شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
التعذيب في مراكز التوقيف الأردنية... تجاوزات مستمرة تنتظر الردع والمحاسبة

التعذيب في مراكز التوقيف الأردنية... تجاوزات مستمرة تنتظر الردع والمحاسبة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأحد 11 سبتمبر 202202:50 م

برزت في الآونة الأخيرة أنباء عن وجود اعتداءات متكررة في مراكز التوقيف والتحقيق الأردنية، أحدثها واقعة وفاة المواطن الأردني زيد صدقي علي دبش (37 عاماً) الثلاثاء 6 أيلول/ سبتمبر الجاري، أثناء توقيفه في سجن ماركا شرق العاصمة عمان، فيما أكدت مصادر متعددة أنه قضى تحت التعذيب داخله.

هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد لقي مواطن آخر خمسيني في مركز إصلاح وتأهيل ماركا حتفه، فيما لم تعرف ظروف وملابسات وفاته حتى اللحظة، الأمر الذي يفتح باب الجدل حول الغموض الذي يثير شكوكاً تتصل بتعذيب المحتجزين في مراكز التوقيف الشرطية، وأسباب عدم كشف الجهات الأمنية بالأردن في شفافية عن أسباب مثل هذه الاعتداءات، مع تكرار حالات لقيا مواطنين حتفهم أثناء التحقيق معهم، من دون توضيح ملابسات وفاتهم واكتفاء الأجهزة المعنية بالصمت.

التحرشات والانتهاكات الجنسية تستخدم بشكل منظم من قبل جهات الاحتجاز والتحقيق، بهدف تعذيب الموقوفين - وخاصة السياسيين- أو تهديدهم وإخضاعهم

الموت "صدفة" في مراكز الاحتجاز

رصيف 22 تواصل مع مركز "عدالة" لدراسات حقوق الإنسان، الذي أكد في تقرير صادر تحت عنوان "حالة ومؤشر التعذيب في الأردن" للعامين 2020-2021، أنه رصد وفاة أربعة أشخاص في الأردن نتيجة التعذيب أثناء التوقيف والاحتجاز، في حين تقدم 135 شخصاً بشكاوى تفيد تعرضهم للتعذيب خلال الفترة نفسها.

وأكد المركز غياب التحقيقات المستقلة في ادعاءات التعذيب، وأن الأردن يفتقد تدابير الحماية القانونية لمنع التعذيب. ووفق المقياس الذي استعان به المركز، فإن مؤشرات قياس تدابير الحماية القانونية التي يوفرها الأردن ضد التعذيب، تضعه ضمن نطاق الحماية الضعيفة وفقاً لتصنيف مقياس ليكرت الثلاثي، إذ وجد المركز الحقوقي البحثي أن الأردن حصل على نسبة لا تتجاوز 15.09% على صعيد تدابير حماية حق الإنسان في السلامة البدنية ومنع تعرضه للتعذيب وكافة أشكال المعاملة القاسية والمهينة واللا إنسانية.

ورصد المركز تراجع أعداد الموقوفين إدارياً في العام 2020 عنها في 2019، إذ بلغ عدد الموقوفين في عام الوباء 21322 نزيلاً، مقارنة بـ 37853 نزيلاً في العام 2019. وعلى الرغم من هذا الانخفاض، إلا أن التوقيف الإداري "لا يزال يشكل انتهاكاً صارخاً للحق في الحرية الشخصية، بل ومخالفة لأحكام الدستور، وهذا ما أكدته المادة 7 من الدستور الأردني"، بحسب نص تقرير المركز.

وفي سياق متصل يؤكد الكاتب والباحث أحمد سليمان العمري لرصيف22، أنه "داخل السجون وتحديداً بعد الحكم على المتهم لا يوجد تعذيب، ما خلا فئة خاصة من السجون العسكرية".

سُجِّلت حالات اعتداءات جسدية ولفظية بحق متهمين بقضايا أمن دولة (سياسية)، وصلت إلى حد الضرب والاعتداءات اللفظية، وتهديدات من قبل المحققين لإجبارهم على الإدلاء بأقوال واعترافات بهدف منع إخلاء سبيلهم

ويضيف العمري: "سجناء القضايا السياسية عاصرت بعضهم في السجن العسكري بمدينة الزرقاء، حيث كنت أيضاً سجيناً، وكان هناك متهمين بانقلاب على الملك حسين في جامعة مؤتة العسكرية جنوبي الأردن، لكن كان لهم كل الاحترام ومعاملة خاصة من مدير السجون، التعذيب يكون حصراً في سجون المخابرات، ويتمثل يتمثل عبر تجاوزات قد تطال ضرب غير مبرح باليد، وهذا الكلام نقلاً عن ضباط مخابرات أعرفهم بشكل شخصي".

آلة قمعية بمعرفة الدولة

ويوضح العمري أن تعذيب المخابرات يتركز بالدرجة الأولى عادة على السياسيين ومن ينتقدون أداء الدولة؛ بمعزل عن مرجعيتهم، مؤكداً أن حالتي سجن ماركا التي قتل فيها مواطنين أردنيين، غير معتادتين، ويرجح الكاتب تعرضهما للتعذيب أثناء فترة التحقيق والتوقيف قبل إحالتهم إلى السجن.

صالح العرموطي: الدولة الأردنية "تنعدم لديها الرغبة في الإصلاح" وترى أن "القمع هو الأداة الوحيدة لتسيير مخططات لا تعلمها الدولة أصلاً، كما أنها غير معنية في الفترة الأخيرة بفهمها"

وطرح المحامي والحقوقي صالح العرموطي إنشاء لجنة تحقيق حيادية، "لأن الأجهزة الأمنية بيد الدولة وقادرة على تغيير الحقائق"، مشدداً على أن التجاوزات الفردية التي تحدث في فترة التحقيق "تدعمها الآلية القمعية التي تديرها الدولة". وبالتالي – في رأيه- فإن الحكومة "معنية بوجود آلية بوليسية لتكميم الأفواه، هذا لأن الدولة تسير حسب أجندة أمريكية لخدمة إسرائيل بالدرجة الأولى"..

ويرى الحقوقي المعروف بآرائه الصريحة، أن الدولة "تنعدم لديها الرغبة في الإصلاح" وترى أن "القمع هو الأداة الوحيدة لتسيير مخططات لا تعلمها الدولة أصلاً، كما أنها غير معنية في الفترة الأخيرة بفهمها"، مشيراً إلى أن هناك "خطوات خجولة" لتشديد الرقابة على مجريات التحقيق في مقرات المخابرات ومراكز التحقيق، إلا أنها تنتهي بمجرد تعاظم الانتقادات التي تطال أداء الدولة.

رئيس لجنة الحريات في حزب جبهة العمل الإسلامي المحامي بسام فريحات، يؤكد لرصيف22 على حق كل مواطن "مهما كان اتهامه أو جرمه" في محاكمة عادلة، مضيفاً: "ويجب مراعاة مجريات التحقيق بشكل طبيعي من دون إكراه أو ضغط أو اعتداء، وذلك وفق القوانين الخاصة بالبلاد، ووفقاً للمواثيق والمعاهدات التي وقعت عليها الأردن على المستوى الدولي".

ويشدد فريحات على أن أي شخص مدان أو متهم عندما يجرى التحقيق معه؛ يجب أن يدلي بأقواله من دون أن يتعرض إلى أية ضغوط، ومن ثم يتم تحويله محاكمة عادلة، مشيراً إلى أن غالبية حالات الاعتداء والتعذيب تتم أثناء ممارسة التحقيق في مراكز التوقيف، وبالتالي فإن جهات الاعتقال هي المسؤول والمتهم الأول في قضايا التعذيب.

معارضون: قضايا الاعتقالات والقتل تحت التعذيب في الأردن "تقع بغض النظر عن التهمة"، وجهات التوقيف تتعمد تعطيل التحقيقات في قضايا التعذيب وإفسادها

ويوضح فريحات أنه ليست هناك "جهة حيادية" للحد من هذه الممارسات التي تقع في مراكز التوقيف، مشدداً على أن المسؤولية تقع على المدعي العام "هو المسؤول بشكل كامل عن البت والنظر في مجريات التحقيق، وضمان توفير البيئة الطبيعية لمراكز التوقيف والتحقيق، إضافة إلى أن الصليب الأحمر يعد أحد الجهات القادرة على البت في قضايا التوقيف وفق الاتفاقيات الدولية المنصوص عليها، ويتحرك بدوره وفق ورود أي شكاوى أو تجاوزات في مراكز التحقيق والسجون".

وينوه فريحات إلى أنه في حادثتي سجن ماركا السابقة الإشارة إليهما، وجدت آثار عنف على أجساد المتوفين.

ويطالب فريحات بفتح تحقيق جدي وعادل "أمام هذه التجاوزات والحوادث المتكررة"، وضرورة توفر إرادة حقيقية لتحقيق العدالة على كل من يثبت تورطه في هذه الأفعال والتجاوزات، منوهاً إلى أن الحالتين الأخيرتين تم إيقافهما على خلفيات جنائية، فيما يؤكد فريحات على وجود اعتداءات وتجاوزات بحق ناشطين سياسيين، وأن "العمل جارِ على قدم وساق لتقديم دراسة موضوعية وشاملة بأعداد الموقوفين، ونسبة الاعتداءات والتجاوزات التي وقعت بحقهم، وسيتم التثبت من الكثير من الشكاوى والحالات التي وردت إلى جبهة العمل الإسلامي، سواء على مستوى المواطنين أو حتى على مستوى المنتمين إلى حزب جبهة العمل الإسلامي"، مشيراً إلى أن الدراسة ستشمل الجميع بلا استثناء وليس المنتمين سياسياً إلى الحزب فقط.

السياسيون فريسة سهلة

وحول الاعتداءات المسجلة بحق المنتمين للتيارات الإسلامية في الأردن أثناء فترة التوقيف والتحقيق يجيب فريحات: "سُجِّلت حالات لاعتداءات جسدية ولفظية بحق متهمين بقضايا أمن دولة وصلت إلى حد الضرب والتعذيب الجسدي، وعدم توفير أماكن ملائمة لهم أثناء توقيفهم، كما تعرض عدد من هؤلاء إلى اعتداءات لفظية وتهديدات من قبل المحققين لإجبارهم على الإدلاء بأقوال واعترافات وذلك لمنع إخلاء سبيلهم".

أما الناطق الرسمي باسم الحركة الفكرية الأردنية عمر النظامي، فيكشف أن قضايا الاعتقالات والقتل تحت التعذيب في الأردن "تقع بغض النظر عن التهمة، فإن الحاكم والجلاد هو نفسه، لا يوجد من يحاسبهم"، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية لا تقوم بفتح تحقيقات رسمية فيما يتصل بالتجاوزات الحاصلة داخل السجون، بل "تقوم بالتغطية عليها وعلى من يقوم بارتكابها"، وأنه لا يوجد طرف محايد يتسلم مثل هذه القضايا ويفتح تحقيقات رسمية حول قضايا التعذيب أو القتل تحت التعذيب بغض النظر عن الجريمة.

ويشير النظامي إلى أن أكثر حالات التعذيب في السجون ومراكز التوقيف تقع في حق المعتقلين السياسيين في الأردن، أما باقي الجرائم مثل المخدرات والقتل، فإنه "من النادر أن يتم التعامل معها بوحشية كما يتم التعامل بوحشية مع المعتقلين السياسيين"، والأسباب – في رأيه- "واضحة"، وهي "القبضة السياسية خاصة في ظل تراجع شعبية العاهل الأردني تراجعاً كبيراً خاصة عند المقارنة مع والده الراحل الملك حسين".

ويضيف النظامي: "بحسب المراكز الحقوقية في فرنسا التي تتحدث عن حقوق الإنسان في الأردن، فإن الكثير من المعتقلين السياسيين يتم تسجيل قضاياهم على أنها قضايا أمن دولة مثل الناشطة سمية أبو نبعة والناشط عبد الإله المجالي، الذي اعتقل على خلفية انتقاده هيئات رسمية وشخصيات عامة وأفراد من الأسرة المالكة، وكشفه قضايا فساد، وقد تعرض إلى تعذيب وحشي، ولم تكن طريقة الاعتقال وملابساتها طبيعية".

وفيما يتعلق بمراكز حقوق الإنسان في الأردن، فإن النظامي يؤكد أنها لا تعمل بنزاهة وشفافية كافية، ويأتي على رأسها المركز الوطني لحقوق الإنسان المحسوب على الدولة، وبحسب النظامي، فـ"هو ليس لديه استعداد أن يجعلها (أي الدولة) تتصرف بالطريقة الصحيحة، ويتم توظيف كل عمله لمصلحة النظام الأردني"، مؤكداً أن "المركز دائماً يتحجج أنه لا يوجد شكاوى أو قصص متعلقة بتجاوزات حدثت داخل السجون ومراكز التوقيف، وهذا الكلام عار عن الصحة".

ويؤكد النظامي أنه توجد الكثير من الشكاوي المتعلقة بتجاوزات أثناء الاعتقال والتوقيف، منها حادثة اعتقال الناشط الأردني أحمد أبو زيد الذي كان يقيم في كردستان العراق وكان يوجه انتقادات للنظام السياسي في الأردن، و"قد تم ضربه وصلبه وإهانته أثناء اعتقاله، فذهب إلى المركز الوطني لحقوق الإنسان ليقدم شكوى، فأجابوه: نحن نعرف أنك جئت لتقديم شكوى، ونعرف موضوعك جيداً"، أي أن المركز – والحديث لا يزال للنظامي- كان على علم مسبق بالشخص وبما تعرض له، ولكنه تجاهل شكواه ما يزيد من الشكوك بأن المركز "تلقى أوامر بعدم التعامل أو التطرق لقضيته".

وترفض المراكز الامنية الاردنية إعطاء أية تقارير طبية لتقييم حالة الموقوفين ممن تعرضوا إلى تعذيب بدني، و"تبقى تماطل حتى انتهاء فترة التحقيق والانتقال لمرحلة انتقال القضية للمحكمة والمتهم إلى السجن"، وهذا ماحدث مع عدد من المعتقلين مثل: عطا أرحيل العيسى وسمية أبو نبعة وعبد الإله المجالي وكميل الزعبي، فخلال فترة الاعتقال لم تكن هناك كاميرات مراقبة ولا يسمح لمؤسسات حقوق الإنسان ولا المحامين الدخول لغرف التوقيف، كما أنه لا يسمح بالحصول على تقارير طبية لتقييم الحالة الصحية للموقوف، وأكثر المعتقلين عندما يخرجون من المعتقل "يواجهون أساليب المماطلة حتى تتحسن حالة الموقوف المعتدى عليه، بحيث يتم ضمان عدم ظهور أي آثار للتعذيب على أجسادهم، وبالتالي تختفي الأدلة التي تدين الجهات القائمة بالتعذيب".

منوهاً إلى أن عمليات التعذيب تتم بطرق مختلفة منها الضرب بكابلات الكهرباء أو اليد، أو استخدام أسلوب التحقير عبر نزع ملابسهم وتعريتهم ويتم تصوير المعتقل وتهديده بنشر تلك المقاطع، والتحرش الجنسي الذي لا يحدث مع الرجال وحسب بل مع النساء المعتقلات في الأردن عبر إرسال بعض الشرطيين أو المجرمين للتحرش بالمعتقلات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image