"لا حقوق ولا قيمة ولا قانون يحمينا". بهذه الكلمات بدأت فاطمة ع.، عاملة منزلية تبلغ من العمر 39 عاماً حديثها لرصيف 22، وتضيف: "عانيت كثيراً. كل بيت فيه ما يكفيه من الإهانات والمشاكل التي يقوم بها أصحابه ضد الخادمة".
تروي فاطمة: "أعمل في هذه المهنة منذ كنت في الـ19 من عمري. في البداية كنت أذهب إلى شقق كعاملة نظافة يومية، ثم تزوجت وأنجبت أربعة أطفال فبحثت عن عمل ثابت يوفّر لي دخلاً شهرياً يساعدني وزوجي على تكاليف الحياة".
تتحدث فاطمة عن فترة عملها في بيت طبيبة لديها طفلان توأم. "كان الاتفاق بيننا أن أرعى الأطفال بدون أية علاقة لي بتنظيف المنزل أو الطبخ، إلا أنني فوجئت بأن صاحبة المنزل تطلب منّي القيام بكل ما يخص المنزل دون أيّة زيادة في الراتب، وعندما كنت أرفض ذلك كانت توجّه لي الشتائم".
لم يقف الأمر عند هذا الحد. "بعد أربعة أشهر من العمل وتحمّل معاملتها المهينة، تحرش بي شقيقها الذي كان يأتي إلى منزلها كثيراً"، تحكي فاطمة، "وعندما توجهت بالشكوى إلى صاحبة المنزل اتهمتني بأنني أغويه، وفرضت عليّ الصمت أو إنهاء عملي في منزلها، فاضطررت أن أصمت لأن ‘الحوجة وحشة’".
ظلّت الأوضاع على ما هي عليه هكذا لشهور "إلى أن وصل الأمر إلى محاولة اغتصابي من قبل شقيقها. صرخت ولجأت إلى الجيران والبواب، وذهبت إلى قسم الشرطة لأحرر محضراً بمحاولة اغتصابي والتعدي عليّ بالضرب، فاتهمتني الطبيبة بالسرقة وقايضت دعواها بتنازلي عن المحضر فتنازلت، لأني أعلم جيداً أنني لن أستطيع إثبات حقي، وأن لا حقوق قانونية لي ولكل العاملات في هذه المهنة".
"كل النساء اللواتي يعملن في هذه المهنة يعلمون جيداً أنهنّ بلا حماية، لأن أغلبهنّ ينفقن على أسر وأطفال، وصاحب المنزل يكون ذا سلطة وقوة لا يمكن لأيّة عاملة منزلية أن تقف أمامه"، تقول فاطمة مضيفة أن وجود قانون قد يقلل من الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات في المنازل، ولكن لن يقضي عليها، خاصة وأن "الكبير يأكل الصغير في هذه المهنة".
مكتب التشغيل باب خلفي لأعمال منافية للآداب
بالرغم من أن أجور العاملات المنزليات الأجانب تزيد عن أجور العاملات المصريات، إلا أنهنّ يعانين أيضاً من الكثير من الانتهاكات. ميمنه قاسم، سودانية الجنسية، إحدى هؤلاء. تروي لرصيف22: "أعمل كخادمة منزلية منذ أن كان عمري 15 عاماً. جئت مع أسرتي من السودان إلى القاهرة، وعملَت والدتي كعاملة منزلية أيضاً لفترة طويلة، إلا أنها بعدما كبر سنها، طُردت من المنزل الذي كانت تعمل فيه".
حصلت ميمنة على العمل من خلال مكتب تشغيل يقع في منطقة وسط القاهرة، دون أي عقد يحميها أو يضمن حقها. في البداية ذهبت إلى أسرة كبيرة وعملت في فيلا في مدينة 6 أكتوبر، وأقامت هنالك إقامة كاملة، وكانت مسؤولة عن النظافة، و"كان مكان مبيتي عبارة عن ‘مرتبة’ (فراش) بجوار المطبخ الرئيسي. لم يرحمني أحد ولم يدركوا أنني طفلة لا أستطيع القيام بكل الأعمال التي كانت تُطلب منّي".
بعد أيام من عملها، اتصلت صاحبة المنزل بمكتب التشغيل وطلبت إعادة راتب الشهر المقدم الذي حصل عليه مقابل عمل ميمنة "أو أن يأتي بأخرى أفضل منّي".
ظل المكتب يماطل مع صاحبة المنزل أكثر من شهر، و"احتُجزت لديهم أعمل في أسوأ الظروف وأُهان وأُضرَب من كل مَن في المنزل، بل كان اسمي لديهم ‘السودة’، وبعد الكثير من الخلافات جاء صاحب المكتب ومعه والدتي فحصلت على نصف شهر من الراتب المتفق عليه ولم أستطع أن أشتكي لأحد".
تقول مُيمنه التي تبلغ من العمر حالياً 23 عاماً: "عانيت مرّ المعاناة من مكاتب التشغيل التي كانت تجبرني على دفع راتب أول شهر إضافة إلى راتب شهر تأخذه من صاحب المنزل. البعض حاول استغلالي في أعمال منافية للآداب، كأن أعمل ‘ريكلام’ في بارات، أو في بيوت مشبوهة، مستغلين أنني لا أملك إقامة ولا يوجد قانون ينظم عمل الخادمات"، مؤكدة أن "الفتيات الصغيرات هنّ أكثر مَن يعانين من تلك المهنة".
"بعد أربعة أشهر من العمل وتحمّل معاملة صاحبة المنزل المهينة، تحرش بي شقيقها الذي كان يأتي إلى منزلها كثيراً. وعندما اشتكيت لها اتهمتني بأنني أغويه، وفرضت عليّ الصمت أو إنهاء عملي في منزلها، فاضطررت أن أصمت لأن ‘الحوجة وحشة’"
لاحقاً، استطاعت ميمنة الحصول على عمل لدى أسرة في التجمع الخامس، "إلا أن الأزمة أنه لا مواعيد للعمل. أذهب صباحاً وأعود وقتما يسمحون لي فقط، وهو ما يمنعني من الموافقة على أيّة خطبة أو ارتباط فمَن سيوافق على أن أعود إلى المنزل في الثانية أو الثالثة صباحاً حسب رغبة أصحاب المنزل؟".
في بداية العام الماضي، أصيبت الشابة بفيروس كورونا وانتقلت العدوى إليها من أحد أفراد المنزل الذي تعمل فيه، فطُردت من العمل وأصبحت في الشارع بلا أيّة حقوق ولا أموال تساعدها على العلاج، وعندما انتهت إصابتها عادت إلى نفس المكان مرة أخرى، وتقول: "ليس لدينا رفاهية ترك العمل أو المطالبة بأية حقوق".
حصل رصيف22 على صورة عن عقد عمل لدى أحد مكاتب التشغيل التي تقوم بتشغيل الفتيات كعاملات منزليات. وتضمّن العقد ثلاثة أطراف: الطرف الأول هو مكتب التشغيل، والعاملة الطرف الثاني، والطرف الثالث صاحب العمل.
تضمّن العقد عدّة بنود من بينها أن صاحب الحق الوحيد في تحديد مواعيد العمل هو صاحب المنزل، ولا يحق للعاملة الاعتراض أو مخالفة كافة التعليمات التي يصدرها الأخير. كما تضمن بنداً آخر يمنح فيه صاحب المنزل الحق في تفتيش العاملة والمحتويات الخاصة بها قبل مغادرتها المنزل. ويخلي مكتب التوظيف نفسه من أية مسؤولية قانونية عليه إذا فُقد أيّ من محتويات المنزل.
وحرم العقد العاملة من الحصول على نسخة من هذا العقد، إذ جاء فيه أن هنالك نسختين واحدة لدى صاحب العمل والثانية لمكتب التشغيل.
لا تسيطر مكاتب التوظيف إلا على نسبة قليلة من سوق عمل العمالة المنزلية، فمعظم الباحثين عن عمل يجدونه عبر معارفهم وأقاربهم وجيرانهم. إضافة إلى ذلك، لا تقديرات رسمية أو شبه رسمية لأعداد العاملات المنزليات في مصر.
وعالمياً، تقدّر منظمة العمل الدولية عدد العاملين في المنازل بـ53 مليون شخص، تمثل النساء نسبة 83% منهم، كما تمثل عاملات المنازل حوالي 20% من قوة العمل النسائية بصورة عامة.
الذكور أيضاً يعانون
بالرغم من أن نسبة عمالة الذكور في الخدمات المنزلية قليلة للغاية، إلا أنهم يعانون من انتهاكات مختلفة عندما يعملون فيها. يقول محسن ن. (32 عاماً) لرصيف22: "عندما ضاق بي الحال، لجأت إلى العمل في أعمال النظافة المنزلية، ورعاية المسنين من الرجال"، ويضيف: "مثلما تعاني النساء من العنف، نعاني نحن أيضاً".
"عانيت مرّ المعاناة من مكاتب التشغيل التي كانت تجبرني على دفع راتب أول شهر إضافة إلى راتب شهر تأخذه من صاحب المنزل. البعض حاول استغلالي في أعمال منافية للآداب، كأن أعمل ‘ريكلام’ في بارات، أو في بيوت مشبوهة"
يروي واقعة تعرّض لها بعدما وفرّ مكتب تشغيل عملاً له مع رجل أعمال مسن، ويقول: "بعد شهور قليلة فوجئت بأبناء المسن يسيئون معاملتي، ويمنعونني من النوم على سرير بالرغم من أن الشقة فارغة تماماً سوى من والدهم المسن، ويغلقون المطبخ والحمام أمامي، ويمنحونني القليل من الأكل، وفي أغلب الأحيان يتأخرون في دافع الراتب لوجود خلافات بينهم، وبعد وفاة والدهم لم يمنحوني ولو القليل من المال لتدبر أمري".
يعتبر محمود أن الرجال يمكنهم القيام بكافة أعمال النظافة، إلا أن فرص عملهم في المجال قليلة للغاية نتيجة ثقافة الأسرة المصرية التي لا تقبل فكرة وجود رجل "غريب" معها في البيت.
لا بد من قانون
قبل أيام، تقدّمت النائبة نشوى الديب بمشروع قانون وقّع عليه 60 نائباً، لتنظيم أوضاع العمالة المنزلية، ما يعيد إثارة العديد من التساؤلات ومن بينها التساؤل عن أهمية وجود هذا قانون، ولماذا لا يتم إخضاع هؤلاء العاملين لأحكام قانون العمل، وكيف يمكن وضع حدّ للانتهاكات التي يعانون منها؟
تقول النائبة نشوى الديب، صاحبة المشروع الذي قُدّم للأمانة العامة للبرلمان لرصيف22: "إنها ليست المرة الأولى التي أتقدّم فيها بمشروع قانون لتنظيم العمالة المنزلية للبرلمان، فقد تقدمت في دورة انعقاد البرلمان السابقة العام الماضي بمشروع قانون، إلا أنه تم تأجيله، فأجريت تنقيحاً له ليتناسب مع تطور الأوضاع وجمعت عليه ما يزيد عن 60 توقيعاً من نواب في البرلمان".
وأشارت الديب إلى أنها اعتمدت في كتابة القانون على دراسة وبحث قامت به ما يزيد عن 100 من الجمعيات الأهلية، رَصَدَ معاناة العمالة المنزلية، بل ومعاناة أصحاب المنازل أيضاً، إضافة إلى أخذ رأي مشاركين في مائدة مستديرة في دار الخدمات النقابية والعمالية.
يتضمن مشروع القانون بنوداً عدّة لتنظيم عمل مكاتب التشغيل، من بينها ما ورد في المواد 8-22 من ضرورة حصولها على ترخيص من وزارة القوى العاملة، ومنح الوزارة حق التفتيش على المكاتب في أي وقت، وإلغاء التراخيص بحال ارتكاب أية مخالفة تجاه العمال، ومنعها من تقاضي مقابل تشغيل من العمال المنزليين، وأن تكتفي بالحصول على عمولة من صاحب العمل، كما جرّم المشروع استخدام دعاية عنصرية مثل اللون.
ونص المشروع أيضاً في المواد 23-28 على إبرام عقد عمل بين العامل وصاحب المنزل ووضع معايير لإنهاء العمل ونص على تعويض مناسب من قبل صاحب العمل، كما حدد واجبات صاحب المنزل من توفير مكان إقامة مناسب، وطعام مناسب وكسوة سنوية وغيرها من الحقوق.
وحدد القانون عدد ساعات العمل في المواد 33-40، ووضع في الاعتبار مرض العامل وساعات العمل الإضافية وغيرها من الحقوق التي يتمتع بها باقي العمال في مصر.
ولفتت الديب إلى أن القانون في المواد 41-47 وضع ضوابط من شأنها أن توقف الانتهاكات التي يتعرّض لها العمال المنزليون مثل التحرش الجنسي والتنمر وكافة أشكال العنف.
منظمة العمل الدولية حذّرت مصر أكثر من مرة
تشير المحامية في دار الخدمات النقابية والعمالية، وهي منظمة أهلية مختصة في حقوق العمال، رحمة رفعت إلى أن منظمة العمل الدولية وجهت لمصر انتقادات أكتر من مرة، وتزايدت الانتقادات مؤخراً بشأن غياب وجود قانون ينظّم ويحمي العاملين في المنازل، و"عندما اقترحنا على الحكومة أن يتم إدراج العمال المنزليين في قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، أو المشروع المقبل، رفضت بحجج عدديدة أولها أن التفتيش داخل المنازل الخاصة من شأنه أن ينتهك حرمة الحياة الخاصة التي أقرّها الدستور، وثانيها أن مواعيد العمل المقررة في قانون العمل لا تتلاءم وطبيعة عمل الخدمة المنزلية، كما أن الأجر الذى يحصلون عليه فى أغلب الأحوال يدخل فيه جزء عيني كالإقامة والإعاشة والأكل، وهو ما يتطلب ضرورة أن يكون هناك قانوناً منفصلاً لتنظيم عمل عمال المنازل".
وأشارت رفعت إلى أن أغلب المبررات ليس لها محل من الإعراب، لكن بعد العديد من النقاشات قالت الحكومة أنها ستسن مشروعاً جديداً لتنظيم عمل العاملات المنزليات، ثم جاء مشروع القانون الذي قدمته النائبة نشوى الديب "فقررنا العمل عليه جميعاً".
وترى رفعت أن هنالك ضرورة لتوفير حماية حقيقية للعاملات المنزليات اللواتي يعانين من غياب الحقوق الأساسية مثل تحديد عدد ساعات العمل والتأمين صحي والاجتماعي، و"حتى حق اللجوء إلى القانون والشكوى من سوء المعاملة ليس متاحاً لهنّ".
وتوضح أن مشروع القانون الجديد الذي قُدّم للبرلمان تضمن العديد من البنود المهمة، ومن بينها أن يكون هنالك مكتب شكاوي للعاملين المنزلين ملحق بكافة فروع وزارة القوى العاملة، وأن تكون مهمة ذلك المكتب تلقي الشكاوي والعمل على حل النزاعات أو تحويلها إلى المحكمة، إضافة إلى بنود أخرى عن تجريم عمالة الأطفال، وتنظيم عمل مكاتب التشغيل، ومنعها من الإتجار بالبشر أو إساءة استعمال العامليين المنزلين.
ولم توقع مصر على اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين رقم 189 لعام 2011، الصادرة عن منظمة العمل الدولية، والتي تنص على ضرورة تمتع العمال المنزليين بالحقوق الأساسية نفسها كأي عامل آخر بما في ذلك ساعات عمل معقولة، راحة أسبوعية مدتها 24 ساعة متتالية على الأقل، ووضوح أحكام وشروط التوظيف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...