حين عودتهم الطوعية والكريمة والآمنة إلى بلدهم الأصلي".
ويعتمد المركز تعريف الإخلاء القسري، بأنّه نقل الأفراد والأسر و/ أو المجتمعات المحلية، بشكل دائم أو مؤقت وضد مشيئتهم، من البيوت و/ أو الأراضي التي يشغلونها، من دون توفير أشكال مناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أنواع الحماية، وإتاحة التوصل إليها.
في 15 الشهر الحالي، قام صاحب المبنى بفكّ الخزّانات وقطع المياه عنا، وتهجّم علينا وطلب أن نرمي أغراضنا ونخرج مباشرةً من المبنى، فقدّمنا شكوى لدى مفوضية اللاجئين وأخبرناهم بالإخلاء القسري لنا، لكنها لم تتحرك
وبلغ عدد حالات الإخلاء القسري منذ بداية العام 2022، التي وثّقها مركز وصول، 29 حالةً حتى مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، بين حالات إخلاء جماعي وأخرى فردية، وصلت إلى ألف وستمئة وشخصين موزعين في البقاع الغربي وقضاء زحلة وقضاء عكار، وكانت الجهات المسؤولة عن الانتهاكات متنوعةً بحسب مراقبة وصول الجهات الميدانية (مخابرات الجيش اللبناني، وشرطة البلدية، والدرك اللبناني، وفرع أمن الدولة، وأصحاب العقارات).
كذلك، وثّق المركز وقوع 1،198 شخصاً ضحايا للإخلاءات، ضمن 10 حالات حدثت خلال شهرين، بعد تصريح ميقاتي في الرابع من حزيران/ يونيو من العام الحالي، ثلاث منها فردية وسبع جماعية، وكانت السلطات مسؤولةً عن 4 حالات منها.
الإخلاء القسري
يروي سيف الأحمد، وهو لاجئ سوري في بلدة المنية شمال لبنان، وأب لثلاثة أطفال، قصة إخلائهم القسري من قبل صاحب البناء، ويقول لرصيف22: "كنّا في البناء المكوّن من أربعة طوابق، وكنا عشر عوائل لاجئة، موزعة على سبع شقق فيه، عددنا الإجمالي خمسون شخصاً، بيننا ثلاثون طفلاً تقريباً. في 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، أبلغنا صاحب المبنى بضرورة الإخلاء لأنّه يريد بناء طوابق إضافية، فطلبنا منه إعطاءنا مهلةً ريثما نجد أماكن سكنيةً بديلةً".
يضيف: "اتصلنا بمفوضية اللاجئين وزرنا مكتبها في طرابلس، ولم نصل إلى نتيجة. في 15 الشهر الحالي، قام صاحب المبنى بفكّ الخزّانات وقطع المياه عنا، وتهجّم علينا وطلب أن نرمي أغراضنا ونخرج مباشرةً من المبنى، فقدّمنا شكوى لدى المفوضية وأخبرناهم بالإخلاء القسري لنا، وزارتنا منظمة إيرلندية وكتبت تقريراً مبدئياً عن وضع العوائل، ولكن لا أحد تحرّك حتى الآن".
استأجر سيف، غرفةً واحدةً للمواشي مؤخراً بعشرين دولاراً. يقول: "قمت بتنظيفها وبتّ فيها ليلةً واحدةً مع عائلتي بعشرين دولاراً مقابل 12 ساعةً، قبل أن أتنقل بين أصدقائي. أطفالي واحد منهم يعاني من نقص في السمع، والطفلة تعاني من سلس بولي".
تبحث العوائل المتحدرة من ريفَي حماه وإدلب، عن منازل سكنية، وإيجار أقلّ منزل يبلغ نحو 150 دولاراً، ويطلب أصحابها الدفع مسبقاً عن سنة
"وبسبب هذه الظروف، تفكر عوائل عدة بشكل جاد في إرسال النساء والأطفال إلى سوريا، بالرغم من المخاطر الأمنية عليهم على حدّ قولهم"، ويضيف سيف: "يفكر البعض منهم في حرق نفسه بالبنزين، لعلّ المفوضية تتحرك في استجابة عاجلة وطارئة لمساعدتهم، وبطريقة غير مباشرة يقول الموظفون: عودوا إلى سوريا أو دبّروا أموركم بأنفسكم".
المفوضية تضيّع الوقت
تبحث العوائل المتحدرة من ريفَي حماه وإدلب، عن منازل سكنية، وإيجار أقلّ منزل يبلغ نحو 150 دولاراً، ويطلب أصحابها الدفع مسبقاً عن سنة قادمة، كما يحكي الأحمد عن رحلة بحثهم، ويقول: "من المستحيل، أن تجد مع عائلة سورية، مئةً وخمسين دولاراً، فما بالك بإيجار سنة كاملة؟ لا يمكننا دفع هذه المبالغ المطلوبة لأجل غرفتين وحمام. كلّ ما نملكه لا يتجاوز الأربعة ملايين ليرة لبنانية (توازي 100 دولار تقريباً)، التي نحصل عليها كمساعدات غذائية ولا تكفينا ثمن أكل وشرب".
وينقل سيف، عن العديد من العائلات، تذمّرها من عمل مفوضية اللاجئين، "ويرون حسب ملاحظتهم أنّ المفوضية والمنظمات تقوم بإضاعة الوقت وتمييع قضيتهم من دون النظر بشكل جاد إلى حالتهم الإنسانية الصعبة، ومن دون التفات إلى وضع الأطفال المنقطعين عن المدرسة بسبب ما حصل معهم. وكأنّ هناك من ضحك علينا. في بداية الحادثة (الطرد من المبنى)، أرسلوا إلينا مسؤولاً من المنظمة، وكانت وعود شفهية بدفع جزء رمزي من بدل إيجار المكان الذي نبحث عنه. لا توجد استجابة حقيقة. طلبنا منهم أغطيةً وفرشات، خاصةً أنّنا نقطن الآن على سطح بناء في الطابق الخامس، غير مسيّج ويوجد خطر على الأطفال من البرد والوقوع إلى الأسفل، لكن لا جواب، فيما أطفالنا اضطروا إلى الانقطاع عن الذهاب إلى المدرسة".
حوادث متكررة
تحصل حوادث مشابهة في مناطق أخرى في لبنان، تنتج عنها إخلاءات جماعية وفردية. ففي مخيم 022، في حيّ الناصرية في بلدة المرج البقاعية، تمّ إخلاء ثلاث وعشرين عائلةً عندما انتهى عقد إيجار الأرض المبني عليها المخيم، في الثامن من شهر آب/ أغسطس الفائت، وكان صاحب الأرض قد أبلغ الأهالي قبل ثلاثة أشهر بوجوب مغادرتهم فور انتهاء العقد.
يقول شاويش المخيم، عبد المحمد، لرصيف22: "عندما أبلغنا صاحب الأرض بقراره، أبلغنا المنظمات وزرنا البلدية وأخبرناهم بأنّنا نحتاج إلى موافقة للانتقال إلى أرض قريبة تبعد نحو 200 متر، فتمّ تقديم الوعد لنا حينها من البلدية بإعطاء الإذن للنقل قبل 15 يوماً من موعد انتهاء العقد. ولكن لم يحصل هذا عندما انتهى العقد، فقد رفضت البلدية إعطاء أيّ إذن".
يفكر البعض منا في حرق نفسه بالبنزين، لعلّ المفوضية تتحرك في استجابة عاجلة وطارئة لمساعدتنا، وبطريقة غير مباشرة يقول الموظفون: عودوا إلى سوريا أو دبّروا أموركم بأنفسكم
بقيت مجموعة من الأهالي نائمةً ومقيمةً في الشارع بعد هدم المخيم، لأكثر من شهرين، وطرقوا أبواب الجمعيات والمنظمات جميعها في المنطقة، ولم يلتفت أحد إليهم، وكانوا قد ذهبوا إلى مبنى المفوضية في زحلة، واعتصموا ليومين متتاليين، ولم يتمّ تقديم الحماية لهم أو التعاطي مع موضوعهم، وكانت قد أوقفت تعبئة المياه وتقديم الخدمات لهم فور هدم المخيم، في حين أثّرت ضربات الشمس ولدغات الحشرات على الأطفال، ما أدى إلى دخول عدد منهم إلى المستشفيات وتدهور حالتهم الصحية.
يقول الأهالي الذين التقاهم رصيف22: "طلبنا من مفوضية الأمم المتحدة أن تؤمّن لنا مسكناً مؤقتاً أو إذناً بالانتقال إلى أرض مجاورة، وأخبرناهم بأنّنا لا نستطيع العودة إلى سوريا، لأنّنا معارضون للنظام، ونحن من منطقة تعرضت لمجزرة مزرعة الراهب في 2013، وهي مجزرة راح ضحيتها من أقاربنا 74 شخصاً في خناصر في ريف حلب الجنوبي، ومنذ حدوثها هربنا من القرية خوفاً من قوات النظام التي قتلتهم ورمتهم في البئر".
يؤكد أهالي المخيم أنّ البلدية منعت وصول أي جمعية منذ بداية تموز/ يوليو الماضي، إلى المخيمات في البلدة، ووحده عامل التنظيف كان يأتي لجباية رسوم النظافة.
وبمتابعة من رصيف22، لا تزال حتى الآن عوائل عدة من هذا المخيم، بلا مأوى، تتنقل بين الأقارب والمعارف، من دون حصولها على أدنى احتياجاتها وحقوقها كعوائل لاجئة، عبر تأمين سكن مؤقت لهم من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو شركائها من المنظمات، فيما تقف الجمعيات المحلية عاجزةً عن تقديم أبسط المستلزمات.
ماذا يقول الحقوقيون؟
لا تزال حتى الآن عوائل مخيم المرج الذي تمّ إخلاءه بالقوّة، بلا مأوى، تتنقل بين الأقارب والمعارف، من دون حصولها على أدنى احتياجاتها
بحسب تصريحات "وصول"، لرصيف22، فإنّ دور المنظمات لم يصل في الحد الأدنى إلى المتطلبات الرئيسية لتأمين بديل سكني حين تكون القضية قضيةً جماعيةً، إذ تقوم المفوضية أحياناً بالتواصل مع البلديات، لكن من دون الوصول إلى نتيجة إيجابية، أما المفوضيات المحلية فمساعدتها تقتصر في بعض الحالات على تأمين بعض المؤن الغذائية، وفي بعض الحالات الفردية تقوم المنظمات المحلية بإيجاد سكن بديل مؤقت للأشخاص الذين أخلوا سكنهم.
أمّا الدور الحالي لمركز "وصول"، فهو رصد الحالات التي تحصل في لبنان وتوثيقها وتحويلها إلى الشركاء أو تنبيههم إلى الانتهاكات الواقعة والمتابعة معهم مشكلين بذلك الوسيط الذي يقوم بالضغط على السلطات ومنظمات المجتمع الدولي التي من واجبها تأمين حق السكن اللائق للّاجئين على كافة الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى إصدار بيانات دورية تدين عمليات الإخلاء الشاملة لعدد كبير منهم، والتي من هدفها توتير العلاقات بين المجتمع المضيف واللاجئين القائمة على التمييز على أساس العرق والفكر والمعتقد أو تلك الخطابات المحرضة على التمييز.
ونشر المركز بالتعاون مع تحالف المنظمات والشبكات، ورقة تقدير موقف، قبل يوم واحد من الموعد المحدد لقافلة العودة الطوعية الأولى المتوجهة من بلدة عرسال الحدودية إلى سوريا، دعا فيها "لبنان إلى احترام التزاماته الدولية والإيفاء بمبدأ عدم الإعادة القسرية إلى سوريا، باعتبارها بلداً غير آمن حتى الآن، وعدم إصدار مراسم ولوائح إدارية من الحكومة اللبنانية تشكل عوامل ضغط على اللاجئين السوريين من خلال تعجيز وصولهم إلى أساسيات الحياة الكريمة في لبنان، كمنعهم من العمل، وعدم منحهم حق إصدار أوراق إقامة قانونية، وإجلائهم من المخيمات والأماكن السكنية، ما يجعلهم مضطرين إلى مغادرة البلاد.
وجاء في الورقة أيضاً: "يجب على الحكومات المانحة والمنظمات الدولية المساعدة من خلال مساعدة البلدان المضيفة مثل لبنان، من خلال حشد الدعم والتمويل لبرامج المساعدة الإنسانية، والحد من توجيه التمويل من خلال الحكومة اللبنانية. والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين مدعوة للمساعدة من خلال تعزيز دورها في مراقبة العودة الطوعية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، لرصد انتهاكات السلطات اللبنانية، والمطالبة بالوصول إلى قوائم الحكومة اللبنانية للّاجئين الذين سيعودون إلى سوريا، من أجل تقييم دقيق ومستقل لعودتهم الطوعية، وإعداد الأطفال لعودتهم وضمان استمرار رفاهيتهم في سوريا".
هذه التوصيات جاءت في ورقة تقدير الموقف، بعد تحديد أعداد الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في لبنان خلال السنوات الماضية، وتوضيح عواملها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...