في 13 أيلول/ سبتمبر 2022، وبينما كانت في زيارة عائلية مع أسرتها للعاصمة طهران، ألقى ضباط شرطة الأخلاق الإيرانيين القبض على الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاماً)، المنحدرة من مدينة سقز بمحافظة كردستان شمال غربي إيران، بذريعة انتهاكها القانون الإلزامي الصارم لتغطية الشعر بالحجاب، واعتبار لباسها "غير محتشم".
بشكل غير متوقع، سقطت الفتاة في "مركز تعليمي" لأسس الحجاب الشرعي، ونُقلت إلى المستشفى حيث بقيت ثلاثة أيام في غيبوبة قبل إعلان وفاتها. قالت الشرطة آنذاك إن "الفتاة انهارت في مركز الاحتجاز بعد أن أصيبت بفشل في القلب"، بينما تُصر عائلتها على أنها "تعرضت للضرب من قبل ضباط الأمن".
تطور الغضب
لم يتوقع أحد أن تتحول وفاتها إلى شُعلة للثورة في إيران أولاً ضد الحجاب القسري ثم ضد حكم نظام الجمهورية الإسلامية الدكتاتوري الممتد لأكثر من أربعة عقود.
كانت البداية في جنازة مهسا في سقز، يوم 17 أيلول/ سبتمبر، إذ خلعت النساء أغطية رؤوسهن ولوّحن بها في الهواء احتجاجاً على ما تعرضت له مواطنتهن.
عقب الجنازة، اندلعت التظاهرات، التي قادتها النساء بالأساس مع دعم ملحظ ومشاركة قوية من الشباب والرجال، في شمال غربي البلاد، حيث تعيش الأغلبية الكردية البالغ عددها 10 ملايين نسمة، وفي العاصمة طهران. وذلك قبل أن تتسع الاحتجاجات في أكثر من 80 مدينة إيرانية تتوزع بين المحافظات البالغ عددها 31، في ما يمكن اعتباره التحدي الأكبر للنظام الحاكم في إيران منذ سنوات طويلة.
وتخللت التظاهرات مشاهد لنساء يحرقن أغطية رؤوسهن ويقصصن شعرهن، وتمزيق شبان لصور عملاقة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي الخامنئي وسلفه آية الله روح الله الخميني، وكذلك للجنرال والقائد البارز في الحرس الثوري الراحل قاسم سليماني. ونُظّمت أيضاً إضرابات عامة وجزئية بالجامعات والمدارس والمحال.
فيديو لامرأة عارية في شوارع طهران وآخر مزعوم لحرق #مهسا_أميني القرآن… هواة اللايك وأنصار النظام الإيراني يروجون الأخبار المضللة والزائفة على وقع الاحتجاجات الأخيرة ضد #الحجاب_القسري والحكم الدكتاتوري
وفي مسعى منها لوقف الاحتجاجات، قامت السلطات الإيرانية بقطع الإنترنت كلياً في المساء وجزئياً خلال النهار مع قطع تام لشبكة الهواتف في جميع أنحاء البلاد، ونفّذت عناصرها الأمنية اعتقالات وحشية وإطلاق نار على المحتجين، وضرب وتعذيب للمعتقلين منهم بما في ذلك الضرب بالهراوات والصعق بالكهرباء، وفق روايات المفرج عنهم لوسائل إعلام عالمية.
وبينما تتهم الحكومة الإيرانية معارضين مسلحين من الأكراد الإيرانيين، وأعداء أجانب، بالوقوف خلف الاضطرابات المستمرة في البلاد، اعتقلت السلطات هناك أخيراً تسعة أوروبيين، من بولندا والسويد وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا، بذريعة عملهم "عملاء لمنظمات تجسس أجنبية" إما أثناء الاحتجاجات أو "في الكواليس".
ولا تلوح في الأفق أية بوادر لتراجع أعمال العنف في ظل ارتفاع عدد القتلى الذي يرجح أنه ناهز العشرات وسط عدم وجود إحصاءات دقيقة، واعتقال المئات.
نشرت حسابات إيرانية على فيسبوك وتويتر صوراً لمسيرات مزعومة لدعم النظام الإيراني ضد الاحتجاجات التي ترتبت على وفاة #مهسا_أميني، في محاولة مفضوحة لتزييف الواقع. تبيّن أن الصور قديمة وترجع لفترات وأحداث مختلفة
أخبار زائفة ومضللة
برغم القطع الجزئي لشبكة الإنترنت في إيران والتعطيل الكامل لواتساب وانستغرام الأكثر استخداماً في البلاد، ظلت الصور ومقاطع الفيديو التي ينشرها الناشطون الإيرانيون عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة أساسية لتغطية ما يدور هناك. وهي الوسيلة التي تحظى بمتابعة حثيثة من وسائل الإعلام الدولية والمتابعين/ ات من خارج إيران.
في الأثناء، راجت بعض المنشورات الكاذبة والمضللة بزعم ارتباطها بالاحتجاجات الأخيرة في إيران، أحياناً من قبيل الرغبة في حصد التفاعل الواسع أو تشويه بعض المشاركين/ ات في الاحتجاجات هناك من قبل أنصار للنظام الإيراني الحاكم.
رصدت منصّة "مسبار"، للتحقق من الأخبار الكاذبة والشائعات، مجموعة من الأخبار الكاذبة والمضلّلة التي روّج لارتباطها بالاحتجاجات المترتبة على وفاة مهسا أميني، وفنّدت حقيقتها.
من أبرز الأخبار المضللة، مقطع فيديو تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع بزعم أنه يبرز "إطلاق الشرطة الإيرانية النار على متظاهرين في مدينة الأهواز"، خلال الاحتجاجات على مقتل مهسا.
تبين أنّ المقطع قديم ويعود إلى تموز/ يوليو 2021، أثناء الاحتجاجات على شُح المياه في إحدى مدن محافظة خوزستان جنوب غربي إيران.
وتداول البعض مقطع فيديو ادّعى ناشروه أنّه يوثق اعتداء عنصر من الحرس الثوري الإيراني على سيدة إيرانية خلال الاحتجاجات الأخيرة. تبين أيضاً أنّ الفيديو قديم ولا علاقة له بالحراك الحالي.
وحاول أنصار للنظام الإيراني دعمه بأخبار كاذبة. كان أبرزها ترويج فيديو مزعوم للمغدورة مهسا أميني وشقيقها وهما يحرقان نسخةً من القرآن، مع مزاعم بأن ذلك كان السبب الحقيقي وراء اعتقالها.
دحض مسبار هذا الادعاء، وأوضح أن الفيديو قديم ونُشر سابقاً على قناة في يوتيوب باسم سمية سلامت، في 19 حزيران/ يونيو 2019، تحت عنوان "تحدي حرق القرآن لرضا خاكسار وسمية سلامت". كما أن شكل الفتاة الظاهرة في المقطع يختلف كلياً عن الصورة المتداولة لمهسا.
ونشرت حسابات إيرانية على فيسبوك وتويتر صوراً عديدة لمسيرات مزعومة لدعم النظام الإيراني ضد التظاهرات الأخيرة، في محاولة مفضوحة لتزييف الواقع الراهن المتمثل في الغضب الواسع من النظام. أكد "مسبار" أنّ الصور قديمة وترجع لفترات وأحداث مختلفة.
مقطع فيديو آخر راج على نطاق واسع، زُعِم أنّه لفتاة إيرانية خرجت عاريةً ضمن الحراك الحالي المناهض للحجاب القسري. واتضّح أنه قديم نشرته وسائل إعلام إيرانية في أيلول/ سبتمبر 2021، قائلةً إنه لفتاة إيرانية مشت عارية في شوارع طهران آنذاك، دون تفاصيل إضافية لسبب ذلك أو ما حدث لها.
بينما قام إيرانيون بحرق وتمزيق صور لخامنئي والخميني وسليماني، وتعرضوا لإطلاق نار من قبل عناصر الأمن وضرب وسحل، كانت بعض المقاطع المتداولة لاعتداءات على المتظاهرين/ ات قديمة و/ أو زائفة وحدثت في بلدان أخرى
ونشر آخرون مقطعاً مصوراً قيل إنه يرصد "هجوم متظاهرين إيرانيين بالزجاجات الحارقة على قوات البَسيج في مدينة قم"، خلال الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني.
تبيّن أن الفيديو قديم ونُشر على حسابات إخبارية فلسطينية، في 5 آذار/ مارس 2020، على أنّه يوثّق هجوم متظاهرين فلسطينيين على مركبات إسرائيلية أثناء مداهمتها حي الطيرة بمدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة.
كما تأكد "مسبار" من أنّ المقطع المتداول لـ"فرار سيارة الشرطة من المتظاهرين في إيران" قديم ويعود إلى مهاجمة متظاهرين من مدينة أراك الإيرانية لسيارة شرطة يوم 30 كانون الأوّل/ ديسمبر 2017.
وخلال الساعات الماضية، راج بقوة مقطع فيديو نشرته قناة الحدث التي يُتابعها عبر تويتر 11 مليون شخص، زُعم أنه يعود لـ"تصدي المتظاهرين لوحشية الأمن الإيراني".
لكن "مسبار" كشف أن الفيديو يعود للعام 2014، ووقعت أحداثه في البحرين وليس في إيران. وقد نُشر عبر يوتيوب تحت عنوان "الثأر للشهيد علي فيصل".
يُشار إلى أن الأخبار المضللة والمغلوطة، أياً كانت الجهة التي تنشرها، تلعب دوراً مشبوهاً في تشويه الحراكات الشعبية والنضالات العادلة، ومن هذا المنطلق تنبغي محاربتها وكشف زيفها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون