بعد خضوعها لأكثر من 20 نظامٍ غذائي خلال 14 عاماً، قرّرت "بيكي يونغ" أن تدير ظهرها للصور النمطيّة المترسّخة في مجتمعاتنا الحديثة، والتي تروّج للجسم الرشيق والممشوق، مشدّدةً على أنه من حقِّ المرء الشعور بالسعادة مهما كان حجمه أو وزنه.
وردّاً على خيبات الأمل والانتقادات اللاذعة والإهانات الكثيرة التي تعرّضت لها، أطلقت "يونغ"(28 عاماً) في العام 2017 نادي مكافحة الدايت لمحاربة "ثقافة النظام الغذائي" السائدة.
يشدّد هذا النادي على "إيجابيّة الجسم"، ويُقيم في الآونة الأخيرة، العديد من ورشات العمل في لندن، للمساعدة في تمكين الناس وحثّهم على إعادة التفكير في علاقتهم بأجسادهم وبالطعام الذي يستهلكونه.
فما هي أهداف نادي مكافحة الدايت، وهل من الممكن أن تنسحب هذه التجربة على العالم العربي؟
محاربة ثقافة "الدايت"
غالباً ما تأتي الأحاديث المتعلّقة بالحميات وإنقاص الوزن مصحوبةً بالشعور بالعار والذنب والخجل، فهل من الممكن اتّباع نهجٍ أكثر إيجابيّة تجاه جسم المرء؟
لسنواتٍ عديدةٍ كانت"بيكي يونغ" قلقة بشأن جسدها، فمنذ أيام المراهقة حاولت انقاص وزنها بشتّى الطرق، فكانت تتبع أنظمةً غذائيّةً صارمةً، غير أن الشعور بالذنب لم يكن يفارقها على الإطلاق، وعن هذه المشاعر التي كانت تجتاحها في السابق تقول: "لطالما شعرت بالكثير من العار والذنب وكرهت نفسي، كنت أشعر حقاً بأنني على خلافٍ مع شخصيتي الحقيقيّة، ذلك أنه كان لديّ كراهية تجاه جسدي وتجاه الطعام الذي أحبّه".
من خلال نادي مكافحة الدايت anti-diet riot club المخصّص للأشخاص من جميع الأعمار، الأجناس، الهويات الجنسيّة، والأعراق... أرادت "يونغ" بناء مجتمعٍ متمرّدٍ يحارب بشدّةٍ ثقافة "الدايت"، والمعايير الجماليّة الخطيرة السائدة في مجتمعاتنا الحديثة.
يركّز هذا النادي المخصّص للطامحين إلى التحرّر من الضغوط المستمرّة لفقدان الوزن وبناء العضلات على الرسالة التالية: "إننا نؤمن بأن تمكين الناس وجعلهم يحبّون أنفسهم ليس مجرّد منشورٍ سخيفٍ على إنستغرام أو أحد الشعارات الرنانة، فهذه المقاومة قد تكون صغيرة ولكنها قوية، ضدّ مجتمعٍ يربح مليارات الدولارات من كراهيتنا لأنفسنا. نحن نعتقد أن ثقافة الدايت تؤثّر سلباً على عوالمنا العقليّة والجسديّة والعاطفيّة، من خلال إخبارنا بأننا لسنا جيّدين إلا إذا كنا نحاول إنقاص وزننا".
هذه المقاومة قد تكون صغيرة ولكنها قوية، ضدّ مجتمعٍ يربح مليارات الدولارات من كراهيتنا لأنفسنا
وبالتالي من أجل مساعدة الأفراد على العيش بطريقةٍ صحيّةٍ وممتعةٍ، فإن النادي يُقيم العديد من الفعاليات التي تعمل على تعزيز بعض المفاهيم، مثل تقبّل الجسم وحبِّ الذات، من خلال تخصيص وُرَشِ عملٍ زاخرةٍ بالمعلومات وممتعةٍ في آن، تحتضن نخبة من العلماء، الكُتّاب، المفكّرين والفنانين الذين يقاتلون من أجل هذه المفاهيم، ويزوّدون الأشخاص بأدواتٍ عمليّةٍ وليس فقط عباراتٍ مُلْهِمَة.
لماذا يرفع النادي شعار: لا للحمية الغذائيّة؟
يؤمن أعضاء نادي مكافحة الدايت بأن الحميات الغذائيّة لا تُجدي نفعاً، بل على العكس، يعتبر هؤلاء أنها قد تكون ضارّةً ومضيعةً للوقت الثمين والمال والطاقة العاطفيّة للشخص المعني.
في الواقع هناك القليل من الأدلّة التي تشير إلى أن الدايت يساعد على فقدان الوزن على المدى الطويل، بحيث أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يتّبعون حمياتٍ غذائيّةٍ صارمةٍ يستعيدون وزنهم السابق وحتى بعض الكيلوغرامات الإضافيّة، في غضون 3 إلى 5 سنوات نتيجة تغيّر الهرمونات، عملية الأيض، وبعض التغييرات العصبيّة الناجمة عن الدايت.
وزن الفرد لا يُعتبر عاملاً أساسيّاً ومؤشّراً قوياً على حالته الصحيّة، والتي تكون في الغالب مرتبطة بالوراثة وبنمط الحياة
وبالإضافة إلى ذلك يعتبر المنتسبون إلى نادي مكافحة الدايت أن الحميات الغذائيّة تعزّز حدوث علاقةٍ غير صحيّةٍ مع الطعام ومع التمارين الرياضيّة، وغالباً ما تضرّ بقدرة المرء على الاستماع إلى احتياجات جسده وإشارت الجوع والشبع، ما يؤدّي بدوره إلى سلوكيّاتٍ خاطئةٍ واضطراباتٍ في الأكل وزيادةٍ في الوزن في المستقبل، هذا بالإضافة إلى عيش الحياة بطريقةٍ غير صحيحة.
ويعتبر نادي مكافحة "الدايت" أن هوس مجتمعاتنا بفقدان الوزن هو أمرٌ مضلّلٌ تماماً، إذ أن وزن الفرد لا يُعتبر عاملاً أساسيّاً ومؤشّراً قوياً على حالته الصحيّة، والتي تكون في الغالب مرتبطة بالوراثة وبنمط الحياة.
من هنا يعمل النادي على تحويل عقل الفرد نحو الصفات الإيجابيّة الموجودة في داخله، والشعور بالسعادة ومعالجة عدم المساواة الاجتماعيّة والظلم والتمييز الذي يطال الفئات المهمّشة والأشخاص البدينين: " إننا نقضي الكثير من الوقت ونحن قلقين بشأن طبقات الدهون، نقص العضلات، الجلد، الشعر...مع العلم أن هذه الأشياء ليس لديها أي علاقة بقيمتنا كبشر"، وفق ما يؤكّده نادي مكافحة "الدايت".
ماذا عن الشرق الأوسط؟
لطالما تأثّرت حياة الناس وخاصّة النساء باضطرابات الأكل، إذ لم يعد يُنظر إلى مسألة الفتاة التي تتضوّر جوعاً على أنها فكرة بعيدة المنال، بل حقيقة محزنة، هي في الغالب وليدة المجتمعات التي تروّج للنحافة المفرطة.
وفي الشرق الأوسط، تقوم الفتيات بشكلٍ خاص بقياس وزنهنّ بطريقةٍ مبالغٍ بها في ظلِّ غياب الوعي، هذا بالإضافة إلى اللجوء لطرقٍ خطيرةٍ لإنقاص الوزن والحصول على الجسم المثالي الذي تعزّزه صور العارضات على "السوشال ميديا".
إننا نقضي الكثير من الوقت ونحن قلقين بشأن طبقات الدهون، نقص العضلات، الجلد، الشعر...مع العلم أن هذه الأشياء ليس لديها أي علاقة بقيمتنا كبشر
وكما هو الحال مع معظم الأمراض العقليّة، فإن اضطرابات الأكل تُعتبر من المحرّمات في مجتمعاتنا العربيّة، رغم أن الحديث يطول عن هوس بعض الأفراد بوزنهم وبشكلهم الخارجي.
في العام 2013، كشفت دراسةٌ أجرتها جامعة زايد في الإمارات العربيّة المتحدة أن 75% من الطالبات غير راضيات عن أجسامهنّ، وربعهنّ معرّض لخطر الإصابة باضطراب الأكل، وبناءً على هذه المعطيات، ألقى الخبراء اللوم على "المُثُل الغربيّة والمعايير الجماليّة القادمة من البلدان الأجنبيّة".
واعتبر موقع "ميدل إيست مونيتور" أن التجويع الذاتي والشَرَهَ المرضي شائعان للغاية، خاصّةً بين الفتيات المراهقات في وطننا العربي، ففي العام 2014 أظهرت دراسةٌ أخرى شملت بعض الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عاماً أن 71% من الطالبات قد قمن بحذف وجبةٍ واحدةٍ عى الأقلّ، في حين أن 85% من المشتركين اعتبروا أن المرأة الأردنيّة تعاني من هاجس جسمها، هذا وزعم 72% أن اضطرابات الأكل بين النساء تمثّل مشكلةً حقيقيّةً في الأردن، مع العلم أن 18% يشعرون بأنهم على درايةٍ كافيةٍ باضطراب الأكل.
مسألة الفتاة التي تتضوّر جوعاً ليست فكرة بعيدة المنال، بل حقيقة محزنة، هي في الغالب وليدة المجتمعات التي تروّج للنحافة المفرطة
ومن أجل مساعدة النساء العربيات على تقبّل أجسامهنّ، حاولت بعض مدوِّنات الأزياء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على غرار حنان فتح الله، رفع شعار: النظر بإيجابيّةٍ إلى الجسم، والعمل مع العديد من الأسماء المهمّة في عالم الموضة والأزياء: نرمين ناصيف، مي آل سعودي، صابرين الصبيحي، آسيا نسيب، ألين شيرينيان...تحت ما يسمى " Middle East Plus Size Fashion Bloggers" وذلك بهدف تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، كتلك المتعلّقة بالنساء الممتلئات: "مهمتنا هي تصحيح هذه الإيديولوجيّات الخاطئة واستبدالها برسائل أكثر إيجابيّة مثل الثقة في الجسم، التنوّع في الأجسام، وغيرها من الأمور التي تساعد المرأة العربية الممتلئة على استعادة الثقة بنفسها".
فهل ستتمكن مثل هذه المبادرات العربيّة والأجنبيّة من محاربة المفاهيم الخاطئة وكسر الصور النمطيّة وجعل النساء في مختلف العالم راضيات عن أجسامهنّ، بمعزلٍ عن هاجس الوزن وطبقات الدهون التي تحرم البعض منهنّ من العيش بسعادةٍ وتناغمٍ مع أنفسهنّ...؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...