شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
على مشارف الوباء… صدور الجزائريات في خطر

على مشارف الوباء… صدور الجزائريات في خطر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 25 أكتوبر 202202:55 م
Read in English:

Algerian young women falling victim to aggressive breast cancer

"وُري جثمانها الثرى ليلة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد أن نخر سرطان الثدي بروحها وسكن الألم في جسدها إلى الأبد، فلم يعد أطفالها السبعة يتألمون لبكاء أمهم التي كانت تقضي ليالي في أروقة المشافي وغرف العلاج الكيميائي الباردة المعبأة برائحة الموت".

هكذا بدأت آية حديثها عن قصة جارتها نسيمة في العقد الرابع من عمرها أم لسبعة أطفال، أكبرهم سناً يدرس بالطور المتوسط، وأصغرهم التحق بالمدرسة الابتدائية لأول مرة بداية العام الجاري، قائلة لرصيف22: "باغتها المرض مع بداية جائحة فيروس كورونا عام 2019 إلى أن توفاها الله منذ أسبوع".

تروي آية بصوت هادئ وخافت يطغى عليه نوع من الخوف والقلق من تكرار سيناريو معها القصة قائلة: "زارتني نسيمة ذات يوم من ربيع 2019، وأخطرتني أنها حاملة لمرض يمنعها من إكمال حياتها بشكل طبيعي وأنها ستخضع لعملية جراحية لإزالة جميع أنسجة الثدي كطريقة لعلاج سرطان الثدي لتباشر بعدها العلاج الكيمائي".

ودأبت نسيمة حسبما روته جارتها آية على ترويض نفسيتها للتأقلم مع هذا العدو الشرس، وتقول إنها "كانت تحت ضغط مستمر، فاقدة للأمل لأنها كانت متيقنة من أنها ستخرج من المعركة منهزمة لا منتصرة، كما أنها لم تتقبل فترة العلاج بالأخص بعدما طرأت تغييرات على جسمها وشعرها وجلدها".

وتضيف: "وكانت تبكي بلا توقف في آخر أيام حياتها بسبب وضعها الميؤوس، وجسدها الهزيل الذي كانت تدس به جرعات المخدر دساً حتى لا تشعر بالألم، وعلى حالة أطفالها الذين كانت تودعهم للأبد بالأخص وأنها كانت تدرك أنها النهاية".

سرطان الثدي هو الأكثر تشخيصاً في الجزائر. وقد تصاب واحدة من كل 9 نساء بهذا السرطان خلال حياتها، وستموت امرأة واحدة من كل 27 امرأة بسببه

تكاليف العلاج الباهضة

تخوض حميدة (في العقد الرابع من عمرها) وهي أم لثلاثة أطفال حرباً ضروساً مع هذا المرض الخبيث، وتكشف حميدة لرصيف22 معاناتها وتقول إن "الأمر لا يقتصر على الألم الجسدي فقط، بل تتعرض أغلب المصابات بهذا السرطان إلى اهتزازات وانتكاسات  نفسية شاقة وصعبة بسبب التكاليف المالية للعلاج المرتفعة".

وتتساءل المريضة: "كيف أتشجع نفسياً لمواجهة هذا العدو الشرس، وأنا أفكر في الطريقة التي سيوفر بها زوجي تكاليف إجرائي للتحاليل المطلوبة بعد كل جلسة علاج كيميائي وأيضاً التصوير المقطعي باستعمال الأشعة السينية التي تنتج صوراً مفصلة ودقيقة للأعضاء الداخلية بهدف معرفة مدى انحصار المرض الخبيث وإن كنت سأخرج منتصرة عليه أو أنني سأمضي في الغياهب".

وتتابع: "أجبرت على بيع مجوهراتي التي أهداني إياها أبي ليلة عرسي من أجل العلاج والقيام بالفحوص اللازمة لأن راتب زوجي لا يكفي حتى لسد حاجيات البيت ومستلزماته، وفي بعض الأحيان أعالج من تبرعات أقاربي، كنت تحت ضغط مستمر ونفسيتي محبطة ومتشائمة وفاقدة للأمل".

وبشهادة حميدة، فإن "المصابة بسرطان الثدي تنهكها صدمة اكتشاف المرض وانتكاسة العلاج فتتكاثر السيناريوهات في ذهنها ومنهن من يصبن بالهذيان وهو حالة من تراجع الحالة الإدراكية ويفقدن السيطرة على أنفسهن خاصة إذا فشلن في تغطية تكاليف العلاج".

أطباء: تعاني الجزائر نقصاً في فرص التشخيص المبكر والكشف عن الطفرات الوراثية المؤشرة على حدوث المرض، والتي يتيح تحديدها مبكراً وضع برامج للمتابعة والكشف المبكر تكفل درجة من الوقاية

شبيه بالوباء

بناءاً على تصريحات رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة السرطان كمال بوزيد، فإن منحى انتشار سرطان الثدي في الجزائر في تزايد رهيب إذ يتم تسجيل 12 ألف حالة جديدة سنوياً.

ووفقاً للتصريحات التي أدلت بها الدكتورة موساي آسيا المختصة في الأورام بمركز بيار وماري كوري لمكافحة السرطان وسط العاصمة الجزائرية، خلال دورة تكوينية نظمها مخبر "روش" لفائدة الإعلاميين، فإن سرطان الثدي يفتك بـ 3500 امرأة جزائرية سنوياً.

واللافت أن سرطان الثدي يتصدر قائمة أنواع السرطان المنتشرة في البلاد، وتظهر النسبة الكبيرة من الإصابات قبل سن الـ 40 عكس الدول الغربية والعربية الأخرى التي يظهر فيها سرطان الثدي بعد الـ 60 سنة فما فوق استناداً إلى أرقام كشف عنها السجل الوطني للسرطان.

يصيب الصغيرات أيضاً

ولا يعكس هذا الرقم العدد الحقيقي للمصابات بسرطان الثدي في الجزائر لعدة أسباب، تذكر من بينها الدكتورة زحزاح الأخصائية في سرطان الثدي "قلة الاختبارات والإجراءات المستخدمة لتشخيص هذا النوع من السرطانات مثلما هو معمول به في الدول الأوروبية، بحيث يتم استدعاء جميع النساء دون استثناء لإجراء الفحوص اللازمة للثديين".

وتقول الدكتورة زحزاح لرصيف22 إن "الفحص الشامل الذي يشمل جميع النساء غير متوفر في الجزائر لقلة الإمكانيات وحال دون احتوائه، وأصبح بعض الأخصائيين يشبهونه بالوباء بسبب سرعة انتشاره، فهو شبيه بمرض معد".

وتقتصر حملات الفحص خلال شهر أكتوبر الوردي، على الجمعيات الخيرية وبعض المؤسسات الحكومية على غرار الأيام التحسيسية والتوعوية حول سرطان الثدي وعنق الرحم التي نظمتها جميعة "نجوم الشباب" بمحافظة الجزائر العاصمة والأيام التحسيسية حول سرطان الثدي، نظمها المركز الطبي لجامعة الجزائر حول أهمية الفحص الذاتي للوقاية منه.

ومن خصائص السرطان في الجزائر، تقول الدكتورة تواتي عائشة حرم عرعار الأخصائية في أمراض النساء والتوليد لرصيف22 إن "سرطان الثدي بات يصيب النساء قبل بلوغ سن الـ 30 ومعظمهن غير متزوجات، وكانت أصغر حالات صادفتهن خلال مسيرتها الطبية لفتيات تراوح أعمارهن بين 25 و30 عاماً".

ومن أسباب انتشار سرطان الثدي في الجزائر، تُشير الدكتورة عرعار إلى العامل الوراثي وتقول إن "دراسات حديثة كشفت أن الطفرات الموروثة عن الآباء أيضاً تلعب دوراً كبيراً في تفشي هذا المرض، فلم يعد الأمر مقتصراً على الأم فقط".

وتكمل: "انتشار هذا السرطان مرتبط أيضاً بسرطان القولون (المستقيم) وسرطان المبيض، فهناك جينات مشتركة قد يحملها المصاب بإمكانها أن تجعله عرضة للإصابة بهذه السرطانات، وهو ما يجبر على الأطباء على إجراء الاختبار الجيني للمريض".

وتحصي الجزائر حوالي 6500 إصابة جديدة سنوياً بسرطان القولون والمستقيم منها 3500 حالة لدى الرجال و3000 حالة لدى النساء، وفقاً إلى سجلات السرطان للمعهد الجزائري للصحة العمومية.

وأصبحت هذه الإصابة تحتل المرتبة الأولى في أنواع السرطان المنتشرة بصفة عامة حيث يأتي في المرتبة الأولى لدى الرجال والمرتبة الثانية لدى النساء بعد سرطان الثدي.

السبب الأول للوفاة عند المرأة

"ويُعتبر سرطان الثدي السبب الأول للوفاة عند المرأة" هكذا استهلت الدكتورة مزيان أحلام طبيبة ورئيسة مختصة في علاج الأورام والعلاج بالأشعة حديثها لدى نزولها ضيف على الإذاعة الحكومية بقسنطينة (مدينة جزائرية تقع شرقي العاصمة الجزائرية). 

وقالت إن "أكثر من 50 بالمائة من المريضات بالسرطان في الجزائر يعالجن من الإصابة بسرطان الثدي، والأكثر عرضة من لهن سوابق وراثية داخل عائلاتهن. فهذه الطفرات الجينية تجعلن أكثر عرضة للإصابة بهذا النوع من السرطانات".

وحسب رأي الطبيبة مزيان أحلام فإن "العامل الوراثي في الإصابة بسرطان الثدي في الجزائر يمثل من 3 إلى 5 بالمائة، واحتمال توريث مرض السرطان للفتاة يشكل هاجساً كبيراً لدى العائلات الجزائرية".

ومن أهم مسببات الإصابة بسرطان الثدي، تشير الدكتورة المختصة في علاج الأورام والعلاج بالأشعة إلى "الأطعمة غير الصحية والدهون المشبعة، بينما تعتبر مضادات الأكسدة من أقوى المواد التي تقي من شتى أنواع السرطانات كالخس وزيت الزيتون والخضر والفواكه وشرب المياه بكمية تراوح من 2 إلى 3 لترات يومياً وممارسة النشاط الرياضي وتفادي السمنة والابتعاد عن  التوتر والإنقاص من تناول الأدوية الهرمونية".

أغذية مسرطنة

تتفق معها في الرأي الدكتورة مناني الأخصائية في أمراض النساء والتوليد، وتقول إن: "هناك أطعمة مسببة للسرطان من بينها الدجاج والبيض لاحتواء على هرومونات خطيرة جداً تساعد على نمو حجم الدجاج وهي تشكل خطراً كبيراً على فئة النساء اللواتي يصبحن أكثر عرضة للإصابة بالأورام السرطانية على مستوى منطقة الرحم أو الثديين معاً".

ومن أهم الأسباب الأخرى التي تساهم في انتشار هذا السرطان، تذكر الدكتورة مناني "البلوغ في سن مبكرة قبل 12 عاماً وعدم الإرضاع طبيعياً رغم أن تعتبر من أكثر الطرق فعالية لضمان صحة الطفل وبقائه على قيد الحياة".

وتضيف: "سرطان الثدي هو الأكثر تشخيصاً في الجزائر وقد تصاب واحدة من كل 9 نساء بهذا السرطان خلال حياتها وستموت امرأة واحدة من كل 27 امرأة بسببه".

"وخلال العقود الثلاثة الماضية ارتفع عدد الأشخاص المتضررين زيادة طفيفة وهذا يعود لأسباب عديدة وكذا نقص حملات التشخيص المبكر، فالتقدم في الفحص والتشخيص والعلاج سيقلص من معدل الوفيات".

ومن أكثر السرطانات شيُوعاً، تذكر الأخصائية في أمراض النساء والتوليد "سرطان الأقنية وهو أكثر أنواع سرطان الثدي غير الغازية شيوعاً لدى النساء، يتشكل داخل قنوات حليب الثدي، يتم تشخيصه بكثرة منذ انتشار استخدام التصوير الشعاعي للثدي وعلاجه يؤدي إلى الشفاء في جميع الحالات تقريباً إلا إذا تأخر العلاج حيث يستمر في النمو حتى ينتشر خارج قنوات الحليب".

وتؤكد الدكتورة مناني على "ضرورة التوعية في وسائل الإعلام والمساجد وتنظيم الندوات العلمية للتحسيس بأهمية القيام بالتشخيص المبكر"، وتقول إن "بعض النسوة يجهلن أنهن حاملات لهذا النوع من السرطان وهو ما حدث لثلاث مريضات اكتشفت إصابتهن بعد تشخيص أجريته لهن عن طريق الصدفة".

وأسفت الطبيبة المختصة "لغياب مخطط واضح لكشف سرطان الثدي أو ما يعرف بالمسح حتى أن أجهزة التصوير غير كافية العدد لدى القطاع العام أو الخاص، ناهيك بمواعيد العلاج الكيميائي المتباعدة وسعر الفحص المرتفع مقابل ضآلة تعويضات مصاريف العلاج من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image