فتحت الإيرانيات فصلاً جديداً في تاريخ مباريات الدوري الممتاز بعد أن سمحت الدولةُ بدخولهن ملاعبَ كرة القدم في أواخر آب/أغسطس، لتعمَّ الفرحةُ أرجاءَ البلاد، ولتسود مشاهدُ حماس الفتيات على المدرجات، منصاتِ التواصل الاجتماعي، فخطف المدرج النسائي الأنظار رغم امتناع كاميرات التلفزيون الحكومي عن بثّ هذه اللحظات التاريخية.
واحتفل الإيرانييون بهذا الإنجاز الذي جاء بضغوطات الفيفا المستمرة منذ عام 2019، وخلقت مشجّعاتُ فريقي الأزرق (استِقلال) والأحمر (پِرسپُولِیس)، صوراً فريدة من البهجة والروح الرياضية داخل ملعب "آزادي" بطهران.
ونقلت صحيفة "خَبر ورزشي"، لقاءاتٍ حصريةً مع المشجّعات قبل المباريات، حيث أكدت إحداهن: "لقد تحققت أكبر أمنياتي، حتى قبل دخولي الملعبَ كنت أتوقع أن يمانعوا من حضورنا".
وأشعلت المشجعات اللواتي حضرن المباريات في الأيام الماضية، منصاتِ التواصل بصورهن، والتعبير عن بهجتهن، ونيل حقوقهن، كما تفاعل معظم روادُ المنصات ونجوم الرياضة والفن معهن، مؤكدين على نهاية الألم الذي كان يعتصر قلوب النساء الإيرانيات إثر التضييق عليهن خلال عقود.
"كنت أسعد الناس، شعوري كمن التقى البحرَ لأول مرة. بعد 38 سنة صرختُ وشجّعت وبكيت"؛ هكذا علّقت إحدى الفتيات على صورتها على "تويتر". وكتبت فتات أخرى عن هذا التطور الجديد في تاريخ الجمهورية الإسلامية: "هذا أحلى يوم في وطني خلال 45 سنة الماضية".
لم تسمح طهران إلا لعددٍ محدود من المشجعات بحضور بعض المباريات الوطنية وليس المحلية، لتستمر الفيفا بدعم الإيرانيات في المطالبة بحقوقهن كي تفتح إيران ملاعبها أمامهن
ومن ضمن التعليقات التي اشتهرت على تويتر وإنستغرام حول أجواء مشاهدة المباريات من على المدرجات: "ما رأيت إلا جميلاً"، "انتهت الحسرة وبدأت المتعة"، "إنه يوم للمتعة والفرح"، "تحررت الملاعب"، "استطعنا بعد 40 عاماً".
وهتفت المشجّعات بشعارات عدة كان من ضمنها: "فتاة الأزرق" وهي فتاة تدعى سحر خُدايَاري ذات 29 عاماً، أضرمت النار على جسدها أمام المحكمة عام 2019 فتوفيت، بعد أن علمت بحكم سجنها بتهمة محاولة الدخول إلى الملعب بهيئة رجالية.
تجارب الإيرانيات في التسلّل إلى الملاعب
وخلدت الفتيات التي حضرن الملاعب ذكرى "فتاة الأزرق" بتشجيعها من على المدرجات، بل وأعادت بعضهن الفضلَ في السماح بدخول النساء الملاعبَ إلى تضحياتها، الفتاة التي تحولت إلى رمز لصمود الإيرانيات في تحقيق مطالبهن الرياضية خلال السنوات الماضية.
كثيرة هي التجارب النسائیة في التسلّل إلى ملاعب الكرة المستديرة في ظل منع إيران دخولَ النساء إلى الملاعب، بل واعتباره محرَّماً شرعياً، عبر عقود متتالية، حيث حرصت بعض المشجعات على حضور المباريات عبر تنكّرهن بزيّ الرجال، ولكن دائماً ما كان يتمّ كشف الكثير منهن عند بوابات الملاعب، وتنجح أخريات بالتسلل إلى الداخل.
وقال الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد عن قراره الجريء بفتح أبواب الملاعب أمام النساء عام 2005، والذي لم يتكلل بالنجاح إثر تدخل المرشد الأعلى ومراجع الدين: " كانت تصلنا تقارير تفيد بأن 140 إلى 150 فتاة يتمّ القبض عليهن أسبوعياً بسبب ارتدائهنّ ملابسَ رجاليةً لمشاهدة المباريات من مدّرجات الملاعب، فقررتُ بفتح الملاعب لهن كيلا تحدث أمور أخرى جراء ارتدائهن الزيّ الرجالي".
وبعد انتحار "فتاة الأزرق"، زادت الفيفا من ضغوطاتها لمراعاة إحدى قواعدها التي تنص على المساواة في دخول الملاعب للرجال والنساء في إيران، حيث وعد أصحاب القرار في البلاد بمناقشة الأمر وتهيئة الظروف اللازمة وفق ضوابط الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد الإيرانية.
تهديدات فيفا المثمرة
لكن طهران لم تسمح إلا لعددٍ محدود من المشجعات بحضور بعض المباريات الوطنية وليس المحلية، لتستمر الفيفا بدعم الإيرانيات في المطالبة بحقوقهن كي تفتح إيران ملاعبها أمامهن، وبعد عقود من الرفض التام وإعطاء الوعود من أعلى المستويات في الدولة ثم العدول عنها، تراجعت إيران وسط معارضة قضائية ودينية، وسمحت للنساء باقتحام عالم التشجيع في الدوري الممتاز، ولكنها كانت نتيجةَ ضغوط الفيفا، كما يقول المراقبون.
ونشر الناشط الأصولي وحيد أشتَري صورةً من كتابٍ للمرشد الأعلى يخاطب فيه الرئيس الأسبق أحمدي نجاد في عام 2006، ويحذر فيه من دخول النساء للملاعب، معلقاً: "تراجعت الدولة من قرارها السابق وما تبقى هو 16 عام من ذكريات العناد مع الشعب حيث سقطت الدولة من أعين الناس"، في إشارة إلى أن صناع القرار ضربوا المطالب الشعبية عرضَ الحائط، ثم خضعوا لقوانين الفيفا خشيةَ عقوباتها التي كادت أن تقضي على رياضة كرة القدم الإيرانية.
ونقلت الصحف ووكالات الأنباء المحلية تقارير من زوايا مختلفة ناقشت فيها هذا القرار الذي فرح له الشعب، فكتبت صحيفة "خُراسان" أن الأجواء في ملعب "آزادي" كانت رياضيةً بامتياز، وطالبت بتعميم هذا القرار في سائر المدن الإيرانية. ونشر موقع "خبر أونلاين"، مقالاً مفصلاً يشرح فيه تاريخ الصراع حول منع دخول النساء الملاعبَ، مصرحاً أن قيادة الدولة تسمح بانفتاح نسبي أكثر عندما يسيطر المحافظون على مقاليد الحكم، وبينما عند تولي التيار الإصلاحي زمامَ الأمور فلم تسمح بحرياتٍ أكثر للنساء، كما كان الأمر في دخول النساء للملاعب، حيث وقفت حجر عثرة أمامهم.
تتطلع الكثير من المشجعات الإيرانيات إلى فتح أبواب الملاعب ومتابعة المنافسات الرياضية، وحتى الآن لم تصرح السلطات بقائمة المدن والملاعب التي يمكن لها أن تستضيف الفتيات، ولكن يبدو أن القرار بات محسوماً، وسوف تخضع الحكومة المحافظة لرغبات المجتمع الإيراني
أما موقع "تابناك"، فنقل أجواء المباريات التي أقيمت بحضور الفتيات، وكتب أن حضور المشجعات تمّ بشكل انتقائي، ولم يكن المجال مفتوحاً أمام جميع الراغبات بالحضور، إضافة إلى السوق السوداء في بيع التذاكر.
مشجعات الأندية الإيرانية يتطلعن بفارغ الصبر
نفت وزارة الرياضة الاختيار الانتقائي للمشجعات، وصرح سينا كَلهُر وكيل وزير الرياضة: "معدات الملعب لم تسعف في االسماح بدخول أعداد أكثر من الفتيات، ولكن سوف نعمل على إزالة العوائق". وعن بقية فرق الدوري الممتاز التي تنتظر حضور مشجعاتها في المباريات، قال: "كل ملعبٍ يمتلك الضوابط اللازمة كمدرجات منعزلة عن الرجال، بإمكانه أن يستضيف النساء".
وقدم نادي "مَلَوان" التابع لميناء أنزَلي في شمال إيران، طلباً رسمياً للاتحاد الإيراني بغيةَ رخصةِ دخول المشجعات إلى الملعب الذي يمتلك مواصفاتِ وزارة الرياضة والشباب، ولكن لم يسمح الاتحادُ بذلك.
وتتطلع الكثير من المشجعات في المدن الإيرانية بفارغ الصبر إلى فتحِ أبواب الملاعب ومتابعة المنافسات الرياضية، وحتى الآن لم تصرح السلطات بقائمة المدن والملاعب التي يمكن لها أن تستضيف الفتيات، ولكن يبدو أن القرار بات محسوماً، وسوف تخضع الحكومة المحافظة لرغبات المجتمع الإيراني المنفتح.
وبعد تحقيق مطالبها، هنأت الفيفا الإيرانياتِ بهذا الإنجاز، كما شكرت الحكومةَ على مساندتها للقرار، حيث جاء ذلك بفضل إلحاح الاتحاد العالمي لكرة القدم الذي طالب الاتحاد الايراني في آخر كتاب له قبل بدء النسخة الحالية من الدوري المحلي، برفعِ الحظر من حضور المشجعات، بعد رفعِه تقريراً له.
أما الاتحاد الآسيوي لكرة القدم (AFC)، فقد نشر مقطع فيديو من الإيرانيات في المباريات الأخيرة على حسابات في منصات التواصل ليعبر عن سعادته في حصول النساء الإيرانيات على حقوقهن في مشاهدة المنافسات الرياضية.
ومرّ التلفزيون الإيراني من هذا الحدث الفريد والتاريخي، مرورَ الكرام، فخلال بثّه المباشر للمباريات لم ترصد كاميراته حضور المشجعات إلا نادراً، بينما احتفل الشعب بدخول الإيرانيات عبر متابعته من منصات التواصل الاجتماعي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه