"نتلقى نظرة الإشفاق من المجتمع، والعائلة على وجه الخصوص، التي تعتقد أن حصولك على شهادة جامعية عليا كفيل بحصولك على وظيفة مرموقة مباشرةً بعد تخرجك"؛ بهذه الكلمات يلخص محمد (28 سنةً)، معاناة الشباب ذوي المؤهلات الجامعية والشهادات العليا مع البطالة.
انتشار البطالة في صفوف هذه الفئة من الشباب، دفعهم إلى التكتل في تنظيمات وطنية وجهوية للاحتجاج والمطالبة بحقهم في التوظيف؛ كالجمعية الوطنية لحملة الشهادات العاطلين عن العمل.
لا عمل للشباب
وفق المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة عمومية تهتم بالإحصائيات)، يبلغ معدل البطالة في المغرب في أوساط الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنةً، والذين وصل عددهم إلى 5.9 ملايين شخص من مجموع السكان سنة 2021، نحو 31.8 في المئة على المستوى الوطني.
وكشفت المندوبية، في مذكرة إخبارية، أن نسبة البطالة مرتفعة لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنةً، والحاصلين على شهادات عليا، إذ إنها 61.2 في المئة، و30.4 في المئة لدى حاملي شهادة ذات مستوى متوسط، و12.9 في المئة لدى الشباب الذين بلا شهادة.
"نتلقى نظرة الإشفاق من المجتمع، والعائلة على وجه الخصوص، التي تعتقد أن حصولك على شهادة جامعية عليا كفيل بحصولك على وظيفة مرموقة مباشرةً بعد تخرجك"
أكدت الجهة ذاتها أن البطالة لدى الشباب "بطالة طويلة الأمد"، إذ إن 70.4 في المئة من الشباب العاطلين هم في وضعية بحث عن عمل منذ سنة أو أكثر، ونحو ثلاثة أرباع الشباب الذين في وضعية بطالة لم يسبق لهم أن عملوا (نحو 73.4 في المئة)، مشيرةً إلى أن فئة الشباب تتميز بضعف المشاركة في سوق العمل، إذ إن معدل نشاطها يصل إلى 23.9 في المئة مقابل 45.3 في المئة بالنسبة إلى مجموع السكان.
مجتمع "لا يعترف بالكفاءات"
"بطالتي استمرت لمدة سنتين؛ من صيف 2019 إلى 2021، إلا أنني كنت منشغلاً باجتياز تدريبات في عدد من المؤسسات أمام انعدام أي فرصة للعمل بسبب تجميد مباريات التوظيف الحكومي، وتوقف حركة الاقتصاد في المغرب، على غرار بقية دول العالم، بسبب جائحة كورونا"، يقول محمد، الحاصل على شهادات جامعية عدة، من بينها ماجستير في اللغة العربية والتواصل بين الثقافات، وإجازتان (باكالوريوس) في علم الاجتماع والمساعدة الاجتماعية، في حديث إلى رصيف22.
من جهته، كشف عبد الغني (27 سنةً)، طالب في سلك الدكتوراه وحاصل على ماجستير، أنه يبحث منذ ثلاث سنوات عن وظيفة، أو بالأحرى عن فرصة عمل تتماشى والمعارف والدراسات الجامعية التي حصّلها خلال سنوات الدراسة، وقال بنبرة حزينة ومحبطة، في حديث إلى رصيف22: "طوال هذه الفترة اصطدمت بالعديد من العقبات والصعوبات التي سألخصها في نقطتين؛ أولاً نحن نعيش داخل مجتمع لا يعترف بالكفاءات والاستحقاقات، بل بالوساطة "المْعَارف" أي "بَّاك صاحبي" (والدك صديقي)، وبالرشاوى، وثانياً قلة فرص الشغل، إذ أصبحت الوظيفة العمومية توظف نسبةً هزيلةً من الطلبة الجامعيين سنوياً"، مشيراً إلى أن بعض المؤسسات تقوم بفتح مباراة لتوظيف شخص أو شخصين مع "عدم تكافؤ الفرص".
يرى الشاب أن العوامل التي وراء ذلك تكمن باختصار، في كون الوظيفة العمومية في المغرب أصبحت "تورَّث"، بحيث أن المسؤول أو الموظف بعد إحالته على التقاعد، يقوم بـ"تفويت" منصبه لأحد أبنائه أو أقاربه.
وتابع قائلاً: "نحن بصفتنا شباباً حاملين شهادات عليا وعاطلين عن العمل، أصبحنا نعيش معاناةً يوميةً ممزوجةً بالفرح والحزن وبالأمل والإحباط.. أصبحنا نرى الغد مظلماً والطريق مغلقاً. معظمنا بات يفكر في الهجرة بغية ضمان عيش كريم وأفضل".
"كلما علت شهاداتك طالت مدة بطالتك"
في ظل ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب الحاصلين على شهادات جامعية، وفق ما أشارت إليه الأرقام الرسمية، أكد أيمن شراكي، وهو مستشار في الموارد البشرية وخبير في التنمية الشبابية، أن هذا الإشكال يشهده المغرب منذ سنوات، ويرتبط بطبيعة الاقتصاد المغربي في الدرجة الأولى، الذي يعتمد على مناصب شغل بسيطة وتقنية، ولا تتطلب مستويات عليا في التكوين والمؤهلات.
استشهد شراكي، في حديث إلى رصيف22، بأنه إذا نظرنا مثلاً إلى شركة عادية، فسنجد أنها، في غالبية الأحيان، تستعين بأربعة أو خمسة شبان على الأكثر من ذوي الشهادات والمؤهلات العليا، بينما ستحتاج إلى تشغيل 50 إلى 60 شاباً لديهم تكوين بسيط، كالحاصلين فقط على شهادة البكالوريا أو دبلوم تقني أو تقني متخصص (أي سنتين فقط من التكوين في مجال ما بعد البكالوريا).
"كلما علت شهاداتك، طالت مدة بطالتك". معطى يبدو جليا في الأرقام التي تقدمها المؤسسات الرسمية المغربية عن واقع البطالة، وتكشف أن ذوي الشهادات العليا هم الأكثر عرضة للبطالة في المملكة
أضاف الخبير نفسه، أن هذا لا يعني أن ذوي الشهادات والمؤهلات الجامعية العليا لن يتمكنوا من الحصول على فرص عمل، ولكن سيحتاجون إلى مدة أطول من أجل إيجاد مناصب تتناسب مع تكويناتهم ومستوياتهم، والتي تتسم بالقلة، لافتاً إلى أن هذا الأمر يجعلهم يعيشون "الشوماج" أو البطالة لفترات طويلة، مقارنةً بشباب لديهم تكوين بسيط يندمجون في سوق العمل بسهولة جداً. مؤكداً أنه "كلما علت شهاداتك، طالت مدة بطالتك".
قال أيمن شراكي، إن سوق العمل في المغرب حالياً يعيش حالة انتعاش، لا سيما بعد الركود الذي خلّفته جائحة كوفيد19، والسبب في ذلك يرجع، حسب شراكي، إلى عودة عجلة الاقتصاد للدوران من خلال استئناف الشركات والمعامل أنشطتها مع رفع الإجراءات الاحترازية المتعلقة بكورونا تدريجياً، مما جعل الاقتصاد يتعافى على مستوى التشغيل بالرغم من بعض التباين والتفاوت بين الفئات.
خريجون يفتقرون إلى المهارات
في حديثه إلى رصيف22، عن الصعوبات والمشكلات التي تواجه الشباب الحاصلين على شهادات جامعية عليا في طريقهم نحو ولوج سوق الشغل، أشار شراكي، إلى أن قلة المناصب، التي تتطابق مع مؤهلاتهم، تُعدّ العقبة الأولى التي يصطدم بها هؤلاء الشباب، لأنها تشهد تنافساً كبيراً جداً للحصول عليها، وتتجلى في مستوياتهم في اللغات الأجنبية، بالإضافة إلى قدراتهم في استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في العمل الجماعي، ناهيك عن المهارات التواصلية.
المناصب العليا تتطلب شخصيات ذات "كاريزما" عالية، وتمتلك أسس القيادة والقدرة على التواصل وغيرها من المؤهلات وهو ما يفتقر إليه خريجو الجامعات العمومية
وشدّد شراكي على أن هذه المناصب العليا تتطلب شخصيات ذات "كاريزما" عالية، وتمتلك أسس القيادة والقدرة على التواصل وغيرها من المؤهلات، التي يرى المتحدث ذاته، أن هؤلاء الشباب حملة الشهادات العليا من الجامعة المغربية، يفتقرون إليها، لأن الكليات العمومية لا توفر هذا النوع من التكوين، مما يجعل بعض خريجيها يواجهون بطالةً طويلة الأمد.
يضيف شراكي، في سياق حديثه إلى رصيف22، أن الشاب الحاصل مثلاً على شهادة الماجستير إذا لم يجد فرصة عمل في غضون عامين، فإن الإشكال ليس في سوق الشغل، بل في الشخص في حد ذاته، أي في طريقة البحث عن العمل، أو في أساليب اجتياز مباريات التوظيف والمقابلات، إلى جانب افتقاد المهارات الناعمة (الصفات الشخصية) والصلبة (المهارات التقنية)، داعياً هؤلاء الشباب إلى الاشتغال على هذا الجانب جيداً للرفع من قدراتهم والاندماج بسهولة في سوق العمل.
حلول بديلة واحتجاجات مستمرة
في سبيل الانعتاق من شبح البطالة، والخروج من دوامة البحث عن وظيفة تناسب مؤهلاتهم العلمية، يختار بعض الشباب من حملة الشهادات سلك طرق أخرى والعمل في مهن بديلة ومؤقتة كالعمل في المقاهي والمطاعم، أو تأسيس مشاريع صغيرة مثل بيع القهوة والفطائر والملابس في الشارع العام، لتفادي نظرة المجتمع. في حين يجد آخرون في الهجرة الخلاص من العطالة والبحث عن آفاق أخرى، كحال محمد الذي هاجر إلى دولة قطر بعدما حظي بفرصة عمل هناك.
في المقابل، تنظم مجموعة من حملة الشهادات العليا، في مناسبات كثيرة، وقفات احتجاجيةً، يطالبون من خلالها بتوظيفهم وانتشالهم من البطالة.
ازدادت حدة هذه الاحتجاجات ووتيرتها، بعد قرار الحكومة، الصادر أواخر السنة الماضية، والقاضي بتسقيف سن اجتياز اختبارات وظيفة التعليم إلى 30 عاماً، وهو ما يجعل خريجي الجامعات الذين تجاوزوا هذه السن محرومين من حقهم في التوظيف في هذا القطاع، الذي يشكل ملاذاً للكثير من الشباب، لأنه يوفر مناصب وافرةً، بينما تعدّ الوزارة الوصية هذا الإجراء توجهاً نحو إصلاح قطاع التعليم في المغرب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه