يندرج المقال في ملف "فصل الدين عن القبيلة" من إعداد وتحرير جمانة مصطفى
المرأة البدوية كانت أكثر قدرة من نظيراتها في المدينة والريف على التنقل وهو ما ولّد مصلحة عليا احتاج البدو بسببها للتشدد أكثر من غيرهم في سبيل حمايتها، فالمرأة البدوية جزء من سلسلة الإنتاج وليست لزينة المنزل، لذا امتلكت الحق في التنقل وجلب المياه من الينابيع والتحطيب وجلب الغنم من المراعي والعودة في وقت متأخر ليلاً.
هو واقع يشبه واقع المرأة الموظفة اليوم، لكن في مجتمع بدائي أو برّي إن صح التعبير، استطاعت البداوة أن تحمي المرأة وتضمن لها حرية الحركة والتنقل من خلال التشدد في قضايا الاغتصاب أو التحرش الجسدي بلغة اليوم وتصنيفها ضمن "المهلكات".
في الاغتصاب والتحرش... "كاذبة النساء صادقة"
القضاء البدوي صنّف القضايا حسب خطورتها إلى نوعين " قضايا المهلكات" وهي القضايا التي ينتج عنها ثأر وبالتالي تكتسب صفة الاستعجال في النظر فيها مثل جرائم "العرض والقتل وتقطيع الوجه" و"قضايا غير مهلكة"، وهي كل القضايا اليومية الخارجة عن هذه الجرائم الثلاث.
في قضايا الاغتصاب أطلق البدو على المغتصبة اسم "الصايحة"، تحت هذا التصنيف نجد تصنيفات عدة، منها "الصايحة وقت الضحى" أي التي تم اغتصابها نهاراً، ولأن هذه الجريمة تتم خلال عمل المرأة في التحطيب أو جلب المياه تشدد القضاء العشائري البدوي مع الفاعل.
ترفض العادات البدوية تزويج الصايحة من المغتصب، وترفع دية الاغتصاب لتصل لـ"دية أربع رقاب"، وتتم محاكمة المغتصب وجلبه وهو عار تماماً كنوع من التحقير له وازدراء لفعلته
ترفض العادات البدوية تزويج المغتصبة أو الصايحة من المغتصب نهائياً على غرار كثير من القوانين العربية، بل ترفع دية الاغتصاب لتصل لـ"دية أربع رقاب" أي أن القتل كان أهون كثيراً لدى البدوي من الاغتصاب، وكانت تتم محاكمة المغتصب وجلبه وهو عار تماماً من كل ثيابه كنوع من التحقير له وازدراء لفعلته.
الجميل حقاً أن البدو منذ عمق التاريخ اعتمدوا قاعدة قضائية في القضاء البدوي تقول بأن "كاذبة النساء صادقة" فلا تحتاج السيدة إلى دلائل لإثبات صحة كلامها، لافتراض أنها لن تعرض سمعتها للكلام دونما سبب، فعلى المتهم أن يثبت كذبها إن كان له ذلك وليس عليها أن تثبت صدقها، هذه القاعدة التي تعود لمئات وربما آلاف السنين، وهي ما تحاول النساء اليوم المناداة به تحت شعار "نصدق الناجيات".
يختلف الحكم البدوي في هذه الجزئية تحديداً عن الحكم الديني إلى حد يقارب التناقض، إذ لم يرد في الإسلام أي جرم صريح يرادف الاغتصاب في القرآن والسنة، بل تم الجمع بين حدي الحرابة والزنا في الفتاوى الشرعية، لكن المعضلة تكمن في اشتراط وجود شاهدين لتثبت المرأة أنها كانت مُكرهة لا راضية وإلا يقع عليها حد الزنا.
لا دية في اغتصاب الأطفال
يرى القضاء البدوي في هذا التشدد وهذا التصديق للمرأة ردعاً لأي رجل من الاعتداء الجنسي عليها. أما التحرش اللفظي فقد كانت عقوبته تصل إلى حد قطع اللسان، في عقاب تجتمع فيه الرمزية والبلاغة مع الإيذاء الجسدي.
أما اغتصاب الطفل فيقتل المغتصب مباشرة ولا دية له.
البدو اعتمدوا قاعدة تقول بأن "كاذبة النساء صادقة" لافتراض أنها لن تعرض سمعتها للكلام دونما سبب، وعلى المتهم أن يثبت كذبها وليس عليها أن تثبت صدقها، هذه القاعدة تشبه ما تحاول النساء اليوم المناداة به تحت شعار "نصدق الناجيات"
كان البدو حريصين جداً على حفظ الأنساب والمحافظة على الملكية، لأن تفتت الملكية يعني تفرق الأرض وبالتالي ضياع قوة القبيلة، لهذا كانوا يتشددون في قضايا الزنا، فالعادات البدوية أتاحت للمرأة أكثر من طريقة لاختيار الشريك، فحتى لو رفض الأهل تزويج الفتاة لحبيبها كان هناك خيار الخطف الاختياري.
وضع القضاء العشائري قواعد واضحة لخطف الفتاة من بيت أهلها، وهي أولاً الاتفاق بين الرجل والمرأة فلا يتم الخطف رغم إرادتها، وثانياً وجود شاهدين اثنين عند الخطف، وثالثاً اللجوء لأي بيت قريب مع المخطوفة وأن يشهد الشهود أن الخاطف لم يعتدِ على المخطوفة ثم تنتهي القصة وعندها يتم الزواج.
لم يرد أي تجريم صريح لما يرادف الاغتصاب في القرآن والسنة، بل تم الجمع بين حدي الحرابة والزنا في الفتاوى الشرعية، لكن المعضلة تكمن في اشتراط وجود شاهدين لتثبت المرأة أنها كانت مُكرهة لا راضية وإلا يقع عليها حد الزنا
إذا كانت المرأة متزوجة ورغبت بالطلاق، فقد أتاحت لها العادات البدوية الحصول عليه عن طريق تغير اتجاه باب "المحرم" وهو مخدع النساء داخل بيت الشعر، وإن كانت المتزوجة عاشقة من شخص آخر تترك بيت زوجها وتذهب لتستجير في بيت العشيق، حينها تصبح "امرأة طموح" أو "المرأة الطامح" وعلى زوجها أن يطلقها، وبعد العدة تصبح زوجة لعشيقها.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينNice Article
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحلو نعرف ان كان اسلوب البرنامج ينجح في خلق نقاش حقيقي حول قضايا حقوق المرأة...
Chrystine Mhanna -
منذ 4 أيامصعب يا شربل.. معظم الناس لا يتحدثون صراحة عن تجاربهم الجنسية/الطبيّة وهذا ما يجعل من هذا الملف ضروري
Ahmed Gamal -
منذ أسبوعتقديم جميل للكتابين، متحمس اقرأهم جداً بسبب المقال :"))
Kareem Sakka -
منذ أسبوعما وصلت جمانة لهون الا بعد سنين من المحاولة بلغة ألطف..
Charbel Khoury -
منذ أسبوعموضوع مهم، وغير مسلط الضوء عليه كثراً في المواقع المستقلة.
يا ليت استطعنا قراءة تجارب أكثر.