شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تجميل الرجال في الجزائر... ثقافة محلية أو محاكاة للغرب؟

تجميل الرجال في الجزائر... ثقافة محلية أو محاكاة للغرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 27 يوليو 202201:00 م

ليس الهوس بالجمال حكراً على المرأة فقط، بل أصبح يستقطب الرجال لإجراء عمليات بهدف التخلص من تجاعيد الوجه، التي تعتبر إحدى العلامات الطبيعية التي تظهر مع التقدم في العمر، بالإضافة إلى تنظيف البشرة وعلاج الشعر باستعمال الكيراتين، وتلوينه بصبغات والمواكبة لآخر صيحات الموضة.

التجميل بدون جراحة

"في السابق، كان عملي يقتصر على الحلاقة العادية من خلال استعمال آلات بسيطة جداً وغير مكلفة، حتى طلبات زبائني كانت متواضعة"، يحكي عماد (38 عاماً) لرصيف22، بداياته في مجال الحلاقة وكيف أصبح متخصصاً في التجميل بدون جراحة بعد قيامه بدورات مكثفة.

ويضيف عماد: "إلى منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، وهي الفترة التي باشرت فيها في أحد مراكز التكوين المهني، وهي أحد أبرز المسارات التي يتبعها الذين لم يحالفهم الحظ في استكمال مسارهم الدراسي، كنا لا نزال نستخدم أدوات الحلاقة التقليدية وأغلب الشباب كانوا يعتمدون تقريباً تسريحة المارينز أو البولازيرو (تسريحة الشعر العسكرية) وبعضهم من كان يفضل تسريحة الشعر المجعد الطويل التي عرفت بشكل كبير في سبعينيات القرن الماضي".

التجميل بكل حرية

بالطبع هناك تغييرات كثيرة حدثت في مجال التجميل، كما يؤكد عماد بالقول: "لو أجرينا مقارنة بسيطة بين الماضي والحاضر، لوجدنا تغييرات كثيرة طرأت، فالشباب اليوم يقومون بالتجميل بكل حرية دون الاستناد إلى فتاوي الفقهاء وآراء رجال الدين".

يشير عماد إلى أن "مجال عمل صالونات الحلاقات تطور كثيراً وأصبح واسعاً، ولم يعد يقتصر على الحلاقة فقط، بل تمكن الكثيرون من تدريب أنفسهم في مجال التجميل الطبي بدون جراحة، والذي يشمل علاج آثار حب الشباب، ترهل الجفن والذقن والخدين والشفاه، علاج الحروق السطحية والتجاعيد التعبيرية باستعمال عدة تقنيات، من بينها جهاز البخار الهاي فريكونس البيوتي، وجهاز الهيدرافاسيال الذي يستعمل في جلسات التنظيف".

ولما سألناه عما يجملّه الرجال في الجزائر، أجاب عماد: "مفهوم التجميل لدى الرجال في الجزائر يرتبط بعلاج آثار حب الشباب وعلاج الحروق والندبات السطحية البارزة، وأيضاً تنظيف البشرة باستخدام بعض الماسكات الطبيعية والصناعية، كذلك زاد اهتمام الرجال بزراعة الشعر نتيجة لرغبتهم في الظهور بمظهر خارجي أنيق وجذاب".

والملفت للانتباه، يذكر عماد أنه "وفي بدايات ظهور عمليات التجميل عند الرجال في الجزائر كان مجال التجميل يقتصر على الفنانين والمشاهير المعروفين في الجزائر، لكن الوسامة اليوم أصبحت مطلوبة من مختلف الفئات الاجتماعية، حتى الأطفال المراهقون أصبحوا يتوافدون بشكل كبير على صالونات الحلاقة لمواكبة أحدث قصات الشعر".

وبالنسبة لعماد، إن عمليات التجميل لم تبقَ حكراً على الأغنياء فقط بل انتشرت بين جميع الطبقات، بما فيها الفقيرة: "من الممكن اليوم مشاهدة شاب بطال يدخر مصروفه الذي يكسبه من بعض المهن الموسمية لتجميل مظهره وشكله، رغم أن هذا قد يكلفه مبلغاً يتراوح بين 3 ملايين إلى غاية 8 ملايين سنتيم أي ما يعادل 500 دولار أميركي".

"مفهوم التجميل لدى الرجال في الجزائر يرتبط بعلاج آثار حب الشباب وعلاج الحروق والندبات السطحية البارزة، وأيضاً تنظيف البشرة باستخدام بعض الماسكات الطبيعية والصناعية، كذلك زاد اهتمام الرجال بزراعة الشعر نتيجة لرغبتهم في الظهور بمظهر خارجي أنيق وجذاب"

ويكشف أن سن الرجال الذين يقصدون الصالونات والعيادات المتخصصة في طب التجميل يتراوح بين العشرينيات والثلاثينيات و"حتى الكهول الذين يسعون جاهدين لإخفاء آثار تقدم السن من خلال تثبيط عضلات الوجه والتخلص من الشحوم والدهون الزائدة".

في السياق نفسه، نبهت المختصة في طب التجميل الدكتورة حبوشي، إلى أنه "يجب توضيح مفهوم التجميل، فالجزائر معروفة بانتشار عمليات طب التجميل، كإزالة تجاعيد الوجه وزراعة الدقن، وهي طريقة لاستعادة الشعر المفقود أو الحصول على الكثافة المرغوبة في اللحية، وإزالة آثار الحروق القديمة من الجسم والندوب".

ولفتت الدكتورة حبوشي إلى أن "الرجال الذين يقبلون بكثرة على هذه العمليات هم في الأصل جزائريون مقيمون في الخارج وحتى أجانب، فمعظمهم يأتون لإزالة كل أنواع الندوب، سواء حب الشباب أو جروح أو حروق مهما كانت درجاتها، وعادة ما يقصد الزبائن العيادات المنتشرة في الجزائر لتصحيح بعض الأخطاء التي وقعت لهم جراء القيام بعمليات تجميل في أماكن أخرى، قد تكون في الخارج أو في عيادات لا يحوز أصحابها على شهادات متخصصة في طب التجميل".

ورداً على خطورة هذه العمليات، تؤكد حبوشي: "الخطورة شبه معدومة في عيادات الطب التجميلي، التي درس أصحابها هذا الاختصاص وقاموا بإجراء دورات إضافية في الخارج ويحوزون على عتاد طبي بمقاييس عالمية ووسائل عالية الجودة".

هذا ونوهت بأن القيام بهذه العمليات في الجزائر يشكل نصف الثمن في دول أخرى، على غرار تونس وفرنسا ولبنان ودول الخليج التي تعتبر التكلفة فيها جد باهظة.

محاكاة للغرب

يقول الأستاذ الباحث في علم الاجتماع من جامعة طاهري محمد بمحافظة بشار، كمال عمتوت، لرصيف22: "بالفعل العنصر الذكوري أصبح يُقبل بقوة على عمليات التجميل الجراحية أو غير الجراحية لتغيير الشكل، إما لأسباب صحية ضرورية أو لأسباب جمالية شكلية، أو لعلاج عيوب طبيعية أو مكتسبة في ظاهر الجسد".

ويوضح عمتوت أن أسباب اللجوء إلى التجميل من طرف الرجال تختلف من منظور سوسيولوجي ونفسي انطلاقاً من هذا الأخير، فمثلاً عدم الرضا عن المظهر والجسد والشكل الخارجي يقود الرجال إلى اللجوء لتغيير شكله: "الوضع النفسي للرجل يتأثر بشكل كبير بالنتائج التي تحققها تلك العمليات الجراحية على وجه الخصوص وفق غاية مرجوة، وبالتالي يتولد لدى الرجل الشعور بالارتباك".

ولفت الأستاذ الباحث في علم الاجتماع إلى أنه يمكن معالجة هذه المسألة من زاوية القبول الاجتماعي في المجتمع، وخاصة الرجال الذي يسعون إلى اكتساب القبول الاجتماعي في المحيط الخارجي، وهو ما أكد عليه بعض المفكرين، فمثلاً يرى الاتجاه الرمزي بحضور الجسد كقيمة أساسية في تحليل الظاهرة الاجتماعية، بحيث أن المعنيين بهذه الظاهرة الاجتماعية يسعون إلى الكسل عن المعاني الثقافية المتباينة المرتبطة بالأجساد، والأساليب التي يتم من خلالها ضبطها وتنظيمها وإعادة إنتاجها في السياق الاجتماعي والثقافي.

"في بدايات ظهور عمليات التجميل عند الرجال في الجزائر كان مجال التجميل يقتصر على الفنانين والمشاهير المعروفين في الجزائر، لكن الوسامة اليوم أصبحت مطلوبة من مختلف الفئات الاجتماعية"

ووفقاً للباحث الجزائري، فإن للجسد استعمالات اجتماعية: "من خلاله نعبر عن ثقافة ومعتقدات الشريحة التي ننتمي إليها أو كنوع من الرأسمال الاجتماعي لدى الأفراد، وهو ما سمّاه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (تسليخ الجسد) التي تقل وراء الاهتمام المتزايد بتضاريس الجسد الخارجي وربطها بحقبة الحداثة العالية حسب تسميته".

ويقول كمال عمتوت إن هذه العمليات تنتشر بكثرة في الوسط الحضري، لأن المدن في هذا الوسط ذات كثافة سكانية عالية، كما أنها تنتشر بقوة وسط الطبقات ذات الترف العالي.

هذا ويختم حديثه بالقول إنه "يمكن التأكيد أيضاً على أن هذه العمليات هي تقليد للغرب عبر محاكاة التكنولوجيا ومن مواقع التواصل الاجتماعي، العديد من الشباب أصبحوا يتبعون الغرب في ملابسهم وقصات شعرهم وحركاتهم وحتى طريقة تصرفاتهم". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image