دوائر الأدب دوائر ضيقة، لذا يبدو ما يحدث داخلها للقاطنين خلف سياجها مثلنا من الكتاب عنيفاً ومدوياً، لكن خارج هذا السياج، ربما لا تسمع إلا أصداء مكتومة، وقد لا تسمع أي شيء على الإطلاق، لذا دعوني أخبركم عما يحدث في الداخل، إنه الشيء عينه الذي يحدث خارج السياج وعلى نطاق وطني واسع، حالة من احتلال الأرجوزات للمشهد ومسارح الأحداث. داخل سياج الأدب يسمون أنفسهم آلهة، خارجها يصبحون أسود الإعلام أو الدين أو النوادي والراب سين بل والطب أيضا، وهم مثل ذلك الصنف من الأدباء لا يملكون أي منطق سوى لزوجة العبث، وفساد المعايير، وسهولة صنع التريند، وتبني المجتمع لهم؛ لأنه لا يبحث عن أديب أو إعلامي أو شيخ أو رئيس نادٍ أو مغني، بل عن رجل "حراق"، يكيد خصومه ويربكهم عبر مفاجآت الشبحنة واللا منطق.
دوائر الأدب دوائر ضيقة، لذا يبدو ما يحدث داخلها للقاطنين خلف سياجها مثلنا من الكتاب عنيفاً ومدوياً، لكن خارج هذا السياج، ربما لا تسمع إلا أصداء مكتومة، وقد لا تسمع أي شيء على الإطلاق، لذا دعوني أخبركم عما يحدث في الداخل
قبل سنوات لقب روائي، معروف داخل حدود السياج، نفسه بإله السرد، وفضلاً عن تفاهة تسميته لنفسه التي لا تعكس إيماناً داخلياً راسخاً بأهميته، قدر ما تعكس نرجسية الشعور بالضآلة، ومحاولة عكسها إلى عظمة عبر الإنكار؛ فهو لا يفوت فرصة لإثارة الجدل عبر تبني كل القيم الرجعية الممكنة، وباستثناء رواية ناجحة أو اثنتين لا يملك ذلك الروائي مشروعاً هاماً أو فارقاً أو أي بناء يصلح لآلهة حقيقيين، كنجيب محفوظ نفسه الذي كان يحق له أن يطلق على نفسه ما شاء من ألقاب، لكنه لم يتحل إلا بتواضع يليق بعظيم فعلاً، يكفي مثلا أن تعرف الفارق بين عظيم حقيقي وأراجوز، من تلك النظرة التي تحلى بها محفوظ... أريج خافت للعظمة، لا يشبه تلك النظرة المتعسفة والمتغطرسة في عيني آلهة السرد أو أي من مدعي العظمة المكبوتين، بل يشبه الطمأنينة والهدوء والألفة واللذة المتقشفة.
لكن ذلك المعيار لم يعد مُعترفاً به في أي دائرة، نظرة الآلهة والأسود والأراجوزات، هي نظرة ملؤها نطاعة الثقة، قناع صلب يخفي خللاً نفسياً، واهتزازاً عميقاً ينهشهم من داخلهم؛ لأنهم يعرفون في نهاية كل مساء أن لا قيمة لهم على الإطلاق، وأن قيم مريديهم كذلك مختلة، هم مثلهم لا يشعرون إلا بالضآلة، ولا علاج لتلك الضآلة سوى الإنكار.
في غياب المنطق والكرامة كمعيار، وتفشي المكايدة والاستقطاب لا يتخلق سوى المسوخ تنهشنا من أجل إثبات عظمتها المتوهمة
في غياب المنطق والكرامة كمعيار، وتفشي المكايدة والاستقطاب لا يتخلق سوى المسوخ تنهشنا من أجل إثبات عظمتها المتوهمة.
إنه الشيء نفسه الذي يحدث، لكن على نطاق وطني، حيث يجذب المرء الأنظار عبر امتصاص كل ما هو رديء ورجعي وتبنيه، تحويل العالم عبر نرجسية الشعور بالضآلة إلى مسرح أراجوز، هدفه هو أن تظل بقعة الضوء مسلطة عليه أطول وقت ممكن، وفي سبيل ذلك سيسمي نفسه أو يسميه أتباعه بشيء مفخم، بينما أفعاله كلها لا تخرج عن كونها أفعال الأراجوز، الذي يدرك أن شرط بقاء الضوء ليس اكتشاف المنطق، بل جر الجميع إلى ما يشعر به الإله الأراجوز: ضآلة ذاته.
فقط في ذلك المستنقع النتن الذي يضج بكل قاذورات ممكنة، يمكنه اللعب حراً وبلا قيود، بل والانتصار، لذا ففخه منصوب في الأساس هناك، كل ما يريده أسد الإسلام أو الإعلام أو النادي أن تسبه، فلا اعتراف به إلا عبر معركة، إنه يتغذى على تفاهة تلك النار، دخان حرائق مقالب القمامة، لأن ما يهمه ليس كرامته، لقد ضحى بها كقربان على مذبح الحياة، أو إلى إله الأراجوزات لو كان هناك واحداً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com