شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"البرقع يمنع الحبّ"... تحولات أزياء المرأة الإيرانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 22 يوليو 202202:48 م

سارت النساء في العصر القاجاري  في إيران (1796 – 1925) ببطء كي يحصلن على مساحة صغيرة من الحرية الفردية والاجتماعية. أدّت زيارات الأوربيين وسفر الإيرانيين إلى خارج البلاد آنذاك إلى نمو فكرة حرية المرأة في أذهان الشعب الإيراني. وعلى ذلك خفت وتيرة حدّة التعصب والتشدد في هذه الفترة، فلم تعد مثلما كانت في الماضي. بالرغم من ذلك ومع انخفاض شدة التعصب والحدود والقيود القديمة، كانت أمام النساء طريق طويلة ليثبتن وجودهن في المجتمع، لأنه ومن خلال قراءة تاريخ العصر القاجاري، نجد أن أفضل مكان للمرأة طوال حكم هذه السلالة، كان المنزل والحريم ليس إلا.

أما الفترة الوحيدة التي حصلت المرأة على تغييرات فكانت في نهاية عهد هذه السلالة، إذ حاولت النساء عند ذلك بالقيام بدور أكثر فعالية في المجتمع. سنلقي هنا نظرة على نوع ثياب المرأة في هذه الفترة كإحدى العقبات التي وقفت في طريقها نحو التحرر، والتي جاءت من بعدها جهود حثيثة لتغييرها.

حسب أسلوب الأزياء المتبع في تلك الفترة فإن الجوارب عادة ما كانت زرقاء أو سوداء، تتطابق مع البنطلون الطويل، الحذاء مغلق من الأمام ومفتوح من الخلف يشبه المداس، ودون كعب، وكانت تلبس أغلب النساء "الجيوة" والنعلين

يكتب غراهام ويلسون التبشيري الأمريكي الذي عاش في إيران لأعوام خلال تلك الفترة وسجل مشاهداته: "ثياب المرأة في الفترة القاجارية في الأزقة والشوارع يتطابق مع عزلتها. تتشكل الثياب من قميص وبنطلون ضيق يشدّ عند الكاحل، شادور يتكوّن من أربع ياردات مربعة من القماش يغطيها بالكامل، وبرقع من الكتان يغطي وجهها بصورة كاملة. أمام العينين قطعة خفيفة تمكنها من الرؤية، بيد أن عينيها لا تُرىان. هذه الثياب مخصصة للخروج من البيت وهي من نوعين أو ثلاثة أنواع من القماش: زرقاء أو سوداء أو بيضاء. الخلاصة هي أن الرجال لا يمكنهم تمييز زوجاتهم من بين النساء الأخريات. ترفع النساء براقعهن أثناء السير في الشوارع حتى يتنفسن، أو لكي يرين الطريق بشكل أفضل. ولكن إذا فاجأهن رجل، يسرعن في تغطية الوجه. العجائز اللاتي يغسلن الثياب على جانب القنوات أو على الحجَر، يسعين إلى ترتيب ثيابهن بشكل يحول دون رؤية أجسادهن".


يكتب الدكتور ويلز الطبيب البريطاني في كتابه "إيران قبل قرن" حول ثياب وزينة النساء الإيرانيات في البيوت: "القسم الأسفل من جسد النساء (بسبب ارتداء الكثير من الثياب) دائماً ما يبدو منتفخاً من البعيد، وأكبر مما هو في الواقع. برغم ذلك لا يرى الثياب الداخلية إلا أزواجهن. حسب عقيدتهم فإن أي نوع من الزينة لا يظهر إلا لأزواجهن".

حسب أسلوب الأزياء المتبع في تلك الفترة فإن الجوارب عادة ما كانت زرقاء أو سوداء، تتطابق مع البنطلون الطويل. الحذاء مغلق من الأمام ومفتوح من الخلف يشبه المداس، ودون كعب، وتلبس أغلب النساء "الجيوة" والنعلين. يذكر الباحث والسائح الألماني دالماني الذي ألف كتاب رحلته "من خُراسان إلى البَختياري"، ويعرض فيه مشاهداته في إيران، عن ثياب النساء: "يصنع الإسكافيون أحذية موحدة للنساء. كلّ الاحذية دون كعب ومنحنية. القسم الأسفل منها مصنوعة من الخشب ملصقة بالجلد، ومزينة بقطع عظام ونحاس، وتسير النساء بها بصعوبة".

في الأعوام الأخيرة للحكومة القاجارية تأثرت الأزياء النسائية بالمجلات المصورة والبطاقات البريدية التي كان يجلبها الإيرانيون من الغرب 

رغم ذلك كان وضع النساء أفضل في بعض المناطق خاصة في القرى وبين العشائر المرتحلة، ولأن المرأة في هذه المجتمعات تبذل الكثير من الجهد في العمل فتبدو أكثر احتراماً ومنزلة في أعين الرجال، كما أن نسبة الطلاق أقل في هذه المجتمعات.

كانت تشارك النساء الرجال في الاحتفالات والأعراس بالرقص والتصفيق، ولم يكن هناك مانع في ظهورهن أمام الرجال. كان أفراد القبائل مقتنعين بزوجة واحدة، وقليلاً ما يحدث أن يتزوج الرجل زوجة ثانية. كانوا ينظرون إلى زواج المتعة على أنه عمل قبيح ومكروه. يصف الكاتب الإيراني ميرزا حسين خان في كتابه "جغرافيا إيران"، نساء محافظتي گيلان (في الجنوب) وخوزستان (في الجنوب) بمثل ما جاء مسبقاً، ويذكر أنهن أكثر حرية في حركتهن في الخارج مقارنة بالمحافظات الأخرى، وقليلاً ما يهتمّ سكان تينك المحافظتين بقضية حجاب النساء.

في الأعوام الأخيرة للحكومة القاجارية تأثرت الأزياء النسائية بالمجلات المصورة والبطاقات البريدية التي كان يجلبها الإيرانيون من الغرب. لم تكن هذه المجلات والبطاقات البريدية مثيرةً لاهتمام الرجال والنساء الباحثين والباحثات عن التجدد فقط، بل أيضاً قد راجت بين الطبقة الثرية والمتوسطة، إذ كانت تُباع بسعر زهيد إلى جانب السلع الأوروبية باهظة الثمن. ولذلك حصلت ملامح وثياب المرأة الأوروبية على إعجاب سكان المدن الإيرانية وتركت آثارها عليهم.

في نهاية العصر القاجاري عارضت بعض النساء ارتداء البرقع على أنه حجر عثرة أمام النمو والتقدم

أشعلت الثياب على الأجساد النحيفة لعارضات الأزياء الجميلات في المجلات هاجس النساء الباحثات عن الثقافة الغربية للتخلص من الوزن الزائد. وقد ابتعدت النساء عن الماكياج المبالغ فيه، ومع مرور الوقت اختارت النساء الأسلوب البسيط في المظهر.

في الأحداث التي أدت إلى الثورة الدستورية (الثورة التي حدثت في العام 1906 وحصل الشعب الإيراني من خلالها  لأول مرة على برلمان وطني) استطاعت النساء من القيام بدورهن لتغيير الظروف حينها. وتوصلت الإيرانيات عبر استخدام ثياب لا تظهر الملامح إلى تقديم مساعدات من أجل تقدم الثورة. ينقل ناظم الإسلام كِرماني، الصحفي في عصر الثورة الدستورية في كتابه "تاريخ صحوة الإيرانيين في زمن اعتصام التجار في السفارة البريطانية"، إذ اعتصم التجار معترضين على الحكومة والصدر الأعظم في السفارة البريطانية مطالبين بإجراء محكمة: "جاءت امرأة مجهولة أمام باب السفارة، وطلبت الحاج محمد تقي، وسلّمته ورقة نقدية، وقالت له: اصرفْ هذا المبلغ على المعتصمين. أخذ الحاج محمد تقي المالَ ومهما حاول معرفة شخصية المرأة لم تسمح له، ولم تتسلم منه صكاً إزاء الملبغ".


مطالبة النساء بحقوقهن جاءت بعد الثورة الدستورية متزامنة مع حركة التحرر الشعبية في نهاية العصر القاجاري. وكخطوة أولى، عارضت بعض النساء ارتداء البرقع على أنه حجر عثرة أمام النمو والتقدم. ورأت تاج السلطنة (أحد بنات ناصر الدين شاه، أعظم ملوك إيران في السلالة القاجارية)، وهي من المجددات في عصرها، أن "البرقع يمنع الحبّ والزواج"، وتكتب تاج السلطنة في مذكراتها: "أليس من الأفضل أن تلتقي المرأة بالرجل  وجهاً لوجه مثلما يفعل كل سكان الكرة الأرضية ليكتمل اتحادهما بالحب؟".

وعلى مدى أبعد من هذا، نادت بعض النساء في تلك الفترة، مثل صديقة دولت آبادي (صحفية وناشطة في حقوق النساء)، بإزاحة الحجاب. ومع تأسيس الجمعيات النسائية بالتزامن مع تغيير طريقة ارتداء الثياب تصاعدت محاولات رفع مستوى الثقافة وحقوق المرأة.

ومع ابتعاد القاجارية عن المشهد السياسي لُمس التحسن في أوضاع النساء، واستطعن التأثير في المجتمع الإيراني. وكأن تكهن الحاج بيرزاده (من دراويش هذا العصر) الذي ذكره في رحلته خلال تلك الفترة قد تحقق: "لن يمرّ الوقت ليجلس الرجال والنساء تحت أشجار الدردار، محتسين الشاي، ولن يعود للحجاب مكان".

خلال فترة الثورة الدستورية وبدايات القرن العشرين، كانت كثير من النساء الإيرانيات قد تحررن من تلك الثياب المتراكمة، مقتديات بالنساء الأوروبيات والشرقيات المتحررات.

خلال الفترة البهلوية التي أتت بانقلاب رضا شاه، قام الأخير بإجبار النساء على التخلي من الحجاب، ما أدى إلى استياء كثير منهن، وحدوث حركة ضدّ هذا الإجبار في إيران. أما في عهد ابنه، محمد رضا بَهلوي، فكان الحجاب مخيّراً في إيران، إلى أن حدثت الثورة الإسلامية عام 1979 فأصبح أمراً إجبارياً.

في بداية الثورة وخلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كانت تغطية الشعر أمراً لا بدّ منه، ألوان الثياب الطويلة في خارج البيت عادة ما كانت زرقاء أم سوداء أم رمادية، إلا أن التقليد تغير شيئاً فشيئاً لا سيما خلال عهد رئيس الجمهورية الإصلاحي محمد خاتمي في منتصف التسعينيات، والذي ناشد ببعض الحريات والإصلاحات في البلاد. منذ ذلك الوقت لم يعد حجاب المرأة كما كان عليه، فحصل تسهيل وتسماح في تغطية الشعر، وبرزت الأزياء الملونة في الشوارع على أجساد النساء.

وخلال السنوات الأخيرة، قصرت تلك الثياب الطويلة أيضاً، وكأن النساء الإيرانيات أردن بمثل هذه التحركات الطفيفة والبطيئة أن يحصلن على حقهن أو بعضه في اختيار الحجاب. ثمة حركات ظهرت ضد الحجاب في إيران، ودوريات الحجاب تظهر وتختفي بين فترة وأخرى، مثل الفترة الأخيرة التي عادت هذه الدوريات إلى الميادين الرئيسية في المدن، ومواجهاتها الحادة أدت إلى أحاديث وتحركات ضد الحجاب الإجباري ما زالت مستمرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image