تراجعت نقابة الموسيقيين في مصر مساء أمس الاثنين، 9 أغسطس/ آب، عن قرار أصدره نقيبها هاني شاكر بمنع المطربة اليمنية بلقيس من الغناء في مصر.
وجاء القرار الأول لشاكر بذريعة أنها لم تستكمل التصاريح الخاصة التي يجب أن تحصل عليها من النقابة للسماح لها بالغناء. وتراجع شاكر بعد أن سدد فريق بلقيس الرسوم واستصدر التصاريح المطلوبة لدى النقابة.
ونقلت وسائل الإعلام المصرية عن سعد المتولي، محامي نقابة المهن الموسيقية، أن سبب المنع يتعلق بـ"جانب مادي"، مضيفاً أن بلقيس والموسيقيين الأجانب القادمين معها يجب أن يدفعوا مبلغاً مالياً وفقاً للقانون للحصول على تصريح.
ليست هذه المرة الأولى التي يبادر فيها نقيب الموسيقيين إلى استخدام سلاحي المنع والإيقاف ضد موسيقيين لأسباب وذرائع مختلفة، بعضها بيروقراطي كما حدث مع اليمنية بلقيس، وبعضها الآخر سياسي أو "قيمي" إذ يرى نقيب الموسيقيين أنه مسؤول عن حماية الذائقة السمعية للمصريين، وكذلك "قيم الأسرة المصرية".
أصبح اسم نقابة المهن الموسيقية هو الأكثر تداولاً بين النقابات المصرية في وسائل الإعلام، إذ أصدر هاني شاكر عدة قرارات حالت بين العديد من المطربين وبين الغناء، بداعي حماية التقاليد والدين وصورة مصر
عامان من المنع
في العامين الماضيين، صدرت عدة قرارات بمنع مطربين من الغناء في مصر، وغالباً ما يشمل القرار نصاً بوقف التعامل مع المطرب أو الموسيقي المعني، وعدم إصدار أيّ تصاريح له مستقبلاً عن أيّ أعمال جديدة، وهو ما حدث مع المطربة بلقيس قبل أن يتراجع النقيب.
تزايدت وقائع قرارات هاني شاكر بإيقاف موسيقيين أو منعهم التام من الغناء، بعد أن وقع، بصفته النقابية، بروتوكول تعاون مع شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي الشركة شبه قابضة على الإنتاج الفني والإعلامي في مصر بامتلاكها أغلب شركات الإنتاج الموسيقي والسينمائي والصحف والمواقع الإلكترونية، إلى جانب سيطرتها شبه التامة على سوقي الإعلانات والبث المرئي.
ويتضمن البروتوكول أن تعامل الشركة مع الموسيقيين والمطربين، بما فيه البث التلفزيوني لإنتاجهم الفني، لن يكون إلا مع الأعضاء العاملين بالنقابة أو المصرح لهم منها فحسب.
في السنوات الماضية، أصبح اسم نقابة المهن الموسيقية هو الأكثر تداولاً بين النقابات المصرية في وسائل الإعلام، إذ بدأ هاني شاكر في إصدار عدة قرارات بتقنين أوضاع العديد من المطربين، بداعي حماية التقاليد والدين وصورة مصر.
تبدأ القصة في عام 2015، الذي تولى فيه شاكر منصب النقيب، إذ افتتح ولايته على النقابة بإصدار إنذار في شكل بيان إعلامي، بداعي حماية الحياء والذوق العام، حذر فيه أي فنانة تظهر بـ"ملابس غير لائقة" بالحفلات أو الكليبات الغنائية أو البرامج بمنعها من ممارسة المهنة. ويبدو أن هذا القرار لا يزال سارياً، إذ أكد في لقاء في عام 2021 أنه نصح المطربة اللبنانية هيفاء وهبي بمراعاة العادات والتقاليد في مصر في أزيائها، وأنه أصدر بالفعل قراراً بمنعها بسبب ارتدائها "شورت" في حفلة لها.
أثار بيانه في عام 2015 حفيظة فنانين وكتاب ومنتجين مصريين، منهم المنتج والسيناريست محمد العدل، الذي كتب – وقتها- عبر حسابه الشخصي على فيسبوك: "ده إحنا هنشوف أيام سودة، كان ماله مبارك ونظيف؟ ده مرسي ماعملش فينا كدة".
في فبراير/ شباط 2016، ظهر شاكر حامياً للدين بعدما اتهم بعض الشباب بأنهم "عبدة الشيطان"، لأنهم يعزفون الميتال والروك، وبناء على تصريحه/ بلاغه، تم القبض عليهم جميعاً. وبعدها طالب شاكر بمنح نقابته حق الضبطية القضائية، أي الحق في القبض على أي مواطن أو موسيقي يمارس الآداء العلني (الغناء للجمهور) من دون موافقة وتصريح من النقابة. إلا أن طلبه قوبل بالتجاهل من الدولة وغضبة من ناشطي حرية التعبير.
وعلى إثر واقعة القبض على بعض فرق الروك والميتال، كتب رجل الأعمال نجيب ساويرس على تويتر: "حد يفهم هاني شاكر إن موسيقى البلاك ميتال دي ملهاش في الشيطان ولا يحزنون، والشباب مش ناقص عكننه".
في العام ذاته، شطب شاكر عضوية خمس مطربات، بداعي عملهن كراقصات، وأنه تم تصويرهن بـ"ملابس شبه عارية"، كشورت قصير، و"ملابس راقصات".
بحسب قوانين تأسيس النقابات في مصر والمستقرة منذ مطلع القرن الماضي، تختص النقابات التي تجمع أبناء مهنة واحدة بحماية أعضائها والدفاع عن مصالحهم، إلا أن هذا الهدف اتخذ اتجاهاً معاكساً في حالة هاني شاكر
حماية الأعضاء؟
بحسب قوانين تأسيس النقابات في مصر والمستقرة منذ مطلع القرن الماضي، تختص النقابات التي تجمع أبناء مهنة واحدة باختصاصين رئيسين، أولهما حماية أعضائها والدفاع عن مصالحهم، وثانيهما العمل على تطوير المهنة.
إلا أن الهدف الأول اتخذ اتجاهاً معاكساً في حالة هاني شاكر. عندما تعرضت المطربة شيرين عبد الوهاب إلى أزمة في عام 2019، حين قُدم ضدها بلاغ يزعم أنها أساءت إلى مصر بسبب مزحة نطقت بها خلال إحدى حفلاتها حول الوضع الذي آلت إليه حرية التعبير في مصر، سارع هاني شاكر إلى إثبات صحة مزحتها، إذ أصدر قراراً بوقفها عن العمل وعدم التصريح لها بالغناء وإحالتها للتحقيق، على خلفية بلاغ تقدم به محام معروف بقربه من الأجهزة الأمنية يدعى سمير صبري يتهمها فيه بالإساءة إلى سمعة مصر.
واشتدت الأزمات التي يطلقها النقيب هاني شاكر في عامي 2020 و2021، وذلك عندما بدأ حرباً لا تزال مفتوحة ضد مطربي المهرجانات، إذ أصدر في 2020 قراراً بمنع كل مطربي المهرجانات من مزاولة المهنة، وطالب البواخر السياحية والفنادق بعدم التعاون معهم، وكان يستهدف بقراره عمرو كمال وحسن شاكوش صاحبي اغنية بنت الجيران، التي حققت نجاحاً كبيراً في ذلك الوقت لاعتراضه على جملة وردت في أغنيتهما الشهيرة "بنت الجيران"، وجدها محرضة على تعاطي المخدرات وتتصادم مع القيم المصرية.
ولم يتوقف شاكر عند منعهما من الغناء في مصر، فبادر في آب/أغسطس 2020، إلى ملاحقتهما خارج مصر، ونجحت اتصالاته في منعهما من الغناء في تونس، وأكد وقتها أنه مستمر في "الحرب ضد الإسفاف ولن يتراجع في هذا الأمر". وظلت ملاحقته مستمر لفترة، حتى بعدما قام المطربان بحذف نسخة أغنيتهما الناجحة ونشر نسخة جديدة تغيرت فيها الجملة الأزمة "وأشرب خمور وحشيش".
يرأس النقابة وتحبه السلطات
تظهر السلطات المصرية تجاوباً كبيراً مع قرارات شاكر، إذ منعت الشرطة بالفعل عمر كمال من الغناء في الأفراح إلا بعد الحصول على إذن من النقابة، وهو أمر استثنائي، إذ لا تتدخل السلطات عادة للتأكد من تصاريح الغناء لمطربي الأفراح.
وتكرر الأمر مع مطرب المهرجانات حمو بيكا الذي منعه شاكر في 2018 من الغناء بدعوى أنه ليس عضواً بالنقابة، ورفض في الوقت عينه منحه حق العضوية أو الحصول على تصاريح بالغناء.
وصلت الأزمة إلى ذروتها عندما اقتحم بيكا نقابة الموسيقيين، بعدما فشل في تجاوز اختبارات القبول بها، وأدلى بتصريحات اعتبرها شاكر سباً له، ورفع دعوى قضائية ضد بيكا ليحصل على حكم بالسجن عامين ضد الأخير، لكنه تنازل في نهاية الأمر عنها.
في حزيران/يونيو الماضي، أصدرت النقابة قراراً بمنع التعامل مع مطربي المهرجانات وهم حمو بيكا، وعنبة، ومسلم، ونور التوت، وأحمد موزة. ومنعهم حتى من إحياء أي حفلات غنائية في مصر إلى أن يتم توفيق أوضاعهم واجتياز الاختبارات
يعتبر هاني شاكر أن غناء المهرجانات لا يليق بمصر، لكن سبق لنقيب المهن الموسيقية قبل أن يتولى منصبه الحالي أن دعا في 2014 إلى منع عرض أغنية "بشرة خير" التي أداها أحد أكبر مطربي منطقة الشرق الأوسط وهو حسين الجسمي بداعي أنها تصور مصر "كاباريه" وهذه هي الواقعة الوحيدة التي لم تستجب فيها إليه السلطات.
وتعتبر منظمة حرية الفكر والتعبير المصرية أن المثقفين المقربين من الحكومة يشاركون في عملية إنكار صفة الفن عن (المهرجانات)، باعتبارها شكلاً فنياً لا تريد المؤسسة الرسمية الاعتراف به، إلا أن المثير للتأمل أن مطربي المهرجانات الذين منع شاكر عنهم حق الأداء العلني، تظل أغنياتهم هي الشريط الصوتي الرئيسي المصاحب للاحتفالات التي تحشد لها الدولة أو الحزب المعبر عن توجهاتها "مستقبل وطن" في احتفاليات دعم وتفويض الرئيس عبد الفتاح السيسي.
فيما عدا ذلك، تظل السلطات المصرية في تناغم تام مع خطاب النقابة، الذي يربط المنع والمنح بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية والوطنية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع