شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"نعرة وطنية فارغة كاذبة جديدة"... فيلم "ريش" و"هسهس" صورة الدولة المصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 19 أكتوبر 202112:26 م

لغط كبير أثاره انسحاب عدد من الفنانين والمخرجين والنقاد السينمائيين من العرض الخاص لفيلم "ريش" الذي ينافس ضمن أفلام المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة في الدورة الخامسة لمهرجان الجونة، وسط اتهامات بعضهم لصناع العمل بـ"الإساءة إلى الدولة المصرية" مع إشارة غير بريئة إلى "التمويل الأجنبي" للعمل.

و"ريش" هو أول فيلم روائي طويل للمخرج عمر الزهيري الذي شارك السيناريست أحمد عامر في تأليفه. وعُرض للمرة الأولى داخل مصر في "الجونة" من إنتاج محمد حفظي وسبق أن فاز بجائزتين في الدورة الأخيرة لمهرجان كانّ.

يدور الفيلم حول قصة أم فقيرة تواجه متاعب الحياة بمفردها لإعالة أبنائها بعدما تحول زوجها إلى دجاجة بسبب خطأ من ساحر. وفي حين أن الأرقام الرسمية تقر بوجود نحو 12 مليون امرأة معيلة في مصر، اعترض بعض الفنانين على مشاهد الفقر والعشوائيات التي يحتويها الفيلم، واعتبروها "إساءة" إلى جهود نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في "تطوير" العشوائيات.

"مبالغة في الإساءة لصورة مصر"

تعقيباً على مغادرة عرض الفيلم رفقة الفنانين أحمد رزق وأشرف عبد الباقي، قال الفنان شريف منير إن في الفيلم "مبالغة في الإساءة لصورة مصر".

في "موقف دعائي للدولة وأمنجي"... فنانون مصريون يغادرون عرض فيلم #ريش في مهرجان الجونة، استياءً من مشاهد "الفقر" التي "تجحد" جهود #السيسي لـ"تطوير" العشوائيات، وإشارة غير بريئة لـ"التمويل الأجنبي"

وتابع في مداخلة مع برنامج "الحكاية" الذي يقدمه عمرو أديب عبر قناة "إم بي سي مصر": "الفيلم يحكي عن أسرة عايشة في عذاب بشكل غير طبيعي ومؤذي، يعيشون في قذارة رهيبة، وشكل مش حلو أبداً، عشان كده اتخنقت وتعبت من الفيلم"، مضيفاً "أنا عندي حتة غيرة جوايه تجاه بلدي بتحركني".

وعبّرت الفنانة هالة صدقي عن استيائها من الفيلم لأنه "خيالي وتجريدي وليس سينمائياً"، مشيرةً إلى أن "(حقيقة) مصر والسينما حاجة تانية" مختلفة عمّا قدمه الفيلم.

وشاركت عدة شخصيات موالية للنظام في التحريض والتصعيد ضد صناع العمل.  كتب النائب محمود بدر: "التعري الحقيقي مش شوية فساتين لبستها الفنانات... التعري هو أنك تعمل فيلم تصور فيه بلدك وكأن مفيش أي تطور حصل فيها وكان تقرير البنك الدولي نفسه متكلمش عن تراجع نسب الفقر ومفيش آلاف الأسر اتنقلوا من سكن المقابر لشقق آدمية... التعري الحقيقي أنك تبيع موهبتك للنوع اللي يجيب جوائز".

الإعلامي الموالي للنظام أحمد موسى أيضاً شن هجوماً على صناع العمل متسائلاً: "عايزين إيه من هذا الفيلم؟ مفيش مشهد واحد فيه يدل أن مصر اتغيرت. اللي عمل الفيلم ده عايش في 2011 و2012 و2013، مشافش مصر اللي اتغيرت النهاردة. ليه البعض بيحاول تقديم صورة سلبية عن مصر والمرأة المصرية".

أما المخرجة إيناس الدغيدي، التي غادرت العرض أيضاً مستاءةً، فقالت إن الفيلم "ضعيف فنياً" ولا يقدم مضموناً يستحق متابعته أو جائزة مهرجان كان، على حد قولها.

"نقل حياة الفقراء وشرح أوجاعهم ليس إساءة للدولة ولكنهما صرخة ضمير تطلب العدالة وإنقاذ الضعفاء"... متى يتوقف النظام المصري وموالوه عن استغلال "المساس بصورة الدولة" ذريعةً لقمع الآراء/ الأفكار؟ #ريش

فنانون ضد التيار

على النقيض تماماً، اختار فنانون ونقاد دعم "ريش" وفريق عمله، معبرين عن قوة محتواه على الصعيدين الفني والإنساني. غرّدت الفنانة الشابة سارة عبد الرحمن: "فخر كبير لمصر أن مخرج شاب يروح بفيلمه الأول مهرجان كان، ويكسب جايزتين مهمين، وأما سألوه فضل يتكلم في كل لقاء عن مكانة مصر في السينما وعن فخره بيها. أنا شوفت فيلم ريش إمبارح وعجبني جداً وكنت متسلية جداً بفيلم عن واحدة جوزها بيتقلب فرخة".

وكان المؤلف والسيناريست عبد الرحيم كمال أكثر جرأة في انتقاد الفنانين المنسحبين إذ قال عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي: "مش معنى إن فيلم سينمائي بعيد عن ذوقك أو حتى عن موقفك من الحياة والفن والكلام اللي يبان كبير أوي، ده إنك تبالغ في تحقيره والإساءة إليه ولصناعه كأنه إهانة وتنسب ليه عنوان كبير أوي زي (الإساءة لسمعة مصر!)".

وأكد كمال أن الفيلم "وراه مخرج كبير وموهوب" و"تجربة مهمة" و"ممثلين ممثلوش (لم يمثلوا) في حياتهم وقدروا يوصلوا فكرة صعبة وقاتمة وقاسية رغم طرافتها، وقدر يدين الفقر والاستغلال وقدر يتكلم عن موقف المرأة المضغوط بين موتين". وشدد على أن العمل يمتاز بـ"لغة سينمائية بليغة" كـ"تجربة سينمائية تحتاج الكثير من النقاش الجاد، دون إلقاء التهم" و"دون تخوين وتهويل".

ورفض الناقد الفني طارق الشناوي الاتهامات الموجهة للفيلم، قائلاً إن "صورة الوطن لا يمكن اختزالها في مجموعة مشاهد"، موضحاً أن حالة الفقر التي ظهرت في الفيلم موجودة، وهناك ما هو أسوأ منها.

"بداية حملة لتجريم التمويل الأجنبي للأفلام المصرية من أجل إحكام السيطرة تماماً على المشهد"... هل الهجوم على صناع فيلم #ريش "حملة مرتبة بتوجيهات أمنية"؟

ووصفت الناقدة الفنية ماجدة خير الله العمل بأنه "قطعة فنية من الإبداع الخالص من حيث أسلوب السرد، وتكوينات الصورة، والتعامل مع مجموعة من الممثلين لم يسبق لأي منهم الوقوف أمام الكاميرا"، متابعةً "من انسحب من الفنانين كأنهم لا شافوا سينما، وهينتهوا مثل الديناصورات. وصف الفيلم بالإساءة لمصر وصف غريب يحمل عدم وعي، وكأنهم مش عايشين معانا في نفس البلد مفيش بلد يعيبها الفقر".

أما صناع العمل، فتباينت ردودهم على الانتقادات بين الدفاع والتعبير عن عدم الاكتراث. قال المنتج محمد حفظي، وهو رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إن العمل لا يحمل أي إساءة لصورة مصر، وإن هناك ردود فعل إيجابية توازي تلك السلبية، مبرزاً أن العمل ليس وثائقياً وإنما يرصد عالم من خيال لا يُقصد منه "أي إسقاط سياسي". 

ماوأوضح مخرج العمل أنه "سعيد على أي حال بالاهتمام بالفيلم"، مشيراً إلى أنه يقدم "السينما التي أقتنع بها" وأن "السينما والفن دورهما طرح الأسئلة وترك الإجابة للجمهور، وهو ما يخلق الاختلافات".

"نعرة وطنية فارغة"

ردود فعل الجمهور كانت متباينة جداً أيضاً. فبينما عبّر موالون للنظام عن استيائهم من الفيلم الذي "يجحد" جهود الدولة في العشوائيات، مع تعبير عن الريبة من "التمويل الأجنبي" المشارك في إنتاجه، وهو من فرنسا وهولندا واليونان، استغرب معلقون أن غالبية المنتقدين لم يروا الفيلم، مشددين على أن "نقل حياة الفقراء وشرح أوجاعهم ليسا إساءة للدولة ولكنهما صرخة ضمير تطلب العدالة وإنقاذ الضعفاء".

واعتبر بعضهم تصرف الفنانين المنسحبين من العرض "موقفاً دعائياً للدولة" أو "أمنجياً (متحالف مع الأمن) في ظل عصر يدير مشهده ضابط مخابرات"، مستنكرين أن يكون أشخاص من الوسط الفني ضد حرية الإبداع.

الكيت كات" و"الحرام" و"مواطن ومخبر وحرامي" و"دكان شحاتة" وغيرها هي أفلام من روائع السينما المصرية أفلتت من  "هسهس" ما يُعرف بـ"المساس بصورة الدولة المصرية" و"التخوين".

الكاتب أحمد ناجي رجح أن يكون الهجوم على الفيلم "حملة مرتبة بتوجيهات أمنية"، مشدداً على أن "شريف وأشرف ورزق يستحيل يخرجوا ويعملوا حركات زي دي بدون توجيهات". تكهن أيضاً أن يكون "الموضوع أكبر من فيلم ريش" وأن يكون "بداية حملة لتجريم التمويل الأجنبي للأفلام المصرية من أجل إحكام السيطرة تماماً على المشهد".

إلى ذلك، كتب ساهر السمري، على فيسبوك، أن موقف الفنانين، لا سيّما رزق ومنير وعبد الباقي، يعكس "نعرة وطنية فارغة كاذبة جديدة" عبر ادعاء "الإساءة لسمعة مصر" وهي التي وصفها بأنها "تهمة معلبة جاهزة جداً في أي وقت لإثبات أننا وطنيين جداً يا ماما".

وقال السمري إن الفيلم الحائز جائزة مسابقة أسبوع النقاد في مهرجان كانّ فى دورته الـ74 في تموز/ يوليو الفائت، حقق إنجازاً هو الأول من نوعه في تاريخ السينما المصرية باقتناص الجائزة الدولية من بين 50 فيلماً. وأوضح أن تقييم الفيلم على IMDB هو 7.2.

في الأثناء، ذكّر العديد من المعلقين بأفلام تعد من روائع السينما المصرية والعربية سلّطت الضوء على معاناة الفقراء، مثل "الكيت كات" و"الحرام" و"مواطن ومخبر وحرامي" و"دكان شحاتة" وغيرها، قبل أن يظهر "هسهس" -أي الهاجس المرضي- ما يُعرف بـ"المساس بصورة الدولة المصرية"، الذي غُيّب عشرات الناشطين والمواطنين في السجون بسببه خلال السنوات الأخيرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image