"برلمان من دون نساء"، هو ما تتوقعه منظمات حقوقية نسوية في ظل القانون الانتخابي الجديد الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد، منتصف شهر أيلول/ سبتمبر الجاري.
لم يقع النصّ على "مبدأ التناصف" بين المرأة والرجل عند الترشح لعضوية البرلمان في القانون الانتخابي الجديد، إلى جانب تغيير نظام الاقتراع من قائمة مرشحين إلى الاقتراع الفرديّ، وهو ما أثار مخاوف ناشطات نسويات من هيمنة "الذكور" وأصحاب النفوذ على المجلس النيابي الذي سينبثق عن انتخابات 17 كانون الأول/ ديسمبر المقبل السابقة لأوانها.
اقتصرت فصول القانون الانتخابي الجديد على اشتراط جمع تزكيات الترشّح لعضوية البرلمان بالتناصف بين الإناث والذكور، إذ ينص الفصل الحادي والعشرون على أن "يجمع المترشح، سواء كان رجلاً أو امرأةً، 400 تزكية، وأن يكون نصف الذين تتم تزكيتهم من الإناث والنصف الثاني من الذكور، بينما تم تجاهل النصّ على التناصف بين الجنسين وهو مبدأ كان حاضراً بقوة في القانون القديم، إذ إن القوائم الانتخابية كانت تتشكّل من عدد متساوٍ من الرجال والنساء، وهو ما يسمّى بـ"التناصف".
برلمان ذكوري
ترفض منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية ما جاء في القانون الانتخابي الجديد، وترى أنه "يؤسس لبرلمان ذكوري ويقصي المرأة بصفة مباشرة من الحياة السياسية"، في خطوة قد تعيد النساء إلى عهود سابقة.
طالبت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، بضرورة "مراجعة القانون الانتخابي وإدخال التعديلات الضرورية بما يضمن انتخاب برلمان تونسي متناصف يعبّر عن تشبّث التونسيين والتونسيات بقيم الحرّية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والمساواة".
ودعت جميع القوى الوطنية والديمقراطية إلى التجنّد للدفاع عن هذه القيم ووضع حد لسياسة ما أسمته "الهروب نحو المجهول" مطالبةً بمشاركة حقيقية للنساء والشباب في جميع القرارات.
كما رأت الجمعية "أن الاقتراع على الأفراد سيفتح باب الفساد والتراجع عن مبدأ المساواة بين النساء والرجال، وبين الجهات وسيعمّق التفرقة ويعزز القبلية والعروشية (الصراع القبلي)، بالإضافة إلى إقصاء النساء والشباب من الحياة السياسية".
في حديث إلى رصيف22، أكدت رئيسة الجمعية، نائلة الزغلامي، أن المنظمات النسوية تستعدّ لتنفيذ تحركات احتجاجية رفضاً لإقصاء المرأة التونسية من الحياة السياسية، وإضعاف تمثيلها في البرلمان القادم.
وأشارت الناشطة النسوية إلى أنه حان الوقت للعودة إلى الشارع لافتكاك حقوق النساء مجدداً بعد نسفها بسبب القانون الانتخابي الجديد، مشيرةً إلى أن إقصاء المرأة من الحياة السياسية بدأ حين قام الرئيس التونسي بتعيين أعضاء ذكور في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتغييب وجود النساء وتم تعزيزه بعد التخلي عن مبدأ التناصف في أثناء الترشح للانتخابات.
"نظام الاقتراع على الأفراد يضرب حق التناصف بين المرأة والرجل وهو حق ناضلت من أجله منظمات المجتمع المدني في تونس لسنوات طويلة"
بخصوص إقرار مبدأ التناصف بين المرأة والرجل في ما يخص جمع المترشحين للتزكيات، تقول الزغلامي: "إن نساء تونس يرفضن أن يكنّ مجرد مُزكّيات فقط واستغلالهن لمساعدة الرجال وأصحاب السلطة على الوصول إلى الحكم والدخول إلى الحياة السياسية".
لم تخفِ الزغلامي مخاوفها من ضبابية المشهد السياسي، لتقول: "للأسف نسبة النساء ستكون ضعيفةً جداً في البرلمان المقبل مقارنةً بالسنوات الماضية، وسنشهد برلماناً ذكورياً بامتياز. يجب تعديل القانون الانتخابي".
ومكّن مبدأ التناصف بين الجنسين في القوائم الانتخابية في انتخابات 2014، النساء من الفوز بنسبة فاقت الـ34 في المئة من مقاعد البرلمان، وهي من بين الأعلى في العالم، بينما تراجعت في 2019 إلى 26 في المئة.
وترى الزغلامي أن من حق التونسيات اليوم أن يدافعن عن حقهن في الترشح بالتناصف على القوائم الانتخابية والحفاظ على المكاسب التي تم تحقيقها منذ سنة 2011، وهو تاريخ سقوط نظام زين العابدين بن علي بعد ثورة شعبية.
وترى الزغلامي "أن قدر نساء تونس البقاء في الشارع والتظاهر دفاعاً عن حقوقهن وأنهن سيبدأن النضال مجدداً للدفاع عن حقوقهن".
لا تراجع عن حقوق النساء
من جهتها، قالت رئيسة رابطة الناخبات التونسيات، تركية بن خذر، إن القانون الانتخابي الجديد سيساهم في تراجع حقوق المرأة وسيغيّبها عن مراكز القرار السياسي في تناقض واضح مع ما جاء في الدستور الذي تمت المصادقة عليه يوم 25 تموز/ يوليو الماضي، وفق قولها.
ينص الفصل 51 من الدستور الجديد لتونس، على أن "الدولة تسعى إلى تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة".
وأشارت بن خذر، في حديثها إلى رصيف22، إلى "أن نظام الاقتراع على الأفراد يضرب حق التناصف بين المرأة والرجل وهو حق ناضلت من أجله منظمات المجتمع المدني في تونس لسنوات طويلة".
"ما جاء في القانون الانتخابي سيؤدي إلى تراجع كبير عن جميع المكتسبات التي تحققت خلال المحطات الانتخابية السابقة، والتي ترسخت فيها جملة من المبادئ والإجراءات التي تدعم وجود المرأة في المجالس المنتخبة"
كما أكدت أن "برلمان 2019 شهد تراجعاً لافتاً في عدد النساء، على الرغم من النصّ على مبدأ التناصف والمساواة بين المرأة والرجل في أثناء الترشح للانتخابات، فما بالك عندما يتم التخلي عن هذا المبدأ في مجتمع ذكوري ما زال يرفض وجود المرأة في مراكز القرار؟".
وتابعت: "للأسف، نعاني اليوم من عقلية ذكورية تفضّل دعم الرجل عوضاً عن دعم المرأة في أثناء اختيار مرشح للانتخابات لتمثيلهم، إلى جانب قلة الإمكانات المادية للنساء وعدم قدرتهن على الولوج إلى الاجتماعات العامة والتنقل للقيام بحملاتهن الانتخابية والنقل والظهور الإعلامي".
وترى بن خذر، أنه قد "تم اليوم منع التمويل العمومي، وتم رفع عدد التزكيات وإقرار نظام الاقتراع على الأفراد عوض القوائم وهذا التوجه يهدد وجود النساء والشباب في المجلس النيابي القادم، ويفتح الباب أمام أصحاب النفوذ والمال للحكم".
وأضافت: "نحن نطالب بالإبقاء على نظام الاقتراع على القوائم، وإقرار التناصف العامودي والأفقي أو النصّ على الترشح للانتخابات بصفة ثنائية، أي الاقتراع على امرأة ورجل لضمان وجود النساء في الحياة السياسية. نحن متمسكون بمطالبنا ولا تراجع عن حقوق النساء".
مخاوف النساء مشروعة
بدوره، يقول رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات، بسام معطر، إن مخاوف المنظمات النسوية من إقصاء المرأة من الحياة السياسية مبررة ومشروعة.
وأضاف معطر في حديثه إلى رصيف22: "ما جاء في القانون الانتخابي سيؤدي إلى تراجع كبير عن جميع المكتسبات التي تحققت خلال المحطات الانتخابية السابقة، والتي ترسخت فيها جملة من المبادئ والإجراءات التي تدعم وجود المرأة في المجالس المنتخبة".
وتابع حديثه قائلاً: "بالرغم من أن الدستور الجديد نصّ على مبدأ التناصف بين المرأة والرجل، فإن ما جاء في القانون الانتخابي نقيض ذلك تماماً إذ تم التخلي عن كل الإجراءات التي تدعم المرأة وتحفزها لدخول الحياة السياسية".
أضاف: "اختيار الاقتراع على الأفراد وسحب التمويل العمومي وتقسيم الدوائر الانتخابية إلى دوائر صغيرة، هي إجراءات لا تخدم وجود المرأة في مجلس نواب الشعب وتسعى إلى إقصائها وتعجيزها والمجلس النيابي القادم سيكون ذكورياً بامتياز".
واختتم حديثه قائلاً: "للأسف يجب أن نخاف على وجود المرأة في الحياة السياسية في المستقبل، لأن طبيعة المجتمع التونسي وتركيبته لا تدعمان ترشح النساء لمراكز القيادة أو الدخول إلى الحياة السياسية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...