تغيّر شكل الجلسات النسائية، وصارت غالباً افتراضية. فقد انتقلت الجلسات الصباحية للحديث عن الحياة والمشاكل وهموم الأولاد ونكد الأزواج وأخيراً النميمة من صالونات البيوت إلى مجموعات فيسبوك.
مجتمعات النساء تتشكل دائماً بطريقتها الخاصة، وكلما قلّ التنافس وزادت الأسئلة زاد التقارب بين النساء. المتزوجات أكثر قدرة على العثور على أرضية مشتركة مع بنات جنسنهن، أما الأمهات فيبدو أن كمية التفاصيل التي يشتركن فيها تخلق شكلاً تلقائياً من التضامن والصداقة، وحين يكنّ زوجات وأمهات عاملات لأطفال في نفس الفئة العمرية، يصبح الحديث أسهل من أي وقت مضى.
صفحات المصريات لعب وضحك وجد وحب
في مصر تضم صفحة "Mums for the first time" ما يزيد عن 400 ألف متابعة بينهن الطبيبة والأخصائية في حقوق المرأة وربة المنزل وطالبة الدراسات العليا والمعلمة والفاشينستا ومصممة الأزياء.
حول المشاركة في المجموعات النسائية تقول الطبيبة والكاتبة المصرية آلاء فودة لرصيف22: "حين ولدت طفلتي تشكلت لدي أسئلة كثيرة حول العناية بها صحياً وجسدياً، وانضممت لمجموعة تضم الأمهات المصريات، ووجدت هناك إجابة عن كل سؤال يتعلق بالعناية بحديثي الولادة، وقد شعرت بالاطمئنان بين النساء والأمهات الجديدات، إذ بددن شعوري بأنني وحيدة أو فاشلة ".
المتزوجات أكثر قدرة على العثور على أرضية مشتركة مع بنات جنسنهن، أما الأمهات فيبدو أن كمية التفاصيل التي يشتركن فيها تخلق شكلاً تلقائياً من التضامن والصداقة، وحين يكنّ زوجات وأمهات عاملات، يصبح الحديث أسهل من أي وقت مضى
ثمة مجموعات تضم شريحة أوسع منها الصفحة المصرية "Single engaged married" بما يزيد عن نصف مليون متابعة مصرية، والمميز في هذه المجموعة اتساعها لاستشارات النساء ومشاركة تجاربهن في الحب والعلاقات العاطفية، لكن الاطلاع على هذه المجموعة يكشف سمات أخرى للمشاركات فيها، تضيف آلاء لرصيف22: "هذه المجموعة كانت تهتم بمشاكل النساء في الارتباط بمشاركات سرية تماماً، كنت أظن أن بعض العادات والتقاليد في الخطبة والزواج قد انتهت لكنني وجدت مثلاً أن النساء اللواتي نشأن في عائلات محافظة يحتفظن بعاداتها القديمة".
صفحات الأردنيات... مدارس وطبخ ومشاكل زوجية
كانت النساء سابقاً يعرضن مشاكلهن على دوائرهن الصغيرة، فلا تتجاوز الآراء حول المشكلة أصابع اليد الواحدة، وتصدر مجمل هذه الآراء من عقليات متشابهة تطمح لغايات مشابهة، في الأردن تضم مجموعة "مومسترز" على صفحتها ما يزيد عن 125 ألف متابعة، يتبادلن الحديث عن همومهن ومشاكلهن بصورة يومية وبتفاعل كبير، متجاوزات القيود حول كل موضوع واستفسارات منع النقاش لكونه معيباً مجتمعياً. فبما أن الجلسة للنساء فقط ولدينا غالباً مشاكل متشابهة، لم لا نتشاركها معاً.
تقول المترجمة السورية المقيمة في الأردن ليلى وصاف لرصيف22: "نظرة من الداخل إلى مومسترز تبين لكِ أنها صارت نوعاً من الأخويات أو الاتحادات النسائية شبه السرية، حيث تطرح جميع القضايا من تأخر الزواج والخيانات الزوجية مروراً بالمدارس والحضانات، واستشارات الوظائف ووصفات الطبخ والجمال".
نظرة من الداخل إلى "مومسترز" تبين لكِ أنها صارت نوعاً من الأخويات النسائية شبه السرية، حيث تطرح جميع القضايا من تأخر الزواج والخيانات الزوجية مروراً بالمدارس والحضانات، إلى استشارات الوظائف ووصفات الطبخ والجمال
لا يمكن القول إن النساء يكن في هذه المجموعات على طبيعتهن مائة بالمائة، لكن موقعهن خلف الشاشة يمنحهن حرية أكبر في التعبير بعيداً عن الاعتبارات الاجتماعية والمهنية وبعيداً عن الحضور الذكوري الذي لا بد أن يكون له تأثيره على الآراء".
في ظل الظروف الصعبة التي تعايشها النساء عالمياً، وقلة الدعم الذي تتلقاه المرأة العربية خاصة، حلّت هذه المجموعات أزمة الشعور بالوحدة، إذ استعادت هذه الصفحات جلسات النساء الحميمة قديماً، بعد أن أصبحت أكثر اتساعاً وفائدة، فالتابوهات موضة قديمة تجاوزتها العضوات، فلا أمر يمر دون السماح بمناقشته، خاصة أن نقاش بعض الأمور مثل الجنس والدين وما شابه صار أسهل مع إضافة المجموعات ميزة حجب اسم صاحبة السؤال.
تضيف ليلى: "بشكل ما، حلت المجموعة الافتراضية محل حديث الجارات أمام باب المنزل، ومحل سهرات بنات العائلة والصديقات، ومنحتنا فرصة مناقشة كل ما هو حساس ولا يناقش عادة أمام الرجال، بالنسبة لي أنا الآتية من عائلة تقليدية محافظة يشبه وجودي في المجموعات النسائية المغلقة حضور صباحية سيدات في أحد البيوت الدمشقية".
صفحات الفلسطينيات استشارات طبية أكثر من أي شيء
تكثر الاستشارات الطبية في مجموعات النساء في فيسبوك، إذ إن مشاركة الطبيبة والصيدلانية تقدم نوعاً من الدعم الاستشاري الطبي اللازم في بعض الحالات غير المستعجلة.
في فلسطين تضم مجموعة "مامابيديا" على صفحتها 39 ألف متابعة، يطرحن بشكل مستمر أسئلة طبية ويحصلن على إجابات من الطاقم الطبي ومن صاحبات التجارب المشابهة، تقول كنار دنديس لرصيف22: "بعض النساء يستشرن الطبيبات في المجموعات ويحصلن على إجابات ربما تساعدهن في حل مشاكلهن، إلا أن هذا التشخيص أو هذه التجارب تفيد في حالات بسيطة، لكن المشاكل الصحية الطارئة تتطلب تشخيصاً واقعياً لا يتم عبر الفيسبوك، فكل شيء على أرض الواقع يختلف عما هو عبر الإنترنت".
حلت المجموعة الافتراضية محل حديث الجارات أمام باب المنزل، ومحل سهرات بنات العائلة والصديقات، ومنحتنا فرصة مناقشة كل ما هو حساس ولا يناقش عادة أمام الرجال
قبل سنوات انضممت لعدد من مجموعات النساء في فيسبوك، واستوقفتني حميمية المجتمع النسائي وصدقه ولو نسبياً، إذ إن الشكوى تقال في الغالب لشخص قريب، لكننا كنساء متشابهات في التجارب، وربما متحررات بنسب أعلى في الاعتراف بضعفنا ومشاكلنا بالمقارنة مع الرجال، وهذا يسهل علينا أن نتذمر منها.
لا أتخيل ردة فعل الرجل إذا دخل لواحدة من هذه الصفحات ووجد ألف امرأة تعطي النصح لزوجته حول مشكلتها معه. هل سيخاف؟ هل سيغضب أم هل سيتجرأ على مناقشة ألف امرأة متحيزة ضده؟
ثمة تراجع حقيقي لمفهوم الثقة بالآخر مع هجمة وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، إلا أن النساء في هذه المجموعات استعدن بصورة فعلية ثقة بعضهن ببعض، فمن الطبيعي جداً أن تكون صاحبة المنشور محجبة، لكن تنشر صورها في المنزل على هذه المجموعات كمشاركة لوضعها الحالي، دون الخوف من انتشار هذه الصورة، إذ لعبت لائحة شروط الانضمام للصفحات دوراً هاماً في خلق بيئة آمنة ومريحة للعضوات لتساعدهن في الحديث.
من الطبيعي جداً أن تكون صاحبة المنشور محجبة، لكن تنشر صورها في المنزل على هذه المجموعات دون الخوف من انتشارها، إذ لعبت لائحة شروط الانضمام للصفحات دوراً هاماً في خلق بيئة آمنة ومريحة للعضوات
ساهمت هذه المجموعات في كسر القوالب التي صممها المجتمع للمرأة ومشاعرها، فلم يعد هناك حاجة لمداراة مشاعر الحزن بسبب تجربة الأمومة، أو مشاعر الخيبة بعد انتهاء علاقة حب، ومن بعض ما عرفناه من النساء أن لكل زوج طريقة مثالية في التعامل معها لتجنب المشاكل، ليبدو الأمر وكأنه معمل لحل المسائل الوجودية.
حين تكون المشاكل حقيقية يعرف كل منا إلى أين يلجأ وممن يمكن أن يطلب النصح، ونعرف كنساء أيضاً مقولة "إذا بدك تحيّره خيره"، لكننا بحاجة لمساحات واسعة وآمنة للحديث والضحك والاعتراف ببطولاتنا، وبهزائمنا، وبتجاربنا، في مساحة اخترنا نحن أن تكون (للنساء فقط).
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com