على مدار الأيام القليلة الماضية شهدت مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الجدل، بعد بيان نقابة المهن لسينمائية الذي أعلن تراجع مصر عن ترشيح فيلم للمنافسة في مسابقة الفيلم الدولي فى جوائز الأوسكار التي تنظمها أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة سنوياً، وتوزع جوائزها في حفل كبير يقام في شهر آذار/مارس بلوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأصدرت نقابة المهن السينمائية المسؤولة عن تشكيل لجنة لاختيار الفيلم المرشح لتمثيل مصر في مسابقة الأوسكار 2022، بياناً، قالت فيه إن اللجنة المشكلة اجتمعت في 29 أيلول/سبتمبر الماضي، "وبعد مشاهدة أعضائها للأفلام التي ينطبق عليها شروط الترشح للجائزة، قررت اللجنة بأغلبية الأصوات عدم ترشيح فيلم مصري لهذا العام، متمنية أن تكون ظروف السينما المصرية أفضل في الأعوام المقبلة".
وأثار هذا البيان الكثير من الجدل بين النقاد وصناع الأفلام، مابين مؤيد ومعارض، واهتم بعضهم بمناقشةِ ما ألمح إليه البيان من تواضع فني في مستوى الأفلام المصرية التي عرضت خلال العام.
على الرغم من تقدم مصر بـ36 فيلم إلى الأوسكار خلال الأعوام الستين الماضية، ويعتبر بعضها من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية والعربية، وشاركت في عدد من المهرجانات العربية والعالمية، إلا أن أياً من هذه الأفلام لم يصل لقائمة الترشيحات النهائية في الأوسكار أبداً
مصر في ذيل العالم العربي
ترشح دول العالم أفضل أفلامها للمنافسة على فئة الفيلم العالمي في جوائز الأوسكار، والتي تعرف بأنها الفئة المخصصة للأفلام الطويلة المنتجة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وأكثر من 50% من الحوار المنطوق بلغة غير الإنكليزية، ويصل عدد المتقدمين سنوياً إلى أكثر من 90 فيلماً تنطبق عليها شروط الأكاديمية، وعلى رأسها أن يكون الفيلم قد عُرض في بلده تجارياً قبل 30 تشرين الثاني/نوفمبرمن العام السابق لموعد إعلان الجوائز.
من المقرر غلق باب التقديم لمسابقة الأوسكار الـ95، يوم الاثنين 3 تشرين الأول/أكتوبر 2022، على أن تُعلن القائمة القصيرة التي تضم 15 فيلماً فقط في 21 كانون الأول/ديسمبر المقبل، تمهيداً للترشيحات النهائية التي تعلن في 24 كانون الثاني/يناير 2023، بينما يقام حفل الجوائز في 12 آذار/مارس 2023 على مسرح دولبي في مدينة لوس أنجلوس.
وتقدمت بعض الدول العربية بأفلامها الحائزة على جوائز في مهرجانات عالمية للمنافسة على الأوسكار، منها المغرب بفيلم "القفطان الأزرق" للمخرجة مريم توزاني الحائز على جائزة الفيبريسى "اتحاد النقاد الدولي" في مهرجان كان السينمائي الدولي.
ورشحت الأردن فيلم "فرحة" للمخرجة دارين سلام الحائز على جائزة أفضل فيلم يورو-متوسطي يتناول قضايا المرأة، وجائزة الاتحاد الأوروبي، وجائزة أفضل مخرجة وأفضل ممثلة في مهرجان أسوان لسينما المرأة، كما حاز تنويهاً خاصاً من لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الذي أقيم في السعودية، وحظي بعرض عالمي أول فى مهرجان تورونتو السينمائي الدولي.
ويمثل الجزائر فيلم "إخواننا" للمخرج رشيد بوشارب، ، ومن فلسطين فيلم "حمى البحر الأبيض المتوسط" للمخرجة مها الحاج، والاثنان حظيا بالعرض العالمي الأول في الدورة 75 لمهرجان كان السينمائي الدولي. وحصلت مها الحاج عن فيلمها على جائزة أفضل سيناريو في مسابقة "نظرة ما". ورشحت تونس فيلم "تحت شجر التين" للمخرجة أريج السحيري الذى عرض مؤخراً في مهرجان تورونتو وفئة "نصف شهر المخرجين" بمهرجان كان.
ليست المرة الأولى للغياب
لا تعتبر هذه هي المرة الأولى التي تحجم فيها مصر عن ترشيح فيلم للمنافسة في الأوسكار لأفضل فيلم عالمي. فمنذ تحولت الجائزة في العام 1956 إلى جائزة تنافسيه تتقدم إليها الأفلام الناطقة بلغة غير الإنكليزية من أنحاء العالم، كانت مصر من أوائل الدول التي حرصت على المشاركة بدءاً من العام الثالث للتسابق.
ففي عام 1958 تقدمت مصر بفيلم "باب الحديد" للمخرج الراحل يوسف شاهين، لكنه لم يصل للترشيحات النهائية، على الرغم من أنه ضُم لاحقاً إلى قوائم عدة لأفضل أفلام لسينما العالمية، ويجري تدريسه ف يالعديد من معاهد السينما في العالم.
ومنذ ذلك التاريخ رشحت مصر 36 فيلماً فقط خلال السنوات من 1958 وحتى العام الماضي 2021، وغابت أكثر من مرة؛ على سبيل المثال خلال الفترة التي تبعت هزيمة 1967، حيث تقدمت للمشاركة في عام 1966 بفيلم "القاهرة 30" لصلاح أبو سيف، وغابت ثلاث سنوات، ثم عادت فى 1970 بفيلم "المومياء" للمخرج الراحل شادي عبد السلام، وعلى غرار "باب الحديد" لم يصل الأخير إلى القائمة القصيرة، إلا أنه يعد واحداً من أهم الأفلام في تاريخ السينما العالمية.
وتعتبر فترة الغياب الأطول في الثمانينيات ما بين عام 1981 ومشاركة فيلم "أهل القمة" لعلي بدر خان وحتى عام 1990 وترشيح فيلم "إسكندرية كمان وكمان" ليوسف شاهين.
طارق الشناوي: الغياب في الماضي كان لأسباب إدارية؛ إما لعدم اجتماع لجنة اختيار الفيلم الممثل لمصر، أو تأخرها عن الموعد النهائي للتقديم للأوسكار، لكن هذه هي المرة الأولى التي تُقرّر فيها اللجنةُ عدم ترشيح فيلم مصري للتسابق على جوائز الأوسكار "لأسباب موضوعية"
رأى الأغلبية يُحترم
يقول الناقد طارق الشناوي عضو لجنة الترشيح لرصيف22، إن الغياب في الماضي كان لأسباب إدارية؛ إما لعدم اجتماع لجنة اختيار الفيلم الممثل لمصر، أو تأخرها عن الموعد النهائي للتقديم للأوسكار، "ولكن منذ أن تولت نقابة المهن السينمائية مسؤولية تشكيل لجنة الاختيار لم يحدث هذا".
ويؤكد الناقد السينمائي أن هذه هي المرة الأولى التي تُقرّر فيها اللجنةُ عدم ترشيح فيلم مصري للتسابق على جوائز الأوسكار "لأسباب موضوعية"، موضحاً أنه كان من المؤيدين لفكرة اختيار فيلم للحفاظ على الحضور في المسابقة، لكنه يحترم رأي الأغلبية التي قررت عدم المشاركة، لـ"عدم قدرة الأفلام المقدمة على المنافسة"، ويؤكد أنه يدافع عن القرار النهائي للجنة.
فشل متكرر
وعلى الرغم من تقدم مصر بـ36 فيلم إلى الأوسكار خلال الأعوام الستين الماضية، ويعتبر بعضها من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية والعربية، وشاركت في عدد من المهرجانات العربية والعالمية، إلا أن أياً من هذه الأفلام لم يصل لقائمة الترشيحات النهائية في الأوسكار أبداً.
وهو ما يعلق عليه الشناوي، بأن الهجوم العنيف الذى تواجهه اللجنةُ منذ إعلان القرار غير منطقي بالمرة؛ فهذا القرار لا يعدّ هزيمةً للسينما المصرية، ولا المشاركة في حد ذاتها انتصار، فكل بلاد العالم من حقها تقديم فيلم لتمثيلها في المسابقة، وتصل المشاركات لأكثر من 90 فيلم سنوياً، لذلك يعتبر الانتصار الحقيقي في حدّه الأدنى هو الوصول للقائمة القصيرة ضمن الـ15 فيلم في التصفية الأولي التي تعلن في كانون الأول/ديسمبر، ثم الترشيحات النهائية، ثم ضمن الأفلام الخمسة التي تنافس على الجائزة في نهاية كانون الثاني/يناير، وهو ما لم يحدث حتى الأن رغم تكرار المشاركة، في حين تمكنت بعض الدول العربية الأخرى خلال السنوات الماضية من الوصول للقائمة القصيرة والترشيحات النهائية مثل لبنان واليمن وموريتانيا والأردن وسوريا وتونس والجزائر والمغرب، بينما لم تفلح مصر في ذلك.
وتعتبر اللجنة –بحسب تصريحات أعضاء منها لرصيف22- أن قرارها "بمثابة ناقوس خطر للتنبيه إلى أهمية الاهتمام بالسينما، والتواجد العالمي من خلال أفلام قادرة على المنافسة".
ويقول الشناوي إن اللجنة تقدَّمت لها هذا العام 4 أفلام فقط هي "كيرة والجن" للمخرج مروان حامد، و"الجريمة" للمخرج شريف عرفة، و"قمر 14" لهادي الباجوري، و"19 ب" لأحمد عبد الله السيد، وهو فيلم ينتظر عرضه في 23 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
ولكن –والحديث لا يزال لطارق الشناوي- التصويت كان أولاً على سؤال مهم وهو "هل يجب أن تشارك مصر هذا العام أم لا؟ ولم يكن على اختيار فيلم معين من الأفلام الأربعة. واستقر رأى الأغلبية النسبية على عدم المشاركة، وبالتالي لم تتم مناقشة الأفلام نفسها للاختيار من بينها".
إلا ان ذلك لا يعني أن القرار منفصل عن مستوى الأفلام، يقول الشناوي: "أغلب الأعضاء يرون أن أياً من هذه الأفلام لن يصل للقوائم الأخيرة. ورغم أني كنت أرى أن أحد الأفلام يستحق الترشيح على الأقل، إلا أن رأي الأغلبية يُحترَم".
أسباب هيكلية
يرى الشناوي أن المنافسة في المسابقات تحكمها عدة عوامل لها علاقة بالأذواق ومستوى الأعمال المتنافسة، فالسينما المصرية شاركت في الأوسكار بأفلام مهمة جداً، مثل "باب الحديد" و"دعاء الكروان" و"أم العروسة"، وغيرها من الأفلام المتميزة، ولكن أي عمل يحقق النجاح في المسابقات، يكون ذلك من خلال المقارنة بينه وبين الأعمال المتنافسة معه، "بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يكون السبب اختلاف اللغة السينمائية والمزاج الفني للمصوتين عن نوعية الأفلام المقدمة".
ومن جانب آخر حققت السينما المصرية نجاحاتٍ كبيرة في المهرجانات العالمية في السنوات الأخيرة؛ على سبيل المثال حصل فيلم "ريش" للمخرج عمر الزهيري على جائزة النقاد في مهرجان كان.
بعيداً عن الروائي
يذكر أن الفيلم المصري الوحيد الذي ترشح لجوائز الأوسكار هو الوثائقي "الميدان" للمخرجة جيهان نجيم، الذي ترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي، في مسابقات الأوسكار السادسة والثمانين عام 2014. وأشاد به النقاد في أنحاء العالم بعد عرضه في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه لم يعرض في مصر حتى الآن.
ويشير الشناوي إلى أن الفنان هشام عبد الحميد وزوجته اشتركا أيضاً بفيلم "خريف آدم" في المسابقة العامة للأوسكار عام 2005، التي تضم 24 فئة للمنافسة، بعد عرض الفيلم لمدة أسبوع في الولايات المتحدة الأمريكية مع ترجمة باللغة الإنكليزية وانطباق شروط المشاركة عليه، و"كان السبب الرئيسي لقبول الفيلم في المسابقة هو موسيقى راجح داود، لكن الفيلم لم يصمد في المنافسة".
إنتاج مُحبِط
على الرغم من الإيرادات الضخمة التي حصدتها الأفلام المصرية في صالات السينما هذا العام -"كيرة والجن" حصد أكثر من 114 مليون جنيه في 13 أسبوع- ، إلا أن كل الأفلام التي عُرضت هي أفلام تجارية خفيفة، لا تصلح للمنافسة على الجوائز، حسبما تؤكد الناقدة هويدا حمدي عضو لجنة اختيار الفيلم المصري، وعضو رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية المانحة لجوائز الغولدن غلوب في الولايات المتحدة الأمريكية.
ترى حمدي أن أفلام هذا العام "محبطة جداً، ولم يكن هناك فيلم واحد مستواه الفني يسمح بترشيحه للمنافسة على مسابقة الأوسكار باسم مصر". ولذلك تعتبر الغياب عن المنافسة هذا العام "أفضل من الحضور المُهين"، خاصة أن هذه الأفلام تعرض على مجموعة من أهم صناع السينما في العالم للتصويت عليها.
وأشارت إلى أن الفيلم الذى يمثل البلد من المفترض أن يكون أفضل إنتاجٍ قدَّمه خلال العام، وبالتالي لا يجب ترشيح أي فيلم لمجرد التواجد.
وأضافت: "من المحزن جداً أن تصل السينما المصرية صاحبة التاريخ الطويل إلى هذا الحال الذى تعجز معه اللجان عن اختيار فيلم للمشاركة في المهرجانات والمسابقات الدولية"، متمنية أن ينبه هذا القرارُ الدولةَ إلى تراجع السينما المصرية، في وقت بدأت تزدهر فيه السينما في عدد من الدول العربية الأخرى، وتصل لأهم المنصات العالمية مثل الفيلم الفلسطيني "حمى البحر الأبيض المتوسط" والمغربي "القفطان الأزرق".
"الفيلم العالمي" أهم مسابقة في الأوسكار
توضح هويدا إن مسابقة الفيلم العالمي "تُعدّ أهم فئة في مسابقات الأوسكار لأنها الفئة الرئيسية التي تتنافس فيها كلُّ دول العالم وتقدّم أفضل ما لديها. والمنافسة تكون قاسية، وليس من السهل الوصول للقائمة القصيرة التي تضم 15 فيلماً من بين أكثر من 90 فيلم تُقدّم عادة في كل عام".
ونفت ما يشاع من أن الأفلام "تصل من خلال التسويق والدعاية الضخمة التي تصل إلى 10 أو 15 مليون دولار"، مؤكدة أن هذا ينطبق على أفلام أستوديوهات هوليوود الكبرى التي تنافس على جوائز الفئات الأخرى، "لكن الأمر مختلف بالنسبة للفيلم الأجنبي، ويكفى عرضه في صالة صغيرة في أي ولاية أمريكية، خاصة أنه في العصر الحديث تصل الأفلام لأعضاء الاكاديمية في نسخ ديجيتال، ولا يوجد تسامح مع فكرة حصول أعضاء الأكاديمية على هدايا وما إلى ذلك لتوجيه التصويت".
شروط مختلفة للغولدن غلوب
في الوقت الذي تثار فيها ضجة كبير حول غياب التمثيل الرسمي في المنافسة على الأوسكار، تغيب عن الكثيرين معلومة مهمة عن جوائز الغولدن غلوب، والتي تشير هويدا إلى أن شروطها مختلفة عن الأوسكار، حيث لا يتطلب الأمر ترشيحاً رسمياً، كما هو الحال بالنسبة للأوسكار، وإنما يكفى أن يتقدم المخرج أو المنتج بفيلمه للمشاركة في المنافسة على فئة الفيلم الأجنبي طالما أن الشروط تنطبق عليه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...