شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
بسبب العيب والحرام... التربية الجنسية في غزة تبدأ بعد الزواج

بسبب العيب والحرام... التربية الجنسية في غزة تبدأ بعد الزواج

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 7 مايو 202211:06 ص


عاشت أمل سعيد، من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة في فلسطين، طفولة عادية، إلى أن بلغت الـ14 من عمرها، حين قلب مشهدٌ حميم في فيلم أجنبي حياتها رأساً على عقب، وبدأت تدور في رأسها الصغير عشراتٌ من الأسئلة الكبيرة عن العلاقات الحميمة والزواج، أسئلة عن عوالم محجوبة عنها تماماً.

تقول وشريط الذكرى يدور في ذهنها: "كنتُ لوحدي في المنزل يومها حين شاهدتُ ما جرى بين البطلة والبطل في ذلك الفيلم. انتابتني مشاعر غريبة، وأخذت أفكر كما تفعل كل المراهقات في كيفية ولادة الإنسان وماذا يحدث في الزواج بين الرجل والمرأة".

ولأنها كانت أكبر شقيقاتها، لم يكن هنالك مَن تسألهُ عن كل ذلك، سوى والدتها. وتجرأت ذات يوم، ووقفت أمامها في المطبخ رافعةً بخجل سبابتها كأنها توجه سؤالاً إلى معلمتها: "ماما، كيف يتزوج الرجل والمرأة؟ يعني ماذا يفعلون؟".

باغت السؤال الأم، فتجمدت لبرهة قبل أن تقول لها بنبرة متقطعة: "عيبٌ هذا الكلام، وحرام".

حاولت الفتاة أن تشرح لأمها سبب استفسارها. أخبرتها أنها شاهدت في التلفزيون رجلاً وامرأة... وقبل أن تكمل جملتها، تلقت صفعة قوية على وجهها وأوامر حازمة غير قابلة للنقاش بأن تذهب لتتوضأ وتصلي "حتى يسامحكِ الله". تتسع عينا أمل عند ذكرها العبارة الأخيرة وتقول ضاغطة على كلماتها: "بالضبط قالت لي هذا، حتى يسامحكِ الله، وكأنني ارتكبت معصية كبرى".

رحلة البحث عن إجابات

تلك الصفعة لم تبدد الهواجس والأفكار التي بدأت تكتظ في رأسها. ولكن باب الأم كان قد أغلق بوجهها، وهكذا أسئلة في المدرسة أو للصديقات، في زمن لم يكن فيه إنترنت كان سيشكّل خرقاً كبيراً للعرف الأخلاقي الذي لم تعرف منه سوى كلمة واحدة فقط، هي "عيب".

قادها ذلك إلى محاولة البحث عن إجاباتٍ عن أسئلتها بنفسها، وكانت العادة السرية وسيلتها التي سرعان ما اعتادت عليها بنحو إدماني، إلى حين أتى ذلك اليوم الذي تعدّه الأسوأ في حياتها.

كان الوقت مساءً، وكانت منشغلة على السرير في غرفتها بممارسة العادة السرية، ولم تكن قد أغلقت الباب بالمفتاح كما تفعل في كل مرة، كما لم تسمع صوت والدتها وهي تنادي عليها بإلحاح لتناول العشاء.

"فجأة فتحت أمي الباب لتشاهدني بتلك الوضعية، كان إبريق الشاي الساخن يرتجف في يدها من الغضب أو ربما الصدمة، فهرعتُ مدفوعة بالخوف والخجل للهروب من مأزقي، وكانت هي في طريقي فارتطمت بها وسقطتُ على الأرض وانسكب الشاي على ساقي".

تكشف أمل عن ساقها الأيمن. آثار حرق تشبه خارطة دولة ما، مرسومة كوشم غير قابل للزوال. تقول بنبرة حزن: "الأثر الباقي في قلبي أكثر عمقاً على الرغم من مرور ثلاثين سنة على ذلك"، فقد قولبت أمها حادثة حرق ساقها على أنها رسالة من الله يحذّرها فيها من أنها ستحترق بنار جهنم.

التزمت أمل بعدها بالصلاة، وحاولت قدر الإمكان إبعاد أسئلة الجنس عن ذهنها، ومرت ثلاثُ سنوات قبل أن تُزوّج وهي في الـ17 من عمرها، وعندها عرفت كل شيء!

"أنا مصدر معلومات لبنتيّ"

تاريخ علاقة أمل بأمها والحواجز التي كانت بينهما في بعض الشؤون الخاصة، دفعتها إلى تبني نهج خاص في التعامل مع ابنتيها، دانا ونور، قوامهُ الصداقة. تصغي جيداً لما تقوله ابنتها المراهقة دانا وتحاول باستمرار أن تكون حاضرة وتناقشها في كل ما يشغل بالها.

"أنا صديقة لابنتيّ، نخرج، نتمشى سوية، نفهم بعضنا البعض، وأبقي الأبواب كلها مفتوحة لهما نحوي. هذا واجبي، فإذ لم أكن أنا كأم ملاذهما وصديقتهما التي تسمعهما، من سيفعل ذلك إذن؟" (أم من غزة)

وتقول: "دانا عمرها 12 سنة، في مرحلة المراهقة، وأختها الأصغر نور عمرها تسع سنوات ولا أريد لبنتيّ أن تمرا بحالة الصراع النفسي والفكري التي مررت بها وأنا مراهقة، فقد كانت الفترة أسوأ فترات حياتي، لذلك شجعتهما على أن تفضيا لي بما في رأسيهما وقلبيهما، وأن تلجآ إليّ وليس إلى آخرين ولا إلي خياليهما".

أمل التي تعمل في إحدى المؤسسات الحكومية في غزة ألغت من قاموس تعاملها مع بنتيها مفردات التخويف بالنار أو جلدهن بسياط الـ"عيب". وحين لا تجد إجابة لواحدة من أسئلتهما التي "لا تنتهي" كما تقول، تخبرهما بأن الوقت مبكر لمعرفة الإجابة أو تكتفي بمعلومات عامة تتوافق مع مرحلة كل واحدة منهما العمرية.

وتضيف بشيء من الزهو: "أنا صديقة لهما، نخرج، نتمشى سوية، نفهم بعضنا البعض، وأبقي الأبواب كلها مفتوحة لهما نحوي. هذا واجبي، فإذ لم أكن أنا كأم ملاذهما وصديقتهما التي تسمعهما، من سيفعل ذلك إذن؟".

وتتابع: "عندما تزوجتُ، لم تحكِ لي أمي ولا بكلمة واحدة عن ليلة الدخلة وما يحدث فيها، وفي اليوم التالي اكتفت بسؤالي إنْ كان زوجي سعيداً، فأكدت لها ذلك، لكننا لم نتكلم في أية تفاصيل".

تأخذ نفساً عميقاً، وتتابع بحزم: "لن أفعل هذا مع بناتي، سأكون معهن إذا احتجن إليّ. لن أتركهن وحيدات مع هواجسهن أبداً".

المدرسة أيضاً مسؤولة

لم تعد التربية الجنسية مسؤولية الأسرة وحدها. كثيرٌ من الدول، ولا سيما المتقدمة، أصبحت تشرك المدرسة في أداء هذا الدور نظراً لأهميته وخطورته في الوقت عينه.

الكاتبة ومديرة مدرسة الزهراء الثانوية للبنات سابقاً فتحية صرصور أكدت بأنها كانت تراعي الأمر، وتناقش الفتيات اللواتي يلجأن إليها للحديث في أمور تخصهن.

وكانت هنالك مرشدة تربوية، تقع على عاتقها مسؤولية تلقي استفسارات الفتيات "لكن في حدود ما يسمح به الشرع والعرف"، تقول مكررة العبارة الأخيرة مرتين.

"حتى لو الدين حلل ذلك يظل هنالك الحياء والخجل الذي يجب ألا يزول بين الفتاة والآخرين حتى لو كانت أمها وإلا ستفقد البنت حياءها ويصبح الأمر عادياً" (أم من غزة)

وعبرت صرصور عن شعورها بالأسف لكون غالبية الأهالي لا يعون خطورة مرحلة المراهقة التي يكون فيها الشخص في مرحلة نمو جسدي، ومعها يبدأ بطرح الأسئلة التي ينبغي أن يجيب عنها المقربون منه.

وفي المدرسة، "لا يتم تخصيص حصص مدرسية تشرح للفتيات عن الثقافة الجنسية، ولم يحدث ذلك من قبل على حد علمي"، تقول.

وتشير إلى أن ذلك ممكن حالياً، لكن فقط خلال حصص الإرشاد وهي غير منهجية، توعوية فقط، بلا اختبارات للطالبات في نهاية العام في محتواها وبالتالي لا علامات لها في سجل الطالبة.

وتلفت إلى أن تلك الحصص "غالباً ما تكون في حصص الفراغ أو لسد غياب معلمة وتكون في سياق حديث المرشدة بضوابط محددة وبالقدر الذي يطمئن الفتاة، في حال تعرضت للتحرش وخلاف ذلك".

ويشدد المرشد التربوي محمود المنسي الذي يعمل في مركز فلسطين للتدريب والدراسات في غزة على أهمية التوعية الجنسية للفتيات بعمر المراهقة، ولزوم حصولهن على معلومات تفصيلية صحيحة، وليس "عموميات أو مفاهيم مغلوطة قد تؤثر على حياتهن مستقبلاً".

ويتابع بأسف: "مجتمعنا يعدّ التحدث في مواضيع الثقافة أو التوعية الجنسية من المحرمات والعيب على الرغم من أن الأمهات الشابات أكثر انفتاحاً واحتواء لبناتهن خلافاً للصورة النمطية القديمة عن الأم الحازمة، لكن في ما يخص التربية الجنسية ما زال هنالك الكثير لفعله".

الدين والتربية الجنسية

وبما أن المبرر الغالب لرفض الأمهات الحديث مع بناتهن في أمور تتعلق بالقضايا الجنسية هو الحرام، يؤكد الداعية الإسلامي الدكتور أيمن أبو حجر أن التربية الجنسية تعني تعليم الأبناء وتوعيتهم ببعض قضايا البلوغ والغريزة والزواج.

ويبدي أبو حجر استغرابه مما يصفه بانغلاق فكر كثيرين من الناس في هذا الأمر، ورفضهم الحديث مع أبنائهم في تلك المواضيع مع أن الشريعة الاسلامية أكدت ضرورة ذلك، وفقاً لما ذكر.

ويضيف أن "التربية الجنسية لا تعني تعليم الجنس، بل تربية الأبناء وتوجيههم وهذا يحفظ الأطفال من مرافقة أصدقاء السوء أو التجارب الخاطئة التي يقع فيها أبناؤنا".

لنا الحق بأن نعرف

سليم العشي شاب من غزة يبلغ من العمر 18 عاماً، يحمّل المجتمع مسؤولية جهل مَن هم في عمره أو أقل من ذلك بالأمور الداخلة في نطاق الجنس، والتي يعتقد أن معرفة شيء عنها حق من الحقوق التي ينبغي على العائلة منحها لأبنائها.

ويقول بشيء من االحيرة: "نحن نخجل ونشعر بالحرج إذا راودتنا فكرة تتعلق بالجنس ونرفض أن نسأل أهالينا، بل نذهب مباشرة للإنترنت، أصدقائي يفعلون ذلك، وأنا أيضاً".

يشير إلى وجود ملايين المواقع الإباحية والمنشورات المقروءة والمرئية التي تشرح كل شيء يتعلق بالجنس وبالتفصيل. يفكر قليلاً ثم يقول ممازحاً: "ربما يكون جيلنا الحالي دون حاجة إلى زواج. كثرت معرفته بأمور الجنس مقارنةً بجيل والدي أو جدي".

من جانب آخر، تقول نيفين السلهوب (15 عاماً)، وهي من قطاع غزة كذلك، إنها هي مَن ترفض الحديث في"هذه الأشياء" وتقصد الجنس، وتضيف: "من حقي أن أعرف، من حقي أن ـسأل لكن الخجل يمنعني وشقيقتي الأكبر مني وقريباتي وصديقاتي كلهن مثلي".

بين الحرام والعيب

تنظر صابرين عبد الهادي (45 عاماً) بعين القلق تجاه القضايا المتعلقة بالتربية أو الثقافة الجنسية، وتعدّها حساسة جداً وهنالك موانع عادة للخوض فيها، وتقول: "حتى لو الدين حلل ذلك يظل هنالك الحياء والخجل الذي يجب ألا يزول بين الفتاة والآخرين حتى لو كانت أمها وإلا ستفقد البنت حياءها ويصبح الأمر عادياً".

وتعتقد صابرين أنه ينبغي أن يعطى كل سن حقه: "عندما تكون الفتاة مراهقة أعلّمها عن الدورة الشهرية ونظافة جسمها، لكن الجنس وغيره هذه مواضيع ستفهمها لاحقاً عندما تتزوج".

وترى صابرين التي تعمل مدرّسة في روضة للأطفال بمخيم الشاطئ أن التطور التكنولوجي لا يقدّم ولا يؤخر ولن يفتح عين البنات على هكذا قصص طالما هنالك رقابة وتقول: "يجب أن نربّي بناتنا مثلما تربينا على الحياء والخجل".

وتتساءل: "يعني لو البنت بعمر الـ15 عرفت كل شيء عن الأمور الجنسية ماذا سيبقى لها بعد الزواج لتعرف؟ بالعكس الحديث قد يجعلها تسرح في خيالها أكثر وتحاول تصور الأمر وهو ما لا أتقبله إطلاقا لابنتي".

تطوق صابرين بذراعيها توأميها تالا وهالة، وهما في العاشرة من عمريهما وتقول: "مثلما تعلمت سيتعلمن ومثلما تربيت سأربيهن. الحياء مطلوب والحزم مطلوب في العلاقة بين الأم وبناتها".



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image