شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الممارعون في اليمن... دماء أضاحٍ وأحذية وإطارات سيارات بالية لدرء الحسد

الممارعون في اليمن... دماء أضاحٍ وأحذية وإطارات سيارات بالية لدرء الحسد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 14 سبتمبر 202210:54 ص

بمجرد أن أتمّ رمزي عبد الحميد (32 عاماً) بناء منزله في قرية الأعدان في محافظة إب، في وسط اليمن، نحر أمام الباب بين حشد من الجيران جدياً سميناً، ورشّ دماءه على أجزاء من جدار المنزل الخارجي، طرداً للحسد. ثم قدّم وليمةً للحاضرين تُعرف شعبياً بـ"الوكيرة"، وهو احتفال يقيمه اليمنيون بعد الانتهاء من تشييد بناء، أو الانتقال إليه، وأعاد تقديم "الوكيرة" بعد شهرين، حين سكنت أسرته المنزل.

يقول لرصيف22 إنها تقاليد درجت أسرته على اتّباعها لدرء مخاطر العيون، وإن والده ذبح، قبل نحو خمس سنوات، جدياً أسود بمجرد خروج الماء من بئر حفرها في وادي القرية، ورش دماءه في محيط البئر حتى لا تصيبها العين ويختفي ماؤها، ثم انتظر أسبوعاً قبل أن يزوّد البئر بمضخّة.

ما فعله رمزي ووالده ليس أمراً معزولاً، فالكثير من اليمنيين يخشون الإصابة بالعين (الحسد)، إذ يؤمنون بأن هنالك أشخاصاً لديهم قدرات خارقة تمكّنهم من تدمير ممتلكاتهم أو حياتهم الشخصية والأسرية بمجرد نظرة.

واشتهرت في اليمن شخصيات عديدة بهذه القدرات، أبرزها ج. ع.، من منطقة العزاعز في محافظة تعز، جنوبي غرب البلاد، وما زال ذكر اسمه يثير قلق سكان المنطقة، بالرغم من مرور وقت على وفاته.

يروي عبد الرحمن (40 عاماً) لرصيف22 أن ج. ع. اشتهر بسهام عينيه، أو كما أسماها بـ"المراع"، وهي مفردة مرادفة لكلمة حاسد، وقال إنه كان في وسعه إصابة أي شيء تقع عليه عيناه، سواءً كان إنساناً أم حيواناً أو جماداً.

تمتم عبد الرحمن بشيء، ثم تابع: "كنّا نخافه، ونقرأ سورتي الناس والفلق، عندما نقابله صدفةً أو يأتي أحدهم على ذكره أمامنا".

ولا يُشترط أن يكون الحاسد المفترض مشهوراً في اليمن، حتى توجَّه إليه الاتهامات بالحسد، فأي شخص يمكن أن يتحول إلى حاسد لمجرد أن يكون في مكان ما، وينظر إلى شيء أو يتفوّه بكلام، فيحدث أمرٌ، كأن يتعرض أحدٌ لإصابة أو تتعطل مركبة. وقد يحدث الأمر بعد مرور أيام وأسابيع من تواجد الشخص في ذلك المكان، ومع ذلك تكون عينه هي المتهمة.

نهلة أحمد (25 عاماً)، من قرية عسالب في محافظة إب، امتنع طفلها الرضيع البالغ من العمر سنة واحدة عن شرب الحليب عقب زيارتها منزل صديقة لها في قرية المعموق، في المحافظة ذاتها. وعقب استرجاعها تفاصيل زيارتها تلك، تذكرت أن صديقتها قالت لها بتذمّر إن ابنها البالغ من العمر سنتين نحيلٌ ووزنه أخفّ بكثير من صغيرها، بالرغم من أنه يكبره بعام.

تقول نهلة لرصيف22: "بعد مضي أسبوع تفاقمت حالة طفلي، فاتصلت بصديقتي التي تبعد قريتها عن قريتي مسافة ساعة بالسيارة، وذهبت لزيارتها مجدداً بذريعة أنني اشتقت إليها، وهناك انتهزت فرصة انشغالها وأخذت شيئاً من شعرها كان عالقاً بين أسنان مشطها".

فعلت نهلة ذلك بناءً على نصائح تلقّتها من قريبات لها، وبمجرد عودتها إلى منزلها قامت بحرق شعر صديقتها وبخّرت بدخانه جسد طفلها، وهي مؤمنة بأن ما قامت به كان سبباً في استعادة طفلها عافيته، وعودته إلى لقم ثديها مجدداً.

وتستدرك: "لو لم أكن قد نجحت في سرقة شعر صديقتي، لكنت طلبته منها، وهذا ليس فيه حرج".

لكن محصنة علي (65 عاماً)، من مديرية سيان في محافظة إب، استهدفت رداء جارتها وليس شعرها، إذ قصّت بمقصّ صغير جزءاً من ثوبها الفضفاض خلسةً، بينما كانتا جالستين تتجاذبان أطراف الحديث، في تجمع ضم العديد من نساء القرية الأخريات. وقامت لاحقاً بإحراق تلك المزقة تحت قدمَي حفيدتها ذات الست سنوات، ثم مررت رمادها على رأس الفتاة، معتقدةً أن ذلك سيوقف تساقط شعرها الذي اتهمت جارتها بالتسبب به، لأنها سمعتها ذات مرة وهي تصف البنت بأنها "ذات شعرٍ أسود فاحم".

أسلحة مقاومة للحسد

يستخدم اليمنيون بنحو شائع مضادات معنويةً للحسد تتمثل في آيات قرآنية وأدعية خاصة، يرددونها معتقدين أنها ستصدّ عنهم نظرات من يتهمونهم بتمنّي زوال ما يمتلكونهم، إلى جانب وسائل مادية دفاعية كالأحذية والإطارات التي يضعونها كدروع في أماكن بارزة.

فؤاد حمود (37 عاماً)، من قرية إيهار في محافظة إب، اشترى مطلع العام الجاري سيارةً من نوع تويوتا هايلوكس، موديل 1986، وأول شيء فعله قبل أن يذهب بها إلى قريته، هو أن علّق فردتَي حذاء سوداوين باليتين، واحدة في مقدمة السيارة والأخرى في مؤخرتها.

يقول لرصيف22، بنبرة جادة، إن "العين حق، والكثير من أبناء قريتي عيونهم خبيثة، وفردتَيْ الحذاء ستصدّان نفوسهم المريضة وتمنعانهم من أذيتي أو الإضرار بسيارتي".

وتُستخدم الأحذية في المناطق الريفية اليمنية لحماية المواشي من العيون، وفقاً لما يعتقده أصحابها، إذ يقصّون أرضيات أحذيتهم ويعلّقونها بحبال حول رقاب المواشي، وفي الغالب القوية منها، كالثيران.

يحدد بعض اليمنيين سمات خاصة بالممارع، كأن يقولوا إن لون لسانه غامق، ويقترب من السواد، فضلاً عن سمات أخرى تتطابق مع السمات التي حددها العالم الإيطالي لومبروزو للشخص المجرم، مثل جحوظ العينين وتضخم الشفتين

يقول محمد عبد الرب (62 عاماً)، من قرية قابع في محافظة إب، إن لديه ثورين هما مصدر دخله الوحيد، إذ يحرث بهما أرضه وأراضي الفلاحين مقابل أجرٍ يوفر من خلاله لقمة عيشٍ له ولأفراد عائلته. ولحمايتهما من عيون الحاسدين، علّق برقبتيهما سلسلتين فيهما قرصان دائريان قصّهما من نعلين، ويؤكد أن الطريقة فعالة وتحمي الثورين من الأمراض والحوادث التي تكون مصادرها عيون الحاسدين.

أما في منطقتي وادي حبيل الكور والمصينعة في محافظة إب، وفيهما تنتشر حقول القات بكثافة، فيمكن للمرء وبسهولة أن يرصد عدداً كبيراً من إطارات السيارات التالفة، وهي معلقة بأوتاد طويلة مغروزة في الأرض بمحاذاة الحقول أو في داخلها.

وظيفة هذه الإطارات تشبه إلى حد بعيد الفزّاعات التي تُستخدم في دول أخرى، لطرد الطيور ومنعها من تدمير المحاصيل. لكن بدلاً من طرد الطيور، تُستخدم في اليمن لطرد العيون.

ويحصّن بعض المزارعين حقول القات الخاصة بهم، بإطارين أو أكثر من ذلك. أحدهم، ويُدعى فايز مطلق (42 عاماً)، من قرية المصينعة، يقول لرصيف22، مبرراً وضعه إطارين في حقله، أحدهما في الوسط، والآخر عند نهايته، "إن عيون الناس لا ترحم، وأنا ليس لدي مصدر دخل آخر سوى حقل القات هذا، وتتوجب عليّ حمايته".

ولتأكيد فاعلية ما قام به، قال وهو يشير بفخر إلى حقله: "قبل وضعي الإطارين، كانت الحشرات تأكل ثمار قاتي، والأشجار تظل معلولةً، لكن بعد نصبهما ذهب الشر والحسد".

ويلجأ كثيرون من سكان الريف اليمني إلى استخدام كتيّب صغير عنوانه "الحصن الحصين"، للحماية الشخصية من العين والحسد. الكتيّب بحجم علبة الكبريت، ويضم آيات قرآنيةً وبعض النصائح الدينية، ويُغلّف عادةً بغلاف بلاستيكي متين، ويُعلَّق بخيط مطاطي إلى الرقبة ويوضع في الغالب تحت الإبط.

سيدة غانم (55 عاماً)، من قرية النجد في محافظة إب، يصاب أطفالها الثلاثة (أعمارهم 16 و17 و19 عاماً)، بنكسات صحية مختلفة من وقت إلى آخر، حسب ما تقول لرصيف22، لذلك ذهبت إلى مَن وصفته بـ"الشيخ" (مشعوذ)، فزوّدها بثلاث نسخ من الحصن الحصين، فألبستها لأطفالها، وتعتقد بأنهم الآن آمنون من الأمراض، بل هي واثقة من أنهم سيحققون النجاح في حياتهم، وسيجنون الكثير من المال، لكونهم باتوا محصّنين من عيون الحاسدين. ولسيدة فلسفتها الخاصة في ما يخص الحاسدين، إذ ترى أن المرء ذاته قد يحسد ماله أو أحبّاءه من دون قصد، لذلك ينبغي اتخاذ الاحتياطات اللازمة دوماً.

اعتقادات دينية وموروث ثقافي

يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء عادل الشرجبي لرصيف22 أن الاعتقاد بالعين والحسد منتشر في كل المجتمعات تقريباً، بما في ذلك المجتمعات المتطورة كالأوروبية والأمريكية، إلا أن انتشاره في البلاد العربية ودول القرن الإفريقي أوسع مما هو عليه في المجتمعات الأخرى.

ويرى أن إيمان اليمنيين بالعين والحسد متأتٍ في جزء كبير منه من معتقد ديني، ويضيف: "هم يؤمنون بأن القرآن الكريم والسنّة النبوية أكدا وجود هذه الظاهرة، وأكدا على قدرة بعض الأشخاص على إلحاق الأذى بالآخرين، لكنهم في الغالب يتجاهلون تأكيدهما على أن الحاسد لا يمكن أن يؤذي أي شخص، إلا إذا كان الله سبحانه وتعالى قد كتب عليه هذا الأذى".

كما يرى الشرجبي أن هنالك صنفاً آخر من المؤمنين بالعين والحسد، لكن منطلقهم في ذلك يأتي من منظور ثقافي اجتماعي، ويسمّون الحسد (المراع)، والحاسد (ممارع) أو (مراع)، ويعتقدون بأن الممارع عادةً ما يكون محروماً من الصفة التي يمرع أو يحسد الآخرين عليها.

يروي عبد الرحمن قصة شخص اشتهر بسهام عينيه، أو كما أسماها بـ"المراع"، وهي مفردة مرادفة لكلمة حاسد، وقال إنه كان في وسعه إصابة أي شيء تقع عليه عيناه، سواءً كان إنساناً أم حيواناً أو جماداً

ويضرب أمثلةً عليهم: "بعض النساء القبيحات يمكن أن يمرعن/ يحسدن النساء الجميلات، والعاقرات يمكن أن يمرعن الأطفال الصغار وأمهاتهم، والرجل الفقير قد يمرع سيارة الشخص الغني فتتعطل، ويمكن أن يمرع بدلته فتحترق بسيجارته مثلاً".

ويشير إلى أن الناس يتجنبون في الغالب الاختلاط بالأشخاص الذين يعتقدون بأنهم حاسدون، ولا يتعاملون معهم نهائياً، ويعدّون هذه القدرة "ميتافيزيقيةً"، أو "ما وراء طبيعية"، وتشكل وصمةً على الشخص الممارع أي الحاسد.

ويتابع: "بل يذهب البعض إلى تحديد سمات خاصة بالممارع، كأن يقولوا إن لون لسانه غامق، وفي بعض الحالات يقترب من السواد، فضلاً عن سمات أخرى تتطابق مع السمات التي حددها العالم الإيطالي تشيزاري لومبروزو للشخص المجرم، مثل جحوظ العينين وتضخم الشفتين".

في قرية إيهار في محافظة إب، يصف السكان شخصاً يُدعى س. أ. (70 عاماً) بصاحب العينين الحادّتين، وهي إحالة إلى السكين القاطعة، ويقولون إنهم يغيّرون طرق سيْرهم إن وجدوا أنه سيمر منها، خوفاً من قدرته الفائقة على الحسد، حسب ما ذكروا.

وعن ذلك يتحدث لطف عبده (60 عاماً)، بقوله إن س. أ. كان ذات مرة برفقة عدد من رجال القرية، فشاهد حفّارةً (بوكلين)، تحفر بسلاسة في أرض تابعة لقرويّ في الوادي، فقال واصفاً حركتها: "تبدو هذه الآلة مثل شخص مستنجٍ بالصلاة".

يُقسم لطف على أن الحفارة أصيبت بعطل وتوقفت عن العمل فوراً، وعجز الكثير من المهندسين عن إصلاحها. وعندما أخبر رجالٌ من القرية صاحب الحفارة بأن س. أ. أصابه بالعين، ذهب إليه يترجاه لكي يعيد حفارته إلى حالتها الطبيعية.

وذكر أن صاحب الحفارة اقترح أن يأخذ خصلةً من شعر س. أ. ليحرقها أسفل الحفارة البوكلين، أو يذهب هو شخصياً إلى حيث تعطلت في الوادي، ليمسح بيديه على جزء من الحفارة. وبحسب رواية لطف، "بالفعل ذهب س. أ. بنفسه واشتغلت البوكلين وكأنها لم تتعطل"، يقول بكثير من الدهشة.

رؤية دينية

شيوخ دين يمنيون تحدثنا إليهم أيّدوا الاتجاه الشعبي بوجود حسد وعيون حاسدة تصيب الآخرين، ومن هؤلاء الشيخ السلفي ماجد عبد الرحمن. يقول لرصيف22 إن "العين حق والحسد موجود بالفعل".

ويستشهد بنص قرآني: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}، ويوضح: "أي لم يجد الكافرون إلى الرسول سبيلاً للانتصار عليه إلا بالحسد الظاهر على عيونهم".

يستخدم اليمنيون مضادات معنويةً للحسد تتمثل في آيات قرآنية وأدعية خاصة، إلى جانب وسائل مادية دفاعية كالأحذية والإطارات، التي يضعونها كدروع في أماكن بارزة

ولتدارك ذلك، يوجب الشيخ ماجد الرقية الشرعية على كل شخص أصابته عين، وينصح مَن أحسّ بأنه مصاب بعين من أحدهم، بالذهاب إليه ومصارحته بذلك، وأن يطلب منه التوضؤ والاغتسال في إناء، ثم يأخذ هذا الماء ويغتسل به بدوره.

"وإنْ رفض الحاسد"، يقول الشيخ ماجد، " فإن على المحسود استضافته في منزله لتناول الطعام، ثم يعطيه وعاء ماء يغسل يديه فيه، ويأخذ هو هذا الماء ليغتسل به أيضاً، ثم سيتعافى بإذن الله".

فاطمة أم محمد، سيدة من قرية دار الأمير في محافظة إب، فعلت شيئاً مشابهاً لما قاله الشيخ ماجد، عندما أصيب ابنها محمد (12 عاماً) بمرض جلدي، ولم ينفع معه علاج كما تقول لرصيف22، فذهب بها الشك صوب رجل مسنّ من جيرانها أخبرها أحمد أنه قابله صدفةً قبل ظهور المرض عليه، ولأنها كانت قد سمعت عن المسنّ قصص حسد عديدةً، وضعته في دائرة الاتهام.

ظلت تراقب منزله أياماً عدةً، وذات صباح وبعد تأكدها من خلوّ المكان، قصدت مدخل المنزل، وأخذت بعضاً من النفايات التي توقعت أنه داس عليها خلال خروجه ودخوله، ثم عادت بها إلى بيتها وأحرقتها وبخّرت ابنها بدخانها، ثم مزجت الرماد بالماء، وغسلت به جسد الولد، وتقول بتضرع كأنها في صلاة: "لم تمر ثلاثة أيام حتى بدأ جلد محمد يُشفى، وبعد أسبوع واحد فقط شُفي تماماً".

شكوك تفضي إلى أحقاد

تبعث بعض شكوك الحسد في سكان المناطق الريفية الحقد والكراهية بين الأهل والجيران. وكلما وقع حادث أو تعرّض أحدهم لخسارة مالية أو أصيب هو أو أحد من أفراد أسرته بوعكة صحية، أو ساءت ظروفه في أي شأن حياتي، وجّه أصابع الاتهام فوراً إلى شخص ما، قد يكون قريباً أو جاراً أو زميل عمل، معتقداً أنه أصابه بالعين.

ويبدو أن نصيحة رجال الدين، كتلك التي قدّمها الشيخ ماجد عبد الرحمن، بمصارحة الشخص مَن يعتقد بأنه حسده، لا تأتي بثمارها دائماً، إذ إن اليمنيين يتناقلون قصصاً كثيرةً عن مشاجرات وصلت إلى حد استخدام الأسلحة بسبب الشك في وجود حسد.

فهذا عبده أحمد (57 عاماً)، من قرية الجَرِفَة في محافظة إب، يملك ورشة نجارة، وذات يوم حين كان يقص الخشب بمنشاره الكهربائي، قال له أحد أبناء عمومته: "توقفت الطيور في السماء، وأنت لم تتوقف عن العمل".

يقول عبده بشيء من الغضب: "بعد ساعات فقط، أصاب المنشار يدي وقطع جزءاً منها، وبقيت أعالَج لأشهر بتكاليف وصلت إلى آلاف الريالات، وتعطّل عمل المنجرة ورزقي معه، والسبب ابن عمي المراع".

إصابة عبده الشديدة، والخسارات الفادحة التي تلقّاها، والكره المتراكم في داخله تجاه ابن عمه، دفعته للذهاب إليه في نهاية الأمر والدخول معه في مشاجرة استخدما فيها القبضات والركلات، وبعدها دخلا في قطيعة كاملة.

يعزو الباحث عبد الله سامي سبب انتشار الاعتقاد بوجود عيون حاسدة في اليمن إلى التخلف وفقدان الثقة بالمحيط. فمن حيث التخلف، يقول لرصيف22: "بدلاً من اتخاذ الناس إجراءات سلامة ووقاية من الحوادث والأمراض، يربطون نتائجها بالآخرين على أنهم المتسببون".

ويرى أن الحرب الطويلة وتداعياتها الكبيرة على مختلف الصعد عطلت الكثير من المرافق في البلاد، وعمّقت من الجهل والتخلف ليصبحا مشهداً عاماً لا يقتصر مداهما على مناطق الريف، بل يشمل البلاد بأسرها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image