عندما كنت أتحدث قبل أشهر مع عنصر في فصيل شيعي مسلّح، عن تورط بعض الفصائل في الحرب الطائفية عام 2006، وتحديداً جيش المهدي التابع لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر آنذاك، أشار إلى أن ما حدث "كان ضرورةً".
شهد العراق خلال عامي 2006-2007، حرباً طائفيةً، ولم تكن للشيعة آنذاك فصائل مسلحة غير جيش المهدي، بينما كانت هُناك فصائل سُنّية متعددة، وكان تنظيم القاعدة حينها ينفّذ عمليات إعدام جماعي من خلال سيطرات وهمية في بغداد والمناطق المحيطة بها، ومحافظات أخرى كان يمتلك فيها بيئات حاضنةً.
ترى فصائل شيعية مسلحة أن تنفيذها هجمات ضد مدنيين سُنّة، كان رد فعل على ما قام به تنظيم القاعدة وفصائل سُنّية مُسلّحة ادّعت "قتال القوات الأمريكية" آنذاك، و"حتى لا يتمادوا أكثر"، وفقاً لتعبير العنصر نفسه الذي كان وما زال ينتمي إلى فصيل شيعي مسلح.
يرى هذا العنصر الذي يُمكن وصفه بأنه من قيادات الخط الثاني في هذه الفصائل، إن لم يكن من قيادات الصف الأول، أن تأسيس جماعات شيعية مسلّحة كان "رد فعل على ما تعرّض له الشيعة من عمليات قتل على يد تنظيم القاعدة وتنظيمات سُنّية أخرى"، ويقول لرصيف22، إن "توازن الرعب ضرورة، ولولا هذا التوازن لكنّا سُحقنا".
كثيراً ما يُردد عناصر الفصائل الشيعية المسلحة هذا المصطلح، وربما يعدّونه بمثابة نقطة الانطلاق نحو إستراتيجياتهم أو خططهم أو مواقفهم. الاستعراض السنوي الكبير للحشد الشعبي الذي تأسس في الثالث عشر من حزيران/ يونيو 2014، بناءً على فتوى المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، التلي تُعرف بفتوى "الجهاد الكفائي"، يُمثل توازن رعب حقيقياً، ليس على مستوى العراق فقط بل على مستوى المنطقة.
شهد العراق خلال عامي 2006-2007، حرباً طائفيةً، ولم تكن للشيعة آنذاك فصائل مسلحة غير جيش المهدي، بينما كانت هُناك فصائل سُنّية متعددة
يستعرض الحشد في كل عام أسلحةً ومعدات وآليات جديدةً، ويبعث برسائل داخلية وخارجية كثيرة، بالرغم من أنه قانوناً مرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة العراقية، لكنه قد يكون في حقيقة الأمر عبارةً عن مؤسسة تجمع فصائل مسلحةً تأتمر بأمر زعمائها.
يستخدم البعض أحياناً مصطلح "توازن الردع"، وهو رد الهجمات بالهجمات. واستُخدم مصطلح "توازن الرعب" خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
يقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، لرصيف22: "غالبية الدول التي تخرج من حروب يسيطر عليها أمراء حرب وتشكيلات عسكرية مسلحة تُعدّ جيوشاً موازيةً. النظام السابق أنشأ جيوشاً موازيةً مثل فدائيي صدام والجيش الشعبي وقد حدث الأمر نفسه في سوريا والسودان واليمن".
ويلمّح أبو رغيف، إلى أن ما حدث في العراق نتيجة طبيعية لحرب أسقطت دولةً وجيشاً وأسست نظاماً على أسس طائفية وقومية، وتالياً يبحث الجميع عن حماية أنفسهم، و"توازن الرُعب" من إستراتيجيات الحماية بالنسبة لهذه الأطراف.
تأسيس الأحزاب العراقية لعدد كبير من الفصائل المسلحة، تجاوزت الـ50 فصيلاً، لم يكن هدفه الوحيد محاربة تنظيم "داعش" أو القوات الأمريكية فحسب، بل أيضاً الحفاظ على مصالحها وتحقيق النفوذ، وخلق قوة موازية لقوة الأجهزة العسكرية الرسمية، وهذا بحد ذاته "توازن رعب".
تأسيس جماعات شيعية مسلّحة كان رد فعل على ما تعرّض له الشيعة من عمليات قتل على يد تنظيم القاعدة وتنظيمات سُنّية أخرى، وتوازن الرعب ضرورة، ولولا هذا التوازن لكنّا سُحقنا
يقول عنصر في حركة شيعية كبيرة في العراق، خلال مقابلة مقتضبة مع رصيف22: "نحن وحركة حماس في فلسطين، وحزب الله في لبنان، من يستخدمون هذا المصطلح ويؤسسون عليه".
ويضيف: "حركة كتائب حزب الله وحدها تعتمد هذا المصطلح في العراق، أما بقية الفصائل فتتحدث عن توازن سياسي واقتصادي لأنها دخلت العمل السياسي، أما الكتائب فما زالوا في العمل العسكري المسلح"، مشيراً إلى "وجود عمليات عسكرية حدثت ضد مصالح أجنبية في العراق، لا الفصائل أعلنت عنها ولا المُستهدَفون، وهي واحدة من رسائل توازن الرعب وآلياته".
واستخدمت الفصائل الشيعية الطائرات المسيّرة كواحدة من آليات هذه الإستراتيجية، وقصفت السفارة الأمريكية في بغداد، وكذلك تبنّت بعضها هجمات ضد دول خليجية، فضلاً عن اتهامها بشن هجمات بالمسيّرات أيضاً على مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، بالرغم من نفيها للأمر.
تستخدم هذه الفصائل الشيعية المسلحة هذه الإستراتيجية لمواجهة من تصفهم بـ"أعدائها"، مثل الولايات المتحدة، وبعض دول الخليج، وحتى داخل الحدود العراقية. خلال مقابلة مع عنصر آخر في فصيل شيعي مسلح كان يتحدث إلى رصيف22، عن بعض التجارب في معادلة "توازن الرعب"، توقف عند حوادث قصف شركة آرامكو السعودية التي وفقاً لقوله: "خففت القصف والعمليات العسكرية على الحوثيين في اليمن".
بعض الفصائل نجحت في زيادة قوتها الاقتصادية من خلال إستراتيجية توازن الرعب، وفي الوقت ذاته حَمت نفسها من عمليات استهداف كثيرة
وترى هذه الفصائل الحوثيين جزءاً من حلفها الذي تقوده إيران في المنطقة من خلال الحرس الثوري، ويشمل ذلك أيضاً حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين.
بالنسبة لهم، تُجبر هذه الإستراتيجية بعض الدول التي تتمتع بنفوذ ومصالح كبيرة في العراق، على الجلوس والتفاوض مع بعض الفصائل، ونستطيع القول إن بعضها نجح في تحقيق الكثير من المكاسب، فبعض الأطراف الخارجية والدول، تحاول قدر الإمكان أن تتفاوض معها لمنع تعرّض مصالحها للخطر.
ووفقاً لمصادر أمنية عراقية تحدثت إلى رصيف22، فإن "بعض الفصائل نجحت في زيادة قوتها الاقتصادية من خلال إستراتيجية توازن الرعب، وفي الوقت ذاته حَمت نفسها من عمليات استهداف كثيرة".
ما يحدث اليوم من صراع سياسي تحوّل إلى صراع جماهيري بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وخصمه "الإطار التنسيقي" الذي يضم أحزاباً شيعيةً اعترضت على نتائج الانتخابات، هو "توازن رعب" على المستوى الداخلي.
يحاول الإطار أن يقول للصدر إنه يمتلك القوة ذاتها التي يمتلكها هو، فكلما أنزل الصدر أتباعه إلى الشارع، أنزل الإطار جماهيره أيضاً، وكلما صعّد الصدر من لهجته، صعّد خصومه من لهجتهم أيضاً.
والقوى والفصائل الشيعية المسلحة التي كانت تستخدم إستراتيجية "توازن الرعب" ضد القوات الأمريكية ومصالح دول خليجية، صارت تستخدمها ضد بعضها البعض، وهذا بحد ذاته قد يكون بداية إنهاء أو إضعاف لواحدة من هذه القوى "المرعبة".
في المحصلة، أسهمت هذه الإستراتيجية كثيراً في حماية الفصائل المسلحة وقادتها، ودرأت عنها وعنهم مخاطر وعقوبات دوليةً وعمليات استهداف كثيرةً، فما الذي سيتغيّر اليوم بعد أن صارت هذه القوى تنافس بعضها البعض على "وحدانية" السطوة والسلطة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع