أعلنت "دار الأسد للثقافة والفنون"، المسمى الرسمي لدار الأوبرا في دمشق، عن حفلة غنائية يحييها المطرب المصري هاني شاكر، بعد غياب طويل عن سوريا، فيما عبّر شاكر في تسجيل مصوّر نشره عبر حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي عن "سعادته" بتلبية دعوة وزارة السياحة السورية ونقابة الفنانين السوريين "لإقامة الحفل في دمشق".
إلى هنا انتهى الخبر، الذي يبدو في ظاهره خبراً عادياً لو اختلف توقيته وعدنا 12 عاماً إلى الوراء، وربما حينها لما اهتم به سوى جمهور هاني شاكر، أو محبّي محبيه ممن يمكن أن يفكروا في حضور الحفل.
وخطوة شاكر بالذهاب إلى دمشق ليست الأولى لفنان عربي منذ سنوات، إذ سبقته إليها قبل أيام نجوى كرم والراحل جورج الراسي وغيرهما، وسبقته إليها قبل سنوات إلهام شاهين وغيرها، تحت دعوات عدّة، منها "كسر الحصار" عن دمشق، وهي دعوة تثير السخرية إلى أقصى درجاتها في الحقيقة.
خطوة شاكر بالذهاب إلى دمشق ليست الأولى لفنان عربي منذ سنوات، وسبقته إليها قبل سنوات إلهام شاهين وغيرها، تحت دعوات عدّة، منها "كسر الحصار" عن دمشق، وهي دعوة تثير السخرية إلى أقصى درجاتها في الحقيقة
يحاول النظام السوري، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، إعادة تعويم نفسه والتأكيد على فكرة أن الحرب انتهت والبلاد بخير وآمنة تماماً، وذلك عبر دعوة صانعي المحتوى عبر منصة "يوتيوب" (يوتيوبرز) من الأجانب لزيارة البلاد، وهذا الأمر كشفت عنه صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، في آب/ أغسطس الماضي.
ويمكن النظر إلى زيارة هاني شاكر إلى دمشق من الزاوية نفسها: ترويج إعلامي متكرر بأن كل شيء على ما يرام ويمكن زيارة سوريا للسياحة، هذا شكلياً، وضمنياً هو إعلان جديد عن انتصار الأسد، وإعلان يؤكد أن بإمكان من يشاء أن يمشي على جثث الشهداء والضحايا الذين سقطوا خلال عشر سنوات، طالما أنه يدين بالطاعة للأسد وأمثاله. نعم هذه ليست صيغة مبالغة، هي حقيقة يمكن رؤيتها في عيون السوريين المعذّبين والتائهين، والباحثين عن فرصة للحياة في أي مكان وأي طريقة.
تمثل هذه الزيارة بشكل مباشر، ما تحاول مئات وسائل الإعلام تصويره، وتحديداً في هذه المنطقة البائسة من الكرة الأرضية، بأنه لم تكن هناك ثورة في هذه البلاد، "هذه حرب أهلية منذ الثانية الأولى وآن لها أن تنتهي"، وعلى كل من قال لا، أن يعود إلى "حظيرة" الأنظمة، وأنه آن أوان المضي قدماً وتناسي كل ما حدث، بل ربما أن نتبنى جميعاً قصة النظام الرسمية لما حدث.
يمكن النظر إلى زيارة هاني شاكر إلى دمشق من الزاوية نفسها: ترويج إعلامي متكرر بأن كل شيء على ما يرام ويمكن زيارة سوريا للسياحة، هذا شكلياً، وضمنياً هو إعلان جديد عن انتصار الأسد
سيصل هاني شاكر الذي حارب ما أطلق عليه "الغناء الهابط" في مصر، وحاول الحفاظ على أخلاق المجتمع، ليقف على مسرح تحت سيطرة ديكتاتور قاتل. يمكن لهاني شاكر أن يتناسى الفضيلة والأخلاق هنا، وأن يفصل السياسة عن الفن، ليدعم "سوريا الحبيبة"، متناسياً أن هذه البلاد رُبط اسمها غصباً باسم الأسد ولا شيء آخر، وتالياً تضيع الفضيلة والأخلاق والمواقف الشجاعة تحت أضعف المبررات وأتفهها وأسخفها على الإطلاق. إنها "سوريا الحبيبة" وهذا يكفي!
تمثل هذه الزيارة بشكل مباشر، ما تحاول مئات وسائل الإعلام تصويره، وتحديداً في هذه المنطقة البائسة من الكرة الأرضية، بأنه لم تكن هناك ثورة في هذه البلاد.
سيسمع هاني شاكر وهو على خشبة المسرح الذي بُني من سرقة مال السوريين عبر عقود طويلة، أصوات وآهات محبيه، لكنه لن يسمع أصوات المعتقلين بالقرب منه، وسيرميه الجمهور بالورود، ولن يرى الرصاص الذي انهال على صدور سوريين من قبل سوريين على أرض وطنهم لإسكات الصوت.
سيرى هاني شاكر لمعة الفرح في عيون جمهوره، لكنه لن يرى صور النظام وهو يحتفل بيوم العلم الروسي في دمشق وينشر الأعلام الروسية في كل مكان، ولن يخبره أحد بأن هذه البلاد ليست سوى مستعمرة دولية تحتلها خمس دول على الأقل.
لمَ نلوم هاني شاكر؟ لن تنقطع عنه الكهرباء ولن يقف على طوابير الغاز والخبز ولن يعاني من تشبيح عناصر المخابرات ولن يرى البؤس في عيون الناس الذين لا يريدون سوى جواز سفر يهربون به من هذا الجحيم، إلى جحيم أقل حرارةً، لأنهم سوريون.
سيرى البلاد فقط بأفضل حال، جميلة تزيّنت من أجل اللقاء وانتهى الأمر، وسيعود إلى بلده ليستقبله أباطرة الإعلام المصري ويحكي لهم عن جمال بلادنا وسحرها وحناجر الجمهور الذي قاطعه مراراً وعن كرم الضيافة. سيحكي لهم ربما عن قصر العظم وسوق الحميدية ومدحت باشا، وشارع المزة وروعة الـ"فور سيزون"، لكنه حكماً لن يرى نهر بردى بعدما تحول إلى مكب للأوساخ ويمثل سوريا اليوم بصورتها الحقيقية، ولن يحكي لهم عن المعتقلين ولا الخائفين ولا الباحثين عن الهرب من بلادهم التي ظلمتهم.
لمَ نلوم هاني شاكر؟ لن تنقطع عنه الكهرباء ولن يقف على طوابير الغاز والخبز ولن يعاني من تشبيح عناصر المخابرات ولن يرى البؤس في عيون الناس الذين لا يريدون سوى جواز سفر يهربون به من هذا الجحيم، إلى جحيم أقل حرارةً، لأنهم سوريون
هاني شاكر سبق له أن غنى لحلب، وحملت أغنيته دعوةً مباشرةً لما تروّج له وسائل الإعلام والفنانون، "ما تقولش مين بيظلم أو مين السبب"، نعم، ليست مهمةً معرفة أن الأسد قتل وظلم وقصف الناس بأسلحتهم التي دفعوا ثمنها لتحرير الأرض من الإسرائيليين، وليس مهماً أن يعرف من الذي ألقى البراميل على رؤوس الناس ودفنهم تحت أنقاض بيوتهم.
يمكن لهاني شاكر أن يزور دمشق ويغنّي فيها، بل أن يطلب بشكل مباشر من الأسد أن يحضر حفلته أو أن يعقد معه لقاءً في قصر المهاجرين ويضحكا معاً، وليشعر بالفخر عندما ينام على مخدته ليلاً وقد وضع يده بيد قاتل، وربما لا تلاحقه كوابيس تحمل صور الضحايا وهي على الدولارات وقد اكتست باللون الأحمر.
السؤال الأخير الذي أوجهه كمواطن سوري فقد أحبّةً وعاش الخيبات ورأى البلاد تهوي إلى الجحيم بإرادة كاملة من قاتل يجلس في أعلى قمة الجبل: هل ستعود لمنع الأغاني التي تحتوي على "الخمور والحشيش" إن عدت إلى رئاسة نقابة الموسيقيين في مصر؟
المسألة هنا أخلاقية بحتة، لذا فإن السؤال الأخير الذي أوجهه كمواطن سوري فقد أحبّةً وعاش الخيبات ورأى البلاد تهوي إلى الجحيم بإرادة كاملة من قاتل يجلس في أعلى قمة الجبل: هل ستعود لمنع الأغاني التي تحتوي على "الخمور والحشيش" إن عدت إلى رئاسة نقابة الموسيقيين في مصر؟
في النهاية أدعو الأستاذ هاني شاكر لقراءة أشعار رياض الصالح حسين، وليعرف منها معنى أن يغنّي في بلد وصفه أحد أبنائه يوماً، بأنه "سوريا التعيسة كعظمة بين أسنان كلب"، علّه لا يندم على الغلطة هذه المرّة!
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحلو نعرف ان كان اسلوب البرنامج ينجح في خلق نقاش حقيقي حول قضايا حقوق المرأة...
Chrystine Mhanna -
منذ أسبوعصعب يا شربل.. معظم الناس لا يتحدثون صراحة عن تجاربهم الجنسية/الطبيّة وهذا ما يجعل من هذا الملف ضروري
Ahmed Gamal -
منذ أسبوعتقديم جميل للكتابين، متحمس اقرأهم جداً بسبب المقال :"))
Kareem Sakka -
منذ أسبوعما وصلت جمانة لهون الا بعد سنين من المحاولة بلغة ألطف..
Charbel Khoury -
منذ أسبوعموضوع مهم، وغير مسلط الضوء عليه كثراً في المواقع المستقلة.
يا ليت استطعنا قراءة تجارب أكثر.
Farah Alsa'di -
منذ أسبوعبحب كتابات جمانة حداد بالعادة، بس مرات بحس أنه اعتمادها الأسلوب الاستفزازي ما بحقق الهدف اللي هي بتكتب عشانه