لم تعرض الأعمال اللبنانية مشاكل القطاع المصرفي واحتجاز الودائع مثلاً، أو حتى غلاء الأسعار وقلة فرص الأعمال، أو انتظار الفان رقم 4 لأن تعرفة السرفيس قد تجاوزت الخمسين ألفاً، ورغم أن العديد من الأعمال السينمائية اللبنانية، كأفلام نادين لبكي مثلاً، حاولت معالجة الواقع، ولكن الأحداث اليومية وكثرة المشاكل قد تحتاج لإنتاج عشرة أفلام يومياً دفعة واحدة لمواكبتها، وهذا ما لفت انتباه صنّاع فيلم "أرزة".
هذا الفيلم اللبناني يعالج الواقع الحالي بمختلف تفاصيله المعيشية الصعبة، ويختار الحارات الشعبية وأحياء بيروت كمواقع تصوير، يستقي منها قصص الناس ومشاهداتهم ويومياتهم، ليرويها ضمن مختلف الطوائف والمذاهب والانتماءات، وتدور أحداثه حول قصة "أرزة"، وهي أم لبنانية عزباء، أرغمتها ظروف الحياة على العمل أكثر من طاقتها في صناعة الفطائر وبيعها لتأمين لقمة العيش لابنها كنان وشقيقتها ليلى.
يستعرض الفيلم الحياة الاجتماعية وتحدياتها ومشاكل النساء، ولا سيّما الأم العزباء التي تعيش صراعاً مع ابنها الذي يرغب في السفر كباقي الفتيان.
تصوير: دنيا صبح
كم من اللبنانيات يشبهن "أرزة"؟
يمكن أن تعتبر قصة أرزة وشرائها الدراجة النارية لتوصيل الطلبات هو قصة نجاح ومواجهة مشاكل الحياة، وتشبه قصتها العديد من النساء اللواتي يعتمدن على أنفسهنّ، ولكن لا أحد يمكن أن يعلم كم كلفها هذا الأمر لتصل إليه، وهل هي راضية عن عملها؟ وما هي التحديات التي تواجهها في إعالة أسرة كاملة؟ وكم يمكنها الصمود في وجه الانهيار الاقتصادي؟
رغم أن العديد من الأعمال السينمائية اللبنانية، كأفلام نادين لبكي مثلاً، حاولت معالجة الواقع، ولكن الأحداث اليومية وكثرة المشاكل قد تحتاج لإنتاج عشرة أفلام يومياً دفعة واحدة لمواكبتها، وهذا ما لفت انتباه صنّاع فيلم "أرزة"
تصوير: دنيا صبح
في كواليس تصوير الفيلم في إحدى الحارات الشعبية في منطقة مار مخايل التقينا فريق العمل، وتحدثت الممثلة دياموند بو عبود لرصيف22 عن هذا العمل ودورها فيه: "حين قرأت سيناريو الفيلم خفق قلبي، وشعرت بأنه نص ذكي يتحدث عنّا ويعنينا، وأنا أنتمي لبيئة أرزة ورحلتها وحريصة عليها لأنه تشبه العديد من النساء في مجتمعنا، فهي محاربة وتأخذ من الضعف قوة، وأنا أحترم هذه الشخصية النبيلة القوية، لأنها اختارت الحياة ولم تهرب بل شعرت بالمسؤولية تجاه شقيقتها وابنها".
وتتابع دياموند بالقول: "هذه الشخصية موجودة في ذاكرتي وفي طفولتي، تشبه بيروت، تنكسر وتكمل الحياة مثلنا جميعاً، وهذا ما حدث معي في الفيلم، إذ تعرضت لسقوط عن الدرج أثناء التصوير، ورغم إصابتي تابعت التصوير".
وحول اختيارها للشخصيات، قالت بو عبود: "أختار شخصياتي وشخصياتي تختارني أيضاً، الممثل يعيش مع الشخصية ويتماهى معها، وهذا ما أفعله من خلال الوصول إلى عمقها وتفاصيلها على الصعيد الجسدي والنفسي والاجتماعي، فأنا أعطي جسدي للشخصية وعقلي وتفاصيلي لنصبح واحداً، الممثل حين تكبر ال (أنا) لديه يسقط، لا أفكر بأن أضع الماكياج مثلاً لأن هذا لا يناسب الشخصية، ولا مانع لديّ من أن يكون لديّ ابن كبير في فيلم، لأن أرزة أنجبت ابنها وهي صغيرة في السن وهذا ما يبرر الفكرة".
وحول أعمالها السينمائية والتلفزيونية وتأثيرها في الشارع، أجابت دياموند: "عملي السينمائي الأخير (أصحاب ولا أعز) فيلم ذكي وشخصياته من المجتمع، وكل ممثل لعب دوره بشكل جيد، وأنا فخورة بهذا العمل والجدل الذي أثاره دليل نجاح، هذه النقاشات صحية دون أن نضطر لأن (نتخبى ورا إصبعنا)، فالعمل يناقش مواضيع اجتماعية من خلال فكرة تبديل الأجهزة بين الشركاء، أما في بقية أعمالي فأنا أحاول أن أكون صادقة مع نفسي من خلال العمل الذي يخدمني، ولا أعارض فكرة الأعمال العربية المشتركة إن كان مبرّرة".
تصوير: دنيا صبح
تلعب الممثلة بيتي توتل شخصية "ليلى"، الشقيقة الكبرى لأرزة، والتي عانت في حياتها من تراكمات عديدة أوصلتها لزاوية ضيقة تحمل العديد من المشاكل النفسية.
وحول شخصيتها في الفيلم، تقول بيتي توتل لرصيف22: "شخصية ليلى مختلفة، فهي لا تخرج من المنزل وتخاف من ذلك، الزمن متوقف عندها وتعيش في عالمها الخاص، وتستهويني الشخصيات المختلفة البعيدة عني كلياً مثل شخصيتي في فيلم (محبس)، وهذه الشخصيات عموماً تشفق عليها، فالمرأة دائماً بحاجة أن تثبت شيئاً ما وهذا ينتج عن تجارب قاسية في حياتها".
وتضيف توتل: "من الضروري أن يشبهنا العمل الفني، لديّ نفور من الأعمال التي تعيش شخصياتها في القصور ولا تشبهنا ولا تمثل أكثر من 2% من المجتمع، والشخصيات في هذا الفيلم مثلاً تشبهنا في همومها الحياتية اليومية، كالهم في دفع فواتير الماء والكهرباء وغيرها، وهذه التغيرات التي طرأت علينا في السنوات الأخيرة لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها".
وتتابع حديثها بالقول: "حاولت أن أقاطع بين ما عشته في حياتي وما عاشته ليلى لكي نصبح شخصاً واحداً، فالشخصية تُخلق مما سمعناه وشاهدناه وتأثرنا به، وهذا ما يجعلني أبكي حتى بعد نهاية المشهد، والشخصية ترافقني طيلة هذه الأيام حتى انتهاء التصوير".
الممثل الشاب بلال حموي يمثل شخصية "كنان"، وهو ابن أرزة الذي يعيش مع أمه العزباء وخالته في منزلٍ واحد، ويحتدم الصراع بينه وبين والدته، ما يجعله يرى في السفر السبيل الوحيد لخلاصه الفردي كمعظم الشباب اللبناني والعربي حتى.
وعن شخصية كنان ومشاكل الشباب وتحدياتهم، يتحدث الممثل حموي لرصيف22: "أخذت الدور في الفيلم قبل قراري بالسفر إلى مصر بأسبوع واحد، الشخصية تتحدث عن كل شخص في هذا البلد بما فيه من معاناة، وكنان يعاني من مشاكل مع والدته أيضاً وهذا ما يدفعه للسفر أكثر، هذه الشخصية قريبة مني جداً في فكرة السفر والدوافع، ولقد تعلقت بالشخصية جداً، والجميع يتعامل معي الآن على أني كنان".
ويضيف: "تحمل الشخصية نقلة نوعية من ناحية التحول من الشاب اللطيف المهضوم إلى الشاب الذي يعاني من مشاكل ولا يمكن التحدث معه، وأنقل هذا الاختلاف في الشخصية إلى الكواليس حتى، وتعلّمت من خلال تجاربي السابقة ولا سيّما في مسلسل (مسافة أمان) مع المخرج الليث حجو الذي أعطاني الثقة، بالإضافة لمسلسل (عهد الدم) بمشاركة النجم باسل خياط، ولكن السينما تختلف عن التلفزيون لأنها تحتاج لعفوية وتلقائية وللقليل من الدراما".
صنّاع الفيلم: "الفيلم من الناس وللناس"
فيلم "أرزة" من من تأليف لؤي خريش وفيصل شعيب وإنتاجهما أيضاً، بالإضافة إلى مشاركة زينة بدران، صاحبة الشركة الإنتاجية المنفّذة للعمل في لبنان، ويشارك في بطولته بالإضافة للنجوم الذين التقيناهم: فادي أبي سمرة، جنيد زين الدين، فؤاد يمين، إيلي متري، طارق تميم هاجوب درغوغاسيان، جويس نصر الله، شادن فقيه، محمد خنسا، وهو من إخراج الشابة ميرا شعيب.
وحول فكرة الفيلم وتنفيذه، يقول المؤلفان، لؤي خريش وفيصل شعيب، لرصيف22: "لدينا تعلّق بموجة السينما الإيطالية الواقعية التي تبرز البلد وتفاصيله من خلال قصة بسيطة بدلاً من التعقيد، وهذا ما نفتقده في لبنان، واستوحينا قصة الفيلم من أشخاص مقربين واجهوا نفس الصعوبات والتحديات، وفكرة الفيلم بدأت عام 2012 وأما الكتابة الجدية فكانت في العام 2016، كنا نعيش في مدن مختلفة في البداية، ونتقاطع مع قصة كنان في الرغبة في السفر عندما كنا في سنّه، وهذا ما فعلناه، وتأثرنا بأفلام السبعينيات الأميركية والتي أطلق عليها movement American new way، نريد في فيلمنا الحديث عن لبنان ومشاكله وتقسيماته الطائفية دون التطرق المباشر، ويهمنا صناعة فيلم يحمل رسالة ويستهدف المشاهد".
هذا الفيلم اللبناني يعالج الواقع الحالي بمختلف تفاصيله المعيشية الصعبة، ويختار الحارات الشعبية وأحياء بيروت كمواقع تصوير، يستقي منها قصص الناس ومشاهداتهم ويومياتهم، وتدور أحداثه حول قصة "أرزة"، وهي أم لبنانية عزباء، أرغمتها ظروف الحياة على العمل أكثر من طاقتها في صناعة الفطائر وبيعها لتأمين لقمة العيش
تصوير: دنيا صبح
عن صعوبة تجسيد الواقع الحالي بكل انهياراته ونقله إلى الشاشة يقولان: "حاولنا صناعة هذا التوازن في السيناريو من خلال بعض المواقف الطريفة وبعض المواقف الجميلة والقوية والمفرحة، بالإضافة لإبراز القضايا الاجتماعية المختلفة، كمشاكل المرأة والشباب وغيرها ضمن القصة".
وحول التفاصيل الإخراجية للفيلم، تقول المخرجة ميرا شعيب لرصيف22: "عندما قررنا تنفيذ القصة، وبعدما قرأتها ذكرتني بوالدتي وعائلتي، فمنذ طفولتي كنت أفكر مثل شخصية كنان. الحل الوحيد عنده هو السفر، وعلاقتي بوالدتي تشبه علاقة كنان بوالدته القائمة على الخلافات، وهذا ما جذبني تجاه القصة، والعمل كان فيلماً قصيراً في البداية، وقمنا بتطويره ليصبح فيلماً روائياً طويلاً، هذه تجربتي الأولى في هذا النوع".
وتضيف: "الفيلم نصنعه للناس، وهو ليس فيلماً تجارياً فقط، بل يعتمد على النص الجميل والتمثيل والقصة من الناس وللناس، وليس فقط للعرض في المهرجانات بل لمشاهدته من الشعبين اللبناني والعربي، وهذا ما جعلنا نصوّر الفيلم في أحياء بيروت، لأن أبطال الفيلم جزء من الحارة الشعبية، هدفنا هو الحديث هذه الطبقة التي لا يُحكى عنها كما هي، وحالياً هي الغالبية من الشعب اللبناني في الوضع الحالي".
تصوير: دنيا صبح
كما حدثتنا المخرجة عن قلة المخرجات السينمائيات في لبنان والعالم العربي وقالت: "لا يوجد دعم للمرأة في هذه المجال، وهذا الأمر شائع حتى في هوليوود، هذا لا يعود لقلة الموهبة بل لقلة الدعم، وواجهت دائماً أسئلة حول سبب رغبتي بتنفيذ هذه الفكرة تحديداً، أو أن عمري أصغر من أن يسمح لي أن أتحدث عن فكرة الطوائف مثلاً، ولكن تغلبت على هذه العوائق، وأعتقد أن كل مخرجة أو عاملة في المجال الفني واجهت مثل هذه الصعوبات".
تواجه المرأة اللبنانية اليوم ثلاثة مستويات من الأعباء، أعباء المرأة عموماً والمشاكل التي تعترض طريقها منذ ولادتها، مشاكل المرأة الشرقية وصراعها مع السلطة الذكورية والنظام الأبوي، بالإضافة لهموم المرأة اللبنانية في مستقبلها ومستقبل أسرتها وما يواجهها من مشاكل اجتماعية وانهيار اقتصادي وانفلات أمني وغيره، وبالنسبة لها بات من يقف ضدها ومن يتغنّى بها سيّان، فلا أحد يسألها ما الذي تحتاجه، وربما قصة أرزة تشبه الأرزة التي بقيت صامدة، ولكنها في الواقع تعاني من الاختلال البيئي والحرائق وقلّة المياه.
الجدير بالذكر أن فيلم "أرزة" من إنتاج شركة "Ambient night" لصاحبها علي العربي، واللافت أن مهرجان البحر الأحمر السينمائي دعم الفيلم وسجّله لدخول المهرجان العام المقبل، كما يدعم الفيلم المرأة ليس من خلال قصته فقط، بل من خلال الجهود النسائية فيه، بحيث أن طاقم العمل يتألف بمعظمه من النساء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين