الرواية الرقمية هي رواية تتم كتابتها وقراءتها عبر أجهزة الكمبيوتر أو الأجهزة الإلكترونية الأخرى، مثل الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية.
على الرغم من عدم انتشارها بما فيه الكفاية، فرضت الرواية الرقمية نفسها على الواقع الأدبي منذ أكثر من 35 عاماً، وذلك في نص بعنوان "ظهيرة" لمايكل جويس، واستخدم فيه الحاسوب وخصائص التشعب، وبعد عشر سنوات ظهر كذلك نصان فرنسيان هما "الزمن القذر" لألان شيفو وجيل أرمانيتي وفرانك ديفور و"20% حب زيادة" لفرانسوا كولون.
وظهرت أول رواية رقمية عربية عام 2011، بعدما أصدر الكاتب الأردني محمد سناجلة روايته الأولى بعنوان "ظلال الواحد" عبر موقعه الإلكتروني، لكن محمد سناجلة ليس الكاتب العربي الوحيد الذي قرّر استخدام هذه التقنية الروائية الجديدة، فعام 2017 صدرت رواية "حصن التراب" للكاتب أحمد عبد اللطيف، التي دخلت القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2018، المعروفة باسم "جائزة بوكر العربية".
ظهرت أول رواية رقمية عربية عام 2011، بعدما أصدر الكاتب الأردني محمد سناجلة روايته الأولى بعنوان "ظلال الواحد" عبر موقعه الإلكتروني
رواية رقمية وليست إلكترونية
قبل التفرقة هنا بين الرواية الورقية والرواية الرقمية، يجب إظهار الفرق ما بين الرواية الرقمية والرواية الورقية التي تم تحويلها إلى نسخة إلكترونية، سواء شرعية مثل تلك التي يمكن شرائها والاطلاع عليها عبر أجهزة كيندل، أو المقرصنة التي يمكن تحميلها عبر الإنترنت.
فالرواية الرقمية هي رواية مكتوبة بالأساس لهذا الوسيط الجديد، وستفقد جزءاً من بنيتها وشكلها الجمالي ومعناها في حال تم إزالتها من وسيطها الرقمي وطبعها ككتاب ورقي، فهي تحتوي على صور متحركة، أو مقاطع فيديو، أو روابط تقود إلى صفحات أخرى، أو مؤثرات بصرية وصوتية.
على عكس الكتب الورقية التي تحوّل إلى نسخ إلكترونية، وينتقل فيها القارئ من صفحة إلى أخرى بطريقة خطية، ففي الرواية الرقمية يلعب القارئ دوراً في عملية بناء السرد، وذلك عبر اختيار الروابط أو الـ Hyper Text ويتحكم في رحلة الشخصية عبر عالم القصة، وبالتالي تتطلب الرواية الرقمية تفاعل القارئ مع عملية السرد طوال تجربة القراءة.
وإن كانت الرواية الرقمية على الرغم من نشر أول النسخ العربية منها عام 2001 لازالت مستجدة على القارئ العربي، ولم يتم استيعابها أو التعامل معها بصورة تجارية حتى الآن، فالمفهوم نفسه ليس بعيداً عن الذهن.
لماذا لم تستطع الرواية الرقمية حتى الآن تحقيق الشعبية المتوقعة والمستحقة من الناحية النظرية، خاصة وأن المتلقي العربي يصبح كل يوم أكثر تماهياً مع فكرة الرقمنة، سواء في حياته العملية أو الشخصية؟
فمنذ عقد أو أكثر بقليل انتشرت المواقع الإلكترونية العربية، والتي استبدلت في بعض الأحيان النسخ الورقية لبعض المطبوعات الشهيرة، أو على الأقل أصبحت مكافئة لها، وهذه المواقع والقائمون عليها بالتدريج استطاعوا تفهم طبيعة هذا الوسيط الجديد المختلف عن الورقي، وبالتالي يتم تعزيز المقالات المنشورة بمقاطع الفيديو أو المقاطع الصوتية أو المؤثرات البصرية، مع الروابط التي توصل بين بعض الكلمات المختارة ومقالات أخرى متوسعة أكثر، سواء من خارج الموقع أو من داخله، بل إن هذه التعزيزات الإلكترونية أصبحت الآن مفروضة من المتصفحات الشهيرة، مثل جوجل الذي يتطلب من المقالات تحقيق حد أدنى من المتطلبات، سواء في الروابط الخارجية والداخلية والفيديوهات، ليعمل على إيصال المقالات للقراء وتصدرها عندها البحث.
على الجانب الآخر، تعرف المتلقي العربي على الحلقات التفاعلية التي تشبه في بنيتها الروايات الرقمية في مسلسل "المرآة السوداء Black Mirror" عبر منصة نيتفلكس الإلكترونية، والتي امتازت بحبكة تفاعلية، يختار المشاهد بنفسه مصير الشخصيات عبر خيارات متعددة.
بالرجوع إلى صفحة رواية "حصن التراب : حكاية عائلة موريسكية" على الموقع الرائج "goodreads" نجد أن كثير من القراء لم يستسيغوا فكرة الروابط المضمنة في الرواية
ومع انتشار كورونا، شهد العالم نقلة إضافية باتجاه الرقمنة، وذلك على اتجاهين، الأول العملي، وذلك متمثل في العمل والتعليم عن بعد، وانتشار تطبيقات العمل والدراسة، وكذلك من ناحية الترفيه بعد إغلاق دور العرض السينمائية والمسرحية، لتتسيّد المنصات الإلكترونية الساحة، وبعدما كانت نيتفلكس هي الأشهر، ظهرت منصات أخرى مثل أبل تي في بلس وديزني، وزاد نشاط منصات أخرى مثل أمازون وهولو.
وبالتالي حتى مصطلح القرية الصغيرة -الذي انتشر في بدايات الألفية الثالثة وبعد انتشار استخدام الإنترنت- لم يعد هو التعريف الأمثل للعصر الذي نعيشه الآن، بل كما قال محمد سناجلة في كتابه رواية الواقعية الرقمية: "العالم أصبح شاشة زرقاء".
"حصن التراب" تاريخ الأندلس المرقمن
تدور أحداث رواية "حصن التراب" لأحمد عبد اللطيف حول عائلة "دي مولينا" الموريسكية المسلمة، التي اضطر أفرادها، بعد سقوط الأندلس، إلى ترك بلادهم والشتات في الأرض، جيلاً بعد جيل تذوقوا الذل على يد محاكم التفتيش والتضييق الذي حدث على المسلمين في كونيكا وغرناطة وقرطبة، وقررت هذه العائلة الاحتفاظ بتاريخها بنقله مكتوباً في مخطوطات ورقاقات، على البنت/ الابن الأكبر تسلميها إلى التالي له، لإعادة نسخها، وترجمتها للغة الرائجة وقتها.
الرواية الرقمية يجب أن تتحرر من شكل الرواية أكثر من ذلك، لتصبح نوعاً منفصلاً بذاته، حتى يستطيع القارئ العربي والغربي استقبالها كنوع جديد من المحتوى وليس تحويراً على الصنف الأدبي الأثير لقلب ملايين القراء
وعبر سرد غير خطي، ينتقل القارئ بين مراحل مختلفة من تاريخ هذه العائلة، ويصبح عليه أن يصنع هذه الروابط بين أفرادها، وكذلك تحديد موضعها الزماني والمكاني، وبدون الحاجة إلى الكثير من الشرح حول تفاصيل سقوط الأندلس وحال العائلات الموريسكية الأخرى، استعان الكاتب بتقنيات الرواية الرقمية، بوضع روابط يوتيوب توصل بأفلام وثائقية مفيدة لتقديم هذه المعلومات.
كذلك استغل أحمد عبد اللطيف هذه الرقمنة في تهيئة مزاج القارئ لفهم طبيعة الثقافة الأندلسية المسلمة، بوضع روابط لموسيقى وأغان وأناشيد يمكنه الاستماع لها خلال القراءة، وهي حرية ربما تمناها الكثير من الكتاب السابقين الذين يرغبون بمد سيطرتهم على قارئهم، ليس فقط ليتحكموا بحاسة البصر لديه، لكن كذلك السمع.
صدرت "حصن التراب" في نسخة ورقية عادية عن دار العين، ثم مرة أخرى عبر تطبيق "أبجد" الإلكتروني، الذي استطاع الانتشار في وقت وجيز، مقدماً خدمة الكتب الإلكترونية الشرعية مع حفظ حقوق أصحابها، وبالتالي يمكن قراءتها بالصورة التي رغب فيها كاتبها، مرفقة بالروابط الإلكترونية.
بالرجوع إلى صفحة الرواية على الموقع الرائج "goodreads" نجد أن كثير من القراء لم يستسيغوا فكرة الروابط المضمنة في الرواية.
ليطرح سؤال نفسه: لماذا لم تستطع الرواية الرقمية حتى الآن تحقيق تلك الشعبية المتوقعة والمستحقة من الناحية النظرية، خاصة وأن المتلقي العربي يصبح كل يوم أكثر تماهياً مع فكرة الرقمنة، سواء في حياته العملية أو الشخصية؟ فهل العيب في طريقة الترويج للرواية الرقمية العربية، أم في عدم قدرة كتاب هذا النوع من الأدب على استخدام الرقمنة والوسائل التكنولوجية المتاحة في نصوص مثيرة للقراء جاذبة للاهتمام، مثلما يحدث بصورة يومية في المواقع الإلكترونية أو ما قامت به نيتفلكس في مسلسل "المرآة السوداء" أو أعمالها القادمة؟
وهناك أزمة إضافية تواجهها الروايات الرقمية في الوطن العربي، وهي ضعف الإعدادات المهيئة لهذه الأعمال، فعلى سبيل المثال في نسخة "أبجد" من رواية "حصن التراب" نجد أن روابط يوتيوب موضوع كاملة في نهاية كل فصل، دون حتى تضمنيها على هيئة "Hyperlink" الأمر المتبع في المواقع الإلكترونية بسهولة، ما جعل هذه الروابط تبدو فجأة كأنها أمر خارج النسق والشكل الأدبي المتوقع من رواية.
ربما الرواية الرقمية يجب أن تتحرر من شكل الرواية أكثر من ذلك، لتصبح نوعاً منفصلاً بذاته، حتى يستطيع القارئ العربي والغربي استقبالها كنوع جديد من المحتوى وليس تحويراً على الصنف الأدبي الأثير لقلب ملايين القراء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...