"نوع من أنواع موسيقى وإيقاعات الزار، وكلمات موحية ترسّخ لعادات وإيحاءات غير أخلاقية في كثير منها. وأفرزت ما يسمى بـ(مستمعي الغريزة)، وأصبح مؤدي المهرجان هو الأب الشرعي لهذا الانحدار الفني والأخلاقي"، هكذا يصوغ بيان نقابة المهن الموسيقية تعريفه لفن "المهرجان"، في بيان أصدره صباح الأحد 16 شباط/ فبراير الجاري.
وأصدر المغني المصري هاني شاكر، بصفته نقيب الموسيقيين، قراراً وجهه لجميع المنشآت السياحية، البواخر النيلية، الملاهي الليلية والكافيهات، بـ"عدم التعامل مع ما يطلق عليهم مطربي المهرجانات"، وأفاد بأنه "سيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد من يخالف هذا القرار".
أتى هذا القرار بعد حفل أحياه المطربان، حسن شاكوش وعمر كامل، بغناء أغنيتهم الأشهر حالياً "بنت الجيران" بنسختها الأصلية، والتي أثارت جدلاً بسبب مقطعها "أشرب خمور وحشيش"، وبادر شاكر بإصدار بيانه وقرار منع التعامل مع فناني المهرجانات.
يعدّ هذا القرار حلقة ضمن صراع طويل خاضه شاكر ضد فن المهرجانات ونجومه، أداره شاكر بكثير من الكرّ والفرّ، ما بين منع المهرجانات ونجومها، والاعتراف بها كفن جماهيري له شعبيته، بل وطرح فكرة إنشاء شعبة تضمهم تحت مظلة نقابة المهن الموسيقية.
تصريحات متناقضة
"أغاني المهرجانات أصبحت واقعاً، ولها جمهورها الخاص الذي يستمع لها في كل مكان، وتحتل نصيباً كبيراً في حفلات الزفاف"، هذه الجملة ستظل عادية، حتى تعرف أن قائلها هو هاني شاكر.
إذ قال شاكر في حوار أجري معه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، ونُشر بجريدة الدستور المصرية: "موسيقى المهرجانات فرضت نفسها في سوق الغناء خلال السنوات الماضية بشكل كبير، وأصبحت جزءاً من المجتمع المصري".
وأوضح شاكر أنه يسعى لتدشين شعبة "راب شعبي" في النقابة تختص بـ"أغنيات المهرجانات" في أسرع وقت، وأنه وضعها بالفعل ضمن برنامجه الانتخابي الأخير، وتابع أنها "لم تخرج عن طور الدراسة، لأن إدخال شعبة جديدة على نقابة الموسيقيين ليس أمراً سهلاً ويحتاج إلى دراسة جيدة".
وفي السياق ذاته، قال شاكر، الثلاثاء 4 فبراير/شباط الجاري: "حتى الآن لم يتم ضم أي مطرب من مطربي المهرجانات ضمن قوائم نقابة الموسيقيين"، وأوضح أن "مجلس النقابة سيعمل خلال الأيام المقبلة على إنهاء ترتيبات إنشاء شعبة مطربي المهرجانات بالنقابة"، وتابع: "سيطلب من مطربي المهرجانات التقدم للامتحان، ومن سيكون لديه صوت جيد، سيتم قبوله بالنقابة".
أصدر المغني المصري هاني شاكر، بصفته نقيب الموسيقيين، قراراً وجهه لجميع المنشآت السياحية، البواخر النيلية، الملاهي الليلية والكافيهات، بـ"عدم التعامل مع ما يطلق عليهم مطربي المهرجانات"، وأفاد بأنه "سيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد من يخالف هذا القرار"
وجودهم أمر واقع
بعد إعلانه عنها مطلع الشهر الجاري، لقيت مبادرة شعبة "راب شعبي" قبولاً لدى عدد من الفنانين ومتابعي المشهد الموسيقي المصري، إذ قال المطرب والموزع الموسيقي المصري، حسام حسني، لرصيف22: "سواء شئنا أم رفضنا، فإن وجود مطربي المهرجانات أمر واقع، وبالتالي لابد من تقنين وجودهم ضمن شعبة من شعب النقابة، لأنهم في النهاية يعملون تحت اسم الموسيقى، ويجب أن يتبعوا لنقابة المهن الموسيقية، ويصدر لهم شروطاً وقوانين لا يخرجون عنها".
وتابع، أنه رفض "الموجة السابقة ضد (حمو بيكا) معتبراً أنه مغن وله جمهور وبالتالي لابد من تقنين وجوده".
وأوضح حسني، الذي واجه رفضاً فنياً للونه الموسيقي الشبابي في بداية موجة الثمانينيات، أن "كل لون جديد يواجه تحفظاً ما، ومع بدايتنا في الثمانينيات والتسعينيات كان فيه تحفظ علينا"، وتابع: "بالنسبة لنا مكنش فيه العشوائية الموجودة في المهرجانات، إحنا انتقادنا للمهرجانات العشوائية اللي فيها، لو هنتكلم عن الموسيقى فيه عشوائية مفيش تناسق خالص، مفيش فورمة معينة، أي حد بتاع مهرجانات بيعمل الشكل اللي هو عاوزه، مفيش توحيد على الشكل، إحنا لما بدأنا كان فيه فورمة معينة والكل كان مجمع عليها".
الالتزام بالقيم العليا للمجتمع شرطاً للعضوية
خلال الأيام التالية، تقدم المطرب حسن شاكوش بطلب عضوية للنقابة. كان الحظ يحالفه، فقد تصاعدت مشاهدات أغنيته على يوتيوب لتقترب من 100 مليون مشاهدة، كما تصدرت المرتبة الثانية في الأغنيات الأكثر استماعاً على منصة "ساوند كلاود"، وحل ضيفاً بالعديد من البرامج التليفزيونية، وصرح أنه اجتاز اختبارات النقابة وأصبح عضواً بها، لكن سرعان ما تطورت الأوضاع، واحتدم الصراع مجدداً بعد حفل "عيد الحب" باستاد القاهرة، الذي غنى فيه شاكوش وعمر كمال، أغنيتهم "بنت الجيران" وورد فيها مقطع:
"تسيبني أكره حياتي وسنيني
أتوه ومش هلاقيني
وأشرب خمور وحشيش"
الذي أثار حفيظة النقابة وبعض الجمهور، ليصرّح نقيب الموسيقيين بأن "شروط عضوية أو تصاريح النقابة بالغناء ليست قوامها صلاحية الصوت فقط، ولكن أيضاً هناك شروط عامة يتوجب أن تتوفر في طالب العضوية أو التصريح، وهي الالتزام بالقيم العليا للمجتمع والعرف الأخلاقي، واختيار الكلمات التي لا تحضّ على رذيلة أو عادات سيئة، وأن لجنة اختبار الأصوات مجرد مرحلة أولى، ثم ينعقد المجلس للنظر في باقي الشروط".
نشر شاكوش مقطع فيديو قال فيه: "إحنا واقعين في مشكلة كبيرة، سمعنا أن فيه اتجاه لوقفنا متنفذش بشكل رسمي... بنعتذر للشعب المصري وللأستاذ هاني شاكر، ولكل الأعضاء المحترمين لو زعلناهم، مترضوش لينا بقطع العيش ووقف الحال، في ناس شغالة ورانا هيتوقف حالها"
اعتذار للأستاذ هاني شاكر
نشر شاكوش عبر حسابه الرسمي على انستجرام مقطع فيديو يجمعه برفيقه عمر كمال، يعتذران فيه عن ورود هذا المقطع في حفل الاستاد، وأوضح كمال "قلنا نروح نفرح الناس وعدينا كلمة خمور وحشيش في الأغنية اللي كان عليها الجد... وللأسف بالغلط اشتغلت النسخة القديمة".
وأضاف عمر: "إحنا واقعين في مشكلة كبيرة، سمعنا أن فيه اتجاه لوقفنا متنفذش بشكل رسمي... بنعتذر للشعب المصري وللأستاذ هاني شاكر، ولكل الأعضاء المحترمين لو زعلناهم، مترضوش لينا بقطع العيش ووقف الحال، في ناس شغالة ورانا هيتوقف حالها".
قدم الإعلامي عمرو أديب في برنامجه "كل يوم"، هاني شاكر باعتباره على رأس النقابة التي تتحكم في الذوق العام في مصر، وقال نقيب الموسيقيين في اتصال هاتفي بالبرنامج، إن "القرار الجديد سيتم تطبيقه بواسطة الرقابة على المصنفات الفنية بحق الضبطية القضائية الذي تملكه، بالإضافة إلى شرطة السياحة التي اعتبرها (واقفة في ضهرنا ومعانا)". وتابع شاكر أن "مش كل حاجة عليها معدل مشاهدات عالي تبقى حاجة كويسة، مشبهاً المهرجانات بالأفلام الإباحية التي تحظى بمشاهدات عالية".
المنع هو احتقار للذوق العام
بالتزامن مع تصريحات شاكر وقراراته الأخيرة، عبر فيديو "بنت الجيران" حاجز المليون الأول بعد مئة مليون مشاهدة على منصة يوتيوب، فيما عبر عدد من الموسيقيين والمهتمين بالشأن الثقافي والفني والحقوقي في مصر، عن رفضهم لقرارات المنع الأخيرة، إذ كتب المؤلف الموسيقي وعازف الجيتار المصري، محمد عادل: "منع أي فن بحجة الحفاظ على الذوق العام هو احتقار عام للفن وللذوق العام مع بعض"، فيما علق المخرج السينمائي المصري شريف مندور، بأن "موسيقى المهرجانات أصبحت جزءاً من ثقافتنا السمعية، كنت أتمنى الدولة تدرس الظاهرة... وتهتم بتعليم الأطفال الموسيقى، والرسم علشان تطلع جيل قادر يستمتع بفن جيد زي ما بيستمتع بالمهرجانات"، متابعاً: "موسيقى المهرجانات ما طلعتش فجأة، دي انتشرت في 10 سنين تقريباً، ومش حتختفي بقرار من الأستاذ هاني شاكر".
فيما تساءل المطرب أحمد علي الحجار: "هل من حق أي جهة مسؤولة أنها تمنع أغنية أو مغني/مغنية أو مؤدي/مؤدية لأنه يعتبر (خدش للذوق العام)؟".
وكتب الصحفي والكاتب المصري أسامة الشاذلي "أدعم كل من يغنون في المهرجانات ضد أمير الغناء المزيف هاني شاكر".
وعلّق الصحفي أحمد زكي ساخراً: "مشكلة قرار هاني شاكر في منع أغاني المهرجانات، أن هاني شاكر نفسه لم يصل بعد لعام 1973، ولايزال محشوراً في شتاء 1972، حيث يعتقد أنه من المهم الحصول على اعتماد الإذاعة من أجل العمل مطرباً، وبث الأغاني على موجات البرنامج العام!".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...