شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
البيض والدجاج مجرد بداية... ما علاقة الخنازير الصينية بارتفاع أسعار الغذاء في مصر؟

البيض والدجاج مجرد بداية... ما علاقة الخنازير الصينية بارتفاع أسعار الغذاء في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 4 نوفمبر 202112:38 م

قفزة جنونية في أسعار الدواجن وبيض المائدة يشهدها السوق المصري منذ بدء تشرين الأول/ أكتوبر المنقضي، وبحسب غرفة صناعة الدواجن المركزية باتحاد الغرف التجارية، لا يُتوقع للأسعار أن تعود إلى مستويات ما قبل الغلاء، برغم التأكيدات الحكومية المتوالية على مدى السنوات الأربع الماضية، حول تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من إنتاج البيض بينما تتردد بين تصدير منتجات الدواجن إلى دول عربية أخرى، في وقت تستورد الدواجن المجمدة للاستهلاك المحلي.

التأكيدات الحكومية المتكررة على تحقيق الاكتفاء الذاتي جعلت من القفزات الأخيرة في أسعار البيض ولحوم الدواجن أمراً غير مفهوم بالنسبة لعموم المصريين.

في بداية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تراوح سعر كيلوغرام الدجاج بين 32 و36 جنيهاً (دولاران ونصف الدولار تقريباً)، مسجلاً ارتفاعاً تراوح بين 8 و9 جنيهات مقارنة بسعر الكيلوغرام في بداية أيلول/ سبتمبر الماضي.

كذلك الأمر بالنسبة لأسعار بيض المائدة، إذ وصل إلى المستهلك بسعر يراوح بين 53 و55 جينهاً (ثلاثة دولارات ونصف الدولار) للكارتونة (24 بيضة)، ووصل في بعض الأحيان إلى 60 جنيهاً، مسجلاً ارتفاعاً يراوح بين 10 و12 جنيهاً مقارنة بأيلول/ سبتمبر الماضي.

وبحسب تصريحات مسؤولين في الحكومة وأعضاء غرفة تجارة الدواجن واتحاد الدواجن وصغار المربّين، تنوعت أسباب ارتفاع أسعار الدواجن وبيض المائدة، وهما مصدر البروتين الرخيص الذي يعتمد عليه المصريون في غذائهم في ظل ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والأسماك.

التأكيدات الحكومية المتكررة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، جعلت من القفزات الأخيرة في أسعار البيض ولحوم الدواجن أمراً غير مفهوم بالنسبة لعموم المصريين

ارتفاع الأسعار العالمية

يقول أبو الفتوح عبد المعز، نائب رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية، إن السبب الرئيسي لارتفاع أسعار الدجاج والبيض هو ارتفاع أسعار العلف والذرة اللذين تستوردهما مصر من الخارج، موضحاً أن سعر طن الذرة ارتفع من ثلاثة آلاف إلى 5500 جنيه، وكذلك حبوب فول الصويا ارتفع سعر الطن منها من أقل من خمسة آلاف جنيه إلى نحو تسعة آلاف جنيه، وهو ارتفاع عالمي غير مسبوق.

أعلاف الدجاج - المصدر: ألجيبوماس لخدمات الأسواق- منشورة تحت رخصة المشاع الإبداعي 


ويغطي إنتاج مصر من الأعلاف والحبوب 15 أو 20% فقط من احتياجها المحلي، بينما تستورد الكمية المتبقية، خاصة أن فول الصويا والذرة يُنتجان بأقل تكلفة في الدول المتمتعة بوفرة الأمطار، بينما تركز مصر على إنتاج أصناف أكثر قيمة للتصدير مثل البرتقال والبطاطس والفراولة، وتعد جميعها مصادر للعملة الصعبة. وهي سياسة لم تؤثر على الأعلاف وحدها، بل على حصة مصر من إنتاج الاحتياج المحلي من القمح.

وقال أبو الفتوح لرصيف22 إن الصين هي التي تسببت بأزمة الأعلاف العالمية، بعدما سحبت كمية “مهولة” من الأعلاف مسببة انخفاضاً في العرض مقابل ارتفاع الطلب وتالياً ارتفاع الأسعار.

رأي ابو الفتوح، تؤكده تقارير صادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية، التي أرجعت الزيادة في أسعار الأعلاف عالمياً إلى زيادة الطلب الصيني على الحبوب، إذ تُعيد بناء قطيع الخنازير وإمدادات البروتين الحيواني بشكل عام، بعدما دمرت حمى الخنازير الأفريقية قطيعها في أواخر عام 2018.

ووفقاً لوكالة بلومبرج، اشترت الصين 37% من صادرات الذرة للعام المقبل 2022 من الولايات المتحدة – أكبر مورد للذرة في العالم - فقط، إذ حصلت الدولة الآسيوية صاحبة تعداد السكان الأكبر في العالم، على 9.5 مليون طن من الذرة الأمريكية حتى آيار/ مايو الماضي، ومن المتوقع أن تصل وارداتها إلى 26 مليون طن من الموردين العالميين خلال الفترة المقبلة.

اشترت الصين 37% من صادرات الذرة لعام 2022 بعقود آجلة. دفعت هذه الحركة أسعار المحاصيل إلى مستويات قياسية هي الأعلى منذ ثماني سنوات، ما أثر سريعاً على واردات مصر من الحبوب والأعلاف

ودفعت هذه الحركة أسعار المحاصيل إلى مستويات قياسية هي الأعلى منذ ثماني سنوات، ما أثر سريعاً على واردات مصر من الحبوب والأعلاف سواء المخصص منها لغذاء المواطنين بشكل مباشر (القمح والذرة المستخدمان فى صناعة الخبر والعجائن) أو بشكل غير مباشر كالحبوب والأعلاف المخصصة لغذاء الماشية والدواجن.

كذلك هناك أزمة أخرى تتعلق بأسعار الشحن والنقل، التي تضاعفت ثلاث مرات، فبعدما كانت تكلفة النقل 30 دولاراً للطن، تخطت الآن 80 دولاراً، وذلك كتبعات لأزمة فيروس كورونا. وخلال العام الجاري، ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية لم تصل إليها منذ أكتوبر 2018، نتيجة توقعات بارتفاع الطلب، ومخاوف من صعوبات في إمدادات النفط، مع بداية خروج العالم من أزمة فيروس كورونا.

أزمة أخرى تواجه صناعة الدواجن تتمثل في ارتفاع أسعار المواد البيطرية والأدوية التي يتم تحصين الدواجن بها، وتستورد مصر ما يصل إلى 60% منها، بحسب تصريحات صحافية للمهندس محمود العناني، رئيس اتحاد منتجي الدواجن.

كل ما سبق انعكس على تكلفة التربية الإجمالية في السوق المحلي، وأدى لارتفاع الأسعار في ظل تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية التي يتم الاستيراد بها.

احتكارات محلية

ووفقاً لتصريحات صحافية للمهندس محمود العناني رئيس الاتحاد العام لمربي الدواجن، تنتج مصر 1.6 مليار دجاجة سنوياً، يتم استيعابهم في السوق المحلي، كما تنتج 13 مليار بيضة سنوياً يتم استهلاكها جميعاً.

وذكر العناني أن صناعة الدواجن في مصر تمثل سوقاً يستوعب ما يقرب من 3.5 إلى أربعة ملايين أسرة كقوى عاملة، إضافة إلى مئات الصناعات الداعمة التي تنتج معدات الشرب والتهوية والتدفئة والبناء، ومصانع المضادات الحيوية والتحصينات والخدمات. وتتجاوز استثمارات صناعة الدواجن حاجز 100 مليار جنيه.

في الأيام الأخيرة، بدأت أسعار الدواجن في المزارع (سعر الجملة وليس سعر البيع للمستهلك) تنخفض تدريجياً حتى وصل سعر الكيلوغرام إلى 26 جنيهاً، رغم تواصل ارتفاع أسعار الأعلاف، وهذا ما يفسره محمود علاء، صاحب مزرعة دجاج صغيرة في الشرقية، بأن هناك بورصة تتحكم في الأسعار وفق آليات العرض والطلب، و"دائماً المربي هو الخاسر".

مربِّي دواجن: منذ توقفت بورصة الدواجن المركزية التي كانت تشرف عليها وزارة الزراعة، بات السوق في يد مجموعة من السماسرة وكبار المربين، هم من يفرضون الأسعار على السوق كله

وأوضح علاء لرصيف22 أنه لا توجد بورصة مركزية تشرف عليها الدولة وتحدد الأسعار في ضوء التكلفة الفعلية مع إضافة هامش ربح للمربي، بل تحكم السوقَ مجموعة من السماسرة منذ توقف بورصة بنها المركزية التي كانت تشرف عليها وزارة الزراعة، وقال: "كل منهم (السماسرة) يسيطر على عدة مراكز لإنتاج الدواجن، ويحدد السعر لتاجر الجملة بعد إضافة هامش ربح لصالحه، من دون الاهتمام بالمربين".

"السماسرة يتعمدون تعطيش السوق لرفع الأسعار لصالحهم بعد شراء الدجاج من المزارعين".

وأضاف: "الكثير من صغار المربّين مثله، اضطروا لبيع الدجاج في مزارعهم بالخسارة، بعدما حدد السماسرة سعر الكيلوغرام بـ26 جنيهاً، بينما تبلغ تكلفته في المزارع 27.5 جنيه خوفاً من خسارة أكبر. الدجاجة تُربى لمدة 35 يوماً فقط، بعدها لا بد من بيعها وذبحها وإلا تفقد وزنها وتصبح أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، كما أن استمرار تربيتها في المزرعة يكلف المربي المزيد من الأعلاف".

ولفت علاء إلى أن بعض السماسرة يتعمدون تعطيش السوق لرفع الأسعار لصالحهم بعد شراء الدجاج من المزارعين، وقال: "السمسار لا يعمل كمربٍ للدجاج، ولكنه تاجر كبير يمتلك الكثير من عربات الشحن، ويتواصل مع أصحاب المزارع الذين أنهوا دورة الإنتاج، وكذلك تجار الجملة، الذين يتفق معهم على سعر محدد للكيلوغرام بإضافة هامش ربح له، وهو يهتم بالتفاوض مع التاجر ولا صوت للمربين في هذه الصفقات".

وتابع: "لكن في بعض الأحيان، يتفق السمسار مع المزارعين أولاً، ويأخذ منهم الدجاج بأسعار منخفضة، ثم يخزنها بضع ساعات، حتى يتكالب التجار على الشراء، فيرفع الأسعار. إن الأمر عرض وطلب، بينما هو الذي يتحكم في العرض".

وأكد علاء أن صغار المربّين هم العمود الفقري لصناعة الدواجن في الدولة، ومع ذلك هم بين شقي رحى، طرفاها تكلفة الإنتاج، واحتكارات السماسرة وكبار المربين".

ماذا يقول السمسار؟

يرفض سمسار الدواجن محمد المسعودي الاتهامات الموجهة إلى السماسرة بإشعال الأسعار في السوق على حساب الصناعة، ويقول لرصيف22: "السمسار مجرد حلقة وصل بين المربي وتاجر الجملة، والعرض والطلب يحكمان عملية التسعير".

ويشرح آلية عمل السماسرة: "كل سمسار مسؤول عن دائرة معينة بها مجموعة من المزارع، وفي كل ليلة يجتمع كبار السماسرة ووفقاً للبيانات التي جمعوها على مدار اليوم بشأن المربّين الراغبين في البيع والتجار الراغبين في الشراء، يتم تحديد السعر. فإذا كان العرض مساوياً للطلب يتم تثبيت السعر، أما إذا كان أقل من الطلب يُرفع السعر، وإذا كان العرض أكثر من الطلب يُخفّض السعر لسرعة البيع".

وأضاف المسعودي أن فكرة التحكم في الأسعار "لا يمكن أن تحدث في المراحل النهائية للبيع"، بل في أولى مراحل الإنتاج: "إذا استطاعت الدولة تثبيت سعر فرخ الدجاج والأعلاف، يمكن في هذه الحالة تحديد سعر الدجاجة الجاهزة للبيع".

وأشار إلى أن المربي قبل بدء دورة التربية يدرس السوق، فإذا شعر بأن الأسعار تتجه للانخفاض إلى ما دون التكلفة الفعلية فقد يعزف عن التربية دورة أو دورتين، لكن بعض صغار المربّين يضطرون للعمل حتى مع الخسارة، خاصة إذا كانوا يعملون بنظام الاقتراض ويخشون تراكم الديون.

ورغم أنه لم يجد سبيلاً لتثبيت الأسعار أو تحركها حول حدود معقولة إلا بتدخل الدولة وتوفير الدعم للخامات الأولية للصناعة، لفت إلى أن الدولة لا يمكنها التدخل وتحديد الأسعار والإخلال بقاعدة العرض والطلب، لأن ذلك من شأنه إلحاق الضرر بالصناعة، وقال: "كل مزارع له ظروف وكل محافظة كذلك، وإذا تم توحيد السعر على مستوى الجمهورية فقد لا يصل الدجاج إلى المحافظات البعيدة بسبب تكلفة الشحن".

سماسرة وأصحاب مزراع: نريد من الدولة التدخل لدعم مستلزمات الإنتاج ولا نريد تدخلها في أسعار البيع للمستهلكين 

نحتاج الدولة ولا نريدها

المهندس محمود العناني يرفض تدخل الدولة لفرض سعر جبري للدواجن والبيض، ويقول إن "تسعير الدجاج منذ القدم تتحكم فيه بورصات خاصة يملكها سماسرة، ولا يمكن للدولة أو أي جهة إدارية تحديد الأسعار"، موضحاً لرصيف22 أن جهاز حماية المنافسة يمنع التسعير الجبري.

ووفقاً للموقع الرسمي لجهاز حماية المنافسة، لا يجوز لأي جهة إدارية التدخل في تسعير منتجات الشركات أو تحديد ربحها. وبخلاف ذلك، وفقاً لقانون حماية المنافسة وفي ظروف استثنائية تتعلق بالمصلحة العامة، يجوز بقرار من مجلس الوزراء تحديد سعر بيع منتج أساسي أو أكثر لفترة زمنية محددة بعد أخذ رأي الجهاز.

وعن الدعم الذي يطالب به صغار المربين، يقول العناني إن اتجاه الدولة الحالي "هو اللا دعم"، وبالتالي لا بد من الالتزام بالتسعير العادل، الذي يراعي التكلفة الفعلية على المربي، خاصة أن صغار المربّين يمثلون 60% من حجم صناعة الدواجن في مصر، وتكبدهم الخسائر يضر بالصناعة وبالمستهلك في النهاية.

وماذا تفعل الدولة إذن؟

وقال وزير الزراعة السيد القصير في تصريحات تلفزيونية أن الأسعار لا بد أن تصل إلى نقطة التعادل، بمعنى أنه لا يمكن بيع سلعة بأقل من تكلفتها، حتى لا يهرب المنتجون من السوق، وهذا ما يُفسر ارتفاع أسعار الدواجن والبيض بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وتكلفة الشحن عالمياً.

وعن احتمال انخفاض الأسعار مرة أخرى، قال العناني إنه من المتوقع أن يهدأ السوق مدة تراوح بين شهر وشهر ونصف، مع زيادة العرض بعد ضخ المربّين دورة أو دورتين تربية، لكن الحديث عن تراجع الأسعار إلى مستويات مايو/ أيار، ويونيو / حزيران "مستبعد تماماً، لأنها أسعار غير عادلة وكبدت المربّين خسائر فادحة على مدار العام الماضي حتى اضطر بعضهم للإغلاق".

وفي أبريل/نيسان الماضي، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً بتخصيص 19 ألفاً و298 من الأراضي المملوكة للدولة في أربع محافظات لاستخدامها في إقامة مشروعات للإنتاج الداجني، وهذا من شأنه زيادة الاستثمار في هذا المجال وتحقيق الاتزان في الأسواق المحلية وتصدير الفائض للسوق الخارجي، إلا أن أثر هذا القرار لم يظهر في السوق بعد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image