شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ابنة تُضرب بسبب سيجارة وزوج صار

ابنة تُضرب بسبب سيجارة وزوج صار "متفرّغاً" لتعنيف زوجته... قصص معنّفات في زمن الحجر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 1 أبريل 202005:45 م

انزوت الطفلة خلود (16 عاماً) في أكثر أركان غرفتها ظلاماً، ترتعد خوفاً وتكتم نحيبها كي لا تُضرب ثانية، وأمامها وقفت أميرة، شقيقتها الكبرى (23 عاماً) تنظر في عجز تام، غير قادرة على احتضانها، أما أمهما فكانت خارج الغرفة تفكر في إجابة مُرضية للجيران، عند الصباح، حين يسألون عن سبب الصراخ داخل شقتها.

في هذه الأثناء، كان الأب (48 عاماً) ينفث دخان سيجارته أمام التلفاز، وفي يده الأخرى عصا خيزران سميكة، متدلية، كانت قد ملأت جسد الصغيرة بالكدمات.

غالباً ما تخلق الأزمات الكبرى ضغطاً متزايداً على فئات اجتماعية هشة، فبعد الحجر الصحي المفروض من قبل الحكومة على المواطنين، للحد من انتشار فيروس كورونا، بدأت تساؤلات عديدة تُطرح حول حال هذه الفئات، ولعل أبرزها "ماذا تواجه النساء داخل البيوت غير الآمنة، خلال فترة الحجر؟".

تقول أميرة إن هذا الرجل الذي لم تشعر بأبوته أبداً، أجبر أختها الصغرى على الخروج من المنزل، خلال ساعات الحظر، لتشتري له علبة سجائر. وجدت خلود المحال مقفلة، والشوارع خاوية إلا من الكلاب، فخافت وعادت مسرعة للمنزل.


لم يُعجب الأمر والدها، سحبها من شعرها، وطرحها أرضاً وبدأ بضربها، وحينما هرولت أميرة لتُنجدها، نهرها وهددها بأنها ستلحقها، فوقفت عاجزة تسمع صراخ الصغيرة ولا تستطيع نجدتها.

والد أميرة، كما تقول، معتاد على تعنيفهن، الأم والابنتين. قبل فترة الحجر المنزلي، كانت قلوب الثلاثة تأخذ هدنة من الخوف، أثناء تواجده خارج المنزل للعمل، لكن مع بداية الحجر، أصبح متواجداً أغلب الوقت، فبات الوضع فوق طاقتهن، لأنه يتدخل في كل شيء، ويجد دائماً مبرراً لتعنيفهن ونهرهن وضربهن.

تختم أميرة حديثها بالقول إنها لم تعد تشعر بالأمان مطلقاً، تخشى أن يتسبب فى أذى أكبر لهن، وتموت إحداهن تحت يده وهو يضربها، وتأمل أن تدرك أمها خلال هذه الفترة، ضرورة هروبهن، وأن سلامة كل واحدة منهن أهم من كلام الجيران وتبريرات العائلة.

قصة بسنت وزوجها "المتفرّغ لإعادة تربيتها"

بدورها، تُخبر بسنت (24 عاماً) كيف عاد زوجها، وهو عامل يومي، إلى المنزل وهو عابس الوجه. تعرف جيداً هذه القسمات العابسة التي تعني ليلة مريرة بسبب أزمة ما في عمله. بدأت بإعداد الغداء حين سمعت أحدهم يخبره أنه في إجازة مفتوحة من دون أجر. كعادتها، أخذت طفلتها ذات العامين، ودخلت تختبئ في غرفة أخرى. بصوت أجش، ناداها زوجها، فارتجف قلبها لكنها حاولت التمالك، لبّت نداءه، وقف أمامها ونهرها لأنها - حسب قوله - زوجة مُسرفة، وعليها أن تخفض مصاريف البيت.

كل ما قالته بسنت في تلك اللحظة هو أنه لا يعطيها مالاً في الأساس، ولم تكن تعلم أنها سكبت كل بنزين الكون فوق لهيب غضبه. تقول بسنت إنها لم تكد تنطق بجملتها الوحيدة، حتى انقض عليها وأمسك رقبتها، ارتفعت قدماها عن الأرض، أفلتها حين أصبحت عاجزة تماماً عن التنفس، لكنه ظل يعنفها. طرحها أرضاً، وما إن التقطت أنفاسها، ناولها بوابل من الضربات بحزامه، وكلما تعب من الضرب، كان يخرج، ثم يعود ليشتمها وينقض عليها مرة أخرى. وبين جولة العنف والأخرى، كان زوج بسنت يردد أنه عاطل حالياً، وبات متفرّغاً لإعادة تربيتها.

ظل هكذا حتى آخر الليل، سقط من التعب، وهي انتظرت حتى غطّ في النعاس، سرقت هاتفه، واتصلت بوالدها لنجدتها.
تشرح بسنت أنه منذ بداية الأسبوع الأول للحظر، وهي تعاني من ازدياد سوء المعاملة، يعنّفها إذا بكت صغيرتها، أو لعبت أو قامت بأي شيء طبيعي لمن هم في عمرها، وبعد أن طلب من والدها أن تعود لبيته، رفضت، فهي تخشى أن يقتلها في المرة القادمة.

قصة تُقى وشقيقها الغاضب

في الإسكندرية، تعزل تُقى (27 عاماً)، وهي طالبة ماجيستير في كلية الآداب، نفسها داخل غرفتها لتستريح من مهام المنزل وطلبات أخويها ووالدها. سمعت شقيقها الأكبر يصرخ، فأغلقت الباب بخوف شديد، لكنه اقتحم غرفتها، وبدأ يسبها بألفاظ بشعة، وينعتها بالساقطة، ثم سحب هاتفها عنوة، وخرج لاعناً إياها أشد اللعن، كل هذا لأنها كما يقول لم ترتب غرفته على ما يرام.
والد خلود أرسلها لشراء سجائر خلال ساعات الحظر لكنها عادت من دونها فضربها بعنف، زوج بسنت طُرد من عمله فأوسعها ضرباً وكاد يخنقها قائلاً إنه بات متفرغاً لتربيتها، وزوج هند طردها بثياب النوم ثم ردّها "كي يتسلى"... نساء بتن مُعنَّفات "بدوام كامل" بسبب الحجر المنزلي  

تشرح تُقى أنه على الرغم من أنها تكبر شقيقها بعامين، إلا أن والديها منحاه كل صلاحيات التحكم المطلق في حياتها، وبما أنه يعمل خارج المدينة، ويأتي خمسة أيام فقط كل شهر، كانت تتحجج بالمحاضرات، وتخرج في الصباح، بينما هو نائم، ثم تعود بعد خروجه للشارع، متجنبة تدخلاته التي لا تنتهي.
لكن في هذه الفترة، كما تُخبر، تشعر أنها سجينة، لا مهرب من العنف الواقع عليها، كانت الجامعة هي متنفسها الوحيد، لتبعتد عن الأجواء المحملة بالخوف، وتعود لتمكث في غرفتها حتى يخلد الجميع للنوم، أما الآن فقد أصبحت هي شغل شقيقها الوحيد.

قصة جارة هند وزوجها الذي "يتسلّى" بها

في الساعات الأولى من بدء الحجر، تسمع هند وأسرتها استغاثة جارتهم. عادة ما ينبعث السباب من الشقة المواجهه لهم، فهناك جارهم، الذي يعلو صوته دائماً على زوجته وأولاده، بعدها سمعوا طرقاً هسترياً على الباب، هرولوا للخارج، ليجدوا جارتهم، وهي سيدة أربعينية، بملابس النوم، تتوسل لزوجها أن يدخلها البيت، وصوت عويل أطفالها يعلو من الداخل على صوتها. أخذتها والدة هند، حتى الصباح.
دخلت هند لجارتها كي تهوّن عليها ما حدث، فهي من خارج القاهرة، وهو يعلم جيداً وحدتها، لكن ذلك لا يبدو مهماً. تحكي هند كيف رأت آثار كدمات على وجه جارتها وكتفها، احتضنتها، ظلت تبكي، وتقول إنها كان تتحمل تهكمه الدائم، وتخرج في الصباح لعملها، تقابل صديقاتها في العمل، يتشاركن معاناتهن، وتعود لتتحمل المزيد، لكن الآن لا مهرب منه إلا إليه. ثلاثة أسابيع كاملة لم يخرج أحدهما من المنزل، يفرغ كل طاقته في سبها وضربها طوال اليوم.

في الصباح، أتى زوجها ليأخذها، أو كما يدعي أن يراضيها، لكنها تركت خلفها جملة جعلت هند تعيد كل حساباتها، حيث قالت "عاد ليأخذني، حتى يجد ما يسليه مجدداً". 

العنف كسبيل للخروج من حالة الفراغ

القصص الواردة هنا تبدو نذراً يسيراً مما تخفيه المنازل من رعب وألم كانت تعيشه نساء مصريات وزادت حدته خلال فترة الحجر، وهي قصص تبدو مشتركة بين نساء حول العالم، وإن كانت سبُل الهروب من هذا الواقع تختلف من دولة لأخرى، حسب ظروف النساء وتدخل الجهات الحكومية والمنظمات النسائية لردع العنف بحقهن وتفعيل نظام المحاسبة.
"الذكر المعتاد على تعنيف الزوجة أو الأخت أو الابنة، من المتوقع، أمام حالة الفراغ التي يفرضها الحظر، من دون عمل أو أصدقاء أو مقهى، أن يزيد من تعنيفه لهن، كسبيل للخروج من حالة الفراغ وإثبات الذات"

في فرنسا مثلاً، سُجّل خلال أسبوع واحد ارتفاع في نسبة البلاغات ضد العنف المنزلي بنسبة 32%، وفي باريس وحدها ارتفعت النسبة إلى 36%، حسب تصريحات وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستنر، للقناة الرسمية، وفي لبنان، سجّل "التجمّع النسائي الديمقراطي" الذي يُعنى بدعم النساء المعرّضات للعنف والمناصرة من أجل تحقيق المساواة الجندريّة، ارتفاعاً في عدد الاتصالات الواردة إلى الخطّ الساخن خلال شهر آذار/مارس بنسبة 50% مقارنةً مع الأشهر الماضية.
يقول أستاذ علم الاجتماع والصحة النفسية في كلية التربية في جامعة القاهرة طه أبو الحسين إن الذكر المعتاد على تعنيف الزوجة أو الأخت أو الابنة، من المتوقع، أمام حالة الفراغ التي يفرضها عليه الحظر، من دون عمل أو أصدقاء أو مقهى، أي ما يشغل فراغه، أن يزيد من تعنيفه لهن، كسبيل للخروج من حالة الفراغ التي استجدّت على حياته.
ويعتبر أبو الحسين أن إجبار الذكر على المكوث في المنزل لساعات طويلة، قهراً، يخلق لديه حالة من التحفز، والرغبة في التدخل وإثبات الذات في كل صغيرة في مساحته المتاحة، وهي المنزل، ومن الطبيعي أن تزداد الاحتكاكات، والتوتر، وحدة رد الفعل، ما يولّد العنف، مضيفاً "على الرغم من كل هذه الحالة، إلا أنه لا يمكن الربط بين هذه الظاهرة وقرارات الحجر، وحتى نتمكن من ذلك، نحتاج لمزيد من الوقت والمسح والإحصاءات".

خوف النساء من الشكوى

تدفع النساء ضريبة مُضافة على كونهن معنفات، وهي عدم توافر أماكن أمنة يمكن أن يلجأن إليها من ذلك العنف، أو قوانين فعلية تحميهن، فيفقدن متنفسهن الوحيد، سواء بخروجهن من المنزل، أو خروج من يعنفهن.
تقول الناشطة النسوية الدكتورة عزة كامل إن النساء اللواتي يعانين من العنف الأسري بالفعل مُحاطات بالخطر، لأن وجودهن لفترات أطول مع المعنفين، يزيد من فرص الاحتكاك، وبالتالي من زيادة معدل العنف الواقع عليهن، لكن الأزمة الحقيقة تكمن في عدم وعي المعنّفات بحقهن في الإبلاغ والشكاوى، والتواصل مع منظمات حقوقية لحمايتهن، إما بسبب خوفهن من المعنف ذاته، إذا عرف أن المرأة بلّغت عنه، فيقتلها أو يمارس عليها المزيد من العنف، وإما بسبب انعدام قدرتهن على الحركة لحرمانهن من كل وسائل الأتصال أو حبسهن داخل المنزل.

وتشير كامل إلى أهمية دور المنظمات الحقوقية والنسوية في هذا السياق، فهي المسؤولة عن نشر الوعي، ومن الممكن استغلال هذه الفترة في تنظيم جلسات نقاش، أو فيديوهات لنشر الوعي، عبر الإنترنت، سواء للنساء حول كيفية الإبلاغ في حالات الخطر، أو للرجال ضد ممارساتهم على النساء.

التداعيات النفسية... أبشعها تبلّد المشاعر

تظل المرأة المعنّفة في حالة ترقب وخوف شديد، تقوم بمهاما بحذر مُبالغ به، إذ لا مجال لأخطاء عادية أمام معنفها، لأن لا وسيلة لديها لصد هجماته عنها.
تقول الطبيبة النفسية والباحثة في ملف العنف الأسري دينا مسعد إن ارتفاع حدة العنف المُمارَس ضد النساء هذة الفترة يعود لأسباب عدة، منها الفراغ، والكبت، وتراكم المشاعر السلبية والقلق بسبب الخوف من العدوى، والضغط العصبي الناتج عن التفكير في كيفية تدبير الالتزامات المعيشية، أو تكدّس عدد كبير من أفراد الأسرة في منزل ضيق، كأغلب منازل مصر.
المرأة المهددة بالعنف يتكون لديها مشكلة في الثقة بالنفس، والثقة بدوائر معارفها، والمجتمع ككل، بينما دائرة العنف شديدة الانغلاق، لا مهرب منها، كأنها سلسلة تدور بين الأفراد المعنفين. 

وتعتبر مسعد أن المرأة المهددة بالعنف تتكون لديها مشكلة في الثقة بالنفس، والثقة بدوائر معارفها، والمجتمع ككل، بينما دائرة العنف شديدة الانغلاق، لا مهرب منها، كأنها سلسلة تدور بين الأفراد المعنفين، من الأب للأم للأبناء.
وتشرح مسعد أن النساء، في هذه الظروف، يعشن تحت ضغط عصبي ضخم، وقلق من أن أي تصرف قد يعرضهن للعنف، ما يصيبهن بأمراض نفسية عديدة، منها اضطراب القلق والاكتئاب وغيره، لكن الإصابة النفسية الأبشع على الإطلاق هي التبلد في المشاعر، حيث تعتاد المرأة على العنف الواقع عليها، وهذا سبب كاف لما نراه من تبرير بعض الضحايا للأذى الواقع عليهن.
وفي ظل عدم توافر آليات حماية حقيقية للمعنفات في بيئات معينة، تنصح مسعد باتباع نظرية "تقليل نسبة الألم"، عن طريق إجراءات تتبعها المرأة لتقليل تعرضها للعنف، وهي التواجد في أماكن بعيدة عن المعنف، وتفادي الاحتكاك معه، وإذا كان المنزل صغيراً، أو كانت مضطرة للتواجد أمام المعنف طوال الوقت، عليها أن تفتعل أي شيء يشغلها للبعد عنه، مؤكدة أن كل ذلك حلول مؤقتة غير صارمة، لكنها قد تُساعد في تفادي تداعيات هذه الفترة الاستثنائية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image