بثلاث أسود ذهبية عادت إيران من مهرجان البندقية الإيطالي بنسخته الـ79، في يوم السينما الوطني 12 أيلول/سبتمبر، حيث الاحتفاء بمرور 122 عاماً على دخول جهاز سينماتوغراف إلى إيران بعد مرور 5 سنوات فقط من اختراع السينما على أيدي إخوة لوميير.
عرفت إيران طريقها إلى السينما في وقت مبكر، وقد مرت بمنعطفات مهمة صعوداً وهبوطاً حتى أصبحت اليوم غارقة في الواقعية، وتمكن مخرجوها من تقديم أسلوب سينمائي عميق ومتكامل بعيداً عن الإبهارات والخدع البصرية، مع الحرص على صناعة أفلام غير مملة تنجح بجلب الأنظار الدولية.
في عام 1930، أنتجت السينما الإيرانية أول أفلامها الصامتة تحت عنوان "آبي ورابي"، من إخراج أوانس أوهانیانس الأرمني الإيراني، وبعد مرور ثلاثة عقود فقط على عرض الأفلام الناطقة في دور السينما الأوروبية، دخلت طهران بقوة هذا المجال عبر فلم"بنت اللُّر" (دُختَر لُر)، والذي لاقى إقبالاً واسعاً في العاصمة.
أنتجت السينما الإيرانية عام 1930 أول أفلامها الصامتة تحت عنوان "آبي ورابي" من إخراج أوانس أوهانیانس الأرمني الإيراني، وبعد مرور ثلاثة عقود على عرض الأفلام الناطقة في دور السينما الأوروبية، دخلت طهران بقوة هذا المجال عبر فلم"بنت اللُّر" (دُختَر لُر)، والذي لقي إقبالاً واسعاً
وخلال أربعينيات القرن الماضي لم تركز السينما الإيرانية على محتوى الأفلام كثيراً، فكانت تذهب بإنتاج النموذج الهوليودي الغالب آنذاك، شأنها شأن الكثير من سينماهات العالم، حيث كان يعرف هذا النمط من الأفلام بـ"فيلْم فارسي" في البلاد.
لم تغب المرأة الإيرانية عن المشهد الفني منذ بداية المشوار السينمائي في البلاد، وقد سجل التاريخ اسم شهلا رِياحي كأول مخرجة سينمائية إيرانية، أنتجت فيلم "مرجان" عام 1956
وهكذا مرّ الحال خلال الخمسينيات والستينيات، إذ استمر هذا الأسلوب حتى بات أكثر شعبيةً وشيوعاً. يركز هذا الأسلوب على قصص متسرعة، وخلق أبطال وهميين بالعادة، يتسمون بالقوة والغيرة، وتصوير الرقص والغناء في النوادي دون أن يكون لذلك صلة بالحكاية، والحب والأحداث غير الواقعية في المجتمع، وبشكل عام غلب على هذا الأسلوب غيابُ العلاقات بين السبب والنتيجة في الحبكة الدرامية، وهذا ما لم يعكس الثقافة والذوق الفني الخاص بالمجتمع الإيراني.
موجة جديدة
في أواخر ستينيات القرن الماضي انطلقت موجة جديدة في السينما الإيرانية، كانت عبارة عن محاولات من التجريب في مواجهة النموذج الهوليودي الغالب. فاستلهم العديد من المخرجين الشباب من الحركات السينمائية العالمية كالموجة الفرنسية والإيطالية، وخلال عقد من الزمن، وحتى الثورة الإسلامية عام 1979، ظهرت أفلام لعدد من المخرجين شكلوا ملامح مغايرة وحديثة في تاريخ السينما الإيرانية من أمثال سُهراب شهيد ثالث وأمير نادري وعباس كيارُستمي وداريوش مهرجوئي وناصر تقوائي ومسعود كيميائي وبهرام بيضائي.
كما لم تغب المرأة الإيرانية عن المشهد الفني منذ بداية المشوار السينمائي في البلاد، وقد سجل التاريخ اسم شهلا رِياحي كأول مخرجة سينمائية إيرانية، حيث أنتجت فيلم "مرجان" عام 1956.
موجة جديدة من الأفلام الأقرب من واقع المجتمع ملأت العقد السابع من القرن المنصرم، والتي ساعدت كثيراً في نمو المستوى الثقافي، وغيرت في مذاق الإيرانيين في مشاهدة الأفلام، حتى بات يتحبب الكثير من هواة السينما، النوع الجديد في هذا الفن والذي يعكس أبطالاً من واقع الشارع وينهض ضد الظلم.
السينما والنظام الإسلامي
كانت إيران في ثمانينيات القرن الماضي قد شهدت ثورة ضد الملكية وتأسيس نظام إسلامي جديد، فتغيرت القيم والأعراف، وزاد ذلك من التباس السلوكيات الاجتماعية، وتشرد الكثير من نجوم السينما خوفاً على أرواحهم. وبعد سنوات قليلة من إيقاف الإنتاج السينمائي، أصدرت الدولة منهجاً جديداً للفنايين كان بمثابة نقطة انفصال عن الماضي.
في ثمانينيات القرن الماضي منعت الجمهورية الإسلامية تصوير أي علاقات جسدية بين النساء والرجال، بما فيها القبلات والعناق، ومُنع التطرق للمواضيع الحميمة، بالإضافة إلى فرض الحجاب حتى أثناء تمثيل مشاهد داخل المنزل
منعت الجمهورية الإسلامية منعاً باتاً تصوير أي علاقات جسدية بين النساء والرجال، بما فيها القبلات والعناق، والتطرق للمواضيع الحميمة بين الزوجين، بالإضافة إلى فرض الحجاب حتى في أثناء تمثيل مشاهد داخل المنزل أو النوم، كما منعت أي لمس جسدي بين الممثلين حتى في الأدوار العائلية، ومُنع المساس بالمذهب ورجال الدين وقادة الدولة والحرس الثوري، وفُرض التركيز على إنجازات النظام الإسلامي دون التطرق إلى ما قبله.
وبما أن حرب الخليج الأولى كانت مولعة في وقتها، أبدع السينمائيون في "سينما الحرب"، إلى جانب التطرق إلى مواضيع "المثاليّة" و"العدالة" و"سينما الأطفال"، وهكذا بقي الحال حتى نهاية التسعينيات، كما رافق هذه الأحداث بزوغُ أفلام قليلة تركز على الحب الدنيوي مع أخذ القوانين الإسلامية بعين الاعتبار.
ثورة سينمائية على قيم الثورة الإسلامية
أما في العقد الأول من القرن الجديد فتمتع الكثير من الفنانيين بالجرأة في طرح المواضيع الأسرية والشبابية، حيث أنتجوا أفلاماً تعكس الطبقة الوسطى من المجتمع الحديث، تسوده حياة عاطفية وتحديات عائلية ومشاكل الطلاق، كما فقدت قيمُ الثورة قدسيتها على شاشة السينما، بما في ذلك رجال الدين والحرب والجنود والقوانين الإسلامية.
تحلت السينما الإيرانية بمزيد من الصراحة والواقعية في النقد الاجتماعي، وبدأت بانعكاس زاوية جديدة من معاناة ومتاعب الشعب في نظام الجمهورية الإسلامية. وفي العقد الثاني من القرن الحالي، ضمت السينما العديدَ من المواضيع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى أفلامها، بل وتحولت من تسليط الضوء على المواضيع الأسرية ومشاكلها الداخلية إلى انعكاس مواجهة المواطنين مع المشاكل الخارجية في الشارع الإيراني.
منذ عام 1930 إلى 2022، تم إنتاج 4 الآف فيلم سينمائي إيراني، كما تمتلك البلاد نحو 650 صالة سينما، إلى جانب نشاط عشرات المعاهد التعليمية في مجال التمثيل وبقية الوظائف السينمائية
ومن أبرز ما عرضته دور السينما في هذا المجال هي الأفلام التي تروي تداعياتِ أحداث تشويه وجوهِ الفتيات عبر الهجوم بالحمض، واغتصاب النساء، العمل في الجنس، والعنف الجنسي ضد الأطفال، والعنف ضد النساء، والعنف السياسي والأسري، وحتى العنف في الشوارع.
لم يكن طريق الفنانين محفوفاً بالورود، ولكن في ظل ظروف رقابية قاسية جداً لتقديم أفلام حقيقية تمتلئ بالهموم، نجح الكثير منهم في الوصول إلى العالمية وحصدوا العديد من الجوائز السينمائية المهمة.
تكريم دولي للسينما الإيرانية
بدأت الأفلام الإيرانية تدخل المهرجانات الأوروبية منذ ستينيات القرن الماضي. ففي عام 1974 حصد فلم "باقٍ على قيد الحياة" للمخرج سُهراب شهيد ثالث الدبَّ الفضي في مهرجان برلين، ليسجل بذلك أول جائزة دولية. أما السعفة الذهبية لمهرجان كان والتي نالها فلم "طعم الكرز" للسينمائي عباس كيارستمي عام 1997 ففتحت باباً جديداً أمام السينمائيين الإيرانيين.
عباس كيارُستمي
ومنذ ذلك الحين حتى اليوم يتسابق الكثير من نجوم السينما الإيرانية على حصد الجوائز العالمية، ويمكن أن نكتفي هنا بأسماء أشهرهم في كسب الجوائز؛ فعلى صعيد الإخراج برز كلٌ من أمیر نادري وجعفر پَناهي ومحسن مخمَلباف ومجيد مجيدي وبهمن قُبادي وأصغر فرهادي والمخرجة رَخشان بني إعتماد ومحمد رسول أُف وماني حقيقي وهومَن سيّدي وسعيد روستايي.
الممثلة الإيرانية ليلا حاتمي
أما في عالم التمثيل فقد سطع نجم كلٌّ من رضا ناجي وشهاب حسيني ونَوِيد محمد زاده ومحسن تَنَابَنده وپَیمان مُعادي، والنجمات ليلا حاتمي ونيكي كريمي وفاطمة معتمد آريا وگُلشِيفته فراهاني وتَرانه عليدوستي، في عالم السينما العالمية.
إحصائيات عن السينما الإيرانية
تقيم إيران مهرجان فجر السينمائي الدولي منذ 40 عاماً، إلى جانب عشرات المهرجانات السينمائية التي تقام على مدار السنة، وهذا ما شجع على تفعيل صناعة السينما في البلاد، إذ أن التداول المالي في السينما الإيرانية يصل لحوالى 300 مليار تومان، ما يعادل 10 ملايين دولار سنوياً، وهذه البساطة في السينما الإيرانية والميزانيات القليلة تدلنا على أسلوب سينمائي يميز المخرجين الإيرانيين عن الآخرين في رسم حبكة درامية جذابة تجعل المشاهدين يعيشون أجواء الأفلام متفاعلين مع شخصياتها.
منذ عام 1930 إلى 2022، تم إنتاج 4 الآف فيلم سينمائي إيراني، كما تمتلك البلاد نحو 650 صالة سينما، إلى جانب نشاط عشرات المعاهد التعليمية في مجال التمثيل وبقية الوظائف السينمائية، فضلاً عن كلّيات العلوم السينمائية والثانويات المخصصة للفتيات والفتيان.
وعلى الرغم من أنها بارعة في النوع الاجتماعي، إلا أن السينما الإيرانية تتنوع في إعداد الأفلام البوليسية والكوميدية والرعب والرسوم المتحركة والشاعرية، كما يتعاون بعض نجومها مع هاليود.
ولكن مازال يشتكي نجوم الفن من الرقابة الصارمة التي تطال أعمالهم، فبينما أهدى مهرجان البندقية السينمائي جائزته إلى المخرج جعفر پَناهي لأحدث أفلامه "لا أعباء"، يخضع الرجل للحبس منذ تموز/ يوليو الماضي، ليقضي عقوبة بالسجن لستّ سنوات بعد إدانته بتهمة "الدعاية ضد الجمهورية الإسلامية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...