طُلب من طفل ضرير أن يرمي قطعة نقدية لتحديد الفائز في مباراة تركيا وإسبانيا، بعد انتهاء المواجهة الفاصلة بينهما، في التصفيات المؤهلة إلى مونديال 1954 في سويسرا، بالتعادل، فابتسم الحظ للأتراك، وتأهّلوا إلى المونديال للمرة الاولى في تاريخهم.
كان هذا قبل ابتكار فكرة الركلات الترجيحية لحسم المباريات الإقصائية التي تنتهي بالتعادل، الركلات التي يصفها كثيرون بأنها ركلات حظ، في وقت يرى آخرون أنها جزءٌ من اللعبة، وأنها تحتاج إلى ثبات انفعالي وتركيز عاليين، وبراعة في التسديد وفي التصدّي... وهناك اليوم أبحاث وإحصاءات تقوم بها الأندية والمنتخبات لدراسة الخصم بدقة ورفع فرص الفوز بالركلات الترجيحية.
بعض المنتخبات أحسنت التعامل مع هذه الركلات، في مقدمها ألمانيا التي نجحت في المرات الأربع التي خاضت فيها ركلات ترجيحية بالتأهل إلى الدور التالي، فيما يُعَدّ الإنكليز الأسوأ حظّاً، إذ ودّعوا المونديال في النسخ الثلاث الأولى التي واجهوا فيها "ركلات الحظ". ومع ذلك، لو كنت تظن أن الفريق الذي تشجعه غير محظوظ لأنه خرج من كأس العالم بالركلات الترجيحية، فتذكّر أن إسبانيا حرمت مرّة من المشاركة به بسبب قطعة نقدية.
في النسخ الأولى من كأس العالم، كانت تُعاد المباريات التي تُلعب في الأدوار الإقصائية، بحال انتهت بالتعادل، الأمر الذي شكّل عائقاً كبيراً على الدول المنظمة والمشجعين على حد سواء، حتى ظهرت فكرة الركلات الترجيحية، وبدأ استخدامها منذ مونديال 1978 في المكسيك.
لُعبت الركلات الترجيحية للمرة الأولى بين ألمانيا وفرنسا في نصف نهائي مونديال 1982 وأسفرت عن فوز الألمان. وحسمت هذه الركلات مباراتين نهائيتين في كأس عالم كانت إيطاليا طرفاً فيهما، فخسرت أمام البرازيل في نهائي 1994، وفازت على فرنسا في نهائي 2006.
في المرات الثلاثين التي لُعبت فيها ركلات ترجيحية، سُددت 282 ركلة، سُجل منها 196، بنسبة نجاح 70% تقريباً، وهي نسبة منخفضة، بالمقارنة مع نسب تسجيل الركلات الترجيحية وركلات الجزاء في العادة والتي تقدّر بـ80%، ما يعكس واقع الضغط النفسي الكبير الذي يعيشه اللاعبون عندما تكون التسديدة ضمن منافسات كأس العالم، المسابقة الأغلى والأهم.
واشتهرت بعض الركلات بشكل واسع وخاصة المهدرة منها، بسبب طريقة تسديدها أو قيمة النجم الذي أهدرها، وتأثيرها على مصير الفريق أو الضرر النفسي الذي تركته لدى اللاعب.
وفي ما يلي نستعرض أبرز خمس ركلات ترجيح ضائعة خلال بطولة كأس العالم والظروف المحيطة بها وباللاعب الذي أهدرها.
نهائي 94... باجيو يكسر قلوب الإيطاليين
لدى الحديث عن روبرتو باجيو، تتبادر إلى الذهن مباشرةً صورته واقفاً مطأطأ الرأس أمام 95 ألف متفرج احتشدوا في ملعب روز باول في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، بعد إهداره الركلة الترجيحية الأخيرة بطريقة غريبة، إذ علت تسديدته العارضة، في نهائي مونديال 94 في الولايات المتحدة، لتتوج البرازيل بلقبها الرابع، وتسبق إيطاليا بالوصول إلى هذا الإنجاز.
في تلك المباراة، أهدر الإيطاليون ثلاث ركلات ترجيحية، وحتى لو سجّل باجيو ركلته، كانت ستتبقى تسديدة خامسة للبرازيل وكانوا سيُتوجون لو سجلوها. ومع ذلك، نُظر دائماً إلى باجيو في إيطاليا بصفته المسؤول الأول عن الخسارة.
تركت هذه الركلة أثراً سلبياً على باجيو، وبقي يتذكرها لسنوات طويلة، وقال عنها في إحدى مقابلاته بعد اعتزاله اللعب بفترة طويلة: "حتى يومنا هذا ما زلت لا أتقبل ما حدث. إنه كابوس يطاردني، جرح لن يندمل أبداً".
نصف نهائي 90... هكذا بدأت لعنة الإنكليز
احتكم الألمان والإنكليز إلى الركلات الترجيحية لمعرفة هوية المنتخب الذي سيواجه الأرجنتين في نهائي مونديال 1990 في إيطاليا. إنكلترا يومها لعبت ركلات ترجيحية للمرة الأولى في تاريخها المونديالي. تقدّم لاعبها كريس وودل لتسديد الركلة الرابعة، وتوجّب عليه تسجيلها ليبقي على آمال منتخبه، لكنه سددها فوق المرمى، ليودّع منتخب الأسود الثلاثة البطولة.
الآمال الكبيرة التي كانت تعقدها الصحافة الإنكليزية على جيل 1990، مع تواجد نجوم كبار أبرزهم بالإضافة إلى وودل، بول غاسكوين، غاري لينكر، والحارس القوي بيتر شيلتون، جعلها تصب جام غضبها على وودل، وتحمّله مسؤولية الخسارة أمام الغريم اللدود ألمانيا، بل أنها اعتبرت تلك الخسارة كانت نذير شؤم للمنتخب، وبمثابة لعنة واجهته في كل مرة لعب ركلات ترجيحية، كما كان الحال في نسختي 1998 و2006، وفي اليورو بنسخ 1996، 2012، وأخيراً بخسارة نهائي يورو 2020 أمام إيطاليا.
ربع نهائي 86... القدر ينقذ بلاتيني
يرى كثيرون من المراقبين أن منتخب البرازيل في الثمانينيات كان من أفضل المنتخبات في تاريخ الكرة وأكثرها متعة، ومع ذلك فشل هذا الجيل بالتتويج بكأس العالم. عندما تقابلت البرازيل مع فرنسا في ربع نهائي مونديال 1986، تطلّع العالم إلى المواجهة الخاصة بين زيكو وميشال بلاتيني، اثنين من أفضل اللاعبين على الإطلاق وكلاهما لم يتوّجا بالمونديال أبداً.
لدى الحديث عن روبرتو باجيو، تتبادر إلى الذهن مباشرةً صورته واقفاً مطأطأ الرأس أمام 95 ألف متفرج احتشدوا في ملعب روز باول في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، بعد إهداره الركلة الترجيحية الأخيرة بطريقة غريبة، لتتوج البرازيل بلقبها الرابع
وصلت المباراة إلى الركلات الترجيحية، بعدما أهدر زيكو ركلة جزاء في الدقائق الأخيرة مفوّتاً على البرازيل فرصة قتل المباراة. كان يومها بلاتيني أحد أفضل مسددي ركلات الجزاء على الإطلاق، ولديه معدل تسجيل مرتفع، لكنه سدّد ركلته بطريقة غريبة فطارت بعيداً فوق العارضة البرازيلية، إلا أن الحظ أسعف النجم الفرنسي، إذ أهدر كلّ من سقراطس وخوليو سيزار للبرازيل لتتأهل فرنسا إلى الدور اللاحق، مع العلم أن زيكو سدد ركلة ترجيحية ونجح بتسجيلها، لكنها لم تكن كافية لتصحيح خطئه بإهدار ركلة جزاء خلال المباراة.
ربع نهائي 2006... تردد الحكم يُربك جيرارد
انتهت مباراة إنكلترا ضد البرتغال في ربع نهائي مونديال 2006 بالتعادل السلبي، بعدما تخللها الكثير من الإثارة والتشويق، أبرزها الشجار بين كريستيانو رونالدو وواين روني، زميلي المستقبل في مانشستر يونايتد، وقيام الحكم بطرد الأخير.
في الركلات الترجيحية، كان الإنكليز يشعرون أن الوقت حان لكسر العقدة، مع تواجد مسددين بارعين مثل ستيفن جيرارد وفرانك لامبارد، لكن المفارقة أن الاثنين أهدرا تسديدتيهما، بالإضافة إلى زميلهم جيمي كاراغير، لتخسر إنكلترا مرة أخرى، وتمضي البرتغال نحو نصف النهائي.
الركلة الأبرز كانت لستيفن جيرارد، نجم ليفربول، والمعروف ببراعته الكبيرة في تنفيذ الركلات بنسبة نجاح بلغت 92% خلال مسيرته. سدّد جيرارد كرته بطريقة سيئة، وتصدّى لها الحارس ريكاردو بسهولة.
عندما تقابلت البرازيل مع فرنسا في ربع نهائي مونديال 1986، تطلّع العالم إلى المواجهة الخاصة بين زيكو وميشال بلاتيني، اثنين من أفضل اللاعبين على الإطلاق وكلاهما لم يتوّجا بالمونديال أبداً...
بعد المباراة، حمّل جيرارد حكم المباراة المسؤولية، بسبب تأخره في إطلاق الصافرة، وقال: "كنت جاهزاً لتسديد الركلة الترجيحية، لكن الحكم تأخّر في إطلاق صافرته لسبب لم أفهمه. ثوانٍ قليلة من شأنها أن تذهب بتركيزك".
بالإضافة إلى جيرارد ولامبارد، نجم عالمي آخر أهدر ركلة ترجيحية في تلك المباراة هو البرتغالي لويس فيغو. شهدت المباراة إضاعة خمس ركلات ترجيحية، وهو أعلى رقم في تاريخ المونديال (حصل مرتين في السابق).
نطحة زيدان تنقذ تريزيغيه
وصل نهائي 2006 بين إيطاليا وفرنسا إلى الركلات الترجيحية، وهو النهائي الثاني الذي حسمته هذه الركلات بعد نسخة 1994. حتى تلك اللحظة، كانت تجربة فرنسا مع "ركلات الموت" جيدة إلى حدّ ما بعكس إيطاليا صاحبة التجربة المريرة معها في نهائي مونديال 94، مع العلم أن الفريقين تواجها سابقاً في ربع نهائي مونديال 1998 وفازت فرنسا بالركلات الترجيحية.
للمرة الأولى في تاريخ الركلات الترجيحية في المونديال، فشل حارسا الفريقين في صدّ أية ركلة، إذ سجّل تسعة لاعبين ركلاتهم، فيما أصاب دافيد تريزيغيه مهاجم فرنسا عارضة الحارس الإيطالي جيانلويجي بوفون، زميله في يوفنتوس يومها.
ربما كان من حسن حظ تريزيغيه، إن كان يمكننا الحديث عن حسن حظ للاعب في يوم إهداره ركلة جزاء في نهائي كأس عالم، أن زين الدين زيدان نجم فرنسا وقائدها تعرّض للطرد في المباراة بعد قيامه بنطح مدافع إيطاليا ماركو ماتيرازي، لتصبح هذه الحادثة الشغل الشاغل للصحافة الرياضية والرأي العام الكروي، وتحجب الضوء عن ركلة تريزيغيه المهدورة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...