"استدعاني خطيبي بسرعة أمام البيت وحينما قابلته صفعني على وجهي وأغلق فمي بيده ثم بصق علي وسبني بأفظع الألفاظ وركلني على الدرج وتركني وغادر. وقتها رويت لأهلي ما حدث ولم يصدقوني وحاربت كي أفسخ خطبتي معه"، هكذا عبرت أسماء وهو اسم مستعار بحسرة عما كانت تعانيه من أنواع مختلفة من العنف على يد خطيبها.
مش زي أكل الزبيب
أسماء وكثيرات غيرها تعرضن على يد الخطيب أو الحبيب لشكل من أشكال العنف، لا يمكن تصنيفه بالعنف الأسري داخل إطار الأسرة، أو عنف الشارع.
المعنف هنا هو شخص تثق به الفتاة فترتبط بعلاقة عاطفية معه، لكنه بدلاً من ذلك يمارس عنفه عليها، ووفقاً لصحيفة الشروق المصرية فإن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أصدر دراسة للعام 2022 قال فيها إن نحو 46% من النساء السابق لهن الزواج من الفئة العمرية 18 إلى 64 عاماً في مصر تعرضن لبعض أشكال العنف على يد الزوج.
ووفقاً للدراسة أفادت غالبية النساء اللواتي تعرضن لعنف على يد الشريك خلال العام الماضي أنهن تعرضن له أكثر من مرة، كما أن غالبيتهن لم يطلبن أية خدمات ولم يتصلن بأي مسؤول للتعامل مع العنف الذي تعرضن له.
"استدعاني خطيبي بسرعة أمام البيت وحينما قابلته صفعني على وجهي وأغلق فمي بيده ثم بصق علي وسبني بأفظع الألفاظ وركلني على الدرج وتركني وغادر
تقول أسماء لـرصيف22 قائلة: "بدأت الحكاية قبل سنوات، كان إبن عمتي التي كانت مقربة جداً لوالدي ووالدتي، صرح لي من قبل عن حبه وعلى مدار عامين كنت أتهرب منه وأخبره أنني صغيرة في السن إذ كنت وقتها في الـ16 عاماً فقط وهو كان في الـ26 من عمره".
في إحدى المرات بحسب أسماء عبّر لها ابن عمتها عن حبه بطريقة عنيفة إذ أمسك يدها بقوة وعنفها في بيتها وشدها من ملابسها وأخبرها أنه يحبها ولن يدعها تفلت من يده ولو فكر أن يتقدم أحد لخطبتها سيقتلها ويقتله.
تقول إنها وقتها لم تستطع أن تخبر أحداً من عائلتها وفي اليوم التالي تقدم لخطبتها ووافقت العائلة دون مشورتها، وبعد 8 أشهر من الخطبة ومع اقتراب الزواج حدث موقف ما، إذ كانت تتحدث مع زميل لها في الجامعة كان يجمع أوراق طلبها أحد الأساتذة من الطلاب فتواصلت معه وأعطته الأوراق، في نفس اليوم جاء خطيبها إلى بيتها وطلب منها النزول إليه، وعند المدخل صفعها على وجهها وبصق عليها وركلها على السلم.
نتيجة هذا الموقف حاربت عائلتها كي تفسخ خطبتها، وتحمد الله الآن أنها لم تتزوجه، أما هو فتزوج من أخرى، وقد علمت أنه دائم التعنيف لها، وفي إحدى المرات ضرب رأسها بالطاولة وتسبب لها بجرح مقداره خمس غرز طبية.
الاعتذار في ثقافة الشخص المعنّف يأتي عنيفاً أيضاً، حين كان خطيب أسماء يعتذر منها كان يكيل لها الاتهامات بأنها السبب فيما وصل إليه وأنه يغار عليها، وحتى الآن ورغم مرور سنوات على تلك الواقعة فما زالت تخاف حين تقابله في التجمعات العائلية وتتذكر ما حدث فوراً.
والعنف النفسي محسوب أيضاً
منظمة الصحة العالمية عرّفت هذا النوع بأنه "سلوك شريك حميم يتسبب في ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي، بما في ذلك أعمال الاعتداء الجسدي والإكراه الجنسي والإيذاء النفسي والسلوك المسيطر". يغطي هذا التعريف العنف من قبل الزوج الحالي والسابق والشركاء الآخرين. وعادة ما يستخدم العنف في المواعدة للإشارة إلى العلاقات الحميمة بين الشباب، والتي قد تكون متفاوتة المدة والشدة، ولا تنطوي على التعايش بالضرورة.سارة اسم مستعار لشابة عشرينية جمعتها علاقة عاطفية بشاب كان يدعي الأفكار الثورية والتحررية، لكنه كان يرفض العمل ويأخذ مصروفه من والده.
حين أرادت إنهاء العلاقة بدأ بابتزازها عدا التحرش الذي كانت تقابله منه فكان يمسك يدها رغماً عنها في المناطق التي توجد بها عائلتها في محافظة الإسكندرية
بدأت سارة عملاً جديداً فكان دائم التقليل منها ومن عملها، تحول الأمر فيما بعد لترهيب نفسي وشجار دائم لأتفه الأسباب على حد تعبيرها، الأمر الذي زعزع ثقتها بنفسها وبعملها، وحينما أرادت إنهاء العلاقة بدأ بابتزازها عاطفياً، هذا عدا التحرش الذي كانت تقابله منه فكان يمسك يدها رغماً عنها في المناطق التي توجد بها عائلتها في محافظة الإسكندرية، الأمر الذي كان يتركها خائفة وترتجف من الاقتراب منه طوال الوقت.
حذرته أكثر من مرة من لمس جسدها لأن ذلك يعرضها للخطر لكنه تجاهل تحذيراتها وكان يتعمد التحرش بها، وفي إحدى المرات التي فعل فيها ذلك تعرضت للسب من رجل مُسن كان ماراً في الشارع بجوارهما، تحكي عن ردة فعلها قائلة "فقدت أعصابي وقتها فصرت أصرخ وأضربه وأبكي وجسدي ينتفض، ثم ركضت وكنت أقع وأقوم ثم أقع مرة أخرى".
الابتزاز بإخبار الأهل
تقول مديرة مؤسسة بنت النيل أسماء دعيبس لرصيف22: "نتعامل مع هذه الحالات على أنها عنف شريك. معظم الفتيات اللواتي لجأن لنا تعرضن للضرب وأحياناً للاستغلال المادي والتهديد والتتبع والملاحقة في حالة الانفصال. عائلاتهن كانت تجبرهن على الصمت من باب أن اللجوء إلى قسم الشرطة أمر مرفوض وغير مناسب".وتروي دعبيس أنه في إحدى المرات لجأت إلى المؤسسة فتاة بسبب خلاف بينها وبين خطيبها على تجهيز المنزل، وخلال نقاشهما انهال عليها فجأة بالصفع على وجهها في الشارع، سقطت على الأرض فسحلها -بحسب وصفها- وأجبرها أن تركب معه السيارة ليذهب بها إلى منزلها. طوال الطريق حاول إسكاتها والتحايل عليها كي لا تخبر أهلها، مؤكداً لها أن انفعاله إنما بسبب حرصه على استمرار علاقتهما.
أما موكا وهو اسم مستعار فقد تعرضت لعلاقة فيها أشكال متنوعة من العنف النفسي، تقول لرصيف22 :"بعد أشهر من علاقتنا أفقت من تعرضي للاستغلال المادي كان مطلوباً مني شراء الطعام والشراب وأحياناً إقراضه النقود وشراء الهدايا أثناء خروجنا، كما كانت هناك تلمحيات جنسية طوال الوقت".
تضيف :"بعد عام طلبت الانفصال بهدوء لكنه رفض وأخبرني أنه سيفضحني في مقر عملي، خفت، وعدت له مرة أخرى، ثم تعرضت للتهديد منه لأنه كان يصورني دون علمي وقال إنه سيرسل صوري لأهلي ولأصدقائي ويخبرهم أنني سرقته. يريد أن يشوه سمعتي".
على مدار شهر كامل كانت تهديداته لها تؤثر عليها نفسياً حتى أنها فكرت في الانتحار، لكنها استجمعت قواها وقررت أن تواجهه وتهدده بعمل محضر. حينها فقط اختفى من حياتها ولم يعد مرة أخرى.
لماذا يعتدي رجل على امرأة؟
حاولت كثير من المنظمات الحقوقية في مصر الدفع بمصطلح العنف الأسري خلال السنوات الأخيرة من أجل صدور تشريع لحماية النساء داخل البيوت، لكن ماذا عن تعرض النساء لعنف من حبيب أو صديق، ما الذي يدفع رجلاً لضرب حبيبته أو خطيبته؟طلبت الانفصال بهدوء لكنه رفض وأخبرني أنه سيفضحني في مقر عملي، خفت، وعدت له مرة أخرى، ثم تعرضت للتهديد منه لأنه كان يصورني، لكني استجمعت قواي وقررت أن أواجهه وأهدده بعمل محضر، حينها فقط اختفى ولم يعد مرة أخرى
تقول الباحثة النسوية والاجتماعية داليا وصفي لرصيف22 إن بعض الرجال يفعلون ذلك من باب إثبات الوجود وعقد النقص، فالاعتداء اللفظي أو الجسدي أو استخدام أسلوب الوصاية من الحبيب أو الخطيب هو محاولة لمعرفة حدود الطرف الآخر وكيفية التعامل معه وإمكانية استكمال العلاقة من عدمها.
تقول: "بالنسبة للطرف المعتدي لو شخصيته مهيمنة فسيحاول بشتى الطرق إيجاد مدخل للسيطرة على الطرف الآخر وإخضاعه، فإذا نجحت محاولاته قد يستمر في العلاقة حتى يمحو شخصية الطرف الأخر تماماً ويستهلكه نفسياً وجسدياً إلى النهاية، وقد لا يستمر في العلاقة إذا وصل لمبتغاه من استهلاك الطرف الآخر سريعاً ولم يجد ما يقتات عليه، وقد يتنازل عن العلاقة بعد محاولات عديدة إذا ما وجد حائط صد قوياً".
أرقام بانتظارك للمساعدة
بحسب دراسة صادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة بعنوان (مفهوم الرجولة) شملت مصر، ولبنان، والمغرب، وفلسطين، فإن التعرض للعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، وبخاصة عنف الشريك الحميم والتحرش الجنسي، هو من الأمور الشائعة بين النساء في المنطقة.الخط الساخن للمجلس القومي للمرأة هو 15115
والخط الساخن لوزارة التضامن هو 16439 لوزارة التضامن
وناشد المجلس القومي للمرأة سابقاً الفتيات والنساء اللاتي يتعرضن للعنف سواء داخل البيت أو في الشارع أو أي مكان الاتصال بالخط الساخن للمجلس وهو 15115 كما ناشدت وزارة التضامن أي سيدة تتعرض للعنف أن تتواصل مع الخط الساخن 16439 لوزارة التضامن أو الاتصال المباشر بمديريات التضامن الاجتماعي لتوجيهها لأقرب مركز استضافة للمرأة المعنفة، ومن خلال أقسام الشرطة التي تعلم بمواقع تلك المراكز، وهذه هي الخطوط الرسمية الحكومية للمساعدة.
كذلك بإمكان أي سيدة تتعرض للعنف أن تتوجه إلى عدد من مؤسسات المجتمع المدني التي توفر مساعدة قانونية ونفسية واجتماعية عبر حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل مؤسسة قضايا المرأة المصرية، ومؤسسة المرأة الجديدة، ومؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، والمركز المصري لحقوق المرأة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...