شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
إن العالم أقبح من أن يكون ساحة انطلاق لـ

إن العالم أقبح من أن يكون ساحة انطلاق لـ "طفلة حالمة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأربعاء 2 نوفمبر 202209:33 ص

يأتي هذا النص كجزء من سلسلة نصوص ومقالات بعنوان "أن تكوني أماً لفتاة في البلاد العربية"، تكتبها كاتبات وصحافيات يعشن في بلاد عربيّة متنوعة، ويشاركن تجاربهن كأمهّات لفتيات في هذه البلاد.

أنجبت بنتاً، فصرت نسخةً من كل ما تمرّدت عليه في أمي.

قبل 25 عاماً، خضت أول تمرد في حياتي. تمرد يكبر طفلة في العاشرة من عمرها - عمري آنذاك. رفضت ارتداء حمالة الصدر. راوغت أمي مراراً وهي تحاول إخباري أن جسدي ينمو ويقترب من طور الأنثى وقد يجلب عليّ حجم ثديي الآخذين في التضخم النظرات غير المريحة والمعاكسات.

أنجبت بنتاً، فصرت نسخةً من كل ما تمرّدت عليه في أمي.

الآن، أدرك أنها كانت متخوفة من أمر أكثر بشاعة، وترددت في أن تثير مخاوفي. كما أعي تماماً قلقها وهواجسها وهي تُملي عليّ وعلى شقيقتيّ قبل مغادرة المنزل في كل مرة - للمدرسة أو الدروس الخصوصية أو زيارة العائلة - "قائمة الممنوعات".

كانت القائمة "المزعجة" تضم تعليمات صريحة بـ "عدم الذهاب مع أي شخص غريب، وعدم خلع أي قطعة ملابس خارج المنزل مهما حدث، وعدم السماح لأي شخص بملامسة الأجزاء الحساسة من أجسادنا".

حفظت أنا وشقيقاتي هذه "الإسطوانة" جيداً، حتى كرهنا مغادرة المنزل لضيقنا من تكرارها. حسناً، قد أعترف بكل أريحية بهذا الآن: كنت أنا تحديداً المتمردة من بين شقيقاتي الثلاث. كنت أتذمّر علناً وأجابه أمي القول بالقول والتعليمات بالرفض والحجة بالاستعلاء والتظاهر بالقدرة على السيطرة.

لا أتذكر تحديداً كم مرة اعترضت على تعليمات "السلامة خارج المنزل" التي كانت أمي ترددها ليل نهار، وكم شجار خضنا بسبب رفضها أن ألعب مع أبناء عمومتي الصبيان، وبخاصة في المساء.

لا أتذكر تحديداً كم مرة اعترضت على تعليمات "السلامة خارج المنزل" التي كانت أمي ترددها ليل نهار، وكم شجار خضنا بسبب رفضها أن ألعب مع أبناء عمومتي الصبيان، وبخاصة في المساء

بعيداً عن الشجار والاعتراض الواضح، كنت في داخلي أرى أمي شخصاً "خانقاً ومبالغاً في مخاوفه" وكنت أتمنى أن أكبر سريعاً لأنطلق خارج المساحة التي يمكنها فيها تقييد تصرفاتي.

كبرت، وتزوجت، وحملت، وأنجبت بنتاً في نفس سني تقريباً إبّان "التمرد الأول"، وتفاجأت بأني صرت نسخةً كربونيةً من كل ما كرهته وتمرّدت عليه في أمي!

لا أفارق ابنتي ليل نهار. أرافقها صباحاً لمدرستها، وأنتظرها حتى تنتهي فأصحبها لدروسها الخاصة التي أحضرها كذلك. أرفض أن تخرج في رحلة مدرسية حتّى مع قناعتي التامة بأنها ستكون في أمان. وبالطبع، لا أسمح بأن تذهب في زيارة عائلية أو تقابل صديقاتها دوني.

وهي في مرحلة الروضة "الحضانة"، كنت أنتظرها في سيارتي تحت شباك فصلها مع الاتصال الدائم بمعلماتها اللاتي لا أعلم كيف يتحمّلن توتري وقلقي الزائدين.

دخول الحمام خارج المنزل كان السبب الأكبر لفزعي. "لستة (قائمة) تعليمات ماما" اصطحبتها معي وأنا أربي ابنتي. بل زدت عليها كثيراً مستعينةً بإرشادات حماية الأطفال من التحرش بأشكاله. 

كبرت، وتزوجت، وحملت، وأنجبت بنتاً في نفس سني تقريباً إبّان "التمرد الأول"، وتفاجأت بأني صرت نسخةً كربونيةً من كل ما كرهته وتمرّدت عليه في أمي!

ربما كان الفارق الوحيد بيني وبين أمي - على حد تقديري - أن أمي كانت تذيّل نصائحها بكلمة "عيب"، بينما أنا أوضح لطفلتي سبب قلقي عليها وحرصي على حمايتها. هو بالتأكيد كان غرض أمي لكن ربما لم تجد التعبير عنه أو ظنت أنني لن أتفهمه فاختارت أقصر طريق واكتفت بالـ "عيب".

علّمت طفلتي كذلك عن خصوصية جسدها وحقها في رفض أي لمسة غير مرغوبة، وشرحت لها كيف قد يتحرش شخص بالغ بطفل/ة وماذا ينبغي أن نفعل إذا حدث ذلك. أمور لم تكن مستوعبة في زمن أمي غالباً.

مع كل ذلك، لا أملّ من تكرار السؤال على ابنتي عقب عودتها من المدرسة/ التمرين/ أي مكان لا تكون تحت عينيّ فيه بشكل مباشر ومستمر: "حد لمسك أو قالك أو عمل حاجة بطريقة ضايقتك؟"

وترد دائماً: "يوووه، لأ يا ماما مفيش".

حتّى ابنتي تشبه نسختي الطفلة

بنفس القدر الذي يصدمني فيه الشبه بيني وبين أمي، يذهلني الشبه بين ردة فعلي قبل 25 عاماً، وردة فعل ابنتي الآن. نفس "البرطمة" (الرد الغاضب الخافت المكتوم) و"التنطيط"، والاحتجاج، والتعبير عن الضيق.

في مصر، إذا فكرت الفتاة أن تعيش بحريّة، وتمارس أبسط حقوقها، وتحلم، فقد تجد نفسها نيرة أشرف أو سلمى بهجت… 


تماماً، مثلما كنت أود الانطلاق وأشعر بأمي تقيّد حريتي، تشعر ابنتي بالغضب وتحتج باستمرار: "أنا كبرت". 

يلومني المحيطون كذلك، وينصحونني بـ "الإفراج عنها" ومنحها "مساحة حرية".

أرد عليهم، وعلى ابنتي، بأنه بنفس قدر حقها في "الانطلاق" يكون حقي في الخوف عليها وواجبي في حمايتها.

أتفهم غضب طفلتي، الذي كان غضبي أنا أيضاً ذات يوم، لكنني أصبحت أعي الآن أن العالم "أقبح" من أن يكون "ساحة انطلاق" لـ "طفلة حالمة". في مصر تحديداً، ينبغي أن نعيش فتيات ونساء في قلق مستمر كأسلوب استباقي في وجه كل ما يحصل حولنا من تحرشات وتعنيف وتهديد متصالح معه المجتمع.

في مصر، إذا فكرت الفتاة أن تعيش بحريّة، وتمارس أبسط حقوقها، وتحلم، فقد تجد نفسها نيرة أشرف أو سلمى بهجت… 

أحاول جاهدة أن أخفف وطأة قيودي عليها وملازمتي إياها، سمحت لها ذات مرة بالذهاب لرحلة مدرسية وتبعتها بسيارتي ذهاباً وعودة. لكنني لا أعتقد أنني مؤهلة أبداً لأكثر من ذلك.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard