تصوير محمود الخوَّاص
لم يكن موعد زفافهما قد تحدد بعد أشهر من الخطبة، قضاها أحمد حسين وخطيبته في البحث عن فرصة للحصول على مسكن يناسب إمكانياتهما، إلى أن عرفا بوجود إعلان جديد للحصول على شقة بتقسيط مناسب، ضمن وحدات الإسكان الاجتماعي المطروحة حكومياً.
سارع الشابان للتقديم وفق شروط الإعلان الثامن للإسكان الاجتماعي للعام 2016، مطمئنين إلى انطباق الشروط عليهما، مستبشرين بقرب تحديد موعد الزواج. لكن الأعوام توالت، ومعها الإعلانات الجديدة، من دون أن يحصلا على شقتهما المُنتَظرة، حتى فكرا في الانسحاب بعد نتائج مُخيّبة للآمال، حكاها لرصيف22، في وقت استطاعت فيه وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية المنوط بها إنجاز مشروعات الإسكان الاجتماعي، أن تبني العديد من المشروعات ذات الصبغة التجارية في مدد زمنية أقل.
صورة ترويجية لمشروع الإسكان الاجتماعي في حدائق أكتوبر - المصدر وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة
دوامة الروتين
ست سنوات قضاها المهندس المدني أحمد حسين في دهاليز الروتين والأوراق حتى أنه نسي تفاصيل ما جرى عندما يحاول استعادتها في حديثه لرصيف22.
كان من المفترض أن يتسلم وحدته في مدينة 6 أكتوبر وفقاً للتقسيم الإداري الذي تتبعه بطاقته الشخصية.
يحكي حُسين "فيه إجراء اسمه استعلام مدني، إن موظف بيسأل عن المعلومات اللي أنت كاتبها في الأوراق اللي مقدم بيها، وبيطلب الأوراق اللي بتثبتها"، لكن رغم وضوح البيانات في الأوراق، إلّا أن حُسين تعرّض لمشكلة "أنا كاتب مهنتي مهندس، لكن كل شوية بيسألوا أنت شغال إيه؟ طيب قدم ما يُثبت؛ فبقدم لهم شهادة بإني مهندس، وده قدمته لما يقرب من 10 أو 12 مرّة من 2016 وحتى اليوم".
سارع الشابان للتقديم وفق شروط إعلان الإسكان الاجتماعي للعام 2016، مطمئنين إلى انطباق الشروط عليهما، مستبشرين بقرب تحديد موعد الزواج. لكن الأعوام توالت من دون أن يحصلا على شقتهما المُنتَظرة، ليفكرا في الانسحاب بعد دوامة روتينية زرعت فيهما اليأس
عن هذا التكرار غير المُبَرر يقول "بيتقال لي إن الورق اترفض، أو إنه محتاجينك تبعت الورق تاني. مش فاكر إنه اتذكر لي سبب واضح بمشكلة ما. هُمّا بيعملوا حاجة اسمها تعليق للملف وأنت بتروح تعمل إجراء في البريد اسمه تقريباً إعادة استعلام؛ فيطلبوا منك الورق تاني علشان يتعمل عليك استعلام ميداني تاني، وهكذا".
تعليق ورق حسين أو رفضه يتم من دون أسباب واضحة، وفقاً لإجراءات غارقة في الغموض، عدا خطوة واحدة فقط بدت في البداية واضحة بالنسبة للمهندس الشاب: "المفروض إنه في سنة 2018 أو 2019 تقريباً، اتخصص لي إن القرض الخاص بالشقة هيكون تبع بنك مصر، دي الخطوة الوحيدة اللي عرفتها، ومن وقتها مفيش أي جديد".
بناءً على هذه الخطوة؛ كان الشاب يحاول تحقيق أي تقدّم، لكن لم تختلف الأوضاع كثيراً: "من وقتها، بقيت بعمل دورة مشاوير، أروح البنك واسأل لو فيه ورق ناقص؛ فيطلبوا أوراق مُعينة، ولما أجيبها وأمضي إقرار بصحّتها؛ بيحصل استعلام عليّا- مرتين تقريباً- وبعدها اترفض لأسباب مش مفهومة".
من بين الأسباب التي أُبلغ بها، كانت أسباب تتعلق بمهنته، ويحكيها باندهاش "مرّة قالوا لي إن الاستمارة اللي أنت مقدّم بيها مكتوب مهنتك فيها مُدخل بيانات، فقولت لهم ماقدمتش بالمهنة دي، لكن مع إصرارهم إن ده المكتوب عملت طلب تغيير مهنة".
رغم التغيير تكررت المشكلة نفسها "مؤخراً فيه موظفة من شركة استعلامات تقريباً تبع البنك، اتواصلت معايا وقالت لي مكتوب إنك مُترجم مش مُدخل بيانات؛ فقولت لها أنا مش فاكر إني كتبت حاجة زي دي، وفعلاً لأني مقدم من 2016، فأكيد مش فاكر. وأكدت لها إني مهندس ومقدّم كل ما يُثبت ومعايا كارنية نقابة".
ورغم تأكيده على صحّة البيانات، واجه المهندس مطلباً غريباً "لقيتها بتطلب مني أعمل ورق بالتواريخ القديمة إني مُترجم، لكن المُحاسب القانوني أكد لي أن ده غلط. ولمّا بلغت لها برفضي؛ تقريباً الملف اتعلّق تاني، وغالباً هيفضل الأمر فترة على الوضع ده، وبعدها يقولوا لي طلبك اترفض ومحتاج تعمل إعادة استعلام تاني".
"مرّة قالوا لي إن الاستمارة اللي أنت مقدّم بيها مكتوب مهنتك فيها مُدخل بيانات، فقولت لهم ماقدمتش بالمهنة دي، لكن مع إصرارهم إن ده المكتوب عملت طلب تغيير مهنة، بعدها فوجئت أنهم سجلوني بمهنة ثالثة، وهكذا كل بضعة أشهر"
لهذا؛ وأمام ما يواجهه، صار وضع نهاية لهذه الرحلة فكرة منطقية، يؤكد المهندس الشاب: "ده باختصار اللي بيحصل طول الست سنين اللي فاتت؛ لدرجة إني حالياً مُتردد جداً في إني أكمل، وإن كان للأسف سحب الفلوس اللي دفعتها في التقديم مش هيفيد قوي، لأن قيمتها حالياً بقت أقل بكتير. وبسبب كده؛ لسه مش عارف أخد قرار واضح".
جانب من تشطيبات الوحدات المستلمة في مشروعات الإسكان الاجتماعي- تصوير صفاء سرور
مفاجأة وصدمات
بحصوله على وحدة سكنية في المكان نفسه، يبدو يوسف إبراهيم، أحسن حظاً من حسين في تجربته مع الإسكان الاجتماعي، بعد رحلة مماثلة مع الروتين، لكن يبدو أن تلك الرحلة لم تنته حتى بعد تسلم الشقة: "دي أول مشكلاتي، طريقة التعامل مع الحاجزين وحتى التسليم، يعني ممكن تقدّم للشقة وتفضل 5 أو 6 سنين منتظر وأنت مش عارف تتابع الأمور ماشية إزاي أو في أي مرحلة".
بحكم عمله كإخصائي تسويق، يتساءل إبراهيم: "إحنا في 2022، والمطاعم بتستخدم تطبيقات يقدر من خلالها الزبون يتابع مراحل طلبه حتى التسليم. فإزاي الدولة بكل إمكانياتها مش قادرة تعمل حاجة مماثلة؟ بينما فيه صرامة تجاه واجبات المتقدم، يعني مرّة حصل عندي ظروف أخّرتني عن سداد قسط؛ ففوجئت برسالة بتهددني إنه سيتم اتخاذ إجراءات قانونية ضدي".
مرّت المفاجأة السعيدة للحصول على الوحدة السكنية، لتتبعها صدمات كالت لتلك الفرحة ضربات متلاحقة
مرّت المفاجأة السعيدة للحصول على الوحدة السكنية، لتتبعها صدمات كالت لتلك الفرحة ضربات متلاحقة: "بعد انتظار السنين دي كلها اتصدمت من اللي لقيته، فراغات بين السيراميك اللي مش مسقي كويس، ومفاتيح الكهربا وكوبساتها بارزة عن الحيطان ومتحاوطة بجبس شكله وحشّ جداً، ونوع قاعدة الحمام والأحواض ردئ جداً ولازم يتغير، وكسور في بعض الحيطان".
خارج وحدته التي حصل رصيف 22 على صور لعيوبها، امتدت المشكلات واتسع نطاقها: "من الأمور اللي كان ناس بسببها بينصحوني بالبُعد عن الإسكان الاجتماعي، هو إن حدائق أكتوبر (حيث تسلم وحدته) منطقة واسعة، ومش كلها للأسف ممدود لها شبكة مواصلات تغطّي المشروع، وطبعاً مش كل الناس معاها عربيات. أنا مثلاً شقتي بينها وبين الطريق الرئيسي (الواحات) 3 كيلو ومحتاج 20 دقيقة مشي". كما فوجئ إبراهيم أنه لا سبيل لوصول المياه إلى الدور الذي يقطنه من دون تكاليف إضافية تتجاوز إمكانياته.
محاولات لقبول الأمر الواقع
أمام هذه الصدمات، صار إبراهيم مُضطراً للتعايش "وأنا بستلم الراجل نبهني لموضوع الميّه، وإني ممكن اشترك مع الجيران في شراء موتور، ولمّا نبّهته لإني دافع كل المطلوب مني؛ كان رده عليّا: (دي حاجة ودي حاجة)، من غير ما يفسّر. ودلوقتي، وبما إن مفيش جيران؛ فهشتري الموتور لوحدي. طيب ما تركبوا مواتير قبل التسليم؟".
آخر آمال إصلاح الوحدة كانت قبل حوالي شهرين، وقد تقدم الشاب بشكوى وتظلم لما وجده من وضعها السيئ، لكن بلا تغييرات تذكر "بعد حوالي شهر ونص من رفض الاستلام؛ اتصلوا بيّا وبلغوني إنهم صلّحوا النقاشة والسقاية، لكن لقيت الكهرباء والحمام على نفس وضعهم. فعملت محضر الاستلام وخلاص".
الناس بتستلم وهي ساكتة، وبقى معروف إنك هتعيد التشطيب، لكن مُجرد التفكير في التكلفة بتخليني اكتئب"
تسلّم إبراهيم وحدته، لأنه صار على يقين بضرورة التعايش بتكاليف إضافية "الناس بتستلم وهي ساكتة، وبقى معروف إنك هتعيد التشطيب، لكن مُجرد التفكير في التكلفة بتخليني اكتئب"، مُعلّقاً "أنت هتعمل كده وأنت بتتعامل مع حكومة مفترض إنها بتدعمك بشقة، لكن متشطبة بالسوء ده، ومفيش حواليها مواصلات ولا أسواق ومراكز خدمات، وبعد ده كله محظور عليا بيعها أو تأجيرها".
ويختتم "كشخص مش معاه يشتري في كومباوند خاص أو حتى حكومي قسطه آلاف، طالما بتحاول تساعد الشباب بمشاريع- وده شيئ كويس- خليهم يستلموا مكان يعيشوا فيه مرتاحين، مش يتكلفوا وهمّا أساساً عندهم التزامات تانية وبيحاولوا يبنوا حياتهم".
مشروع دار مصر - إسكان فوق المتوسط - فاخر من بين مشروعات الإسكان الاستثمارية للدولة- تصوير محمود الخوَّاص
و "كومباوندات" لا تسلم
يظن إبراهيم أن شراء شقة في "كمباوند" فاخر من بين المشاريع الاستثمارية الإسكانية للحكومة، يضمن الخلاص من كل تلك الصدمات التي وجدها، لكنه لا يعلم أن تلك المشروعات الإسكانية الفاخرة، حالها لا يختلف كثيراً.
على بعد كيلو مترات قليلة من الشقة الخربة التي تسلمها إبراهيم، يقع كومباوند "دار مصر" في منطقة حدائق أكتوبر. حيث تسلم إسماعيل شبانة وحدته السكنية في الكومباوند المغلق بسغر 900 ألف جنيه تقريباً قبل 3 سنوات، حين كان الدولار يعادل نحو 15.6 جنيه مصري، بخلاف تكاليف الصيانة.
يحكي شبانة لرصيف22 تفاصيل المفاجآت غير السارة قائلاً: "بدأ تحصيل أقساط بسيطة في مايو/ أيار 2019 وتوقفوا في 2020، سألت عن السبب وامتى هستلم؟ في الجهاز يوجهوني للبنك، وفي البنك يقولوا لي ماستلمناش من الجهاز، ومفيش جواب واضح وصريح بمعاد التسليم". ولاح أمامه حل "الاستلام الاستثنائي"، والذي يعني تسلّم الوحدة شريطة التوقيع على وثيقة تفيد أنها على أكمل وجه، "حتى لو بها مشكلات أو ما زالت في مرحلة التشطيبات"، ما يقول عنه "فيه ناس زهقت وعملت كده واتحملت التكاليف. طيب هل ده مسؤوليتنا؟".
أمام هذه الأوضاع، والشكاوى التي يسمعها ممن سبقوه في سكن الكمباوند؛ اقترب شبانة من حسم أمره "أنا في ظل الوضع الحالي وبتكلفة زي دي هتتخطي المليون جنيه؛ بفكر جدّياً في سحب فلوسي والاتجاه لكمباوند استثماري خاص، خاصة وإن مفيش ردود واضحة، إنما استلام استثنائي، لأ".
مدخل كومباوند إسكان مصر- تصوير محمود الخوَّاص
مشكلات كومباوند
مَن مضوا في "الاستلام الاستثنائي"، وجدوا أوضاعاً مزعجة، حكى عنها المستشار حسن عبد المنعم؛ الذي تسلّم وحدته في كومباوند دار مصر عام 2021، بعد حوالي عامين من حجزها في 2019 "بتكلفة بلغت 800 ألف جنيه، بخلاف 200 ألف جنيه أخرى تكلفة صيانة وحراسة ورسوم مجلس الأمناء".
انتقل عبد المنعم إلى الكمباوند، ليواجه أزماته "الزرع جفّ لأن مفيش ري، ولما سألنا عن السبب، الردّ كان: (ماستلمناش الزرع، ولسه مع المقاول). والنضافة بيتقال عنها هنتعاقد قريب مع شركة... وقريب ده فات عليه حوالي 7 شهور. بخلاف انقطاع الكهرباء، علشان كده يوماتي عندي مش أقل من 30 مكالمة لمختلف الجهات، والردود بتكون لسه ماتعاقدناش أو لسه ماستلمناش".
بتكلفة تجاوزت مليون جنيه مصري، تسلم سكان كومباوند "دار مصر" وحداتهم، ليفاجأوا بأن كل الوعود الفاخرة التي دفعوا من أجلها مبالغ الشراء كانت حبراً على ورق، لتواجههم مشكلات غياب النظافة والأمن والخدمات، التي يعانيها من اشتروا وحدات أرخص كثيراً
بينما يتحدث، يظهر جرو في المكان، يعلّق عبد المنعم "قدام بيتي سبعة"، وذلك رغم إعلان جهاز تنمية حدائق أكتوبر عن حملة لاصطيادها، في مايو/ أيار الماضي، الشهر نفسه الذي شهد شكاوى مواطنين من تعرض 3 أشخاص لهجوم من الكلاب في يومين فقط، وحصل رصيف22 على نسخة من التقرير الطبي لأحد المتعرضين للهجوم، وهي طفلة، عمرها 6 سنوات، تعرضت للعض في الفخذ والقدم اليسرى.
الموظف السابق في بنك الإسكندرية، محمد أحمد عبد السلام، من حاجزي المرحلة الأولى عام 2014، وتسلم وحدته بعد 6 سنوات عام 2020، أملاً في قضاء تقاعده الآن في "وضع مريح". اهتم عبد السلام بمتابعة مسألة هجمات الكلاب الضالة على سكان المجمع، يقول: "بعد وقائع العض، حضر رئيس جهاز المدينة وأعلن أنه سيتم إغلاق كل الأبواب. لكن أنا قدّامي مرتفعات الكلاب بتنزل منها، وأرسلت الشكاوى بخصوصها من شهور، ومفيش رد غير (ربنا يسهّل). وقت العضّ بلغوا وزارة البيئة؛ فتم جمع 20 أو 30 كلب وبعد أيام رجعوا".
أزمة التبّة
الكلاب التي تتسلل إلى الداخل، ليست المشكلة الوحيدة للتبّة، فلهذا الجزء من الكمباوند أزماته التي شغلت كرم صقر، الموظف في معهد أكتوبر العالي للهندسة المعمارية، الذي سكن المجمع السكني المغلق منذ 2014، وتقع وحدته في واحدة من 290 عمارة تقريباً هي إجمالي عمائر المشروع، مُقسّمة بين 175 في المرحلة الأولى و115 في الثانية.
وعايش صقر مشكلات الكومباوند من البداية، وهي مشكلات لم تحل بمرور السنين: "مواصفات الكمباوند إنه بسياج شجري مش سور خرساني نمطي. لكن للأسف أحياناً البعض بيميّز واجهات المشاريع. فخلفية المشروع سورها سياج شجري وشبكي 50 أو 70 سم، والثغرات الموجودة فيه بتدخّل بعض الحيوانات".
وبخلاف الحيوانات، هناك مخاوف أخرى حكاها صقر تتعلق بالشق الأمني "المفروض ده كمباوند وليه رؤية وخطة من الدولة، فأين شركة التعمير المنوطة بإدارة الموقف؟".
عن "الخلل"، أوضح "هناك خطة مفترض بموجبها أن كل 15 عمارة أو كل بارك عليه فرد أمن، ولا يصح بالنظر للمساحة الكُلّية للكمباوند أن يكون الأمر موكل لـ20 فرد فقط ومشرف في الوردية، بالمخالفة لما هو متّفق عليه بين الشركة وكان حوالي 45 فرد. وحين نشتكي تكون الردود مُعلّبة، لكن بلا حل على أرض الواقع".
"المفروض ده كمباوند وليه رؤية وخطة من الدولة، فأين شركة التعمير المنوط بها إدارة الموقف؟"
يُشارك صقر في المشكلة أيضاً عبد السلام، صاحب الوحدة المُطلّة على التبّة ويضيف إليها: "المياه غير موجودة في الأدوار العلوية بسبب ارتفاع مسطح الأرض. كذلك، صرف التكييفات غير موحد، وبسبب كده بدأت تكييفات البعض ترشح على شقق الآخرين".
جانب من خدمات النظافة في "دار مصر" - تصوير محمود الخوَّاص
خدمات "رديئة"
شكاوى التشطيبات لم تقتصر على الإسكان الاجتماعي الذي حجز فيه الشاب يوسف إبراهيم، فالدكتور محمد صلاح، أستاذ الاقتصاد، القاطن في الكمباوند منذ 2019 يُشكك في وصف "سوبر لوكس" المُطلق على تشطيباته، ويقول "أنا اتفاجئت إن مفيش أسلاك كهرباء في المواسير الممدودة في الحوائط، فغيرتها ومعاها الصرف والسيراميك والنقاشة. أنا دفعت فلوس مرتين".
اعتراضات صلاح، كانت أيضاً بسبب مخاوف قائمة: "المرحلة فيها مواسير صرف تحت العمارات بسبب شبكات ري بتسرّب. أنا هنا بتكلم عن هيكل المبنى اللي ساكنين فيه، المياه وصلت له. والأسانسيرات الجديدة عطلانة، كل يومين يعلّق بيا الأسانسير في عمارة 24 شقة مفيش فيها حد غيري أنا وجار تاني".
يطالب صلاح بإصلاح التشطيبات، أما عبد السلام فيطالب بمواصلات داخلية تساعده وجيرانه على التنقل "الكمباوند كبير جداً وأغلبنا كبار في السن، وأنا مثلاً ساكن عند البوابة الخلفية وعلشان أوصل للأمامية؛ همشي 3 كيلو. وطالبنا بسيارات جولف، أرسلوا سيارات سوزوكي أسبوعين، ووقفوها. وبعدها الجولف يوم واحد، ووقفوها".
أمام كل هذه المشكلات، يطالب صلاح بحلول "هذا هو مشروع الإسكان الذي تُحصّل فيه الدولة مقابل خدمات في صورة الوديعة".
جهاز وشركة
بحثاً عمّن يُحسّن الخدمات، يتواصل السكان مع جهاز مدينة حدائق أكتوبر، وتلقوا ردوداً غير مرحبة، يذكرها عبد السلام "كل شوية يقول الموارد لا تكفي، مع العلم بإن الوديعة قيمتها 25 ألف جنيه للمرحلة الأولى، و55 ألف في آخر طرح بالمرحلة الثانية"، لكن رد مسؤولي الجهاز هو التذرع بأن بعض السكان لم يسددوا الوديعة بعد.
أمام هذا الرد عليه من المسؤولين، قال صقر "لو هفترض إن فيه مالك مابيدفعش. أنا إيه ذنبي وأنا دافع؟ مع العلم بإن فلوس الوديعة كانت تُقسّم في المرحلة الأولى فقط، وهذه عدد سكانها قليل. بينما في بقية الطروحات أصبح المتعاقد يسددها دفعة واحدة، وهناك سُكّان أتمت عقودها بالوديعة كاملة. ما يعني بالنسبة والتناسب أن الذين يتم التبرير بهم أن الأموال غير كافية عددهم قليل جداً".
وفي هذا الأمر، ألقى السكان الذين تحدثوا إلى رصيف22 جميعهم باللوم على شركة التعمير، الموكلة منذ أعوام من جهاز المدينة بإدارة الكومباوند باعتبارها "مطور عقاري يلعب دور رئيس اتحاد مُلاك مسؤول عن الودائع والخدمات وضمان جودتها وحال البنايات وأعمال الصيانة من الجهاز"؛ ما دفعهم لتقديم شكاوى واستغاثات بدءً من رئاسة الجهاز وصولاً لرئيسي الوزراء والجمهورية.
مسؤوليات متضاربة
توجّه رصيف22 بالشكاوى إلى الجهات المسؤولة، وأولّها شركة إدارة مشروع "دار مصر" ومندوبها المهندس عزمي عبد المحسن، الذي رد على شكوى تواضع توفير الأمن بقوله: "كان العدد بالنسبة لنا مناسب حوالي 45 فرد، لكن وبسبب عدم تسديد عدد من السُكّان للوديعة؛ اضطررنا إلى تخفيضها إلى 20 فرد"، مُشيرُا إلى "تركيب 39 كاميرا بين الكمباوند والمجاور له هرم سيتي".
وقال عبد المحسن، فيما يخصّ مشكلة النظافة "خلال شهر سيتم التعاقد مع شركة، وذلك بمناقصة عامة"، أمّا الكلاب الضالة: "الجهاز استدعى ناس لجمعها، لكن حدثت مشكلة بين السُكّان وبعضهم لدرجة الشجار والضرب"، وفيما يخصّ مشكلة التبّة فقال "هذه تحتاج إلى أرقام خيالية لحلّها، وليست من مسؤولية شركة التعمير".
واختتم عبد المُحسن بقوله "أنا كشركة تعمير مسؤوليتي الأمن وكل ما يخصّ العمارة من صيانة ونظافتها والرصيف، أمّا الشوارع والزراعة وأعمدة الكهرباء وتنسيق الموقع فمسؤولية الجهاز، وكذلك مشكلة التشطيبات لا تخصّني".
وبالتواصل مع المهندسة أميمة عبد الفتاح، ممثلة الجهاز في الكمباوند، ردّت في رسالة نصيّة بقولها إنها "في إجازة"، لتُعيد المسؤولية من جديد إلى عبد المحسن الذي قالت إنه "ممثل إدارة الشركة، وموجود يومياً".
بعيداً عن "دار مصر"، وفي محاولة لمناقشة جميع مشكلات الوحدات، سواء الكمباوند أو غيره من مشروعات الإسكان الاجتماعي، تواصل رصيف22 مع المهندس عبد المطلب عمارة، نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لقطاع تنمية وتطوير المدن، لكن من دون ردّ منه حتى النشر، رغم إعلامه بطبيعة الأمر في رسالة نصية.
أما المهندس كمال بهجت؛ مساعد نائب رئيس الهيئة لقطاع التنمية وتطوير المدن، فكان ردّه عن مشكلات المشروعات بأنها أمور "تتعلّق بأجهزة المُدن، وأن دور الهيئة تنفيذي فقط".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 6 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت