شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عن قصّة فيلم

عن قصّة فيلم "برسبوليس"... الذي بإمكاننا تقديمه كتحية إلى مهسا أميني

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الأربعاء 5 أكتوبر 202201:13 م

في عام 2007، تم إنتاج فيلم الكرتون الإيراني "برسبوليس" أو بلاد فارس، للكاتبة والمخرجة مارجان ساترابي، وتتناول من خلاله قصتها الشخصية مع الثورة الإيرانية عام 1979، وكيف سرق روح الله الخميني، تلك اللحظة التاريخية. يعود هذا الفيلم الذي كتبت عنه وقت إنتاجه إلى الذاكرة حالياً، والنساء الإيرانيات ينتفضن في وجه نظام شرس، خنق أحلامهن وغطّاها بحجاب ليواري عوراته، واعتقدَ أنه انتصر. يعود هذا الفيلم ليجد نفسه مرةً أخرى بقصد أو من دون قصد، يناصر مهسا أميني، وكل النساء اللواتي يعرفن أنهن يحملن كفونهن بأياديهن وهن يجابهن الظلم في شوارع إيران.

إن نشوة الانتصار في الفيلم، أدت إلى توحيد صفوف الإيرانيين بكافة ثقافتهم وانتماءاتهم السياسية في هذا الحدث، وتلاشت مع واقع سيطرة الخميني الكاملة على السلطة ومحاربة معارضيه، من خلال تصفيتهم وإعدامهم بشكل جماعي. لكن المخرجة تصرّ على نفحة أمل تظهر كثيراً في انبثاق فجر جديد لا محالة في إيران، عاجلاً أم آجلاً، ولذلك يثبت هذا الفيلم حضوره في الوقت الحالي.

الفيلم الذي أتناوله هنا كقصة وليس كنقد فني، يحكي ببساطة، ومن خلال رسم كرتوني بالأبيض والأسود وبعض المشاهد الملونة، قصة حياة فتاة إيرانية اسمها "مارجان"، تعيش أجواء الانقلاب الذي قامت به الثورة الإيرانية عام ‬1979، على نظام الشاه محمد رضا بهلوي. تبدأ الحكاية، مع مشهد شابة جميلة تميزها شامة بالقرب من أنفها تجلس في قاعة الانتظار في مطار طهران، تدخن السجائر، ومع خاصية الفلاش باك تعود إلى ذكرياتها وهي طفلة: "أتذكر أني كنت أعيش حياةً هادئةً خاليةً من الأحداث وأنا صغيرة. كنت أحب البطاطا المقلية بالكاتشاب، وكان بروس لي بطلي المفضل".

إن نشوة الانتصار في الفيلم، أدت إلى توحيد صفوف الإيرانيين بكافة ثقافتهم وانتماءاتهم السياسية في هذا الحدث، وتلاشت مع واقع سيطرة الخميني الكاملة على السلطة ومحاربة معارضيه، من خلال تصفيتهم وإعدامهم بشكل جماعي

الطفلة مارجان

ما زالت "مارجان" في الفيلم طفلةً تسمع كلاماً في منزلها، وتسمع آخر في مدرستها، وآخر في الشارع، فيصيبها فضول السؤال باستمرار. في هذه الأثناء تظهر لـ"مارجان" شخصية لها علاقة بالسماء، تأتيها كل يوم وتحثها على الخير، وتؤكد لها أن العدالة هي التي تنتصر دائماً. تستيقظ "مارجان" من تخيلاتها على دقّ باب المنزل، فيكون الطارق، العم الذي كان معتقلاً في زمن الشاه، فتجري نحوه، يحضنها ويعدها بأنها ستكون نجمته طوال عمره. لكنها تصرّ على معرفة الحكاية، حكاية اعتقاله، فيلبي رغبتها في الحديث عنها كقصة قبل النوم، ويهديها "وزةً" مصنوعة من فتات الخبز أيام وجوده في المعتقل. تمر الأحداث سريعاً، ويبدأ الناس بالشعور بتغييرات لا تتناسب وحلمهم؛ ففرض الحجاب أصبح إلزامياً، وكل من يعارض الخميني يُزجّ به في السجن، وهذا ما حدث مع شخصية "العم" الذي يطلب رؤية ابنة أخيه التي تهرع إليه في داخل السجن، ليؤكد لها أن اليأس هو العدو الأكبر وتجب دائماً محاربته، ويهديها "وزةً ثانيةً" من فتات الخبز، لكن هذه المرة من معتقل ما بعد الثورة الإيرانية الإسلامية، فـ"وزة" معتقل الشاه لا تختلف عن "وزة" معتقل الخميني.

في عام 2007، تم إنتاج فيلم الكرتون الإيراني "برسبوليس" أو بلاد فارس، للكاتبة والمخرجة مارجان ساترابي، وتتناول من خلاله قصتها الشخصية مع الثورة الإيرانية عام 1979، وكيف سرق روح الله الخميني، تلك اللحظة التاريخية

في أثناء مشاهدة الفيلم سيتم إدراك أن في حياة مارجان، شخصيتين رئيستين، هما شخصية عمها وجدتها، اللذين بالرغم من دورهما الثانوي إلا أنهما يشكلان التأثير الأكبر في فكر مرجان وسير حياتها. فعمها كان مسجوناً لفترة طويلة خلال حكم الشاه، ثم أخرجوه من السجن بعد الثورة، ليأتي ويحكي لمرجان في مشهد مصوّر على طريقة الدمى المتحركة عن تاريخ شاه إيران، وما لبث العم إلا قليلاً في يد الحرية، حتى قبضوا عليه مرةً ثانيةً، وهذه المرة عبر الحكم الإسلامي، ليحكموا عليه بالإعدام، ولتبقى ذكراه مع "مارجان" طوال حياتها.

أما جدتها، الشخصية الثانية المؤثرة في فكر مارجان، فقد زرعت فكرة حب إيران وحب الآخرين في تفكير حفيدتها منذ الصغر، وحين ودعتها في المطار في المشهد الأخير من الفيلم، قالت لها: "كوني صادقةً مع نفسك".

مارجان المراهقة

في المقابل، يمر الفيلم على تأثير الحرب العراقية الإيرانية في الداخل الإيراني، إذ استغلت الحكومة الإيرانية هذه الحرب وقامت بعملية أطلقت عليها "عملية تطهير" كل من يقف ضد الخميني، خصوصاً الموجودين في المعتقلات الإيرانية، وقاموا بتخييرهم اما بالعدول عن أفكارهم التحررية التي لا تتناسب والنهج المتشدد، وإما الإعدام، وقرروا في غالبيتهم أن يُعدموا، بالإضافة إلى تمرير قوانين أكثر صرامةً في المجتمع الإيراني لضمان السيطرة الكاملة على كل بيت، وهذا ما لخصه الأب لابنته بعد أن عادت من النمسا، التي قررت عائلتها إرسالها إليها كي لا تعيش الحرب أو الموت.

في المقابل، يمر الفيلم على تأثير الحرب العراقية الإيرانية في الداخل الإيراني، إذ استغلت الحكومة الإيرانية هذه الحرب وقامت بعملية أطلقت عليها "عملية تطهير" كل من يقف ضد الخميني، خصوصاً الموجودين في المعتقلات الإيرانية

لم تعد مارجان طفلةً، بل أصبحت مراهقةً متمردةً في كثير من الأحيان. عادت بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وقررت العودة إلى مدرستها باللباس الرسمي المتمثل في حجاب ومريول طويل، لكنها تعلن عن تمردها بين الحين والآخر من خلال ارتدائها حذاء الرياضة "أديداس"، أو من خلال كتابة كلمات بالإنكليزية على سترتها، لكن التمرد الأكبر كان من خلال شرائها أشرطةً موسيقيةً من مهرّب، كأنها تشتري المخدرات. كانت تشعر بالفخر لقدرتها على التحايل على اللجان المنتشرة في الشوارع التي ترصد أي فعل "لا أخلاقي" من وجهة نظرهم. كانت لديها القدرة دائماً على الانتصار عليهم. كانت تهرع إلى غرفتها وترقص وهي ترتدي اللباس المفروض على النساء.

"الخوف هو الذي يجعلنا نفقد الوعي عن الحقيقة"

الانفصام الثقافي

لم تحتمل عائلة مارجان، تمرد ابنتها خوفاً عليها، لذا قرروا إرسالها مرةً أخرى للدراسة في الخارج. تقول: "هذه المرة أعاني من الانفصام الذي له علاقة بثقافات مختلفة"، فمارجان أصبحت تعاني من نظرة زملائها في النمسا إليها كفرد آتٍ من بيئة "متخلّفة" لا تعرف لغة الحوار، فتصبح من المنبوذين، وتصاحب الأقليات أو مدمني المخدرات والكحول، وتصل إلى حالة من الضياع تجعلها تقرر العودة إلى إيران. تصل مارجان إلى المنزل بنفسية محطمة، تثير ذعر عائلتها التي تقرر إرسالها إلى طبيب نفسي، بعد أن حاولت الانتحار. وهي في حالة التعب الشديد يأتيها في الحلم الخيال نفسه المتمثل في العدالة على شكل سماء إلى جانبه "كارل ماركس،" يحثانها على النهوض مرةً أخرى، ويتفقان على أن الأمل يأتي من التحدي. تستيقظ مارجا" بشكل مفاجئ، ولأن أحداث الفيلم كرتونية، تصبح مارجان لاعبة كاراتيه تريد مصارعة الجميع، فتأخذ حماماً ساخناً وترتدي الملابس المفروضة، وتقرر الالتحاق بالجامعة، وهناك تجد فتيات يفكرن مثلها ويقررن دائماُ التحايل على القانون من خلال إقامة حفلات في منازلهن، والرقص على موسيقى عالمية وأغاني مايكل جاكسون. تشعر مارجان بأن هذه هي الثورة الحقيقية، حتى لو كانت مخبّأةً في المنازل، إلى أن يأتي يوم يدق قلبها لزميلها في الجامعة، وتبدأ المحاولات المحفوفة بالخطر في كل مرة يحاولان اللقاء فيها. وذات مرة تشعر الشرطة بهما، فتضطر مارجان التي تضع ماكياجاً صارخاً على وجهها إلى أن تجذب التفات الشرطة نحوها، من خلال إلصاق تهمة مضايقة من شاب يجلس في الكرسي، لكن هذه الحادثة تغضب جدتها منها إذ قالت لها: "ليس الكذب هو الوسيلة، بل مواجهة الحقيقة، وهذه هي النزاهة". وتضيف: "الخوف هو الذي يجعلنا نفقد الوعي عن الحقيقة"، ليأتي مشهد آخر يدل على تعلم مارجان الدرس، إذ بينما هي تجري في الشارع، توقفها دورية شرطة موبخةً إياها ومتهمةً إياها بمحاولة إغراء المارة، مع أنها قالت لهم إنها تريد اللحاق بالمحاضرة، فتصرخ في وجههم، وتقول: "ليست مشكلتي أن لديك نقصاً في رجولتك"، وتستمر في الجري.

كانت تشعر بالفخر لقدرتها على التحايل على اللجان المنتشرة في الشوارع التي ترصد أي فعل "لا أخلاقي" من وجهة نظرهم. كانت لديها القدرة دائماً على الانتصار عليهم

وداع مؤقت

يمرّ الفيلم بعلاقات عاطفية مرت في حياة مارجانو انتهت بزواجها، بعد أن تم حجزها وحبيبها، بسبب شرطي ديني وجد الشاب وهو يضع يده على يد مارجان في السيارة، فيقرر جلد مارجان ولا تنقذها سوى حفنة من النقود قدّمها والدها له، ويكون الحكم هو الزواج السريع الذي أبكى والدة مارجان كثيراً، إذ كانت تحلم طوال وقت الفيلم بابنتها حرةً ومتحررةً وصاحبة قرار. هذا الزواج ينتهي سريعاً بعد شعور بالملل من قبل الطرفين، وتمر الأحداث سريعةً أيضاً بعد ذلك إلى وقت تقرر فيه مارجان الهجرة إلى فرنسا مع مباركة العائلة ودعمها، ووداع جدتها إلى الأبد.

ينتهي الفيلم مع صوت الأب وهو ينصح الابنة عند رحيلها عن الوطن، قائلاً: "لا تنسي من أنتِ ومن أين أتيتِ، فالمستقبل الذي يحتمل الجميع سيُصنع بأيديكم".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard