شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
توابع ليلة مصرع الكتاكيت... هل تواجه مصر أزمة في كفاية السلع الغذائية؟

توابع ليلة مصرع الكتاكيت... هل تواجه مصر أزمة في كفاية السلع الغذائية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 18 أكتوبر 202205:05 م

 أنهت قرارات عاجلة تلت لقاء أجراه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مع ممثلين عن اتحاد مربي الدواجن في مصر طوفان الصور ومقاطع الفيديو التي زلزلت الرأي العام المصري على مدار يومي الأحد والإثنين الماضيين (16 و17 أكتوبر/ تشرين الأول) والتي حملت مشاهد مؤلمة لمعاملة قاسية لصغار الدواجن (كتاكيت/ صيصان) لتنبيه الرأي العام إلى أزمة نقص الأعلاف وتكدسها في الموانئ المصرية، بسبب أزمة الدولار الطاحنة التي تمر بها البلاد.

وانتهى الاجتماع إلى توجيهات حكومية بسرعة تدبير الدولار اللازم (نحو 340 مليون دولار) للإفراج عن شحنات فول الصويا والذرة التي تحتاجها المصانع لخلط وتصنيع الأعلاف اللازمة لاستمرار صناعة الدواجن في مصر.


انتهاء مؤقت

بحسب تصريحات أعضاء في اتحاد مربي الدواجن تحدثوا إلى رصيف22، فإن الكمية المستوردة ي مخازن الموانئ، تبلغ مليون ونصف مليون طن، يحتاج مربو الدواجن إلى سحب 200 ألف طن منها شهرياً، بتكلفة تدبير تبلغ 340 مليون دولار في كل شهر بحسب تأكيدات المهندس طارق هلا، أحد مربي الدواجن وصاحب مصنع أعلاف، وسيتعين على الحكومة التوجيه بتدبير هذا المبلغ شهرياً للإفراج الكميات اللازمة لاستمرار الصناعة.

في الوقت تشهد منافذ بيع الجملة والتجزئة ظاهرة جديدة على المصريين وهي إلزامهم بشراء كميات محددة من السلع الغذائية بشكل خاص وسلع أخرى منها السجائر، فوفق قرارات غير معلنة تحدد للأفراد كميات لا تزيد عن علبتي سجائر في مرة الشراء الواحدة وثلاثة كيلوجرامات من الأرز أو السكر وغيرها من السلع التي لا يكفي الإنتاج المحلي فيها طلبات الاستهلاك، ما يشي بنقص كبير في الكميات المعروضة من السلع الغذائية.

أزمة قديمة

أحد أبرز مَن طرحوا المشكلة كان المحاسب طارق نصر هلا، صاحب محطات أمهات دواجن وتسمين ومعمل وتفريخ في محافظات الأسكندرية والبحيرة والغربية، وكذلك مصنع المصرية/ الهولندية لتصنيع الأعلاف، والذي ظهر عبر حسابه فيديو للتخلص من الكتاكيت.

بحسب هلا: "الأزمة موجودة منذ حوالي شهرين، وتتلخص في ارتفاع مستمر في أسعار العلف وانخفاض أسعار الدواجن مع خسائر كبيرة في مجال تسمين الفراخ البيضاء".

بالمثل، فإن هشام عزب* (اسم مستعار بناءً على طلب المصدر)، عضو مجلس إدارة إحدى شركات الإنتاج الداجني والذي تعمل أسرته في مجال التسمين وأمهات وجدود الدواجن منذ الثمانينيات، يردّ الأزمة إلى وقت بعيد، بقوله "هي أزمة قديمة منذ شهور إن لم يكن سنتين أو ثلاثة". وفصّل عزب هذه الأزمات قائلاً "أبرزها حالياً المتعلقة بالدولار منذ شهر مارس/ آذار الماضي، إذ أنها تفاقمت بصورة أثّرت على استيراد المعدات والخامات والأعلاف"، مُعلّقاً "احنا أمن غذائي مش مجرد مجال عمل عادي، والدواجن المفروض أن تتلقى الدعم لأنها أرخص بروتين حيواني بالنسبة للمواطن".

وتسارع مصر الخطى نحو إنقاذ رقبتها من حبل الإفلاس الخانق، فلجأت منذ مارس/ آذار الماضي إلى وقف الاستيراد بشكل شبه كامل من خلال عدة قرارات مالية أصدرها البنك المركزي في عهد محافظه السابق طارق عامر، بدأت بوقف العمل بمستندات التحصيل وإلزام المستوردين بنظام الاعتمادات المستندية، ثم منع المستوردين والتجار من تدبير العملة بأنفسهم في محاولة للسيطرة على سوق الدولار الموازية وتلتها إجراءات أخرى عديدة كان من شأنها شل قطاعات واسعة في الصناعة والتجارة المحلية، لكنها لم تمنع من إنزلاق الجنيه نحو المزيد من الانخفاض مقابل الدولار، حتى بلغ سعر الأخير في نهاية عهد عامر 19.52 جنيهاً للدولار الواحد، فيما بلغ نحو 22 جنيهاً في السوق الموازية، وصلت الآن إلى 23. وتتنبأ الوكالة الاقتصادية المتخصصة بلومبيرغ، أن يصل سعر الدولار إلى 24.6 جميهاً مصرياً قبل توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، في ظل اشتراطات الصندوق التي تتضمن التحرير الكامل لسعر العملة المحلية.

لكن المربي أحمد سمير، الذي يمتلك تسع مزارع في محافظة الشرقية وشركة "سوبر فيد" للدواجن والأعلاف، فيرجع الأزمة إلى تاريخ أقدم، وهو مايو/ أيار 2020 مع توسع الحكومة في الإجراءات الاحترازية المعلنة ضد انتشار كورونا. وبحسب سمير قفز سعر طن العلف خلال سنة واحدة إلى الضعف، إذ يصل سعر طن العلف في مصر الآن إلى 16 ألف جنيه للطن، فيما لم يكن سعره يتجاوز 8 آلاف جنيه في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

وبدأت مصر تشهد بوادر للأزمة الاقتصادية الحالية في نهايات العام الماضي قبل أشهر من الحرب الروسية الأوكرانية التي تصر السلطات المصرية على أن تنسب إليها التسبب في الأزمة الحالية.

أثر الأزمة الاقتصادية ومردودها على قطاع الدواجن جاء أعظم أثراً على صغار المربين، ومنهم رائد صلاح الذي يمتلك معملاً للتفريخ (استيلاد الصيصان وتربيتها إلى حدود 45 يوماً قبل بيعها لمزارع التسمين والبيض) يقول:"اللي احنا فيه ده خراب، حاجة ماشوفتهاش حتى وقت أنفلونزا الطيور، احنا مش عارفين نأكل الكتاكيت، مفيش أعلاف والمُنتج بيخرج من إيدينا أقل من تكلفته، مع زيادة سعر العلف بنسبة 100%".

تشهد المتاجر ظاهرة جديدة على الأجيال الحالية من المصريين، وهي إلزامهم بشراء كميات محددة من السلع الغذائية والسجائر، فوفق قرارات غير معلنة؛ تحدد للأفراد كميات لا تزيد عن علبتي سجائر ، وثلاثة كيلوجرامات من الأرز أو السكر، وغيرها من السلع التي لا يكفي الإنتاج المحلي فيها طلبات الاستهلاك، ما يشي بنقص في الكميات المعروضة من السلع الغذائية

ويفصّلها قائلاً "الكتكوت الواحد اللي كانت تغذيته بـ30 جنيه كسعر لـ3.5 كيلوجرام علف لحين بيعه أصبحت 60 جنيه، وده بالإضافة للتدفئة اللي بتكلفني للواحد بس 6 جنيه واحنا خلاص قرّبنا من الشتا فالتكلفة هترتفع، بخلاف العمالة والإيجار والفرش والأدوية والتحصينات".

المهندس طارق هلا يُرجع أسباب الزيادات والخسائر، لاسيما في الأعلاف، إلى "الصراع الروسي- الأوكراني"، لاعتماد مربي الدواجن في مصر على استيراد الحبوب المطلوبة لخلط العلف "الذرة وفول الصويا" من أوكرانيا باعتبارها الأرخص، الآن يضطر المستثمرين في مجال الأعلاف إلى الاستيراد من منافذ أخرى ما يعني أسعار أعلى وبالتالي طلب أعلى على الدولار الشحيح.

عزب الذي يختلف مع هلا في اعتبار الصراع الروسي الحالي سبباً للأزمة، يتفق معه فيما يخصّ الدولار "التأثر الحقيقي بسبب عدم توفر العملة الصعبة"، ويضيف أسباباً أخرى، بقوله "كما أن الموضوع ببساطة شديدة هو أن هذه الصناعة كبيرة جداً لكنها غير منظمة".

وزير الزراعة، السيد القصير، أعلن في تصريحات تليفزيونية مساء الأحد 16 أكتوبر/ تشرين الثاني، أن إعدام الكتاكيت هو "حالة فردية وفيديو وحيد متكرر"، ورغم اعترافه بوجود أزمة، إلّا أنه لم يستبعد "استغلال أهل الشر للوضع الحالي"، في إشارة متكررة من المسؤولين الرسميين في مصر إلى جماعة الإخوان المسلمين، منذ اصطك الرئيس عبدالفتاح السيسي هذا اللقب للإشارة إليهم.

أما رئيس شعبة الدواجن عبد العزيز السيد، الذي حاول رصيف22 التواصل معه للتعرف على تطورات الأمر أو ما يتم اتخاذه من إجراءات الآن، لكن من دون ردّ؛ هو مَن شدد في تصريحات تليفزيونية على ضرورة توفير مستلزمات الإنتاج، التي "وصل العجز فيها إلى 50% رغم الإفراج عن 15% منها"، واصفاً الوضع بأنه "أخطر من أنفلونزا الطيور".

المواطن يدفع الثمن

على الرغم من نشرات وأرقام مثيرة للجدل دأب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – وكالة الإحصاء الرسمية في البلاد- على إصدارها منذ أزمة تقرير مسح وتقويم الفقر في العام 2019، إلا أن نشرات الأسعار الشهرية التي يصدرها الجهاز شهدت بارتفاع أسعار كافة المجموعات الغذائية، ومنها اللحوم والدواجن التي اقتصرت الزيادة فيها على نسبة ارتفاع 1.8% بالتوازي مع تراجع الطلب. يذكر أن معدل استهلاك المصريين للحوم والدواجن والبروتين الحيواني المصدر (ألبان- بيض- لحوم- أسماك) هو من بين أقل المعدلات عالمياً بحسب إحصاءات وتقارير البنك الدولي.

لكن الأزمة الجديدة تبشر بمزيد من الانخفاض في الطلب نتيجة ارتفاعات جديدة متوقعة في الأسعار. يقول أحمد سمير وهو من كبار المربين: "تكلفة التربية عالية، ودا هينعكس على سعر البيع للمستهلك، خصوصاً لو ارتفعت تكلفة النقل". وبحسب تقارير صحافية نقلت عن مصادر حكومية، تنظر الحكومة الآن في مراجعة أسعار الوقود وتحريكها شهريا وليس على أساس ربع سنوي كما يجري الآن.

تصفية وإعدام

اضطر سمير إلى وقف عُمال لديه وتسريحهم، أما مُربي آخر هو هاني علي (33 سنة) فاضطر إلى ما هو أصعب، إغلاق مزرعتين يمتلكهما في مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية، بسبب الخسائر، ما انعكس على العمالة في المزرعتين.

ويختتم المُربي الذي أنهى مشواره مع مزرعتيه، بقوله "في ظل الأسعار المرتفعة للعلف التي ترهقنا مادياً، كان طموحي إني أوصل لهامش ربح ولو بسيط، أو على الأقل عدم التعرض لخسارة، وكنت بقول أهي دورة تشيل وتعوض دورة، لكن الفترة اللي فاتت دي كانت أصعب ما مر علينا، وبسببها اضطريت للتصفية".

ارتفاع تكلفة التربية هو نتيجة لارتفاع سعر العلف، لكنه في الوقت نفسه سبباً في أمر أخطر، وهو الإعدام، والذي يقول عنه هلا "الإعدام هنا ليس بمعنى القتل فقط، بل له صور مختلفة. فأنا لو اضطررت لبيع دواجن أمهات عمرها 35 أسبوع والمفروض تكمل 36 أسبوع؛ ده بنسميه إعدام".

ويوضح وجهة نظره بالقول "لأني رغم إني ربيتها لكنها لم تنتج أو تمنحني الفترة الإنتاجية التي ربيتها من أجلها. أيضاً، لو امتلك 50 ألف كتكوت يومياً وأبيع منهم 30 ألف وأوزع 10 آلاف مجاناً وأطلق 5 آلاف في الأراضي الزراعية؛ ده بنسميه إعدام. ناهيك إن فيه شركات أعدمت فعلاً".

الأسعار من الأمور التي يشكو منها سمير أيضاً بعد الزيادات الجنونية فيها، إذ يقول "حالياً بنشتري الصويا بـ27 ألف جنيه للطن بعد ما كانت من حوالي أسبوع أو 10 أيام بـ17 ألف أو على أقصى تقدير 19 ألف للطن، وده لليوم الواحد فقط. أنا حالياً عندي مزارع الدواجن اللي فيها جعانة ومش عارف أعمل لها إيه، وبقيت بخسر في كل حاجة بالملايين. يعني النهارده اللي بيخلي الكتكوت بجنيه هو إني مش لاقي له علف، فحتى لو رفضت بيعه وربيته أنا في النهاية هخسر لأني هبيعه لما يكبر بـ32 جنيه".

عن هذه الأزمة يقول أيضاً "دي أول مرّة أمر بأزمة زي دي، ده فعلاً خراب بيوت"، متساءلاً "ليه أخسر ما لا يقل عن 11 مليون جنيه في سنة واحدة؟ وهعوضهم إزاي وامتى؟ خصوصاً وإني مديون بفلوس وماضي شيكات لموردين. فين الحكومة والرقابة اللي على المجال ده لضمان الحقوق؟ دي شغلانة عشوائية".

ويقترح أحمد سمير "فرض الرقابة وحفظ الحقوق للجميع، وعدم التسبب في الخسائر"، متساءلاً "ليه نستورد في مجال المفترض إن عندنا اكتفاء ذاتي منه؟ بالإضافة لإنها صناعة فاتحة بيوت ملايين. وليه أبيع بخسارة وبأقل من التكلفة الخاصة بالذرة والصويا؟".

أمّا طارق هلا، وبعد حضوره اجتماع أمس الأول مع رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة ومسؤولين آخرين، فكشف أن من بين القرارات التي تم اتخاذها، توفير العملة الصعبة للإفراج عن المواد الخام، وذلك بتخصيص 44 مليون دولار أسبوعياً لبذرة الصويا التي تدخل في إنتاج العلف وبحسب هلا "دي اللي فيها المشكلة الكبيرة لمضاعفة الكمية وسد العجز الموجود في السوق، وكذلك الذرة تخصيص 40 مليون دولار أسبوعياً للذرة".



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image