حافلٌ تاريخ إيران بوجود النساء اللواتي أصبحن رموزاً للقضايا الاجتماعية وحقوق الإنسان، وملهمات للإيرانيات في نيل حرياتهن، من طاهرة قرة العين إلى ندا آقا سلطان التي قتلت بدم بارد أثناء احتجاجات الثورة الخضراء. بمناسبة مقتل مهسا أميني التي أصبحت اليوم أيقونة لدى المجتمع الإيراني، لا سيما النساء الإيرانيات، في مطالباتهن بالحرية، نعيد هنا ذكر أهمّ النساء الإيرانيات اللاتي خلدت أسماؤهن خلال السنوات الماضية وستبقى في تاريخ الحرية والنضال.
مَهسا رمز النضال ضد شرطة الحجاب
كان لرحيل الشابة مهسا أميني (22 عاماً) في 16 من أيلول/سبتمبر الماضي بمخفر الشرطة بعد أن تم توقيفها بسبب الحجاب، أثر بالغ في ازدياد غضب المجتمع الإيراني تجاه قضية شرطة الحجاب، فخلقت هذه الجريمة حركة احتجاجية ما زالت متواصلة في أرجاء البلاد، وتسببت بسقوط قتلى وجرحى واعتقال المئات.
وبينما تنفي الشرطة ممارسة العنف ضد مهسا أثناء احتجازها أو الإهمال في نقلها إلى المستشفى، لم يقتنع الرأي العام الإيراني بتصريحات المسؤولين بناءً على تجارب سابقة كانت قد نفت الدولة فيها بعض الأحداث في بادئ الأمر وعادت بالإفصاح عن الحقيقة بعد تسريبات أو ضغوط داخلية ودولية.
تتضارب الروايات حتى الآن حول كيفية مقتل مهسا بين رواية رسمية تؤيد وفاتها إثر جلطة قلبية ودماغية معاً، وبين من يؤكدون على أن الفتاة خضعت للضرب والتعذيب، ليذهب بعض المعنيين والناشطين إلى أن دم مهسا يبقى على عاتق الشرطة طالما أنها توفيت في المخفر.
بمناسبة مقتل مهسا أميني التي أصبحت أيقونة اليوم في المجتمع الإيراني، نعيد هنا ذكر أهمّ النساء الإيرانيات اللاتي خلدت أسماؤهن خلال السنوات الماضية وستبقى في تاريخ الحرية والنضال
وأشعل الرواد الإيرانييون منصاتِ التواصل حول حادثة مهسا حتى تخطى وسم "مهسا_امینی"، 10 ملايين تغريدة ليحطم بذلك كل الأرقام القياسية في تاريخ تويتر باللغة الفارسية، كما تفاعل مع مقتل الشابة الكثير من نجوم السوشال ميديا حول العالم.
بات عنوان "مهسا أميني" رمزاً ضدّ سلوك شرطة الحجاب وأسلمة المجتمع والدفاع عن حقوق المواطنة، خاصة لدى الجيل الجديد من مواليد ما بعد عام 2000، فتيان وفتيات طالما أهملتهم قراراتُ الحكومة، ولم يؤخذوا على محمل الجد.
سِپيدِه رَشنو، أيقونة الاعتراض ضدّ الحجاب الإجباري
في خضم الحروب اليومية التي تعيشها النساء الإيرانيات منذ بداية الصيف الحالي تحت حكم المتشددين، وإصدار أوامر من خطباء صلاة الجمعة وهيئة الأمر بالمعروف لأنصار الحكومة بتضييق الخناق أمام "سيئات الحجاب"، تم تداول مقطع فيديو في تموز/يوليو الماضي على نطاق واسع، والذي ظهر شجاراً بين فتاة محجبة وأخرى غير محجبة في حافلة نقل عام بالعاصمة طهران، وقد أثار المقطع حفيظة الرأي العام الإيراني وردود فعل واسعة في البلاد.
ووفقاً للفيديو، يبدأ الصدام في الحافلة بعد أن قامت الفتاة المحجبة بمطالبة الأخرى بالالتزام بالحجاب الإسلامي المفروض، وتظهر الفتاة المحجبة في الفيديو وهي تقول مخاطبة سِپيدِه الغاضبة جداً منها وفتاة أخرى تقوم بتصويرهما: "سوف أبعث الفيديو للحرس الثوري كي ينالوا منك"، وبعد توقف الحافلة في المحطة يتم طرد المحجبة من قبل الفتاة حسب الفيديو الذي انتشر بشكل واسع في البلاد.
لم تمر إلا ساعات قليلة حتى أعلنت الشرطة عن إلقاء القبض على الفتاة "سيئة الحجاب" أي سِپِيدِه رشنُو" التي تشاجرت مع الفتاة الآمرة بالمعروف، حسب ما نقلته وكالة "فارس" للأنباء، التابعة للحرس الثوري. وبعد أسبوع على سجنها، نقلتها السلطات للمستشفى إثر نزيف داخلي، قيل إنه كان بسبب التعذيب، كما نشر التلفزيون الإيراني تقريرين مصورين يظهران المعتقلة وهي تعترف قسرياً أمام الكاميرا بأخطائها، وتظهر على وجهها آثار التعذيب.
ومنذ فترة اعتقالها تحولت الكاتبة الشابة إلى أيقونة المطالبات بحقوق المواطنة والحريات الشخصية، وقد طالب بإطلاق سراحها السياسيون الإصلاحيون والقانونيون والنشطاء الاجتماعيون والصحفيون والكثير من النساء الإيرانيات، وأصبحت قضيتها تحت مجهر الإعلام الحر في داخل إيران وإعلام المعارضة في خارج البلاد.
وأثارت التهم الموجهة للمعتقلة سخط وسخرية أغلب رواد التواصل الاجتماعي حتى المؤيدين للحجاب الإسلامي، بل وحذروا من تداعيات مثل هذه التهم والتي من الممكن أن تجلب أحكاماً شديدة خاصة في ظل أنها ستمتثل أمام محكمة الثورة الإسلامية التي تعرف بتشددها في إصدار الأحكام بحق المتهمين.
أطلق سراح سبيده مؤخراً، لا يُسمح بخروجها من البلاد وهي تنتظر الآن المحكمة.
زَهراء (زَر)، رمز لمثابرة الضحايا
الممثلة زهراء أمير إبراهيمي أو "زَرْ" كما تلقب نفسها (41 عاماً)، لمع نجمها في التمثيل عام 2006، ولم يمض كثيراً على نجوميتها بعد تمثيلها في مسلسل "نرجس" الشهير حتى انتشر فيديو خاص تظهر فيه عارية برفقة حبيبها في مشهد خاص. انتشرت الآف النسخ من أقراص السي دي في إيران، تباع وتشترى في السوق السوداء حتى وصل حجم المبیعات إلى مئات آلاف الدولارات.
وقعت النجمة الشابة في ورطة وسط مجتمع تقليدي محافظ، وتُركت وحيدة، موجهة لها أصابعُ الاتهام، كما حكمت المحكمة عليها وعلى حبيبها الذي كان المتهم في تسريب الفيديو، بـ90 جلدة مع 10 سنوات منع عن العمل الفني. بينما تبين في ما بعد أن من سرّب الفيديو كان صديق الحبيبين.
هربت زر نحو فرنسا في يوم محكمتها، خشية العقوبات أو القتل على أيدي المتشددين، وردود فعلِ مجتمعٍ لا يرحم ولم يقف إلى جانبها، بل كان يرى التقصير فيها قبل الآخرين.
وبعد نجومية متصاعدة، عاشت زر سنواتٍ صعبةً في فرنسا، إضافة إلى كل تلك الأعباء التي كانت تحملها إثر ذلك الفيديو والأحاديث ونظرة المجتمع الثقيلة. ولكن عادت الممثلة رويداً رويداً لتمثيل الأدوار في أفلام إيرانية بأوروبا، منها ظهورها في فيلم "شيرين" للمخرج عباس كيارستمي. وفي عام 2021 مثلت الدور الرئيسي في فيلم "العنكبوت المقدس" والذي يتحدث عن سلسلة قتل عاملات الجنس في إيران.
لفت حضورها في مهرجان كان الـ75، أنظارَ الصحافة والإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي حتى حصلت على جائزة أفضل ممثلة في المهرجان عام 2022، لتكون أول ممثلة إيرانية تفوز بهذه الجائزة.
وعاد الشارع الإيراني يردّد أخبار زَر من جديد، ولكن هذه المرة كان نادماً على ما فعله تجاه هذه الفتاة في عزّ شبابها، كما تقدم رواد شبكات التواصل بالاعتذار للنجمة من أجل ما عانته من المجتمع الإيراني، وأثنوا على صبرها، وأملها، وشبّهوها بطائر العنقاء الذي ينهض من تحت الرماد ويحلق.
وسرعان ما تحولت الممثلة إلى رمز المثابرة والاجتهاد والصمود ونسيان الماضي والتقدم نحو حياة أفضل بعيداً عن ويلات المجتمع بالنسبة إلى شريحة كبيرة من ضحايا المجتمع التقليدي، حيث تعاطف معها الكثير ممن خضعن وخضعوا لمثل هذه الضغوط.
سحَر، رمز نضال الإيرانيات لدخول الملاعب
أوقفت الشرطة عام 2018 فتاة متنكرة بزيّ رجالي تدعى سحر خُدايَاري (29 عاماً)، في مدخل ملعب "آزادي" بطهران، كانت تريد أن تحضر مباريات نادي "استقلال"، فاقتيدت إلى السجن ليتمّ إطلاق سراحها بعد أسبوع. لكنها استدعيت إلى المحكمة بعد ذلك، وعلمت بحكم سجنها لمدة 6 أشهر بتهمة "ارتداء ملابس غير مناسبة والاشتباك مع رجال الشرطة وتوجيه الإهانات لهم"، حسب بيان النيابة العامة، فأضرمت النار في جسدها أمام محكمة الثورة الإسلامية اعتراضاً على حكمها في عام 2019 وتوفيت إثر ذلك.
ونقلت أسرتها أن القاضي لم يراع حالتها الصحية على الرغم من تقديم ملفها الطبي، إذ كانت تعاني من اضطراب ثنائي القطب كان قد ازداد سوءاً بعد فترة سجنها لأسبوع.
ثار نجوم كرة القدم ومشجعو هذه الرياضة، خاصة الفتيات، على قرار منع دخول النساء إلى الملاعب، محملين الحكومة ذنبَ انتحار سحر، كما أطلق عليها عنوان "فتاة الأزرق" نسبةً للون الأزرق الذي يميز نادي استقلال.
وبعد انتحارها، زادت الفيفا من ضغوطاتها لمراعاة إحدى قواعدها التي تنص على المساواة في دخول الملاعب للرجال والنساء في إيران، حيث وعد أصحاب القرار في البلاد بمناقشة الأمر وتهيئة الظروف اللازمة.
وبعد عقود من الرفض التام وإعطاء الوعود من أعلى المستويات في الدولة ثم العدول عنها، تراجعت إيران وسط معارضة قضائية ودينية، وسمحت للنساء باقتحام عالم التشجيع في الدوري الممتاز، نتيجة لضغوط الفيفا.
وخلدت الفتيات التي حضرن الملاعب لأول مرة ذكرى "الفتاة الأزرق" بتشجيعها من على المدرجات، بل وأعادت بعضهن الفضلَ في السماح بدخول النساء الملاعبَ إلى تضحياتها، الفتاة سحر التي تحولت إلى رمز لصمود الإيرانيات في تحقيق مطالبهن الرياضية خلال السنوات الماضية.
وِيدا، أيقونة خلع الحجاب
قامت الناشطة وِيدا موحّدي (31 عاماً)، في كانون الأول/ديسمبر 2017 بالتلويح بحجابها الأبيض على عصا من فوق صندوق توزيع في شارع "انقلاب" (الثورة)، لـ40 دقيقة صامتة، لتكون هذه الحركة نوعاً من الاحتجاج على فرض الحجاب الإلزامي.
أنزلتها الشرطةُ من على الصندوق ليتمّ سجنها لأسابيع، حتى أطلق سراحها بعد تنديدات دولية ومحلية، لتعود في عام 2018 بتكرار حركتها من على إحدى ساحات شارع الثورة، إذ رفعت حجابها مع بالونات، ولكن هذه المرة حكم عليها بالسجن لمدة سنة قبل أن يتم الإفراج عنها قبل هذه المدة.
أصبحت صورة ويدا وهي تلوّح بحجابها على عصا أيقونةً ورمزاً للمطالبة بالحرية، كما شجع ذلك فتيات أخريات للقيام بتقليد أسلوبها في طهران ومدن أخرى، وأطلق على هذه الحملة "فتيات شارع الثورة".
وتفاعل الرأي العام الدولي مع الحملة عبر تقليد رفع الحجاب في ساحات حول العالم، كما وطلبت منظمة العفو الدولية ودول غربية من الحكومة الإيرانية، إطلاق سراح السجينات ومراعاة حقوق الإنسان، لا سيما في قضية الحجاب.
ومنذ تلك الحركة تجرأت الكثير من الفتيات على نشر صورهن دون حجاب في حساباتهن الشخصية وعند حضورهن في أماكن مختلفة مثل المطاعم والحدائق والمنتزهات والمتاجر.
نِدا، صوت إيران
في خضم احتجاجات الحركة الخضراء بعد انتخابات عام 2009، قُتلت الشابة ندا آقا سلطان (27 عاماً) في إحدى شوارع طهران إثر إصابتها بعيار ناري في الصدر، أطلقها ضابط أمن بلباس مدني.
ونفت الحكومة آنذاك اغتيال ندا، واتهمت المخابرات الأمريكية ومنظمةَ "مجاهدي خلق" المعارضة بقتلها، بيد أن المتظاهرين كانوا قد ألقوا القبض على القاتل، وجردوه من سلاحه، وتمّ تصويره وأخذ مستمسكاته قبل إطلاق سراحه.
كان مقطع فيديو احتضار ندا الذي صوّره أحد المارة، من أكثر المقاطع تأثيراً لاحتضار إنسان على مدى التاريخ، حيث يبدأ المقطع بلحظة سقوط الفتاة على الأرض وهي لا تزال بوعيها وسط بركةٍ من الدماء عند قدميها، وبقربها رجلان يحاولان إنقاذها بوضع أيديهم على أعلى صدرها لوقف النزيف من مكان دخول الرصاصة التي أصابتها. تظهر ندا وهي تحرك عينيها، ثم تبدأ بالنزيف بغزارة من فمها وأنفها وسط صراخ المتظاهرين.
موت ندا كان صدمة إنسانية في عموم العالم، وجعل منها رمزاً عالمياً كشف عن قمع النظام الإيراني، وكبتِ الأصوات التي تطالب بالتعبير عن الحق، كما أنها أصبحت أيقونة المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية والمناوئين للنظام الإسلامي في إيران، وقد لقبها المتظاهرون بـ"ملاك إيران" و"صوت إيران" نظراً لمعاني اسمها بالعربية والفارسية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه