"أصعب ما واجهته خلال مسيرتي، أن الدول العربية أهانت وأساءت إلى كلمات أغنياتي وعدّتها ركيكةً وسطحيةً وتافهةً، ودفعتني إلى تغييرها أو تصحيحها، على اعتبار أني عاجز عن لفظ الحروف العربية والنطق بها، لذا تعرضت للإساءة المستمرة، فيما كانت هذه الأغاني تدرَّس في جامعات أمريكا وأوروبا"؛ هكذا عبّر المغني حامد سنّو، المغنّي الأمريكي اللبناني في فرقة مشروع ليلى، خلال حديثه، عن المضايقات التي تعرضت لها الفرقة على مدى أربعة عشر عاماً.
ففي يوم الأحد 11 أيلول/ سبتمبر 2022، أعلن سنّو خلال ظهوره على بودكاست "سردة"، عن نهاية مشروع ليلى، وعن توقّف أعمال الفريق نهائياً وذلك بسبب المضايقات التي تعرضوا لها لسنوات متتالية وسلسلة من القمع في الدول العربية كافة، وصلت إلى منع حفلاتهم وإجبارهم على الاعتذار وتغيير كلمات الأغاني التي عُدَّت خادشةً للحياء وتمسّ بالدين المسيحي وتشجع على الجنس والمثلية الجنسيّة.
وتشكلت فرقة مشروع ليلى، أو مشروع ليلة واحدة، في الثامن من شباط/ فبراير 2008، في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث أثبت أعضاء الفرقة في حفل صغير في حرم الجامعة أنهم وحدهم يكتبون الكلمات ويعزفون الموسيقى.
اكتسبت الفرقة شهرةً واسعةً وجذبت فئةً كبيرةً من الشباب الذي عدّها مساراً جديداً في الموسيقى البديلة. وفرضت الفرقة نفسها، خلال الحدث اللبناني السنوي الذي تنظمه بلدية بيروت وهو "مهرجان الموسيقى"، وهنا بدأت الفرقة تثير الجدل حول كلمات الأغاني وجرأتها وتعرضت للانتقادات الواسعة خاصةً بسبب احتوائها على كلمات جنسية.
يوم الأحد 11 أيلول/ سبتمبر 2022، أعلن حامد سنّو عن نهاية مشروع ليلى، وعن توقّف أعمال الفريق نهائياً
وأصدرت الفرقة أسطوانات عدة، وحازت على جوائز عدة كان أولها عام 2009 في مسابقة الموسيقى الحديثة التي نظمتها إذاعة راديو لبنان. وبسبب ذيوع صيتها، بدأت الفرقة بإحياء حفلاتها في الوطن العربي وكانت البداية مع حفلات مصر.
القمع وانتحار سارة
يقول سنّو، إن الفرقة تعرضت للقمع بطريقة واضحة، ما أدى إلى إلغاء حفلاتها في الأردن عامي 2015 و2016، بعد بيع التذاكر للجمهور الذي تهافت عليها، وذلك بسبب اعتراض الدولة على الأغاني ومواضيعها الحساسة. كذلك عام 2017، أثارت الفرقة جدلاً كبيراً عندما شاركت الناشطة الراحلة سارة حجازي في الحفل، ورفعت علم الفخر، ما أدى إلى اعتقالها وإلقاء القبض على 30 آخرين ومنع الفرقة من إحياء الحفلات مرةً أخرى في مصر.
في حزيران/ يونيو 2020، انتحرت حجازي في كندا التي كانت وصلت إليها قبل عام ونصف، هاربةً من مصر، وهو ما كان له وقع كبير على الفرقة، مع إحساس بالذنب والحزن، وكانت هيومين رايتس ووتش قد تحدثت عن "تعرض سارة خلال الاحتجاز للتعذيب الواضح، على يد عناصر من الشرطة المصرية، عن طريق الصدمات الكهربائية والحبس الانفرادي وتحريض محتجزات أخريات على التحرش بها والاعتداء عليها جنسياً وإهانتها لفظياً ومعنوياً بسبب تهمة واحدة وهي الإعلان عن ميولها الجنسية، ما أدى إلى معارضتها ومطاردتها حتى لحظة انتحارها، وتركها رسالةً مؤلمةً وقاسيةً للعالم: كنت قاسياً إلى حد عظيم ولكني أسامح".
تعددت أسباب قمع الفرقة، إلا أن أساس الهجوم عليها، هو بسبب إضاءتهم على مجتمع الميم-عين، بحيث أن جمهورهم ضمّ العديد من أفراد مجتمع الميم-عين الذين شجعوهم على الموسيقى الجديدة، وقد أعلن حامد سنّو، عن ميوله الجنسية بشكل واضح عندما قال إنه "كويري"، فلاقى هجوماً شرساً.
حملات التخوين
وشهدت العديد من البلدان العربية حملات كبيرةً على أفراد مجتمع الميم-عين في السنوات الأخيرة، في لبنان ومصر والأردن وغيرها، ومنعت عرض الأفلام السينمائية التي تحتوي على قبلات بين الجنس الواحد، ومنعت عرض فيلم "MINNIONS"، بسبب زعمها أنه يمس بالدين المسيحي، كما صادروا ألعاب الأطفال الملونة من السوق.
تجاهلت النقد لمرحلة طويلة، ولم آخذه على محمل الجد، ولو دقّقت فيه لكنت انتحرت منذ زمن طويل، إنما جلّ انزعاجي كان في أشكال النقد الذي تعرضت له الفرقة لأسباب غير مفهومة
وقبل أشهر قامت مجموعة في لبنان تسمّي نفسها جنود الرب، بتمزيق لوحة إعلانية ضمت مجموعةً كبيرةً من الورود المتنوعة التي خُصصت للتضامن مع مجتمع الميم-عين، في احتفاليته السنوية في تموز/ يوليو من كل عام، وعدّتها تشجيعاً على المثلية الجنسية، وقمعت مظاهرةً لمجتمع الميم-عين للمطالبة بحقوقهم وهددتهم بالتعرض لهم وانضمت إليهم مجموعات كبيرة من المتطرفين المسلمين والمسيحيين، ما أدى إلى إلغاء المظاهرة من قبل القيّمين عليها خوفاً على سلامة المشاركين.
وفي عام 2019، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش، تقريراً عدّت فيه أن فرقة مشروع ليلى أصبحت "أحدث ضحايا" قمع حرية التعبير في لبنان وقوانين القدح والذم والتحقير في لبنان الذي لطالما تميّز بتنوعه وتقبّله للآخرين.
الخطر على الأديان
كان مقرراً أن تحيي الفرقة حفلةً في عروض "مهرجانات جبيل" في التاسع من آب/ أغسطس عام 2019. إلا أن مطرانية جبيل المارونية، تدخلت وأجبرت القيّمين على المهرجانات على إلغاء عرض مشروع ليلى بسبب ما وصفته بـ"تعرضها للدين المسيحي والمس بقيم الديانة المسيحية وأنها تشكل خطراً عليهم". هذا إلى جانب، تقديم شكاوى ضدهم ومطالبة الدولة اللبنانية بمحاسبة أعضاء الفرقة استناداً إلى القانون الذي يجرّم تحقير الشعائر الدينية وإثارة النعرات الطائفية.
قبول الفرقة بإلغاء حفلة جبيل أتى بعد معرفتهم بأن هناك مجموعات تجهزت بالسلاح لإطلاق النار على الجمهور والفرقة
يوضح سنّو، أن قبول الفرقة بإلغاء الحفلة أتى بعد معرفتهم بأن هناك مجموعات تجهزت بالسلاح لإطلاق النار على الجمهور والفرقة، في حال أصرّوا على إحياء الحفلة في جبيل، مشيراً إلى أنه لم يقبل طبعاً بتعريض الجمهور للخطر أو الفرقة نفسها. وهنا كانت أكبر المضايقات التي تعرضت لها الفرقة، والتي أدت لاحقاً إلى إيقاف نشاطها بسبب التهديد المستمر لها.
وتقول هيومن رايتس ووتش، إن "القمع تجلّى في قبول النيابة العامة لهذه الشكوى والتحقيق مع أعضاء الفرقة لأكثر من 6 ساعات وإجبار الفرقة بعدها على إزالة التدوينات التي تمس بالدين المسيحي وتقديم اعتذار علني"، عادّةً أن لبنان انضم إلى السعودية في فرض الرقابة على الفرق الموسيقية المستقلة التي اكتسبت شهرةً واسعةً وجذبت جمهوراً، بسبب رفع صوتها ضد القمع والفساد ورهاب المثلية ودفاعاً عن الحرية واحترام الآخرين وتقبّلهم.
يقول حامد إنه تجاهل النقد لمرحلة طويلة، ولم يأخذه على محمل الجد، ولو دقّق فيه لكان انتحر منذ زمن طويل، إنما جلّ انزعاجه كان في أشكال النقد الذي تعرضت له الفرقة لأسباب غير مفهومة.
صوت الموسيقى أعلى؟
يروي الناشط محمد شبلك، لرصيف22، عن متابعته مع مجموعة ناشطين لحفلة جبيل، ويقول إنهم لحظة إعلامهم بضرورة إلغاء الحفل، اتجهوا إلى إحياء الحفلة في منطقة الحمرا، فتواصلوا مع الموسيقيين ومجموعة من الفنانين ووضعوا عنواناً للحفلة، "صوت الموسيقى أعلى"، وذلك للدلالة على أن هذه الحفلة البديلة أقيمت من أجل حرية التعبير.
ويضيف: "بسبب التهديدات والضغوط الكبيرة التي تعرضت لها الحملة، لم تستطع الفرقة القدوم، ولكننا أقمنا حفلةً موسيقيةً ضخمةً في الحمراء، وامتلأ الشارع الرئيسي بالجمهور الذي توزّع في المسرح وعلى أدراجه لحضور الحفلة الموسيقية وكانت ناجحةً جداً".
السلطات العربية كافة تشبه بعضها البعض، إذ عمدت جميعها إلى إلغاء حفلات مشروع ليلى وشن حروب على الفرقة لقمعها، وقد نجحوا في جعلها تنسحب بعد كل ما تعرضت له
من جهتها، تؤكد سحر مندور، من منظمة العفو الدولية، لرصيف22، أن مشروع ليلى تعرّض للقمع والاضطهاد وامتناع السلطات عن تأمين الحماية اللازمة خلال مسيرتها في مصر والأردن ولبنان أيضاً، ومن خلال متابعتها لما حصل في منطقة جبيل، لاحظت مندور أن القوى الطائفية والسياسية وممثلي القانون استنفروا، فتكلموا جميعهم بلغة إقصائية تحمل الكثير من الكراهية واستهدفت الإنتاج الفني للفرقة وهويات أفرادها الخاصة، الجنسية والطائفية، ويُعدّ هذا الاستهداف تحريضاً على العنف وتهديداً مباشراً ورسائل مفخخةً وصلت إلى بيوت الناس، هذا عدا عن الإعلان الصريح عن استخدام السلاح لمواجهتهم.
وتضيف: "هذا ما استدعى بشكل مباشر تدخل السلطات لحماية حرية الرأي والتعبير ودعمها، إلا أن السلطات امتنعت ودعت لإلغاء الحفلة تفادياً للعنف، ما أدى إلى إعطاء المعارضين سلطة وشرعية تعريف القانون. وهذا أيضاً ما حصل مع السلطات العربية كافة التي تشبه بعضها البعض، إذ عمدت جميعها إلى إلغاء حفلاتها وشن حروب على الفرقة لقمعها، وقد نجحوا في جعلها تنسحب بعد كل ما تعرضت له".
هرباً إلى الموت
لبنان انضم إلى السعودية في فرض الرقابة على الفرق الموسيقية المستقلة التي اكتسبت شهرةً واسعةً وجذبت جمهوراً
يروي مصطفى دبور، صديق الناشطة سارة حجازي، عن معاناتها وتدهور حالتها النفسية لحظة خروجها من السجن، حيث تم احتجازها لثلاثة أشهر، بعد مشاركتها في حفلة مشروع ليلى. ويقول إن هذه المرحلة أثّرت على صحتها النفسية بشكل كبير، إذ صارت تخاف من الناس ومن أقرب الأشخاص المحيطين بها وخاصةً أصدقاءها، ومشاعر من الرعب وعدم الانتماء. وحاولت معالجة نفسها وتخطّي هذه الأمور، فتحسنت قليلاً، ولكنها أُجبرت على ترك عائلتها بالرغم من شدة تعلّقها بها بسبب شعورها بأنها مهمشة ومنفية.
أخبرت سارة مصطفى لاحقاً أنها حاولت الانتحار للهروب من مشكلاتها وتعبها النفسيّ، خاصةً بعدما أكدت لهم أنها تعرضت للاغتصاب والتحرش والأذى الكبير خلال الاعتقال.
ويستذكر كيف كانت في قمة السعادة خلال مشاركتها في حفلة مشروع ليلى، وبالرغم من أنها لا ترقص عادةً أو تظهر عليها علامات السعادة، إلا أنها في تلك الحفلة كانت ترقص وتغنّي وترفع العلم عالياً، "رأيتها في قمة السعادة، رأيتها مليئةً بالفرح كما لم أرَها من قبل".
بعد تلك الليلة، قالت له سارة إنها شعرت بأنها إنسانة طبيعية قادرة على الإفصاح عن حاجاتها، وبأنها حرة وغير مقيدة من المجتمع. ولكن حياتها انقلبت بعد هذه اللحظة، ما أدى إلى تدهور حالتها بشدة بسبب القمع الذي تعرضت له، وبالرغم من حصولها على اللجوء إلا أنها لم تستطع أن تنعم بالاستقرار الذي تطمح إليه، وذلك بسبب شعورها الدائم بعد الاعتقال بعدم الانتماء إلى هذه الحياة. وفجأةً، علمنا بأنها انتحرت تاركةً للعالم رسالةً قاسيةً لا يمكن للزمان أن يطويها، يقول مصطفى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...