على بعد أسابيع قليلة من انطلاق بطولة نهائيات كأس العالم في كرة القدم، ينصبّ اهتمام محبّي هذه الرياضة على كيفية متابعة تلك المباريات عن كثب. ومن الطبيعي أن يكون هناك معجبون يصطفون منذ الآن على أبواب المطارات للمجيء إلى دول الخليج العربي، لا سيما قطر، الدولة المستضيفة، وتركيزهم منصبّ على المباريات والمنتخبات واللاعبين الذين يريدون متابعتهم، متجاهلين بعض المخاطر التي قد تكون محدقةً بتحركاتهم.
الخليج الجديد
تظهر في فضائيات الدول الخليجية خلال الفترة الماضية، لا سيما خلال الأشهر الأخيرة، الصورة الإيجابية عن مدى تقبّل الآخرين بمختلف تلاوينهم وتطلعاتهم، إلا أن بعض الأحداث الأخيرة التي مرّت على بعض دول الخليج، أعادت إلى الذهن السمات الأساسية للحياة داخل تلك البلدان، والتي لن تتخلى عنها في المستقبل القريب.
لوّح رئيس لجنة عمليات أمن وسلامة المونديال عبد العزيز الأنصاري، بسحب أعلام قوس القزح من المشجعين
على سبيل المثال، خلال الشهر المنصرم، طالبت دول مجلس التعاون الخليجي، التي تضمّ بجانب الإمارات كلاً من السعودية وقطر والبحرين والكويت وعُمان، بإزالة المحتوى الذي يتعارض "مع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية"، عن منصة "نتفليكس"، مهددةً في حال استمرار بث المحتوى المخالف، بـ"اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".
في 2020، وتحت ضغط المجتمع الدولي ومنظمة فيفا، طمأنت السلطات القطرية بأنها ترحّب بصدر رحب بجميع القادمين إليها خلال مباريات المونديال، وأنه سيكون بإمكانهم رفع علم مجتمع الميم-عين عالياً في السماء داخل الملاعب الرياضية، كما سبق أن أكدت اللجنة المنظمة للمونديال أن المشجعين الذين يقدَّر عددهم بنحو مليون ونصف المليون -أي أكثر من ثلث تعداد عدد سكان قطر- لن يواجهوا أي تمييز خلال حضورهم مباريات البطولة.
ولكن هذا الكلام سرعان ما تبيّن أنه غير واقعي مع قول أمير قطر، تميم بن حمد: "نؤكد أننا لن نمنع أي شخص من القدوم إلى بلدنا والاستمتاع بكرة القدم، ونتوقع من الجميع احترام ثقافتنا"، حسب تعبيره. ولوّح رئيس لجنة عمليات أمن وسلامة المونديال عبد العزيز الأنصاري، بسحب أعلام قوس القزح من المشجعين، "لحمايتهم من التعرّض للهجوم بسبب ترويجهم لحقوق المثليين".
ومن "البوابة الرئيسية لكأس العالم"، بحسب تعبير الرئيس التنفيذي لمطارات دبي، بول غريفيث، خرج تقرير على موقع "فاينانشيال تايمز" الإلكتروني، ليؤكد أنه من بين القواعد الجديدة التي يتم فرضها على القطاع التعليمي في دبي، وباقي أجزاء دولة الإمارات هذا العام، مع العلم أن عددها الأكبر يعمل من خلال كادر تعليمي بريطاني وغربي، قاعدة تنص على "عدم مناقشة الهوية الجنسية، المثلية الجنسية أو أي سلوك آخر يُعدّ غير مقبول من المجتمع الإماراتي".
وبالإضافة إلى تجريم مجتمع الميم-عين في منطقة الخليج، كما في عدد كبير من الدول العربية، هناك مخاوف أخرى تهدد رفاهية الأشخاص الذين يزورون المنطقة لحضور بطولة كرة القدم، والحدث الأكبر الذي يحدث كل 4 سنوات وينتظره ملايين الناس.
مخاطر رقمية
يترصد خطر على الأمن السيبراني بجميع القادمين لحضور مباريات كرة القدم. بحسب التقارير. جميع التذاكر والهويات الرقمية قد تكون هدفاً للقراصنة الإلكترونيين، من بطاقات السفر أو حجوزات الفنادق والمطاعم وحتى حجوزات المقاعد داخل الملاعب، وسيكون ذلك معطوفاً على الخطر الذي يكمن داخل الرسائل البريدية الخبيثة وطرق التصيد التي يُتوقع أن تتزايد في الفترة المقبلة. هذه النقاط الأمنية وغيرها كانت مدار بحث طويل خلال الأعوام العشرة الأخيرة على طاولة منظمة إنتربول ضمن مشروع "ستاديا" في قطر.
سيكون زوار الخليج العربي على موعد مع تهديدات أمنية جمّة، مع لجوء الوافدين إلى البحث وتحميل تطبيقات غير آمنة على هواتفهم وأجهزتهم لا سيما من أجل استخدام خاصية VoIP، خاصةً مع تطبيقات واتساب، ومسنجر
ويرى مؤسس ومدير الأمن السيبراني في Seekurity، محمد عبد الباسط النوبي، أن بناء جدار ناري بالتعاون مع الإنتربول سيعزز بكل تأكيد أنظمة الحماية والتنبؤ واكتشاف المخاطر المحتملة، ولكن مع تطور الجانب المظلم من المهاجمين والقراصنة الإلكترونيين، لن تكون هناك حماية كاملة إذ لا تخلو الأنظمة الحمائية من الثغرات في البرمجيات كونها مبرمجةً من قبل الإنسان.
وفي حين يبدي النوبي، تمنّيه عدم وقوع أي مشكلات أمنية كبرى وخروقات لهذا الجدار الناري، يشدد على أن الحماية الرقمية تبدأ بزيادة مستوى الوعي الأمني لدى الفرد، قبل لجوئه إلى أي من الأدوات والحلول الرقمية مثل برامج الحماية من الفيروسات وخلافه، وقبل أن تفعّل الحكومات جدرانها النارية.
المخاطر الداخلية
وتذهب زميلة الباحثة في كلية الحقوق في جامعة أوسلو، ناعومي لينتفيدت، أبعد من ذلك، عبر تقديم نصيحة إلى معجبي كرة القدم القادمين إلى منطقة الخليج بعدم أخذ هواتفهم الشخصية معهم بسبب مخاوف ليس فقط من الاختراقات الخارجية، بل أيضاً من المخاطر الداخلية.
فقد نقلت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، سابقاً، شهادات حول قيام السلطات في قطر بتوقيف بعض الأشخاص بناءً على تفاعلهم ونقاشاتهم على الإنترنت وحتى هويتهم الجندرية. وفي حين لم تتم الإشارة إلى تفاصيل هذا التفاعل والنقاش، سيكون زوار الخليج على موعد مع تهديدات أمنية جمّة، مع لجوء الوافدين إلى البحث وتحميل تطبيقات غير آمنة على هواتفهم وأجهزتهم لا سيما من أجل استخدام خاصية VoIP، خاصةً مع تطبيقات واتساب، ومسنجر، وسكايب، وفايستايم، إذ لا تزال إمكانية إجراء المكالمات الصوتية/ المرئية محجوبةً عن التطبيقات الأشهر والأكثر استخداماً.
نقلت "هيومن رايتس ووتش"، سابقاً، شهادات حول قيام سلطات قطر بتوقيف بعض الأشخاص بناءً على نقاشاتهم على الإنترنت
ويرد أحد مستخدمي منصة "ريديت" من قطر على سؤال ورد على المنتدى المفتوح: "نحن ندعو زائري قطر إلى البحث عن أي تطبيق ‘في بي أن’ على متجرَي آبل وأندرويد وتحميله لكون تلك التطبيقات الواردة قادرة على كسر الحجب. نعم البعض منها يعرض إعلانات، ولكنها تفي بالغرض".
وعلى الرغم من الجانب الإيجابي الذي يظهره استخدام تطبيقات كسر الحظر، يفيد النوبي بأن الحكومات تلجأ إلى أنظمتها الأمنية في حال استشعار تهديد ما، ولكون تلك الأنظمة متطورةً جداً، فمهما عظمت أنظمة الحماية الفردية، ستكون بلا أي فائدة أمام برامج أمنية ذات ميزانية غير محدودة، مقترحاً أن الوقاية والدفاع الاستباقي خير من العلاج، مع التحديث المستمر للتطبيقات ونظام التشغيل واستخدام أجهزة إلكترونية مع أخذ جميع الإجراءات الاحترازية الأخرى.
وهنا يجدر الأخذ بعين الاعتبار أنه بالإضافة إلى المعلومات التي يمكن لمطوّري تلك التطبيقات الحصول عليها، تبيّن خلال السنوات الماضية أن بعضاً من تطبيقات "في بي أن" الشهيرة مثل HolaVPN أو Hotspot Shield أو PureVPN، قدّمت معلومات عن المستخدمين للحكومات وكذلك تطلب صلاحيات (permission) خطيرةً في الجهاز.
وفي هذا الإطار، يشير النوبي إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن خدمات "في بي أن" تخزّن سجل نشاط المستخدم وهذه الشركات يمكنها مشاركة المعلومات مع الدول المستخدمة داخلها، فلو كانت قوانين الدولة تمنع أو تجرّم استخدام خدمة معيّنة وتم الولوج إليها من خلال خدمة VPN، ستطلب الدولة بكل تأكيد سجل نشاط المستخدم إن شكّت في نشاطه أو ارتباطه بعمل معيّن يخالف قوانينها.
فتح خاصية VoIP
وفي ملف متصل، تسري بعض الشائعات عبر منصات التواصل عن إمكانية أن تحذو الإدارة القطرية لمباريات كأس العالم، حذو الإدارة الإماراتية لمعرض إكسبو دبي 2020، وفتح خاصية التواصل الصوتي والمرئي VoIP على جميع التطبيقات ولكن في أماكن محددة، كما جرى في النطاق الجغرافي المحدد بأرض معرض إكسبو في إمارة دبي. وقد تتكشف حقيقة تلك الأحاديث مع بدء توافد محبي كرة القدم إلى ستاد البيت في منطقة الخور يوم الأحد 20 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لمشاهدة الاحتفال الافتتاحي للمونديال.
من الضروري الأخذ بعين الاعتبار أن خدمات "في بي أن" تخزّن سجل نشاط المستخدم وهذه الشركات يمكنها مشاركة المعلومات مع الدول المستخدمة داخلها
وعن أفضل الطرق للحماية الشخصية للأجهزة الإلكترونية خلال فعاليات مونديال كأس العالم هذا العام، يرى النوبي أن الوعي الأمني للفرد يبقى السلاح الأفضل، ويتلخص ذلك في عدم الضغط على روابط مشبوهة أو غير معروفة المصدر تم استلامها على أي من منصات التواصل الاجتماعي أو حتى عبر الرسائل القصيرة (أس. أم. أس.)، كما حصر تحميل التطبيقات من متاجرها الرسمية عبر "آب ستور" و"غوغل بلاي"، خصوصاً أن عدد التطبيقات المشبوهة التي تحاول ركب موجة مباريات المونديال في تزايد يوماً بعد يوم، وتحاول اصطياد المعلومات الشخصية للمستخدمين، والتحذير الأخير الذي يودّ النوبي مشاركته هو ضرورة الحذر من ربط الأجهزة الإلكترونية بشبكات الواي فاي المفتوحة، لأن بإمكانها خرق نظام الحماية وفتح باب خلفي للقراصنة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 16 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت