احتاج علي حسين (28 عاماً)، إلى لحظاتٍ قبل أن يستفيق ويستوعب صدمة أنه قد دهس للتو امرأةً ظهرت فجأةً أمام سيارته، وارتطم رأسها بغطاء المحرك، ثم سقطت جثةً هامدةً على إسفلت الشارع.
أول شيء خطر في باله، بعد ترجّله من سيارته، وتأكده من أن المرأة فارقت الحياة، هو الاتصال بأشقائه ليجلبوا معهم "بنادق الدفن"، وما يستطيعون جمعه من رجال الأسرة والقبيلة للذهاب إلى ذوي القتيلة.
بعد يوم واحد فقط، كان حشدٌ من أقربائه وأفراد قبيلته في منزل المرأة، وسلموا ذويها أربع بنادق كلاشينكوف، وعقدوا معهم اتفاقاً يقضي بدفع مبلغ مالي ديّةً، وعاد علي إلى منزله بدلاً من أن يذهب إلى السجن.
"بنادق الدفن" تقليدٌ قبلي درج عليه اليمنيون لفضّ النزاعات ومنع توسعها، ويقضي بأن يقدّم ذوو الجاني أسلحةً هي في العادة أربع بنادق غير محددة النوع، ويعني قبول استلامها من قبل الطرف الآخر أنه يقبل الصلح.
ويشير الشيخ صالح مجمل، رئيس مجلس العرف القبلي، في كتابه "العرف القبلي"، إلى أن الحكمة من بنادق الدفن، هي إقرار الجاني بمسؤوليته عن الفعل الواقع، سواءً أكان القتل عمداً أو خطأً، وتحمّل تكاليف دفن القتيل من كفن وتغسيل وحفر قبر، وتقديم أضحية تكون في الغالب ثوراً لإعداد الطعام وتقديمه للمعزين وحاملي النعش.
ويبيّن الشيخ مجمل، أن هذه البنادق تُسلَّم عبر "واسطة" (طرف ثالث محايد)، مثل شيوخ قبائل أخرى يتدخلون لإبرام الصلح، وبعد استلامها من قبل "أولياء الدم" (ذوي المجني عليه/ ا)، تأتي مرحلة التحكيم، وبقية إجراءات الصلح.
ويتابع: "لكنهم غير ملزمين بأخذها، وفي حال امتناعهم عن ذلك، فذلك يعني أنهم يريدون القصاص، سواءً عبر القبيلة أو عن طريق المحكمة".
عرفٌ ينبذ الانتقام
بحسب متخصصين في القانون، تُعَدّ هذه الوسيلة اتفاقاً ودياً بين طرفين لحل نزاع بينهما من دون اللجوء إلى القضاء ومنعاً لفكرة الثأر وللمحافظة على الاستقرار والسلم بين القبائل. لكنهم يرون أنها أيضاً وسيلة لإضعاف هيبة الدولة تسهم في تفشي الجريمة لعدم وجود رادع قوي يمنعها.
واستُخدمت بنادق الدفن في اليمن، بسبب الطبيعة القبلية في البلاد. وكانت السيوف والخناجر هي التي تقدَّم قبل ظهور البنادق. وظل هذا التقليد العرفي يُستخدم في البلاد على الرغم من وجود قوانين ومحاكم، بل يكون في بعض الأوقات، ولا سيما حين تتراخى قبضة الدولة، أقوى فاعليةً من نصوص القانون ذاته.
ويذكر الشيخ صالح الوشاح، من منطقة جدر، أن تقديم البنادق وغيرها من الأسلحة لا يقتصر على حوادث القتل فقط، بل يشمل مشكلات أخرى، مثل "حادث سيارة، ومشاجرة، وخلاف مالي أو اجتماعي، وغيرها"، سواءً في المدينة أو القرية، ويقدّم الجاني أو مَن ينوب عنه من عائلته أو قبيلته، أسلحةً، كالبنادق أو "الجنابي" (الخناجر)، ويكون عددها أربعةً في حالات القتل.
أما إذا كان الأمر غير متعلق بواقعة قتل، فتُقدَّم قطعتا سلاح، وفي كلتا الحالتين، فإن قيام ذوي المجني باستلام السلاح يعني إيذاناً منهم بقبول التحكيم.
ويوضح الشيخ صالح، لرصيف22، التحكيم بقوله: "يكون عادةً بحضور شيخ قبلي والشخص المخطئ وبعض الرجال ويقدّمون بندقيتين مع رأس ثور للاعتراف بالخطأ وطلب السماح من الشخص الواقع عليه ذلك الخطأ، ويُنظَّم محضر بذلك".
وليس بالضرورة أن يوقَّع المحضر من قبل طرفي النزاع، ويكفي أن يدوّن الطرف المتدخل كواسطة تفاصيل الاتفاق، وهو لا يُصاغ إلا بعد قبول ذوي المجني عليه استلام البنادق.
نموذج عن وثيقة تحكيم
ويذكر أمين الذيب، وهو من عناصر الشرطة في وادي أحمد، لرصيف22، أن بنادق الدفن لا تُعاد إلى ذوي الجاني إلا في حالة العفو الكامل من قبل ذوي المجني عليه/ ا، وما يُعاد في الغالب هو بنادق التحكيم.
و"بنادق التحكيم تُقدَّم في الحالات التي لا يوجد فيها موت"، يقول الشيخ صالح، ويضيف: "عددها يتحدد بحسب المشكلة وطبيعة العرف السائد في كل منطقة، وتقديمها يعني إقراراً من الجاني بفعله، وفي الوقت ذاته يشكّل طلباً للصفح عنه".
ويضيف مستدركاً: "إنه تقليد ينبذ الانتقام، وينشر السلام والتسامح بين الناس، خصوصاً في الحوادث غير المتعمدة، وبنسبة أقل في الحوادث المتعمدة، مع أن الأخيرة يتم اللجوء فيها إلى القانون بسبب ما يُعرف بالحق العام".
أما الشيخ علي عبده الجرادي، من محافظة صنعاء، فيرى أنه من النادر عدم قبول ذوي المجني عليه لبنادق الدفن، لأن عدم القبول يُعدّ "عيباً"، وأمراً مرفوضاً.
"بنادق الدفن" تقليدٌ قبلي درج عليه اليمنيون لفضّ النزاعات ومنع توسعها، ويقضي بأن يقدّم ذوو الجاني أسلحةً هي في العادة أربع بنادق غير محددة النوع، ويعني قبول استلامها من قبل الطرف الآخر أنه يقبل الصلح
ويبين أن "تقديم البنادق يعني أن الجاني لم يكن متعمداً، وهو مستعد لقبول ما يترتب عليه من دية أو أي تعويضات أخرى، وهذا بحضور ودعم من القبيلة من خلال شيخها ورجالاتها، وأيضاً بتوقيع اتفاقية بين الطرفين يحتفظ الشيخ بنسخة منها".
ويوضح الشيخ الجرادي أنه في جرائم القتل أو الحوادث المُفضية إلى الموت، لا يوجد فقط عرف بنادق "الدفن"، بل هنالك ما يزيد عن مئة نوع آخر ويطرح أمثلةً على ذلك: "في حال اعتذار شخص من آخر أو من جماعة أساء إليه أو إليها، يقدّم بندقيتين تسميان بنادق التحكيم. وهنالك بنادق العيب، وتكون بتقديم بندقية واحدة في حالات الاعتداء والاستدراج وغيرهما".
ويلفت الشيخ الجرادي إلى أن كل هذه الأنواع وسواها معتمَدة من قبل المجلس الأعلى للعرف القبلي في اليمن الذي تأسس عام 2018، ويرأسه الشيخ صالح مجمل.
واستُحدث هذا المجلس الذي يضم شيوخاً وزعماء قبائل سنة 2018، بسبب تداعيات الحرب القائمة في البلاد منذ نحو ثماني سنوات، والتي تعطل بسببها أي دور للدولة في العديد من المناطق داخل اليمن.
وللمجلس أهداف عدّة وفقاً لشيوخ عشائر تحدثوا إلى رصيف22، أهمها مساعدة الدولة وتعزيز سلطتها وتعويض غياب القضاء الرسمي، والنهوض بالدور المنوط بالفرد والقبيلة في عملية الضبط الاجتماعي.
ويتأتى ذلك من خلال السعي إلى حلحلة مختلف قضايا المجتمع المتراكمة والمتعثرة وإنهاء الخلافات القبلية بين أبناء المجتمع الواحد، بالتنسيق والتعاون مع السلطات المحلية والقضائية والأجهزة الأمنية والمكونات الاجتماعية ذات العلاقة، والسعي إلى إصلاح ذات البين وحقن الدماء بين أبناء المجتمع والوطن الواحد من خلال إنشاء المبادرات القبلية وإطلاقها وتبنّي دور الوسيط حسب الإجراءات العرفية في القضايا الاجتماعية الكبيرة.
حق الدفن
يشير الشيخ رمزي مقولة، وهو من مديرية سنحان في محافظة صنعاء، إلى أن بنادق الدفن تقدَّم من باب المواساة واحترام "أهل الدم" (ذوي المجني عليه)، من أجل دفن الميت. ويتبع ذلك دفع مبلغ مالي لا ينقص عن مليوني ريال يمني (نحو سبعة آلاف دولار)، تُعرف بـ"حق الدفن"، لتُنفق على إجراءات الدفن وما يليها، و"يُلجأ إلى التحكيم وإعطاء كل حجة حكمها، وهذه الخطوات تحدث غالباً في قضايا الحوادث والقتل الخطأ وتُحلّ بالعفو عن الجاني".
يعيش المهندس المعماري جمال يحيى (32 عاماً)، في العاصمة صنعاء. توفي والده وابن شقيقه جراء تعرضهما للدهس بسيارة مسرعة أمام منزلهما في الـ29 من شهر رمضان سنة 2019.
يروي لرصيف22، أن "شيوخ عشائر توسطوا في بادئ الأمر ليحصلوا على موافقتنا بقبول مجيء أهل مرتكب الحادث لكي يقدّموا بنادق الدفن، وهذا ما حدث، فقمنا بدفن الجثتين، وجلسنا للتفاوض، وعُرض وضع الجاني على أنه من أسرة فقيرة ولم يقصد ما حدث، فقبلنا نحن أولياء الدم بالصفح عنه وكتبنا ذلك في ورقة من دون اللجوء إلى الشرطة والمحاكم".
وبخلاف التسامح الذي أبداه جمال، رفض الدكتور قاسم علي، من محافظة ذمار، بنادق الدفن بعد مقتل ابنه في حفلة عرس، برصاصة طائشة في مطلع شهر حزيران/ يونيو 2017.
فعند إرسال أهل الجاني وساطات قبليةً من أجل حل القضية ودياً، رفض الدكتور قاسم وفضّل اللجوء إلى المحاكم، لكن القضية، وفقاً لروايته، بقيت في المحاكم لأكثر من خمس سنوات استنزف خلالها أمواله التي أنفقها على المحامين.
"تقديم البنادق يعني أن الجاني لم يكن متعمداً، وهو مستعد لقبول ما يترتب عليه من دية أو أي تعويضات أخرى، وهذا بحضور ودعم من القبيلة من خلال شيخها ورجالاتها"
اضطر بعدها إلى الرضوخ للحكم القبلي بعد اكتشافه أنه الأسرع، وبحث عن وسطاء قبليين ليتدخلوا في قضيته لدى قبيلة الجاني، لكن الحكم الذي صدر لم يأتِ في صالحه، بسبب لجوئه أولاً إلى المحاكم وليس إلى العرف القبلي. فقد أُرغم في الفصل العشائري الذي عُقد بحضوره على التنازل والعفو عن القاتل من دون تأديب، ولم يكن أمامه خيار سوى القبول لأن رفضه سيعني إهانة شيوخ العشائر ووجهائها الذين توصلوا إلى ذلك الحكم، وانتقاصاً من قدرهم.
ويشير الشيخ صالح مجمل، في حديثه إلى رصيف22، إلى أن العقوبة تكون معنويةً وماديةً في قضايا التحكيم القبلي، ولا تمتد إلى عقوبات مقيدة للحرية، كالسجن.
ففي بنادق الدفن مثلاً، "العقوبة تتمثل في ذهاب الجاني وأهله إلى الطرف الآخر، وذبح الماشية وطلب الغفران والصفح أمام الملأ كرد اعتبار للطرف الآخر، وفي كثير من الحالات تُدفع مبالغ مالية تتوقف على الحكم الذي يصدره المجلس العشائري الذي يُعقد لحل المشكلة، وعادةً ما يشهر الطرفان اتفاقهما بطلقات نارية في الهواء".
ويؤكد أن السلطات التنفيذية والقضائية تتقبل الحكم القبلي في اليمن، إذا تقدّم طرفا المشكلة أو أحدهما بطلب إليها يتضمّن حل المشكلة بنحو ودي، إذ "يتم التسليم بذلك وتُغلق الدعوى".
وتعتمد السلطات في اليمن بالأساس على العرف القبلي لحل بعض المنازعات، لا سيما المنازعات القبلية الكبيرة. ويضرب الشيخ عقيد اليافعي، من مأرب، مثالاً على ذلك، لجوء ممثلين عن الإدارة المحلية في مأرب إلى شيوخ عشائر من أجل وقف ثأر متبادل بدأ قبل أربعين سنةً.
ويتابع متحدثاً عن تلك القضية: "في آخر أحداث سلسلة الثأر الطويلة، قَتَل شخص يُدعى نبيل مقبل، من قرية حجر في محافظة الضالع جنوب صنعاء، شخصاً آخر يُدعى صدام، واعترف القاتل بالقتل العمد، وكان هناك شهود، وكانت هناك مساعٍ لتسليم القاتل إلى القانون، لكن أسرة القتيل رفضت وقبلت بالتحكيم القبلي".
ويقول لرصيف22: "حُلّت المشكلة بالفعل نهائياً، وتوقف مسلسل الثارات الطويل، ولهذا فإن الحكم القبلي ضروري جداً لنزع فتيل المشكلة وعدم السماح بتوسعها".
لا حكم بالإجبار
ينفي د. محمد الحبشي، أستاذ القانون في جامعة صنعاء، أن يُسقط التحكيم وبنادق الدفن، الحق العام المترتب على الجنحة أو الجناية المرتكبة. ويقول لرصيف22: "في حالات القتل، سواءً أكان عمداً أو عن طريق الخطأ، لا يسقط الحق العام بالتوافق القبلي، فإنْ كان هنالك حق عام، تُفرض عقوبته على الجاني سواءً بالحبس أو السجن أو الغرامة".
ويضيف أن الحكم القبلي لا يُفرَض بالإجبار، إذ يمكن لكل مَن يتعرّض لضغط ما كالتهديد، ويُجري اتفاقاً يتنازل بموجبه عن حق من حقوقه، أن يلجأ إلى القانون ويبطل من خلاله ذلك الاتفاق لأن "القانون، وضعياً كان أم شرعياً، وُجد لإنصاف المظلوم".
وتقول المحامية المختصة بقضايا الأحوال المدنية والشخصية أمل صبري، لرصيف22، إن العرف مصدر أساسي من مصادر القانون اليمني، والقبائل في البلاد تلجأ في حل نزاعاتها إلى العرف، باستثناء القضايا التي يصعب حلّها إلا بتدخل قضائي.
وهنالك مناطق عديدة في اليمن لا يلجأ السكان فيها مطلقاً إلى المحاكم لحل المشكلات والخلافات التي تحدث، بل تُحَلّ وفقاً للعرف القبلي السائد فيها، "لأن هذا ما اعتادوا عليه وتوارثوه أباً عن جد ولا يثقون بغير ذلك".
وتلفت إلى أن قضايا التحكيم القبلي لا يُعاد النظر فيها أمام القضاء، إذ إن القانون اليمني يعدّها بمثابة أحكام رسمية قابلة للتنفيذ إذا لم يُطعن بها من قبل أحد الطرفين أمام محكمة الاستئناف.
وتقول أيضاً إنه "لا يوجد نص قانوني يضع العرف القبلي بديلاً للقوانين النافذة، وإنما هو تقليدٌ متوارث بين اليمنيين باحترام الأعراف".
برأي د. عبد الباقي شمسان، المختص بعلم الاجتماع، من تعز، أي مجتمع، متحضراً كان أو غير متحضر، ينبغي أن يسود القانون فيه ويحكم، لا الأعراف القبلية.
ويقول لرصيف22، إنه "في اليمن، توجد قوانين، لكن مع ذلك، لا يتم التخلي عن الأعراف القبلية، وما يصدر عنها توازي قوته قوة القوانين المشرعة، فالأعراف تستمد شرعيتها من المجتمع الذي توارثها من أجيال سابقة".
ويعتقد شمسان أن ثمة إيجابيات وسلبيات تكتنف شيوع الأعراف القبلية، سواءً ببنادق الدفن أو بغيرها، والإيجابيات، وفقاً له، تكون بقدرتها على امتصاص غضب المتنازعين وتهدئتهم تمهيداً للتوصل إلى حلول سلمية نهائية من دون اللجوء إلى العنف والتصعيد.
أما السلبيات فهي "اختلاف الأحكام العرفية القبلية من منطقة يمنية إلى أخرى، وكثير من تلك الأحكام ليست فيه قوة ردع كتقديم البنادق والمواشي والأموال، وقد تؤدي إلى تكرار المشكلة".
لذلك، هو مؤمن بأن على المجتمع عموماً أن يفرض سلطة القانون بنصوص مشرعة يُجمع اليمنيون عليها لحل المشكلات التي تطرأ بينهم، وأن تتضمن عقوبات رادعةً قويةً لتحقيق الأمن والتعايش السلمي بعيداً عن الظلم.
مساء الجمعة، في الـ25 من نيسان/ أبريل 2019، كان شابان من أبناء منطقة بيت سنان التابعة لمديرية أرحب، شمال صنعاء، في طريق عودتهما من حفل زفافٍ لصديق لهما في منطقة الخميس، التابعة لمديرية بني الحارث والقريبة من مطار صنعاء الدولي، عندما أطلق عليهما فارس الحباري، وابلاً من رصاص بندقيته الكلاشينكوف فقتلهما على الفور ولاذ هو بالفرار.
في اليوم الثاني، اجتمعت قبيلة أرحب، وطالبت قبيلة بني الحارث بالكشف عن الجاني، بحكم أن الجريمة وقعت ضمن نطاق نفوذها، ولم تكد تمضي ساعات حتى أقرّ الحباري بقيامه بقتل الشابين، متذرعاً بأنه اعتقد أنهما ينتميان إلى منطقة بيت العذري، لأن لديه ثأراً قديماً مع الأسرة المسيطرة هناك وتحمل الاسم ذاته.
في اليوم التالي، أرسل الحباري وجهاء إلى أسرتي القتيلين، لتسليم ذويهما ثماني بنادق بهدف دفنهما وحل القضية ودياً، غير أن ممثلي الأسرتين رفضوا استلامها، وقرروا اللجوء إلى القضاء للحصول على حكم بإعدام الجاني، وما زالت الدعوتان تُنظران من قبل المحكمة، وقد تستغرقان سنوات أخرى قياساً إلى دعاوى مشابهة يقول محامون إنها ظلت تراوح مكانها في المحاكم.
غياب الدولة، وتعطل مؤسسات إنفاذ القانون، ونشوء ميليشيات بعد الحرب خارج إطار الدولة، أدت إلى بروز ظواهر دخيلة على المجتمع الحضري في المدن، حسب ما تشرح مديرة مؤسس دفاع للحقوق والحريات هدى الصراري.
وتقول لرصيف22: "قبل ذلك، كان السكان في المدن يلجأون إلى القانون وأجهزة إنفاذه وإلى السلطة القضائية حين يواجهون جرائم مخلةً بالأمن والسلم".
وتلفت الصراري إلى أن الحرب وتعطّل القضاء وغياب سلطته لفترة من الزمن، أحدثت فجوةً ظهرت من خلالها قوانين عرفية كبنادق الدفن، "ويتم بموجبها في العادة، إلزام المدّعين بالحق الشخصي (أولياء الدم) وأصحاب الحق المعتدى عليهم بالتنازل عن حقوقهم القانونية والقبول بصلح لا نعرف ما هي معاييره وإسقاط الحق العام والشخصي أيضاً، مما يجعل الجاني يفلت من سلطة القانون ولا يواجه أي جزاء رادع حتى لا يعود لارتكاب مثل الجرم أو الانتهاك الذي ارتكبه".
وتميل الصراري إلى الاعتقاد بأن ذوي المجني عليه يكونون مجبرين على القبول ببنادق الدفن، لأن لا خيارات أخرى أمامهم بسبب انعدام الأمن وغياب سطوة القانون الرادعة "بمعنى غياب الدولة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...