شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"ما هي تلك الأفلام؟ من ألفها؟ من أخرجها؟"... ذكرى الثورة في الجزائر ذكرى السينما

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 1 نوفمبر 202212:38 م

بعد مرور عقود من الزمن، لا زالت الأفلام والمسلسلات الجزائرية التي ولدت من رحم الثورة، مثل فيلم "معركة الجزائر" للمخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو الذي أنتج عام 1966، و"ريح الأوراس" للَخْضر حامينة، ومسلسل "الحريق" للمخرج الجزائري مصطفى بديع، متربعة على عرش قلوب الجزائريين، وهي الأفلام الأعلى ربحاً في تاريخ السينما الجزائرية.

تجتاح النوستالجيا صوتَ والدي الهادي (64 عاماً)، وهو يتذكر قائلاً: "هذه الأفلام من أجمل ما أنتجته السينما الجزائرية، شاهدتها مراراً، وأوصي الجيل الحالي بألا يضيعوا فرصة مشاهدتها، لأنها موغلة في الماضي البعيد، الذي لم يعايشه هذا الجيل أصلاً".

يضيف الهادي: "فيلم (معركة الجزائر)، و(ريح الأوراس)، ومسلسل (الحريق) هي الأعمال الوحيدة التي تضيء شاشة التلفزيون الجزائري في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، وهو ذكرى اندلاع ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي عام 1954، وفي الخامس من تموز/يوليو عام 1962".

ويتابع قائلاً: "هذه الأعمال السينمائية والدرامية كانت بمثابة الشمعة التي أوقدت عتمة السينما الجزائرية في فترة الستينيات والسبعينيات، ولا زالت توقدها إلى اليوم في ظلّ التراجع الرهيب في الصناعة السينمائية في الجزائر".

بالنسبة للهادي لم تعد الأفلام الحالية تستدرج المشاهدين، ولم تعد تحدث ضجةً إعلامية مثل الضجة التي أحدثتها رائعة مصطفى بديع "الحريق" الذي أنتج عام 1971، باستثناء بعض الأفلام التي يتعذر علينا مشاهدتها، لأنها تعرض في محافل دولية.

من ألّفها؟ ومن أخرجها؟

بلكروي عبد القادر، ممثل مسرحي له مشاركة في بعض الأفلام السينمائية، كغيره من المهتمين بالشأن السينمائي، يعود إلى استحضار تلك الأفلام الجزائرية الأولى، ويتساءل: "ما هي الأفلام؟ ومن أخرجها؟ ومن ألفها؟ ستجدين أن من وثقوا هذه الحقبة المهمة من التاريخ البلاد والأحداث الدائرة آنذاك هم نخبة من المتعاملين، وفي الفترة الحالية هناك رغبة في تنويع الطرح، والتعامل مع تاريخ الثورة بمنطق تعددي من حيث المواضيع".

ويقارن عبد القادر بين جيلين في تاريخ السينما الجزائرية؛ فالحقبة الأولى بعد الاستقلال وبالتحديد الستينيات والسبعينيات "تميزت بظرف خاص، وتمتع عددٌ كبير من الكتاب والمخرجين آنذاك بموهبة وخامة إبداعية خاصة، وكانوا يمتلكون الحرفة، عكس المرحلة الحالية التي حولت الإنتاج السينمائي إلى مجال تجاري اقتصادي ترويجي، هدفه الوحيد تحقيق عائدات مالية".

ويشيد الكاتب الروائي المهدي ضربان الصحافي السابق في مجلة "الوحدة" وأمين تحرير الملحق الثقافي "الشروق" في التسعينيات، بتلك المرحلة الفنية السينمائية التي عايشها في الستينيات والسبعينيات، ويقول: "كانت هناك أفلام خالدة تم تصويرها في الجزائر، صنعت مجداً للثورة الجزائرية، ونالت شهرة وجوائز عالمية؛ مثلاً: الفيلم الشهير (دورية نحو الشرق) الذي أخرجه عام 1971 الراحل عمار العسكري، والذي مثل فيه الممثل إبراهيم حجاج، كان دوره كلوحة رمزية تؤكد جدارة الثورة الجزائرية في انتشارها عبر الوطن".

يتذكر جزائريون الثورة عندما يشيرون إلى أفضل الأعمال السينمائية والدرامية التي علقت بذاكرتهم... فما هي تلك الأفلام؟ من ألفها؟ من أخرجها؟

"ولا زالت العائلات الجزائرية تتذكر أيضاً المسلسل الشهير (الحريق)، عام 1974، لمخرجه الراحل مصطفى بديع ولكاتبه العالمي الراحل محمد ديب".

ويُتابع المهدي ضربان وقلبُه يحنُّ لتلك الأيام وذكراها الخالدة: "عشنا في زمن عرض ذلك المسلسل الخالد مشاهد ولمسات إخراجية لم يكن المشاهدون الجزائريون تعودوها من مخرج عبقري اسمه مصطفى بديع، فلأول مرة نشاهد مسلسلاً من إنتاج جزائري لكنه على علاقة بالثورة التحريرية، يرصد حكاية الكاتب الروائي محمد ديب، يلازم الثورة عبر جيل جديد واكب النضال.

"جعل المشاهدين الجزائريين ينغمسون في تفاصيل هي من صميم ثورتهم، فمصطفى بديع رسم عبر السلسلة منهجاً كي يتصالح المشاهدون مع فصول ثورتهم، ويعيشون حراكاً هو في صميم الثورة الجزائرية، التي انتشرت عبر العالم، وجاء مسلسل الحريق كي يقوم بتصويرها وهندستها درامياً لنعيش جيداً معاني ثورتنا التحريرية المقدسة".

ما الذي تغير اليوم؟

فأجاب ضربان قائلاً: "نعيشُ سكوناً وجموداً وانتكاسةً فظيعة في مجال إنتاج الفيلم الثوري الذي اشتهرت به الجزائر، وأرى أن من أكبر أسباب الانتكاسة عامل أساسي يتعلق بعدم وجود مؤسسة سينمائية كتلك التي كانت في السبعينيات، ترسم وتخطط وتسعى لتجسيد معاني ومضامين الفيلم الثوري. كان الديوان الوطني للصناعة السينماتوغرافية في سنوات السبعينيات هو من يسهر مادياً وصناعياً على توفير الأرضية الصالحة لإنتاج أفلام كبرى لها علاقة بالثورة وظروفها، وكذا يسعى على إنتاج وتسويق كلّ عمل خالد يؤسس لصناعة سينمائية خالدة، وكان من المفترض أن تبقى مثل تلك المؤسسات لبعث السينما الثورية، حيث كان الراحل عمار العسكري، الذي كان رئيساً للمؤسسة قد باشر بالعمل في هذا السياق، وتمكنت الجزائر من أن يكون لها العديد من الأفلام العالمية الخالدة".

أسباب انهيار السينما التاريخية

"السينما التاريخية لا ينقصها إطلاقاً أفكار، لأن الفيلم التاريخي يتحدث عن نفسه. السبب الحقيقي هو قلة التمويل والدعم من السلطات المختصة"؛ يقول جمال بن دحمة، موسيقار تخصص في السينما، عن أسباب تراجع صناعة هذا النوع من السينما.

ويتابع: "بعض المنتجين أيضاً لا يهتمون بالأعمال السينمائية الحقيقية التي توثق للثورة ولحرب التحرير، لأنهم وببساطة يرجحون كفة المال على الصناعة".

ويتابع بن دحمة بشيء من الحزن والقلق: "ثالث الأسباب التي تقف وراء هذا الكساد بروز الأفلام المناسباتية والتجارية، وهو ما يساهم في تشويه الثورة الجزائرية".

ويقول جمال عن فترة الستينيات والسبعينيات إن "دولاً عربية كانت تحسدنا على الأفلام الجزائرية، التي نال بعضها جوائز عالمية في أكبر المحافل الدولية، على غرار فيلم (معركة الجزائر)، و(وقائع سنين الجمر) لصاحبه المخرج محمد لخضر حامينة، الذي حاز على جائزة السعفة الذهبية، لأن الرعيل الأول من المنتجين والمخرجين عايشوا الثورة التحريرية، وهم من أبناء جيل الاستقلال".

"نعيشُ سكوناً وجموداً وانتكاسة"... هل هذا هو حال الدراما والسينما في الجزائر؟ نحاول في هذا التقرير العودة إلى لحظة من لحظات التوهج الدرامي والسينمائي، والذي علق في ذاكرة أجيال أكبر سناً، ونعود مسائلين الواقع اليوم... لماذا؟

أما ضربان، فيقول: "لا بد أن تعمل الدولة الجزائرية على إعادة الاعتبار للقطاع السينمائي، ودعمه بالوسائل اللازمة، حتى نعيش نفس الحراك الذي كانت تجسده السينما. مؤسسة الديوان الوطني للصناعة السينماتوغرافية، لا بد أن يكون منهجُها العملَ على بعث القطاع من خلال الكثير من المحطات، كإيجاد نصوص ترصد الثورة التحريرية، وتوفير الوسائل المنهجية لبعث الصناعة السينمائية من خلال مؤسسة تحتكر هذا المجال بكل الوسائل التي تستطيع العودة إلى النشاط الذي يؤرخ إبداعياً وفنياً للثورة الجزائرية".

وينتظر أن تبصر أفلام تاريخية النورَ تباعاً، معظمها عن قادة بارزين في الثورة الجزائرية (َ1954- 1962) مثل فيلم "العربي بن مهيدي" وفيلم "الأمير عبد القادر الجزائري" (1808- 1883) الذي انطلق قبل أكثر من عشر سنوات، واستهلك الملايين من الدولارات من دون أن تصوَّر منه لقطة واحدة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image