يندرج المقال في ملف "تحت العريشة" من إعداد وتحرير زينة قنواتي
كنت طفلة، ربما في السنة الثانية من العمر، عندما أعطتني أمي وردة جورية فوضعتها في فمي وبدأت بأكلها، ثم بصقتها إذ يبدو أن في مذاق الورد مرارة ما، ضحك والداي ثم أمسكا وردة جورية وشمّاها وكررا ذلك أمامي وقالا: "الوردة للشمّ، شمّي الوردة!". شممت الوردة للمرة الأولى ثم حشرت وجهي كله فيها لشدة سعادتي بالرائحة، صوّرني أبي موثقاً تلك اللحظة. حينذاك تعلمت معنى عطر الورد.
لكنّ معنى الوردة لم يقف عند ذلك العطر، فالوردة عبر حياتي - بوصف الحياة تجربة شخصية - تلونت وتقلبت وتبدلت في معانيها وألغازها وأسرارها ومجازها، سواء في الواقع أو في الخيال، في الكتابة أو بين أوراق الكتاب، فلا يمكن أن أنسى جدتي وهي تسقي ورود المساكب في باحة البيت وتلمسها وتدللها كما لو أنها أطفالها، وتقرأ أدعية وتتعوذ لتحمي ورودها من أعين الحساد، لا أنسى شراب الورد الذي كانت تعدّه جارتنا، طقس القطف وفرط البتلات والنقع والعصر، لا أنسى كيف كانت صديقاتي يتلقين الورود من العشاق بينما أنا اضطررت لأن أقطف وردة لنفسي لتؤنس وحدتي، لكنني اكتشفت كم الورد حميم بين أوراق الكتب فملأت دفاتري وكتبي به.
صورة من طفولة الشاعرة "لينة عطفة"
لا أنسى الورود التي حملها المتظاهرون في داريا والتي حملتها أنا ورفاقي في التظاهرات في مدينتي "سلمية"، وصولاً إلى الوردة التي حملتُها معي وأنا أغادر سوريا، ثم أضعتها في ألمانيا حين انتقلنا إلى بيت جديد. تفاصيل بقيت عميقاً في القلب وأسئلة حملتها في غربتي (لماذا أحسُّ هنا أن لا فرق بين ورود البيت وورود الطريق؟) وهو ما لم أستطِع الهروب منه في قصائدي إذ كتبت في قصيدة على هامش النجاة:
لا أنسى الورود التي حملها المتظاهرون في داريا والتي حملتها أنا ورفاقي في التظاهرات في مدينتي "سلمية"، وصولاً إلى الوردة التي حملتُها معي وأنا أغادر سوريا، ثم أضعتها في ألمانيا.
ظللنا شجر لا يبوح بأسراره
فبكينا على الورد في ساحة الدار
ذلك المشهد، ورود باحة البيت جزء من ذاكرة السوريين الجمعية ومن حنينهم، حاولوا استعادة حضوره بالطريقة التي كان عليها في الذاكرة الأولى كأنما الورد يحميهم من النسيان والانكسار، ويمنحهم شعوراً بشيء من الأمان، حتى إن تجارة الياسمين ازدهرت مؤخراً في برلين، لكن للأسف لا يمكنه أن يتحدى البرد أو أن يستحضر دفء الشام.
يظهر جليّاً الحنين وارتباطه بالورد في مقطع من الديوان الأخير لنزار قباني الذي طبع بخط يده إذ كتبه على سرير المرض في لندن:
آهِ ..
لو كنا التقينا في دمشق- الشام، يا سيدتي
حين كان الورد أستاذي...
وكان الفل أستاذي...
وكان الشعر أستاذي..
وأستاذي بياض الياسمين ...
ليتني خبأت في خصرك ناياً عربياً
وعصافير..
وعلمتك مالا تعلمين!
ليس حنيناً فقط بل امتنان واضح للمكان الأول وأثره في الخبرات والتجارب الأولى في تذوق واكتشاف الحياة.
لم تكن الورود تفصيلاً عابراً في شعر نزار قباني بل نقطة ارتكاز نستطيع أن نستقرئ من خلالها في قصيدته تجربته الحياتية وتطور شعره وانعكاس فهمه للواقع والأشياء، وأعود هنا إلى إحدى قصائده الأولى المغرقة في الرِقة والتي تعكس الخبرة البصرية الغنية والبيئة المكانية والعاطفية التي ربّت ذائقة الشاعر. يقول في ديوانه قالت لي السمراء:
مررتِ .. أم نوار مر هنا؟
لولاك وجه الأرض لم يعشب
دوسي .. فمن خطوك قد زَرّر
الرصيف .. يا للموسم الطيب
هنا يرفع الشاعر عالياً المبالغة الشعرية الجميلة، ورغم أن من استخدموا هذا التشبيه كثر فإن الأهمية هنا تكمن في التقاط تفصيلين.
الأول أنه قال (زرّر) في إشارة إلى طفولة الورد وشبق الحياة فيه قبل تفتحه، والثاني في أنه لم يختر الخطو فوق أي أرض بل جعل رصيف مدينة حجري ينفر بأول الورد كما لو أنه غصن.
لكنه في قصيدته الشهيرة طوق الياسمين يجعل الياسمين مرآة لخيبة العاشق وللفرق الطبقي وللحب المطعون بالاستهلاك.
تنوعت الوردة كثيراً في قصائد نزار، لكن لعل التنويع الأكثر إيلاماً يظهر حين أذبل الاستبداد الورد في دمشق فهرب الشاعر إلى مساكب الورد في الأندلس, ليقول في قصيدة من ديوانه الأخير الذي يحمل اسم أبجدية الياسمين في وفاء ووداع أخير لوردة الطفولة:
أنا ياسمينة تتسلق صباحاً على عباءة أبي عبدالله الصغير!
الياسمينة هنا (أنا) الشاعر الهاربة من الواقع المظلم إلى اللحظة التى انعطف فيها التاريخ، واقفة على حافة الرحيل.
"مررتِ .. أم نوار مر هنا؟
لولاك وجه الأرض لم يعشب". نزار قباني
حين بدأت بتذكر حضور الورد في شعر محمود درويش تداعت المشاهد والصور والقصائد ووقفت في حيرة أمام ما يمكنني اختياره هنا، لكن اللافت هو تبدل دلالات الوردة مع تبدل وعي الشاعر ونظرته للحياة في سياق اكتمال تجربته الشعرية، في بداياته وانطلاقاً من الفكر النضالي الاشتراكي، مجّد الشاعر القمح على حساب الورد معتبراً الوردة جمالاً مُدرَكاً لكنه غير مجدٍ في أوقات الصراع وأمام ضرورات الحياة:
إنا نحب الورد لكنّا نحب القمح أكثر..
وأيضاً في قصيدة الورد والقاموس، ثمّ يتغير معنى الوردة أمام الحب في قصيدة شاعرٍ يترك كلّ صباح وردة على مخدة الحبيبة، فتصبح الوردة مرآة الحب وميثاقه وصورة جسد المرأةِ/الحديقة، ثم يذهب بالوردة إلى الحرب والشتات فتعكس وحدة الفلسطينيين وعزلتهم وألمهم:
كنا نقطة التكوين، كنّا وردة السور الطويل وما تبقى من جدار
لتنتفض الوردة وتقاتل وتصبح صورة الفدائي الذي ينهض من تحت ركام الانكسار:
وانتصِرْ في وردة تُرمى عليك من الدموع
مجّد محمود درويش القمح على حساب الورد معتبراً الوردة جمالاً مُدرَكاً لكنه غير مجدٍ في أوقات الصراع وأمام ضرورات الحياة:
إنا نحب الورد لكنّا نحب القمح أكثر..
لكنّ الشاعر وبعد كل الخيبات التي تلقتها القضية الفلسطينية، وبعد انتقاله إلى باريس يبدع في معاني واستعارات الوردة.
فهو يرى الكون كله بعيون جديدة، فيُعيد ترتيب الأشياء وفهم الخسارة وتكثيف وعي عميق للواقع، ليس فقط في الديوان الذي حمل الورد في عنوانه (ورد أقل) أو (كزهر اللوز أو أبعد) بل في كامل تجربته.
فنرى الوردة تنتقل بين السياق اليومي والفلسفي الوجودي والعاطفي فيقول:
سَأمْدَحُ هذَا الصَّباحَ الجَديد، سَأَنْسَى اللَّيَالَي، كُلَّ اللِّيَالي
وَأَمشِي إلَى وَرْدَةِ الجَار، أَخْطفُ مِنْهَا طَريقَتَهَا فِي الفَرَحْ
لكنه اعتبر أنه عجز أمام وصف زهر اللوز فيسرد في تصعيد لغوي وبلاغي وعاطفي إعجاز تلك الزهرة، ليذهب إلى أن قصيدةً تحسن وصف زهر اللوز ستكون كلام النشيد الوطني.
وفي جانب آخر تصبح الوردة شريكته في انتظار الحبيبة فينقل الأوركيد من جهة إلى جهة مداعباً الوقت والقلق.
"سَأمْدَحُ هذَا الصَّباحَ الجَديد، سَأَنْسَى اللَّيَالَي، كُلَّ اللِّيَالي
وَأَمشِي إلَى وَرْدَةِ الجَار، أَخْطفُ مِنْهَا طَريقَتَهَا فِي الفَرَحْ". محمود درويش
لكن الشاعر ورغم أنه في جداريته جعل الوردة الواو في اسمه، لكنه أيضاً رفض أن يكون البنفسج على قبره بل طلب سبع سنابل خضراء وبعض شقائق النعمان، إذ بقيت الوردة تحمل معناها العاطفي المؤقت الذي يحيل إلى الذبول والنهاية، بينما السنبلة الخضراء تبقى دلالة الخصب والخلود والحياة، وشقائق النعمان تحمل معناها البري الفوضوي المتجدد المتفجر في الأحمر فيقول:
ولا تَضَعُوا على قبري البنفسجَ
فَهْوَ زَهْرُ المُحْبَطين يُذَكِّرُ الموتى بموت الحُبِّ قبل أَوانِهِ
وَضَعُوا على التابوتِ سَبْعَ سنابلٍ خضراءَ إنْ وُجِدَتْ
وبَعْضَ شقائقِ النُعْمانِ إنْ وُجِدَتْ
مع ذلك بقي تجلي الوردة عالياً في قصيدته الأبهى لاعب النرد إذ يقول:
حين تبدو السماءُ رماديّةً
وأرى وردة نَتَأَتْ فجأةً
من شقوق جدارْ
لا أقول : السماء رماديّةٌ
بل أطيل التفرُّس في وردةٍ
وأَقول لها : يا له من نهارْ!
غمر محمود درويش بكرم بالغ قلب قارئه بالأمل، الأمل القادم من قوة الحياة في وردة تطلع من جدار
كم يبدو هنا مستسلماً لسيرورة الحياة وبساطتها المعجزة ومتمسكاً بالأمل، الأمل الذي لطالما غمر به محمود درويش بكرم بالغ قلب قارئه، الأمل القادم من قوة الحياة في وردة تطلع من جدار.
لم ينحصر مجاز الوردة في جانب واحد عند الشعراء إذ نجد مظفر النواب يحلّق في أجمل شطحات الوجد الصوفي في قصيدته "وتريّات ليلية" التي كتبها وهو هارب من وطنه، لاجئاً في بلاد الناس، يقول:
تعالَ أريك الربَّ على أصغر برعم ورد يتضوع من كفَّيه الطيب
قدماه ملوّثتان بشوق ركوب الخيل وتاء التأنيث على خفّيه تذوب
لم يذهب صوب الأشياء الكبرى لإيجاد نقطة تواصل مع الكون بل ذهب إلى برعم الورد في أجواء منامية تمنحُ بشكل فلسفي وجداني وشعري عميق الربَّ عرشاً على برعم الورد.
"شنهي أطيب من أذيتك ؟!
عندي زهرة صغيرة كلّش
بين شدّات الورد
ترضى حطها بمزهريتك ؟". مظفر النواب
وفي المحكية العراقية البديعة أذكر له هذا المقطع الطريف:
شنهي أطيب من أذيتك ؟!
عندي زهرة صغيرة كلّش
بين شدّات الورد
ترضى حطها بمزهريتك ؟
في المقابل نجد أدونيس في ديوانه "فهرس لأعمال الريح" يقول:
منذ أن تبدأ الوردة بالتفتح
تبدأ بالذبول
حياتها هي نفسها الموت
يكثّف الشاعر هنا عميقاً معنى الوجود، فيختفي الحد بين الحياة والموت وتصبح الوردة كنايةً عن عبثية الوجود والتفكر في مجاز الحياة بين التفتح والذبول.
نجد أيضاً أن الوردة تحمل معنى الموت في حياتها القصيرة بعد القطف.
في إحدى قصائد أمل دنقل الأخيرة المؤلمة التي كتبها على فراش المرض في المستشفى راثياً نفسه، مشبهاً عذابه ودنو أجله بالورود في باقات الهدايا التي وصلته:
كلّ باقةْ.. بين إغماءةِ وإفاقةْ
تتنفس مثلي ــ بالكادِ ــ ثانيةً.. ثانيةْ
وعلى صدرها حَمَلت ــ راضيةْ..
اسمَ قاتِلها في بطاقةْ!
نجد أيضا الورد مقترناً بالموت في كلمات دعد حداد إذ تقول:
كسرة خبز تكفيني..
لا أحد يستطيع أن يسكن قبري..
أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها وتبكي من شدّة الشعر..
أغمضوا أعينكم..
سأمرّ وحيدة كالرمح
إنها البلاغة في الإيجاز والتخلي.
أما حضور الوردة في نصوص لقمان ديركي فكان ضمن سياق مشهدي لا يخلو من التجريد، إذ تارة تكون الوردة انعكاساً للخسارة والخذلان كما يقول في نص الكراهية:
سقطت الوردة من الكف
وما لمّها أحد..
والذي أحبكِ أيضاً سقط
وما لمَّ كلمته أحد
وتارة تكون كناية عن الحب وآلامه وأثمانه ولوعة انتظار حبيبة لن تأتي، كما نجد في أحد نصوصه:
"سقطت الوردة من الكف
وما لمّها أحد..
والذي أحبكِ أيضاً سقط
وما لمَّ كلمته أحد". لقمان ديركي
تحت شجرة الورد
سأدمي أصابعي وأنا أقطف الورد لكِ
تحت شجرة الورد
سألمُّ باقة كبيرة وأرميها أمام باب بيتكِ الخالي
وفي نصّ آخر نجد الوردة انعكاساً لانكسار الشاعر ويأسه وتخليه، في انتظار قادم حسمته الخيبات:
لا تفعل شيئاً من أجلي
فأنا مجرد شخص منسي وموحش
مثل وردة في مزهرية جفّ عليها الماء
ما الذي يمكن أن يكون أتعس من وردة مزهرية جف ماؤها؟ البعد الوجداني لا يقل عن البعد المشهدي على بساطة صورةٍ تتكرر في كل بيت فيه مزهرية، لكنّ الإسقاط هنا يجعلنا نعرف كيف ترى عين الشاعر الأشياء، تلك التي لا تلفتنا ونراها عادية تمرّ عابرة في الحياة، لكن حين نراها في القصيدة نعرف كم الشعر يرصد أرواحنا عميقاً.
الشاعرة "لينة عطفة" تحمل باقة من الورد الشامي التي قدمتها لها سيدة ألمانية خلال إحدى أمسياتها الشعرية
أما الوردة في قصيدة أنسي الحاج فتذهب أكثر باتجاه التكثيف والتجريد، الذي لطالما أخذنا الشاعر به صوب أجواء ضبابية مؤنثة ورقيقة، وعوالم مائية زرقاء، ليست الوردة انعكاساً لذاته بل لصورة الوردة في عينيه. لذا تنعكس الوردة في قصيدته مرتين مرة لها ومرة للشاعر. ورغم كل التجريد لا يمكن أن يتوه القارئ عن البراءة والعفوية والأصالة في نص الشاعر. وأورد هنا مقطعين تنعكس فيهما الوردة رغم كلّ المخاتلة:
الوردة في قصيدة أنسي الحاج تذهب أكثر باتجاه التكثيف والتجريد، الذي لطالما أخذنا الشاعر به صوب أجواء ضبابية مؤنثة ورقيقة، وعوالم مائية زرقاء، ليست الوردة انعكاساً لذاته بل لصورة الوردة في عينيه.
خَلَقَ الله الوردة بيضاء
عندما رأت آدم يتأمّلها وهي تتفتّح
استحتْ، ومن خجلها صارت حمراء..هكذا تقول الحكاية
ولا تقول لماذا استحتْ، أَمِنَ النظرِ إليها أم من خواطرها؟
المقطع الثاني:
كعنق وردةٍ ابتهلتُ إلى حريتي التي لم تقدر أن تفعل لي شيئاً
أيُّ بتلاتٍ تلك وأي خيال نسرح فيه مع قاسم حداد الذي كتب ديوان طرفة بن الوردة، معيداً نسب أحد أهم شعراء الجاهلية إلى أمه التي تُدعى وردة، في خيار نسوي وشعري عميق في وجدانيته إذ ليس الاسم إحالة للأم فقط بل إلى ذلك الشيء البديع الذي سميناه وردة.
أعاد قاسم حداد نسب أحد أهم شعراء الجاهلية إلى أمه التي تُدعى وردة في ديوانه "طرفة بن الوردة"، في خيار نسوي وشعري عميق في وجدانيته إذ ليس الاسم إحالة للأم فقط بل إلى ذلك الشيء البديع الذي سميناه وردة.
تتنقل الوردة في معانٍ واسعة متنوعة وجيّاشة رغم مخاطرة الارتكاز على هذا الرمز المتداول والهش، لكننا نجد الوردة تتألق في التشبيه واللون والمعنى بين الرقة والمرأة والأنوثة والحب والجسد والحرب، وتنويعات تتوالد بعضها من بعض وتختبر ذاتها وتأخذ القارئ إلى عوالم جديدة في تخليق اللغة والمعاني. فاللغة كائن وداخله الوردةُ كائن، وداخل الوردة مجاز للكائنات والأشياء والعواطف للحسي والمعنوي، الشعري والفلسفي، الأرضي والسماوي، تحمل الوردة ضدها ثم تعود إلى ذاتها. وكون مفردة الوردة تتكرر كثيراً في الديوان ولا أستطيع إيرادها كاملة ولا أن أشير إلى كلّ المقاطع، أكتفي باختيار سطر شعري لامع شاهق يدلّ القارئ على مدى التنويع والجمال والفرادة في استخدام دلالات الوردة وهو:
يؤلّف غابة من وردة
فعلاً في هذا الديوان كلّ وردة غابة، وكلّ بتلة حديقة وكلّ معنى تحليق شعريّ يبتعد بالقارئ إلى أقاصي لذة التخييل.
أتذكر الورد الذي تفتّح في قصائد الشعراء الذين أثروا بي ومنحوا خيالي أجنحة وروحي نوافذ مشرعة، وأعود لسؤال طرحته عليّ الكاتبة الألمانية أنيكا رايش، حين كنّا نعمل على ترجمة قصيدة لي تحمل عنوان (تفتحت في يدي). فقالت: "ما الذي تعنيه الوردة في الثقافة العربية؟"، ثم أضافت: "أعني كيف يراها الشعراء المعاصرون؟".
بعد أن استغربت استخدامي لمفردة وردة في القصيدة، إذ إن الثقافة الألمانية وفي الشعر على وجه التحديد لفظت وتجاوزت مفردات تحيل إلى الرومانسية والعذوبة، واعتبرتها مبتذلة أو ساذجة أو تعلوها أكوام من الغبار فكلمات مثل: ملاك، دموع، قلب، روح، فراشة، وطن، رحمة، قدر، وردة… تحيل إلى الرقة والتعميم والاستسهال.
لكنها رحّبت بالوردة في قصيدتي انطلاقاً من تكرارها، ومن وجودها ضمن سياق يبتعد عن معناها الكلاسيكي ويحيل إلى فكرة النص حول علاقة المرأة بالمرأة، والحرية التي تفتقدها النساء في العالم.
"يؤلّف غابة من وردة". قاسم حداد
جعلتني كتابة هذا المقال أعيد التفكير بمعنى وحضور الوردة في القصيدة العربية، وأتذكر بحبّ النصوص التي أثرت بي، حاولت أن أكثف الفكرة على قدر مساحة هذا المقال، لكنني أعتقد أن حضور الوردة الكثيف والغني والمتوهج في قصائد العديد من الشعراء يستحق أن تفرد له دراسة نقدية وفنية، وبحث موسع في معاني الوردة ومجازها، وعلاقتها بذات الشاعر وواقعه، وربما تكون دراسات كهذه بمثابة تكريم للشعراء العظماء الذين رموا بتلات ورودهم على خيالنا وأضاؤوا لأرواحنا الطريق.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.