يقضي دحان أحمد ملهي (55 عاماً) نحو عشر ساعات يومياً منهمكاً في مضغ القات. يدوّره في فمه من جهة إلى أخرى وذهنه منشغلٌ أغلب الوقت في ذكريات خِدمته التي امتدت لنصف عمره جندياً في الجيش، قبل أن يقصر التقاعد حركته بين منزله وحقل القات الذي يملكه في محافظة إب، جنوبي العاصمة اليمنية صنعاء.
"أفعل هذا منذ نحو أربعين سنة"، يقول لرصيف22 وهو يشير بسبابته إلى خده الأيمن المنتفخ بالقات ثم يتابع بمرح: "لولا مضغهُ لأصبت بالجنون".
حصّتهُ للاستخدام الشخصي من محصول حقله تتراوح بين كيسين إلى ثلاثة أكياس بلاستيكية يومياً، وكلفة شراء ذات الكمية من السوق هي نحو 15 ألف ريال في أقل تقدير أي ما يعادل 25 دولاراً وهو ما سيفوق قدرته الشرائية لأنه لا يتقاضى راتبه التقاعدي منذ أكثر من ست سنوات ويعتمد بنحو كامل على ما يجود به حقله من إنتاج.
تنتقل انتفاخةُ القات إلى جهة فمه اليسرى ويقول: "أقوم بتقسيم أشجار الحقل بين ما يكفي مضغي اليومي وما أبيعه في سوق القات في مفرق الذكرة في محافظة تعز. يجب أن أفعل ذلك فهذا مصدر دخلي الوحيد".
وحين لا يتوفر القات في حقله، يجد دحان العون من أصدقائه ومعارفه في القرية الذين يوفرونه له من حقولهم بما يكفي "تخزينته"، ويقول بامتنان: "هم لا يبخلون عليّ بالقات، كما لا أبخل به عليهم حين يتوفر لدي".
رواج زراعة القات
كثيرون في اليمن يقومون بما يقوم به دحان، فقد راجت زارعة القات بمعدلات كبيرة بين عاميْ 2016 و2020، إذ أدت الحرب بحسب رئيس مؤسسة "حلم أخضر" البيئية محمد الحكيمي إلى توقف الدولة عن دعم القطاع الزراعي.
كما أدى الحصار المفروض على البلاد من قبل "التحالف العربي" إلى منع تصدير عدد من المنتجات الزراعية فضلاً عن توقف منح الرواتب، وتضاؤل الفرص، "فاتجه قسم كبيرٌ من المزارعين إلى زراعة القات للاستخدام الخاص وللبيع الداخلي".
ويلفت الحكيمي في حديثه لرصيف22 إلى أن المساحة المزروعة بالقات اتسعت من 167 ألف هكتار في 2016 لتبلغ حوالي 170 ألف هكتار في 2020، أي بزيادة بلغت 3000 هكتار.
وتؤكد تقديرات لوزارة الزراعة والهيئة العامة للموارد المائية أن زراعة القات تزداد بمعدل 12% سنوياً في عموم اليمن.،وأنه يستهلك سنوياً ما يقدَّر بنحو 40% من المياه التي تُسحَب من حوض صنعاء وهو رقم آخذ بالارتفاع نظراً لما تتطلبه هذه الزراعة من وفرة في المياه.
وعن كيفية زراعة شجرة القات، فهي زراعة فسائل (أغصان تُفصَل وتُغرس). تُقتلع الفسيلة التي تنمو بجوار شجرة كبيرة، وتُنقل لزراعتها في مكان آخر يحدده المزارع، ويكون ذلك خلال شهر آذار/ مارس عادةً وتصل الى مرحلة القطاف بعد عام واحد.
وتتباين أحجام الأشجار وفقاً لناجي محسن المتخصص منذ 35 سنة في زراعة وبيع وشراء القات، إذ تصل إلى ارتفاع يتراوح بين مترٍ الى مترٍ ونصف المتر، والقطاف يتم فجراً ليبقى المحصول طازجاً، ومن ثم تبدأ رحلة نقلها التي يقول إنها محفوفة بالمخاطر، نظراً للعناية الخاصة التي تحتاجها، كحفظها في أكياس قماشية مبللة بالماء تسمى "الخيشة" ومن ثم لفها بأوراق معدنية.
ويُنقَل المحصول لمسافات قد تصل إلى مئات الكيلومترات بواسطة سيارات، ويذكر ناجي لرصيف22 أن عملية النقل تتطلب سرعة لأن أوراق القات تتلف بعد 24 ساعة من قطفها "والتأخير يعني خسائر فادحة للمتاجرين به".
ويوضح أن أشهر أنواع القات في اليمن هي الهمداني والجعشني والحطابي والقطيني والأرحبي، والشامي والمفصل والبقمة والضلاعي والمطري والغيلي والصوتي والصبري والعنسي والمريسي وقات ماويه.
وأشهر المحافظات التي تزرع فيها هي إب وتعز وذمار وصنعاء وحجة وعمران والضالع وريمه وأجزاء قليلة من محافظة صعدة الحدودية مع السعودية، فيما لا تعيش هذه الشجرة في المحافظات اليمنية الجنوبية ومحافظة الحديدة الساحلية، والمناطق الصحراوية الحارة.
"في القرن السادس، قام أحد الجنود الأحباش بزراعة شجرة قات، فأكل منها تيسٌ (ماعز) يعودُ ليمني، وما هي إلا لحظاتٌ حتى دبت فيه ثورة نشاط... فقام اليمني بتناول ورقة منها، ليجد نفسه من بعدها مفعماً بالحيوية... ومن خلال ذلك الرجل انتشرت شجرة القات في اليمن"
وبحكم خبرته الطويلة، يشير ناجي إلى أن القات (الرؤوس) ذو الجودة العالية والذي يقطف من أعالي الأشجار يختلف عن القات الأدنى جودة الذي يقطف من جوانب الشجرة، وأن كل شخص تُعرف قيمته الاجتماعية من خلال جودة القات الذي يقتنيه.
ويقول كذلك إن القات لا يُباع بالوزن وإنما بأعداد العيدان التي يسمى مجموعها "الحزمة"، وقد يصل سعر الفاخرة منها إلى 200 دولار، مشيراً إلى أن السعر السائد للحزمة المكونة من 25 عوداً من القات العادي تباع بـ18 ألف ريال، أي ما يعادل 30 دولاراً، والحزمة المكونة من خمسين عوداً تباع بـ60 دولاراً، وهكذا، كلما زادت أعداد الأعواد القات كلما ارتفع السعر.
وتدور قصص عديدة بشأن تأريخ ظهور القات في اليمن، أكثرها شهرة تلك التي ترجعها إلى الفترة التي دخل فيها الأحباش إلى اليمن في القرن السادس الميلادي.
ويذكر الدكتور نبيل الشرجبي، أستاذ إدارة الأزمات في جامعة الحديدة، لرصيف22 واحدة من تلك القصص: "قام أحد الجنود الأحباش بزراعة شجرة قات، فأكل منها تيسٌ (ماعز) يعودُ ليمني، وما هي إلا لحظاتٌ حتى دبت فيه ثورة نشاط، وفي اليوم التالي، أكل التيسُ من ذات الشجرة وحدث له ما حدث قبلها بيوم، فقام اليمني بتناول ورقة منها، ليجد نفسه من بعدها مفعماً بالحيوية وبمقدرة جنسية وذهنية وفكرية غير عادية، ومن خلال ذلك الرجل انتشرت شجرة القات في اليمن".
ويضيف الشرجبي أن "رجال الدين في اليمن بعد دخول الإسلام إلى البلاد كانوا يتناولون هذه النبتة بين صلاتيْ الظهر والعصر، وكانت تمدهم بالطاقة وبنشاط ذهني كبير".
ويرجع د. محمد الحرازي، أستاذ الاقتصاد في أكاديمية الشرطة في صنعاء، إدمان اليمنيين على نبتة القات إلى بعض مكوناتها، إذ تضم أكثر من أربعين مركباً، أهمها الكاثينون الموجود في الأوراق الطازجة، ومركب الكاثين الموجود في الأوراق القديمة التي "تمنح مستهلكها حالة من النشاط الجسدي والاسترخاء الذهني في بداية تناول القات، ثم تتحول الحالة إلى النقيض بعد ذلك".
شحّ المياه
محمد مسعد شانف (56 عاماً) مزارعٌ أجبرته تداعيات الحرب على هجرة منزل العائلة في قرية الدرج في محافظة تعز، جنوبي اليمن، وبناء واحد جديد على بعد نحو ثلاثة كيلومترات فوق هضبة تطل على حقلٍ يملكه لزراعة القات، ويضم خمسة آلاف شجرة.
ما يدرّه محصول الحقل يشكل مصدر دخله الوحيد لإعالة زوجته وأبنائه العشرة. هو لم يتلقَّ تعليماً، لذا حاول التعويض عن ذلك بتشجيع أبنائه على الدراسة، ليلتحق اثنان منهم في الجامعة وثلاث آخرون بالمرحلتين الإعدادية والثانوية. يقول لرصيف22 وهو يفرك سبابته بإبهامه: "يحتاجون إلى الكثير من المصاريف، وبدون القات لن يكملوا تعليمهم".
لكن زراعة القات ليست بالأمر اليسير، ولا سيما في ما يتعلق بالمياه. محمد مسعد اضطر إلى حفر بئر يدوية وسط حقله، لتغطي حاجات الشرب والسقي في آن واحد، غير أن المياه لا تظهر فيها سوى في فصل الصيف فقط، وهو الموسم الذي تتساقط فيه الأمطار بغزارة في اليمن وتشح في الشتاء.
لذا فاحتباس الأمطار ونضوب ماء البئر في الفصول الأخرى تدفعه لاقتطاع حصة المياه التي يخزّنها للشرب وري الأشجار بها. يمرر سبابته فوق إبهامه مجدداً ويقول: "سقي الأشجار مهم لتوفير ثمن الدقيق والأرزّ والسكر وبقية المواد الغذائية الأساسية الأخرى".
وبسبب شح المياه أيضاً، اضطر صادق الحاج علي (63 عاماً) من قرية دار الأمير القريبة من محافظة تعز والتابعة إدارياً لمحافظة إب، إلى شراء صهريج تجرّه آلية من نوع نيسان، لري حقوله المزروعة بالقات، وذلك بعد بلوغ سعر ساعة الري الواحدة من الآبار نحو 30 دولاراً، فضلاً عن بلوغ سعر حمولة صهريج ماء سعة 12 ألف لتر قرابة سبعين دولاراً.
"لا قتال في اليمن دون مضغ القات، فهو يفجر نشاط المقاتلين وحماستهم للقتال وفي لحظات النشوة وبعد أن تنتفخ أوداجهم بأوراقه لا يحسون بأي خوف أو تراجع ويمنع عنهم الشعور بالنوم لعدة أيام متواصلة، وبدونه سيكونون خاملين تماماً"
يؤكد صادق لرصيف 22 أن الشاحنة ساعدته كثيراً في ري قاته، وخصوصاً خلال فصل الشتاء الطويل الذي يتسم بالجفاف الشديد، في وقت تنضب فيه مياه أغلب الآبار الجوفية القريبة من حقله، وهو ما يجبره على قطع مسافة تصل إلى نحو خمس كيلومترات من طرقٍ فرعية وعرة ليجلب المياه.
يقبض بيديه على مقود صهريجه ويقول كمَن يحدث نفسه: "شح الأمطار في الشتاء يعني ندرة القات وبالتالي ارتفاع جنوني في أسعاره، وهذه فرصتي التي أنتظرها بفارغ الصبر لأبيع محصولي بسعر مرتفع يوفر لي المال".
ويتهم عبده محسن (43 عاماً) القات بأنه السبب الرئيسي في نضوب مياه الآبار التي قال لرصيف22 إن الارتوازية منها عُمّقت كثيراً دون أي جدوى، فلا ماء فيها، مضيفاً باستسلام: "لكن ماذا نفعل؟ القات مصدر رزقنا الوحيد".
يباشر عبده العمل منذ ساعات الفجر الأولى في حقول وادي نخلان، أحد أخصب أودية محافظة إب، وبالكاد يحصل في اليوم الواحد على ثلاثة آلاف ريال مقابل ذلك أي ما يعادل خمس دولارات في مناطق سيطرة الحوثيين.
ومن الجدير بالإشارة أن سعر الدولار في مناطق الحوثيين يبلغ 557 ريالاً وفي مناطق سيطرة الحكومة 1138 ريالاً بسبب الانقسام المصرفي الذي يعد الأول في تاريخ البلاد بعد نقل الحكومة الشرعية للبنك المركزي من صنعاء إلى عدن، عام 2016.
وبالعودة إلى عبده، فهو يبرر عمله المضني بأنه أفضل من العسكرية التي تركها عقب اندلاع الحرب في العام 2014، هرباً من جحيم القتال ويتابع: "قتالي أصبح من أجل الحصول على الرزق الحلال وليس أمامي سوى جني القات لإعالة أسرتي المكونة من خمسة أفراد".
في قرية إيهار التابعة لمديرية السياني في محافظة إب، يشير مصلح قائد (70 عاماً) إلى حقله ويقول لرصيف22 بشيء من الفخر: "تصل أعمار هذه الأشجار إلى نصف قرن". ثم يبتسم مستدركاً: "لكن أشجار القات لدى بعض جيراني تصل أعمارها إلى مئة سنة".
وتابع بزهو متحدثاً عن شغفه بأشجار حقله منذ نعومة أظفاره: "أهتم بها كما أهتم بأولادي التسعة، فلحم أكتافنا جميعاً من خيرها". يحصد مصلح محصول القات المسمى "البلدي" ثلاث مرات في السنة، والوفرة تتوقف كما غيره من القات على وفرة المياه وأيضاً المبيدات الحشرية المركزة.
ويبلغ مجموع الوارد المتأتي مما يبيعه في كل حصاد زهاء مليون ريالٍ يمني، ما يعادل 1700 دولار في مناطق سيطرة الحوثيين، تذهب منها سبعمئة دولار تكاليفاً لري القات ولشراء المبيدات الحشرية وأجوراً للعمال الذين يساعدونه في القطاف، فضلاً عن تكاليف حراسة أغصان القات من اللصوص.
القات لمختلف فئات الشعب
لا يقتصر الاستثمار في القات على المزارعين فقط في اليمن، بل تعداهم بسبب الحرب الطويلة الدائرة هناك إلى الموظفين الذين يواجهون أوضاعاً اقتصادية صعبة بسبب عدم تلقيهم رواتب في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين.
عادل عبد الله (41عاماً) من محافظة تعز واحدٌ منهم. كان يعمل موظفاً في وزارة المالية التابعة لحكومة صنعاء (الحوثيين). يقول لرصيف22 إن قوام الأسرة التي يتكفل بإعالتها عشرة أشخاص، زوجته وخمسُ بناتٍ ووالداه واثنتين من شقيقاته، وهو ما اضطره إلى المتاجرة بالقات بشرائه من حقول الفلاحين وبيعه في سوق بئر باشا في مدينة تعز، ليحصل إضافة إلى كيس القات الذي يمضغهُ على مبلغ خمسة آلاف ريال أي ما يعادل نحو أربع دولارات، وأحياناً أقل من ذلك المبلغ. بل إنه يتعرض للخسارة في بعض الأحيان حين يتكدس القات في السوق فتنخفض أسعاره بنحو كبير.
يمضغ كثيرون من اليمنيين القات يومياً، وفي مختلف المناسبات، كالأعراس ومجالس العزاء وحتى أثناء حل المشاكل والخلافات الاجتماعية. يجتمعون ويمضغون أغصانه. والبعض لا تشحذ همته للقتال سوى والقات في فمه، ومنهم عبد الله محمد (24 عاماً) المقاتل ضمن صفوف واحد من الأطراف المتصارعة في اليمن.
يؤكد عبد الله لرصيف22 أن لا قتال دون مضغ القات، ويعد أمراً أساسياً لا غنى عنه لدى المقاتلين، فهو "يفجر نشاطهم وحماستهم للقتال وفي لحظات النشوة وبعد أن تنتفخ أوداجهم بأوراقه لا يحسون بأي خوف أو تراجع ويمنع عنهم الشعور بالنوم لعدة أيام متواصلة، فهم بدونه سيكونون خاملين تماماً".
ويضيف: "هناك ميزانية كبيرة تقدر بملايين الريالات تصرف في الجيش يومياً فقط لشراء القات، وهنالك مسؤولون مختصون بإيصاله إليهم بواسطة عربات عسكرية أينما كانوا على جبهات القتال.
وليس على جبهات القتال فحسب. يقول محمد قايد وهو شابٌ في الـ21 من العمر، وطالبٌ في كلية الصيدلة في جامعة صنعاء، إنه لا يستطيع الاستغناء عن القات في أغلب الأوقات ويشرح لرصيف22 كيفية تعامله اليومي معه: "خلال إجازتي الجامعية الأسبوعية أمضغ القليل من القات خلال فترة الصباح بعد طعام الإفطار، لكن بعد الغداء أستهلك الكثير منه لحين موعد العشاء، عندها فقط أخرج كرة القات من فمي، وأضعها في كيس بلاستيكي بجانب أغصان القات المحفوظة فيه لكي تبقى طازجة، وما أن أنتهي من عشائي حتى أردها إلى فمي مجدداً وأبقى على ذلك النحو حتى منتصف الليل أو ربما أبعد من ذلك إذا بقيت سهراناً".
ومع إقراره بأن القات يدفع المرء للسهر مما يصيبه بالإرهاق، إلا أنه يؤكد بأنه مع زملائه في الكلية لا يقوون على التركيز في المحاضرات والمذاكرة وحفظ الدروس المقررة عن ظهر قلب إلا والقات في أفواههم.
بدوره، يقضي عبد الواسع محسن (39 عاماً) من منطقة عميد الخارج التابعة لمحافظة إب، إجازة لمدة ستة أشهر بعد ثلاث سنوات كاملة قضاها في السعودية عاملاً في مجال النجارة، ولا يبدو أنه يمزح حين يقول لرصيف22: "أرغب في تعويض السنوات الثلاث التي قضيتها بدون قات، لذلك أشتري أفخم أنواعه".
ينفق عبد الواسع 15 ألف ريال يمني يومياً على شراء القات، ويتوقع أن يقترض ثلاثة ملايين ريال ليغطي نفقات قاته طوال فترة إجازته، وأيضاً لتغطية تكاليف مواصلات العودة إلى عمله في السعودية.
حق القات
أهمية القات في اليمن بلغت حداً أصبحت فيه مبرراً لتعاطي بعض الموظفين الرشوة، بما يعرف بـ"حق القات"، وهو مبلغٌ من المال غير المشروع يتقاضاه الموظف نظير القيام بعمل أو الامتناع عنه، ومن أمثلتها ما يذكره عبد الله قاسم (20 عاماً) الذي يجري أعمال بناء منزل له ولأشقائه في مدينة إب، هو أن العديد من موظفي الأشغال العامة والطرق يأتون إلى المنزل بين الحين والآخر للمطالبة بتصريح البناء على الرغم من معرفتهم بأنه حاصل عليه، لكن "غايتهم هي الحصول على مبلغ زهيد لشراء نبتة القات" حسبما يقول، ويضطر لمنحهم ما بين عشرة الآف ريال إلى 15 ألفاً، أي ما لا يزيد عن 25 دولاراً، حتى لا يعرقلوا عملية البناء.
ويضيف عبد الله: "حتى بعضٌ من موظفي مكتب الأوقاف في المحافظة يأتون إلى المنزل بشكل شبه يومي مطالبين بوقف العمل في البناء مدعين أن الأرض محل البناء هي ضمن الأوقاف، وعندما نؤكد لهم أنها ليست وقفاً، ونعطيهم الأوراق التي تثبت ذلك يطالبوننا بحق القات، ونضطر إلى إعطائهم مجبرين حتى يتركوا العمال لشأنهم".
يفكر عبد الله قليلاً قبل أن يتابع مبتسماً: "حتى العمال الذين يعملون بأجور يطالبون بحق القات زيادة فوق أجورهم البالغة سبعة آلاف ريال في اليوم".
أما محمد منير (43 عاماً) والذي يعمل معلماً لمادة الرياضيات في جنوب اليمن، فقد أضاع بطاقة هويته الشخصية، وكان لا بد أن يحصل على بطاقة بدل ضائع سريعاً لتسيير شؤونه العملية، ولم تكفِ تعبئته لاستمارة البيانات ووضعه بصمة إبهامه عليها مع صورة شخصية له وخمسة آلاف ريال دفعها كرسوم، إذ قال له الموظف في الأحوال المدنية بهدوء وكأنه أمر روتيني ضمن متطلبات الدائرة لتنظيم المعاملات: "هات حق القات، وبطاقة هويتك الشخصية ستكون جاهزة غداً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...