تتعرّض بعض النساء في مجتمعاتنا العربية لضغوط كبيرة لأن وزنهنّ لا يطابق المعايير التي يعتبرها المجتمع "مثالية"، وقد يؤدي ذلك للجوء إلى مشرط الجراحة، مع ما يحمله هذا الخيار من تداعيات سلبية على الصحة.
ضغوطات مجتمعية
كانت أمنية إبراهيم (39 عاماً) تتعرّض لضغوطات كثيرة بسبب وزنها، ويرمقها البعض بنظرات سيئة، ما يجعلها تشعر بأنه غير مرغوب بها في الأماكن العامة، كما تجد صعوبة في المواصلات.
من صغرها، لم تترك هذه الشابة أي نظام تخسيس لم تتبعه، فقد خضعت لكل الحميات، بدءاً من الأعشاب والإبر الصينية، وصولاً إلى الأدوية، وبقي الوضع على حاله، حتى أصيبت بالاكتئاب، توقفت عن الطعام واضطرّت لتعليق محاليل.
تتعرّض بعض النساء في مجتمعاتنا العربية لضغوط كبيرة لأن وزنهنّ لا يطابق المعايير التي يعتبرها المجتمع "مثالية"، وقد يؤدي ذلك للجوء إلى مشرط الجراحة، مع ما يحمله هذا الخيار من تداعيات سلبية على الصحة
حينها، رشّح لها كل الأطباء عملية "تكميم المعدة" حتى لا تصاب بأمراض السكر والأزمات القلبية والسرطان، وبالفعل، قرّرت إجراء العملية في العام 2015، وكان وزنها حينها 125 كيلوغرام.
طبقاً لموقع مايو كلينيك ، فإن تكميم المعدة هي عملية إنقاص الوزن عن طريق إزالة 80% من المعدة، وترك جزء منها يشبه الأنبوب، في حجم وشكل ثمرة الموز. ويؤدي تقليل حجم المعدة إلى تحديد كمية الطعام الذي يُستهلك. وعادةً ما يلجأ الناس إلى هذه العملية بعد تجربة عدّة حميات غذائية من دون جدوى. وتساعد هذه العملية على تقليل مخاطر المشاكل الصحية المصاحبة لزيادة الوزن، مثل مرض السكري من النوع الثاني، مرض القلب، ارتفاع ضغط الدم والسرطان.
أخذت أمنية التي كانت تعمل حينها في إحدى الدول الخليجية، تبحث عن مستشفى بتكاليف منخفضة، خاصةً أن التأمين الصحي لا يغطي هذه العملية لأنه يعتبرها "رفاهية"، وقد اضطر والدها أن يقترض من البنك كي يستطيع توفير هذا المبلغ الكبير نسبياً.
رحلة أمنية مع عملية التكميم كانت مليئة بالمفاجآت غير السارة، واكتشفت أن العملية ليست سهلة كما يظنّ البعض، فمن جهتها، لم تكن تعلم الكثير عنها قبل إجرائها، وخضعت قبل العملية لفحوصات للرئة والقلب، وحصلت على استشارة نفسية، لكنها اكتشفت أن الأمر بالنسبة للمستشفى مجرّد تجارة، إذ كان الطبيب يتفاخر بعدد المرضى الذين يجرون العملية في الشهر، كما أن أحداً لم يهتم بإعدادها نفسياً للعملية وتبعاتها.
كان التدرّج في تناول الأكل والسوائل أمراً شاقاً لم تجد من يعينها عليه، ووجدت نفسها مجبرة على اتباع نظام غذائي معيّن، لأن أي وجبة خاطئة أو كمية زائدة من الطعام من الممكن أن تجعلها تبيت ليلتها في المستشفى.
شكّل الطعام أزمة بالنسبة إليها، فلم تكن تدرك هل هي تشعر بالجوع أم لا، أو متى تتوقف عن الأكل، أو ماذا تأكل، واستمرت هذه الفترة لوقت طويل، مع العلم بأن الآثار السلبية لم تقف عند هذا الحد، فكان يصيبها إحساس القيء، آلام شديدة في المعدة وهبوط في الدورة الدموية، وحتى الآن مازلت تعاني من آثار العملية.
على الجانب الآخر، أصابها الذهول جرّاء التغييرات الاجتماعية التي شهدتها بعد العملية، فأصبحت تُقبل في الوظائف، وتُمدح من الموظفين لاجتهادها في العمل، وتجد أماكن في السينما… صحيح أنها الشخص ذاته، ولكن ما تغيّر هو نظرة المجتمع لها.
بين ما يتمناه الأهل وعدم التصالح مع الذات
لجأت لميس البمبي (30 عاماً) لعملية تكميم المعدة بسبب ضغط أهلها، وعلى الرغم من أنها تضيق ذرعاً بتعليمات الأطباء، إلا أنها قرّرت اللجوء للتكميم حتى لا تتعرّض للمقارنات المستمرة من أهلها بمن هم أكثر نحافة منها.
تقول البمبي لرصيف22: "بعد العملية وصلت للوزن الذي تمناه أهلي، فقدت من وزني 60 كيلو غراماً، كما لاحظت تغييرات إيجابية، فأصبحت قادرة على الصلاة وأنا واقفة، وباتت حركتي خفيفة، لكن رغم ذلك مازال أهلي يطلبون مني تقليل الوزن".
لا تعرف شيماء الجمل (اسم مستعار) إن كان ما جعلها تُقدم على إجراء عملية تكميم المعدة هو الضغط المجتمعي أم لا، فالمجتمع قد يكون ضاغطاً على بعض النساء اللواتي يعانين من زيادة في الوزن، لكنها شخصياً لم تكن تحب شكل جسدها، وقد تعرّضت للتأنيب من صديقتها لأنها خضعت لهذه العملية ورضخت بشكل ما لضغوطات المجتمع، لكنها غير نادمة، كما تؤكد لرصيف22: "لو رجع بي الزمن سأجريها مرة أخرى، لأنني أصبحت أشعر بالتناغم مع جسدي وأشعر بالراحة، على الرغم من أنني لم أصل للوزن المثالي الذي أتمناه".
ومع هذا، هناك آثار سيئة للعملية، فهي تعتبر الأكل المتعة الوحيدة المتاحة، والحدّ من كمية الطعام بعد العملية سبّب لها اكتئاباً، لكنها تعلمت أن تصغي لجسدها أكثر بعد العملية، وتعرف ما الذي ينبغي أن تأكله أو لا، وتحافظ على صحتها.
يقول د.محمد موسى، أخصائي الجراحة في جامعة طنطا، لرصيف22، إن اللجوء لعملية تكميم المعدة يكون في بعض الأحيان بدافع صحي، وأحياناً أخرى بدافع تجميلي، كما أن البعض يلجأ لها لأسباب غير طبية، مثل تثبيت الوزن، كاشفاً أن بعض الأطباء يعتبرون العملية تجارة، يوافقون على إجرائها حتى مع عدم وجود سبب طبي.
ويشير موسى إلى إن الحد الأدنى للسن لهذه العملية يتراوح ما بين 9 و 14 عاماً، ولا يوجد حد أقصى للسن طالما كانت وظائف القلب والتنفس تسمح بالتخدير الكلي، أما بالنسبة للوزن الموصى به لإجراء العملية فلا يوجد وزن معيّن، فيعتمد الأطباء حديثاً على معدل كتلة الجسم، وهو حاصل قسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر، ويكون خيار التكميم متاحاً إذا زادت عن 35، وتزداد الحاجة للعملية عند وجود مشاكل طبية متعلقة بالسمنة: تكيس المبايض، البول السكري، ارتفاع ضغط الدم، تصلب الشرايين، قصور الشرايين التاجية، خشونة المفاصل، آلام الظهر المزمنة، صعوبة التنفس أو انسداد مجرى التنفس العلوي.
هذه العملية ليست سحراً، فقد تفشل نتيجة اختيار نوع العملية، أو عدم التزام المريض/ة بالنظام الغذائي، أو اتساع المعدة التلقائي، فمن الضروري اختيار نوع العملية المناسب والالتزام بالنظام الغذائي
تُجرى هذه العملية بعد فشل محاولات إنقاص الوزن غير الجراحية لمدة لا تقل عن ستة أشهر مع طبيب/ة تغذية.
وينصح موسى المقبلين على هذه العملية أن يقرأوا عنها كثيراً، ويفضّل أن يكون إجراء العملية قراراً مشتركاً بين المريض/ة والطبيب/ة.
لكن يجب التنويه بأن هذه العملية لا تخلو من مضاعفات محتملة؛ مثل مضاعفات التخدير التي تنطوي على الانسداد التنفسي، ارتفاع أو انخفاض ضغط الدم، وأيضاً تجلط الدم، الجلطة الرئوية، أو الحساسية من الأدوية والالتهاب الرئوي. وقد تشمل مضاعفات الجراحة النزيف، إصابة الكبد والطحال، أما أخطر المضاعفات المحتملة فهي التسريب من دبابيس المعدة أو المعدة، والذي قد يهدد الحياة نتيجة تسمّم الدم.
وفي الختام، يؤكّد الدكتور موسى أن هذه العملية ليست سحراً، فقد تفشل نتيجة اختيار نوع العملية، أو عدم التزام المريض/ة بالنظام الغذائي، أو اتساع المعدة التلقائي، مشدداً على ضرورة اختيار نوع العملية المناسب والالتزام بالنظام الغذائي الذي ينصح به الطبيب/ة المختص/ة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون