بعد صيف حار وحاد نسجت هيئة الأمر بالمعروف فيه قصصاً من الصراع ضد الحجاب، وخلقت حالة من الانقسام بين الشعب الإيراني حول الحريات الفردية وتطبيق الشريعة، تراجعت موخراً عن قرارها في إلقاء القبض على "سيئات الحجاب" من الإيرانيات، كما تطلق عليهن، وأعلنت عن الاكتفاء بتغريمهن فحسب.
وشرح ذلك أمين عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محمد صالح هاشمي: "المادة 638 من قوانين البلاد تنص على معاقبة كلِّ من لا تلتزم بارتداء الحجاب الإسلامي بالحبس والجلد، مسلمةً كانت أم غير مسلمة، ولكن هذا القانون غير قابل للتنفيذ عملياً، فبعد دراسته من جديد توصلت الهيئةُ إلى تحويل الجريمة إلى مخالفة تُسدّ عبر غرامة مالية".
واعترف هاشمي: "يبدو أننا قد خفّفنا الجريمة إلى مخالفة، وهذا سيكون مجدياً ومؤثراً وقابلاً للتطبيق، وهناك طرق كثيرة لتنفيذها، منها أن اللواتي لا يتلزمن بالحجاب الإسلامي في الساحات أو النقل العام، سوف تقوم الكاميرات بتصويرهن وتغريمهن".
66 دولاراً في كلّ مرة، غرامة غير المحجبات
وعن تفاصيل هذا القرار وأسعار الغرامة لكلّ مخالفة، أكمل أمين عام الهيئة حديثه: "لنفترض في محطات المترو مثلاً، إن انتهكت النساءُ قانون الحجاب، يمكن عبر تقنية التعرف على الوجه ومن خلال الكاميرات المتواجدة هناك أن يتم تطبيق الصور مع بطاقات الهوية، ومن ثم يتم إرسال رسالة الغرامة لهن. وهذا ما تسمح به التكنولوجيا اليوم".
"التكنولوجيا في خدمة الغباء"، "لماذا لا تطبقون هذه التقنية للتعرف على السارقين؟"، "يطرحون هذه الأفكار لينالوا ميزانية هائلة من أموال الشعب لأنفسهم"... نماذج من تغريدات الإيرانيين رداً على تصريحات هيئة الأمر بالمعروف
وفي ردّه على تكلفة الغرامة، صرح هاشمي: "لم نعلن عن أرقام المبالغ بشكل مؤكد، ولكن بالتأكيد لن يكون المبلغ قليلاً؛ حوالى 2 مليون تومان"، ما يعادل نحو 66 دولاراً أمريكياً.
لم تمر هذه التصریحات دون تفاعل واسع على منصات التواصل في إيران، بين ساخرين وغاضبين وناقدين ومشككين في إمكانية استخدام عملية التعرف على الوجه عبر التكنولوجيا، لكن يبدو أن حكومة المحافظين متواصلة في حملتها لأسلمة المجتمع الإيراني دون اكتراث، حيث ما زالت تعتقد أن الشريعة الإسلامية لم تطبق في أرجاء البلاد، رغم استقرار نظام الجمهورية الإسلامية القائم منذ عام 1979.
وفي تقرير صحافي خاص كشفت وكالة أنباء نادي المراسلين التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومي، عن عدم وجود الأرضية اللازمة لاستخدام تقنية التعرّف على الوجه عبر كاميرات المترو، حسب استطلاعها من المعنيين والمهندسين في هذا الشأن.
كما ذكر التقريرُ المحاولاتِ السابقة من قبل الداخلية لاستخدام هذه التقنية في سبيل تغريم المتخلفين عن قوانين الصحة العامة في أيام تفشي كورونا، والتي باءت بالفشل.
"التكنولوجيا في خدمة الغباء"، "لماذا لا تطبقون هذه التقنية للتعرف على السارقين؟"، "يطرحون هذه الأفكار لينالوا ميزانية هائلة من أموال الشعب لأنفسهم"؛ هذه نماذج من التغريدات التي نالت إعجاب الإيرانيين رداً على تصريحات هيئة الأمر بالمعروف.
وعبّر آخرون عن امتعاضهم من أقوال أمين عام الهيئة، كما تساءلوا إن ما كانت الدولة تمتلك تقنية التعرف على الوجه فلماذا تتقاعس في إلقاء القبض على قطّاع الطرق وسراق المنازل؟
"قبل 3 أعوام سُرِقَ من منزل شقيقتي الكثير من الذهب، وكان في منزلها كاميرات وفي الشارع أيضاً، ولكن حتى الآن لم يُلقَ القبض على السارق، كم كاذبون أنتم وحقيرون!"؛ هكذا أبدت رأيها الناشطة مريم دِهقاني والتي تفاعل معها الكثير معبّرين عن أن هذا القرار جاء لتخويف النساء فحسب.
مخالفة برلمانية لقرارات الهيئة
ورغم أن جميع مفاصل الدولة تخضع لحكم معسكر المحافظين المقرب من المرشد الأعلى، إلا أن هناك من يرفع صوتَه تحت قبة البرلمان مخالفاً لسلوك شرطة الحجاب في الشوارع وأوامر هيئة الأمر بالمعروف التي هزّت المجتمع خلال صيف 2022.
الفتيات اليافعات اللواتي كبرن على ثقافة عدم الالتزام بالحجاب الإسلامي، لا يقبلن بفرض قواعد الشريعة في حياتهن الفردية، بل ويطالبن بحقوقهن المدنية وحرياتهن، ولكن هذا ما لا تقبله الدولة، فهي ماضية في طريقها باتجاه تطبيق الشريعة عبر التكنولوجيا ودونها
وأعلنت اللجنة القانونية والقضائية في البرلمان مخالفتها لتغريم النساء ويبدو أنهم يدرسون خطة أخرى في هذا الصدد، وصرح النائب غُلام رضا نوري قِزلجِه: " أحياناً يشك المرء في إن كان هذا القرار في الحقيقة من باب خدمة الإسلام وسعادة الناس في الدنيا والآخرة، أم ناجماً عن أفكار منحرفة تسللت من مكان ما".
أما الرئيس إبراهيم رئيسي فأكد على التنفيذ الكامل لقانون العفة والحجاب في جميع مفاصل الدولة دون استثناء، بل وحتى في جميع المؤسسات الأهلية والقطاع العام والخاص، كما واتهم الاستكبار العالمي بنشر التضليل وترويج الثقافة الغربية، وذلك عبر الفضاء الافتراضي والسوشال ميديا.
وكثفت وزارة الأمن ومؤسسة الحرس الثوري تضييق الخناق على الناشطين ضد الحجاب الإلزامي حيث أعلنت وزارة الأمن عن اعتقال 300 فرد، ادعت أنهم رؤساء تنظيمات تحارِب الحجابَ الإسلامي وعفةَ النساء.
تشير إحصائيات مركز أبحاث ودراسات البرلمان، والتي كشفت عنها هيئة الأمر بالمعروف، إلى أن نسبة النساء غير الملتزمات بالحجاب الإسلامي يفوق 50 بالمئة، ، وهي إشارة واضحة إلى أن المجتمع الإيراني وخاصة الفتيات اليافعات اللواتي كبرن على ثقافة عدم الالتزام بالحجاب الإسلامي، لا يقبل ولا يقبلن بفرض قواعد الشريعة في حياتهن الفردية، بل ويطالبن بحقوقهن المدنية وحرياتهن، ولكن هذا ما لا تقبله الدولة، فهي ماضية في طريقها باتجاه تطبيق الشريعة عبر التكنولوجيا ودونها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...