شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"يخزّنون المياه في كل وعاء لديهم"... الصيف موسم "حصاد" المطر في بيوت صنعاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الثلاثاء 20 سبتمبر 202201:38 م
Read in English:

Storing water in every container.. “Harvesting” the rain in Sanaa

"كنا نقتصد في استهلاك المياه من أجل تقنين الفاتورة، ولم نكن نضطر إلى شرائها من الصهاريج (تُسمّى الوايت باللهجة المحلية). لكن منذ سنوات لم تعد المياه تصلنا إلا نادراً، وبكمية قليلة جداً في السنة الأخيرة"، تقول فاطمة علي، وهي من سكان منطقة الروضة شمال العاصمة اليمنية صنعاء.

وتضيف السيدة لرصيف22: "صرنا نعتمد كلياً على صهاريج المياه ونتقشف، ومع هذا يكلّفنا شراء صهريج مياه مرتين شهرياً عشرين ألف ريال (36 دولاراً)، في حين أن راتب زوجي سبعون ألفاً. كل هذا دفعني للتفكير في تخزين مياه المطر"، مجسدةً واقع يمنيين فقدوا الأمان المائي ضمن جملة ما فقدوه في زمن انتهاك سيادة البلد وحقوق مواطنيه.

وحصاد مياه المطر في البيوت أمر جدير بالتجربة، وفق رأي كريمة لطف، وهي من سكان حي الجراف في صنعاء، وتملك خزاناً أرضياً منذ 25 عاماً لتخزين مياه الخدمة الحكومية، أو ما يُطلق عليه اليمنيون مصطلح "المشروع"، ولا ترى في استخدام مياه المطر أي مخاوف.

يكلّفنا شراء صهريج مياه مرتين شهرياً عشرين ألف ريال في حين أن راتب زوجي سبعون ألفاً.

تقول لرصيف22: "لا تحتاج مياه المطر إلى تعقيم، فهي تلتقط الأتربة فقط من الجو، ويستغرق الأمر يوماً لتستقر هذه الأتربة في قاع الخزان، بعدها لن يجد الناس فرقاً". وتضيف أن عدم احتواء المطر على الكلور يجعل منها مياهاً صحيةً.

وقد أنهك التفاوض حول شأن سعر صهاريج المياه من يبيعونها للناس. يقول صالح علي، وهو يملك صهريجاً منذ عام 2007 في منطقة مسيك في صنعاء: "ما نطلبه من ثمن هو قيمة المياه التي تتناقص كميتها، مضافاً إليها سعر المشتقات النفطية التي نشتريها من أسواق سوداء، لكن ظروف الناس صعبة، هي ما يدفعني لتزويدهم بالمياه بقدر ما يملكون من مال، وتوزيع المياه على خزّانات جيران يشتركون في ثمن الوايت".

أزمة مياه أزلية

يُعدّ تخزين مياه الأمطار فكرةً قديمةً في القرى اليمنية، إذ يحرص أبناؤها على بناء غرفة أسفل البيت تسمى "مدفن" لتخزين الحبوب والأعلاف، وحفر "بركة" لحصاد مياه المطر لأيام الشتاء. واليوم بات بعض اليمنيين في المدن يتجهون إلى استغلال مياه الأمطار الصيفية، عبر تخزينها في الخزّان كما خزّنها أجدادهم وآباؤهم في الآبار والسدود. والجدير ذكره أن للمطر موسمين أساسيين في اليمن، الأول في الربيع والثاني في الصيف.

ويُعدّ اليمن من الدول الأفقر عالمياً بالمياه، ويعاني من انعدام الأمن المائي وهو مهدد بالجفاف والتصحر، وتبلغ حصة الفرد من المياه قرابة 130 متراً مكعباً سنوياً، في حين أن خط الفقر المائي العالمي هو 1،000 متر مكعب للفرد.

يُعدّ تخزين مياه الأمطار فكرةً قديمةً في القرى اليمنية، إذ يحرص أبناؤها على بناء غرفة أسفل البيت تسمى "مدفن" لتخزين الحبوب والأعلاف، وحفر "بركة" لحصاد مياه المطر لأيام الشتاء. وللمطر موسمان أساسيان في اليمن، الأول في الربيع والثاني في الصيف

ويتناقص منسوب المياه الجوفية في البلاد سريعاً إلى مستويات تنذر بحدوث كارثة إنسانية، بعد أن جفّت آبار، وتقلّص منسوب أخرى، وتدهورت نوعية المياه وارتفعت كلفة استخراجها، واستنزفت الزراعة، خاصةً شجرة القات، الآبار. كما يحذر الخبراء في هيئة الموارد المائية ووزارة الزراعة، من جفاف حوض صنعاء، وهو منخفض سهلي تحيط به سلاسل جبلية، تتجمع فيه مياه الأمطار ليتحول إلى مصدر تزويد 6،000 بئر بالمياه.

ومن أهم مشكلات المياه في اليمن، اقتصار إمدادات خدمة المياه الحكومية على وسط المدن الرئيسية، وفي بقية المناطق تكون شحيحةً لا تفي بالاحتياجات. وتعاني مؤسسة المياه للاستمرار في العمل، وهو أمر مرهون بدعمها بالمشتقات النفطية والنفقة التشغيلية، وسداد فواتير الاستهلاك من قبل المشتركين، كما أن أزمة المشتقات النفطية انعكست على قدرة المؤسسة وملّاك الآبار على استخراج المياه بكلفة تتناسب ومتوسط القدرة المالية لليمنيين.

من أماكن تخزين مياه المطر في البيوت اليمنية - خاص رصيف22

يدفع ذلك الناس للاعتماد كلياً أو جزئياً على صهاريج المياه، فيما لجأ الفقراء من الشريحة المعدمة إلى المساعدات من فاعلي الخير والمنظمات، ومياه المساجد، حيث يصطف الناس ليلاً أو نهاراً في طوابير انتظار تمتد لساعات للحصول على ليترات من المياه مشكوك في نظافتها، ما دفع بعض المنظمات أيضاً لتوزيع كبسولات معقمة في الأحياء الفقيرة.

ويساهم ذلك في معاناة آلاف اليمنيين من سوء التغذية الناتجة في أحد أسبابها من المياه الملوثة التي تنقل المرض وتُضعِف المناعة وتتسبب في أمراض مزمنة.

يمكن تشجيع هذه الفكرة بنشرها ووضع معالجة لتعقيم المياه في البيوت.

وعي مائي

تبدأ عملية تخزين مياه الأمطار من تنظيف الأرضية وانتظار هطول المطر، وتتجه المياه نحو منافذ تصريف من أسطح البيوت ومنها إلى الخزّان الأرضي. واليوم يمكن أن نرى هذا الأمر في أكثر من منطقة يمنية.

تُعدّ منطقة العروق في مديرية بني الحارث الواقعة شمال محافظة صنعاء وأكبر مديريات المحافظة، مثالاً حديثاً على تطبيق الناس فكرة تخزين مياه الأمطار، حيث يتجه الناس إلى شراء أراضٍ سكنية في هذه المنطقة بسعر منخفض، نظراً إلى ىبعدها عن العاصمة، وخلوّها من المشاريع الخدمية، ثم بنائها أو بيعها كمساحة من الأرض أو مبنى سكني بعد سنوات، وفي هذه المنطقة تحوّل تخزين مياه الأمطار إلى فكرة مقبولة بل إلى خيار اضطراري وميزة عند عرض العقار للبيع.

ومع تعثّر خدمة المياه واستهلاك "الوايت" ربع ميزانية الأسرة، وجد الخمسيني بشير المحيا، الذي يسكن في منطقة السنينة ويعمل في حرفة السباكة متنقلاً بين المحافظات، دخلاً إضافياً من فكرة تخزين مياه الأمطار.

يقول لرصيف22: "إنها طريقة ذكية تمكّن الناس من استغلال هذه المياه التي تذهب هدراً، مع إمكانية تركيب مفتاح للتحكم، وتحديد متى يقبلون مياه الأمطار ومتى يستغنون عنها، ولا يُشترط وجود خزّان أرضي، إذ يفي بالغرض وجود خزّان مصانع أياً كان حجمه"، ويضيف: "وجدت في أثناء عملي في السباكة بيوتاً تخزّن المياه في كل وعاء تجده أمامها حين يسقط المطر. إنها الحاجة!".

من أماكن تخزين مياه المطر في البيوت اليمنية - خاص رصيف22

ضرورة تشجيع الفكرة

في حديثه إلى رصيف22، يشرح عبد الله صالح، وهو مهندس آبار في مشروع المياه، فكرة تخزين مياه الأمطار: "المطر هو ما يغذّي المياه الجوفية، واستنزاف الآبار والسدود من دون تجديد كمية الفاقد من المياه، يؤدي إلى جفاف الآبار أو انخفاض منسوب المياه فيها إلى حدّ تردّي نوعيتها"، وينبّه إلى أهمية الفكرة مع عدم القدرة على التنبؤ بمستقبل البلد المائي، وما إذا كان سيبقى مهدداً بالجفاف والندرة أم لا، خاصةً مع التغيّرات المناخية التي جعلت السماء مؤخراً تمطر شتاءً، وأدّت إلى تساقط الثلوج وهو حدث نادر في البلاد.

ويضيف: "ليس أمام اليمنيين سوى تخزين مياه الأمطار من جريان المياه السطحية، وهنا لا بد من الإدارة المتكاملة للأمر، وتعقيم المياه وفحصها وهما رهن وجود ميزانية لذلك"، وينبّه إلى عدم وجود خطط على مستوى البلاد لتجميع المياه، في ظل عشوائية البناء من دون مخططات سكنية، وتهالك البنية التحتية وشبكات المياه والتلوث بالنفايات السامة، ويتابع: "بالطبع لا يمكن فرض بناء خزّان تجميعي للمياه في ظل الفقر المدقع، ولكن يمكن تشجيع هذه الفكرة بنشرها ووضع معالجة لتعقيم المياه في البيوت".

إنها طريقة ذكية تمكّن الناس من استغلال هذه المياه التي تذهب هدراً، مع إمكانية تركيب مفتاح للتحكم، وتحديد متى يقبلون مياه الأمطار ومتى يستغنون عنها

وعادةً، يبني اليمنيون بيوتاً مستقلةً محدودة المساحة ومتواضعة الإمكانات، وقليلة هي العمارات السكنية أو ناطحات السحاب التي تديرها شركة عقارات، أو تلك التي تبنيها الدولة، لتكون هناك إمكانية لأن تلزم الحكومة كل مالك عقار بحفر خزّان تجميعي للمياه.

وهنا، يمكن الاستفادة من تجربة الأردن، وهي واحدة من أفقر البلدان مائياً، وتواجه تحديات كبيرةً على هذا الصعيد، وتتجه نحو الاستناد إلى مياه الأمطار. عام 2020، أقرّت إنشاء آبار مياه تجميعية في نظام الأبنية لتعزيز الحصاد المائي ضمن خطة متكاملة لتقليل الفاقد المائي وتخفيف الضغط على الطلب على المياه، وتمت مراعاة حجم خزّان التجميع بالاعتماد على كمية هطول المطر ومساحة السطح، مع توفير متطلبات السلامة بما في ذلك ألا تؤثر مواد بناء البئر في الخواص الطبيعية للمياه.

ويبقى القول إن أساس كل مشاريع الحفاظ على ثروة المياه المهدورة في اليمن، هو التوسع في إنشاء السدود والحواجز المائية، وصيانة شبكة الإمدادات وتوسيع نطاقها، وفرض الرقابة للحد من الحفر العشوائي للآبار، والحرص على تخزين مياه المطر والاستفادة منها إلى الحد الأقصى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image