هل سبق وأن أكلتم/نّ آخر قطعة بيتزا أو تناولتم/نّ بقايا طعام أطفالكم/نّ حتى ولو كنتم/نّ تشعرون/ن بالشبع والانتفاخ؟
لفهم ما يحدث، يجب استكشاف "إشارات التوقف عن الأكل"، أي مؤشرات الشبع، بخاصة وأنه في بعض الأحيان يكون هناك "صراع" محتدم بين المعدة الممتلئة وبين العقل الذي يصرخ: "أريد المزيد!".
الجوع مسألة معقدة
من الصعب تجاهل الجوع، وهو محرك قوي مصمّم لجذب انتباهنا وإبعاد "شبح" الجوع عن جسدنا.
يجب أن تعمل الوجبات المنتظمة التي تملأ المعدة والأمعاء على تهدئة الشعور بالجوع، ولكن ماذا لو كنّا على استعداد دائم لتناول قضمة أخرى من الطعام، بغض النظر عن مقدار ما نأكله والشعور بالشبع؟
في هذا الصدد، قالت الدكتورة مونيك تيلو، المدربة السريرية في كلية الطب بجامعة هارفارد ومديرة البحث والشؤون الأكاديمية لبرنامج نمط الحياة الصحي في مستشفى ماساتشوستس العام، إن الجوع معقد، ويمكن أن يكون له العديد من المحفزات المختلفة: "إن الهرمونات وخاصة هرمون الغريلين، يمكن أن يكون لها تأثير محفز على الإحساس بالجوع والشهية، أما الإشارات الأخرى أكثر نفسية، وهي عادة ما تكون الدافع وراء الجوع لدى الناس".
في بعض الأحيان يكون هناك "صراع" محتدم بين المعدة الممتلئة وبين العقل الذي يصرخ: "أريد المزيد!"
تبدأ إشارات الشبع في جسمنا عندما يستشعر دماغنا أننا استهلكنا ما يكفي من العناصر الغذائية التي نحتاجها.
يستقي عقلنا إشاراته من مصادر متعددة، على غرار:
-إشارات التمدد من الجهاز الهضمي، مثل المعدة والأمعاء، والتي تشير إلى كمية الأطعمة والمشروبات التي تناولناها.
-"هرمونات الشبع"، مثل كوليسيستوكينين (CCK) والببتيد YY، والتي يتم إطلاقها في مجرى الدم، عندما تتصل عناصر غذائية معيّنة من طعامنا المهضوم مع أجزاء معيّنة من الجهاز الهضمي.
-العناصر الغذائية من طعامنا المهضوم، والتي تنتقل إلى مجرى الدم، ويمكن أن تؤثر مباشرة على عقلنا لناحية الشعور بالشبع.
-اللبتين، وهو الهرمون الذي تنتجه الأنسجة الدهنية بشكل أساسي، والذي يخزّن العناصر الغذائية الزائدة من طعامنا على شكل دهون: كلما زادت نسبة الدهون في الأنسجة الدهنية، كلما زاد إفراز هرمون اللبتين في مجرى الدم، وزاد إحساس دماغنا أننا استهلكنا ما يكفي من العناصر الغذائية الضرورية.
وفي السياق نفسه، يشير بحث جديد أجراه المركز الطبي الجنوبي الغربي في جامعة تكساس، إلى أن هرمون الغريلين، وهو الهرمون الذي يفرزه جسمنا عندما نكون جائعين، قد يساهم في التأثير على جوانب المتعة في سلوك الأكل. والنتيجة هي أننا نستمر في تناول الأطعمة "الممتعة" حتى عندما نشبع.
وبالتالي، يضع دماغنا كل مصادر المعلومات هذه في "خوارزمية الشبع"، وفي مرحلة معيّنة، يرسل لنا إشارة بأن الوقت قد حان للتوقف عن تناول الطعام، أما في حال لم نحصل على ما يكفي من العناصر الغذائية التي نحتاجها بشكل عام، فقد نشعر بعدم الرضا ونستمر في تناول الطعام حتى ولو كنّا نشعر بالشبع.
واللافت أنه من السهل تجاهل إشارات الشبع في جسمنا، خاصةً عندما يكون هناك أطعمة متنوعة ولذيذة، وفي حال تمّت إضافة المشروبات الكحولية على المائدة، قد يصبح من الأسهل تجاهل إشارات الشبع.
قد تشمل العوامل الأخرى أخلاقياتنا بشأن عدم إهدار الطعام، وعادات معيّنة، مثل تناول الحلوى بشكل روتيني بعد العشاء، بغض النظر عن الشعور بالجوع أو الرغبة في ذلك.
الأكل يتعلق بالعواطف أيضاً
في عالم مثالي، لن نأكل إلا عندما يحتاج جسمنا إلى طاقة على شكل سعرات حرارية، ومع ذلك، نحن بشر وعالمنا ليس مثالياً، غالباً ما نأكل لأسباب لا علاقة لها بتلبية احتياجاتنا الفيزيولوجية، بحيث أننا قد نأكل احتفالاً بنجاح ما، من باب العادة أو استجابة لعواطف معيّنة.
إذا كنتم/نّ قد أفرطتم/نّ في تناول الطعام أثناء الشعور بالملل أو الخوف أو الإجهاد أو الوحدة أو التعب أو الذنب، فلا بد أنكم/نّ اكتشفتم/نّ أن الطعام يمكن أن يحسّن مزاجكم/نّ، ولو كان ذلك بشكل مؤقت.
في الواقع، ثبت أن بعض الهرمونات والمواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ التي تدخل في إشارات الشبع تؤثر على الحالة المزاجية.
إذا كنتم/نّ تستمرون في تناول الطعام رغم الشبع، فيجدر بكم/نّ البحث في العوامل النفسية الأساسية المحتملة، إذ تم ربط الاكتئاب والقلق والتوتر واضطراب ما بعد الصدمة بالإفراط في تناول الطعام.
في الحقيقة، يمكن أن يؤدي الإجهاد إلى زيادة مستويات الكورتيزول، المعروف باسم "هرمون التوتر". وبالرغم من فائدته في الجسم، لكن المستويات الزائدة من الكورتيزول، الناتجة عن الإجهاد المزمن، يمكن أن تسبب مجموعة من المشاكل في الجسم، بالإضافة إلى الرغبة الشديدة في تناول الأطعمة المالحة والحلوة أو الدهنية أو المصنّعة. في القرون السابقة، ساعد هذا الأمر الناس في جمع الأطعمة التي من شأنها أن تدعمهم في الأوقات التي يكون فيها الغذاء نادراً، ولكن في وقتنا هذا، تؤدي هذه الآلية التكيفية سابقاً إلى زيادة الوزن الزائد.
هذا ويمكن أن تلعب التجارب السلبية في الطفولة دوراً في الإفراط في تناول الطعام بشكل معتاد.
كيف يمكن التوقف عن الأكل عند الشعور بالشبع؟
-في حال كان الشخص المعني يشك في وجود أسباب نفسية تدفعه للإفراط في تناول الطعام، فيجب أن يلجأ لأخصائي/ة في علم النفس لمساعدته على تجاوز هذه المشكلة.
فقد أصبح للاكتئاب والقلق الآن مسارات علاجية راسخة.
-يمكن علاج اضطراب ما بعد الصدمة بعلاجات فعالة، كما يمكن علاج اضطرابات الأكل بشكل فعال من خلال العلاج السلوكي المعرفي لاضطرابات الأكل.
-بإمكان المرء أن يحتفظ بمذكرات إشارات الشبع حتى يتعلم كيفية التعرف عليها. في كل مرة يأكل فيها، يجب أن يلاحظ ما إذا كان يشعر بعدم الرضا أو الرضا أو الإفراط في الرضا، مع العلم بأن الهدف يجب أن يكون الوصول إلى مرحلة "الرضا".
عندما يصبح تناول الطعام بمثابة "فشّة خلق" لا أكثر، ننصحكم/نّ بالابتعاد عن المائدة بمجرد أن تخبركم/نّ إشارات الشبع أن الوقت قد حان للتوقف عن الأكل
-عندما يدرك الشخص أنه يأكل لدرجة الشعور "بالرضا المفرط"، فعندها يجب تدوين ما يحدث في يومياته، ومحاولة الإجابة على بعض الأسئلة: هل أشعر بعدم الجدارة؟ بالغيرة؟ بالانزعاج؟ بالتعب والإرهاق؟ هل أماطل في القيام بشيء ما؟ بمعنى آخر، يجب أن يفكر فيما يحتاجه حقاً وأن يمنح نفسه المزيد من الاهتمام بدلاً من التركيز على الطعام.
-اختيار نظام غذائي يكون غنياً بالعناصر الغذائية مع التقليل من الأطعمة المصنّعة، والتركيز على الرغبة الشديدة في تناول أطعمة صحية معيّنة. سيساعد ذلك في توفير العناصر الغذائية التي يحتاجها المرء حتى يتم تنشيط إشارات الشبع لديه.
-ينبغي على كل شخص أن يكون هو وحده المسؤول عن مقدار الطعام الذي يتم تقديمه له، بحيث لا يظهر في الطبق سوى الكمية التي يشعر أنه يستطيع تناولها.
إذن، يمكن للطعام أن يجعلنا نشعر بالرضا، وفي الكثير من الأحيان، يمكن أن تعزز وجبة خفيفة مزاجنا، أو تحسّن إنتاجيتنا في العمل، ولكن عندما يصبح تناول الطعام بمثابة "فشّة خلق" لا أكثر، ننصحكم/نّ بالابتعاد عن المائدة بمجرد أن تخبركم/نّ إشارات الشبع أن الوقت قد حان للتوقف عن الأكل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.