أثار قرار مزعوم بـ"إلزام" طلاب المرحلة الثانوية في العام الدراسي الجديد بالسعودية بأداء نحو 40 ساعة من "العمل التطوعي" كشرط للحصول على شهادتهم، ضجّة واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في البلاد خلال الساعات الماضية.
أفادت حسابات خبرية وشخصية نشطة في الشأن السعودي عبر تويتر: "خلال العام الدراسي الجديد في السعودية، مطلوب من كل طالب في المرحلة الثانوية إكمال 40 ساعة من العمل التطوعي، وإذا لم يفعل لا يحصل على الشهادة الثانوية".
نظام "مطوّر" للثانوية
ويعود قرار إلزام طلاب الثانوية بـ"ساعات تطوعية" للتخرج إلى منتصف أيار/ مايو 2022 إذ أُعلن عن "نظام مسارات الثانوية الجديد" باعتبار أنه "نموذج مطوّر يجمع بين مطالب العصر والجوانب العلمية والقابلية للتطبيق" يشمل "تخصصات ومسارات جديدة تتسق مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة والخطط التنموية ورؤية المملكة 2030".
ورد آنذاك أن النظام ينقسم "تسعة فصول دراسية موزعة على ثلاث سنوات" أولاها دراسة مشتركة تليها سنتان من الدراسة المتخصصة بنظام يقال إنه "يقلل هدر الوقت ويخفف الضغط النفسي على الطالب، ويوفر خيارات التعليم عن بعد والتعلم المدمج التي تمنحه فرصاً متنوعة للتعلم، وتوسع الخيارات لديه بعد حصوله على الشهادة الثانوية؛ فبإمكان الطالب بعد التخرج التوجه للجامعة أو سوق العمل".
نظام جديد للثانوية العامة في السعودية "يُلزم" كل طالب وطالبة بأداء ساعات عمل "تطوعي" كشرط للحصول على شهادة التخرّج، ومواطنون متخوفون من أن يكون ذلك "ابتزازاً" و"عبودية مقنّعة" لأبنائهم
لم يركز الإعلان في حينه على "الساعات التطوعية". وليس واضحاً السبب وراء الحديث عنه في الساعات الأخيرة. علماً أنه لم يرد في أي منشور موثوق به تحديد ساعات التطوع المُلزِمَة لكل طالب. لكن "رؤية 2030" تهدف إلى الوصول إلى مليون متطوع ومتطوعة و50 مليون ساعة تطوعية في 2030، أي نحو 40 ساعة لكل فرد تقريباً.
لكن تقارير إعلامية لاحقة نقلت عن وزارة التعليم بالمملكة أن "مشروع التخرج والعمل التطوعي من متطلبات التخرج للمرحلة الثانوية"، ودافعت عن الساعات التطوعية الإلزامية - على لسان خبراء تربويين - بالقول إنها "تُفضي إلى سلوكيات مثمرة، وتسهم في تغيير سلوكيات الطلاب والطالبات إلى الإيجابية في مخزونهم الفكري والخيري، وتجعلهم أكثر إدراكاً لأهمية إدارة الوقت، وتزيد من نشاطهم وهمتهم، ما يجعلهم مساهمين في التنمية وبناء المجتمع".
وامتدحت التقارير عبر وسائل الإعلام الموالية للدولة مساعي "التربية" لـ"ولادة جيل تطوعي". علماً أن وزارة التربية السعودية انخرطت في العمل التطوعي عبر إدراجه في مبادرات وبرامج وأنشطة مختلفة في عام 2020.
"ابتزاز" و"عبودية"؟
عقب رواج خبر إلزام طلاب الثانوية في العام الجديد بالساعات التطوعية، عبّر الكثير من المعلقين السعوديين عن استيائهم مما رأوه "قراراً ارتجالياً غير مدروس" يعكس "تخبط" الوزارة ويضيف "عبئاً، وإرهاقاً إضافياً للطلاب" ويجعل الثانوية "مقبرة للطلاب"، مؤكدين أن "التعليم عندنا يبي له رؤية لحاله".
كتب أحدهم: "مساكين حقين الثانوي يعني يلقونها من المدرسة ولا القدرات والتحصيلي والحين زادوها عليهم. قرارات غريبة وكارثية". وزاد آخر: "صاحيين هالوزارة؟ صايرين مصلحة سجون يبوا 40 ساعة خارج الدوام!".
وكان هناك اعتراض متكرر على التسمية بالنظر إلى التناقض بين "مطلوب" و"تطوعي". فسخر معلقون بعبارات حادة، منها: "أول مرة أشوف عمل تطوعي بالغصب" و"كيف تطوع إذا هو إجباري؟" و"وش هالتطوع الإجباري!".
وقال الناشط عبر السوشال ميديا فهد العتيبي: "وزارة التعليم لازم كل سنة تصدمنا بقرار غريب، يا أخي متى يعرفون أن التطوع موب بالإجبار؟ وش مقصّر فيه مصطلح (خدمة مجتمعية)!".
ولفت البعض إلى أنه "إذا أردت أن تُطاع فأمر بما هو معقول"، محذراً من أن هذه الاشتراطات قد تُعلِّم الأجيال الجديدة "التسليك" أو التحايل و"بيصير حالها حال مشروع التخرج تقارير مكررة وساعات وهمية مالها فايدة".
"تقليد أعمى للغرب"؟… تهدف #رؤية_2030 للأمير محمد بن سلمان إلى بلوغ مليون متطوع ومتطوعة و50 مليون ساعة تطوعية في 2030. فرض نسبة من هذه الساعات على طلاب الثانوية يُثير جدلاً
وكتبت غصون المحمدي: "الناس ما هو كلهم فاضين ولا كلهم ظروفهم وحدة الناس عندهم أشغال وظروف وأوليات ما يعلمها غير رب العالمين. المفروض التطوع يستقطب الناس اللي عندها وقت فراغ أو عندهم توجه له ما يكون إلزامي على الناس كلها".
اتفق حساب باسم "نبض الوطن" مع هذا الرأي إذ قال: "الوزارة تنظر لكل الطلاب من معيار واحد وكأن الجميع لديهم أسر ميسورة اقتصادياً وغير مفككة ولديهم مواصلات. سؤال: الطلبة بالقرى كيف يتطوعون؟!". وعقّب مغرد ثالث: "مشكلة أزلية في العالم أنو ذوو الرفاهيات هم من يقررون مستقبل ذوي الحاجة".
في الأثناء، عبّر البعض عن شكوكه بأن القرار يزج بالطلاب في "سخرة" و"استعباد" في عمل إجباري بدون راتب وليس عملاً تطوعياً بمفهومه المحمود، متسائلاً "من يستهدف تعليمنا وأبناءنا ومستقبل وطننا؟". وقال مغرد إن الخطوة التالية هي أن يُطلب من الطالب "التبرع بأحد الأعضاء".
وقال عبد الله: "إذا صح الخبر وبالصيغة هذي فالوضع مأساوي حد الضحك. إنسان يدرس 12 سنة بتحرمه من شهادته وتعطل رزقه عشان ساعات تطوع؟ تقدر تدخل التطوع أثناء دراسته وبطريقة تربوية وتعليمية بدون صيغة الابتزاز والتهديد هذي. متى تستوعبون أن كل حل له طريقة مهذبة ومحترمة أكثر من هذي الأساليب الوضيعة؟".
وكتب أخصائي العلاج النفسي السلوكي تركي الداوودي: "لا تدخلون التطوع في خططكم اللي ما أدري وين متجهة. خلوا عيالنا يركزون في دراستهم وفكونا شركم".
وتساءل عبد الحكيم السعدي عمّا إذا كان القرار تقليداً أعمى للغرب دون دراسة لملاءمته للمجتمع السعودية. قال: "هل هو تفاخر بالجديد دون دراسة أم شعارات بين الأمم؟"، موضحاً أن جوهر "العمل التطوعي عشق داخلي اختياري وليس إجبارياً". وسأل: "هل عجزت الوزارة على وضع خطط تربوية لتشجيع الأبناء على الأعمال التطوعية داخل سور المدرسة رغم كثرتها وتنوّعها، ما جعلها تطلب من طلابها الانخراط بعمل تطوعي لعدد 40 ساعة إجبارية؟".
"مشكلة أزلية في العالم أنو ذوي الرفاهيات هم من يقررون مستقبل ذوي الحاجة"
اقتراحات لتطوير القرار
على الجانب الآخر، رأى فريق أن الفكرة "فكرة جميلة لكن تطبيقها سيىء"، وقدّم مقترحات لتطويرها كي تصبح أكثر إيجابية.
واقترح حساب لمعلم سابق يُدعى أحمد الغامدي: "لو تطوع ضمن برنامج واضح مع بيان مجالات التطوع وحرية اختيار المجال الذي يتطوع فيه الطالب لكان أجدى، وليت ذلك يتحول إلى تجنيد إجباري لمدة لا تقل عن عامين يتم فيها صقل شخصية الشاب مع تعليمه إحدى المهن والحرف اليدوية التي يحتاجها سوق العمل والمشغولة بملايين الوافدين".
وأوصى ماجد العلكمي بأن "تعاود وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية النظر في موضوع الفرق التطوعية القائمة وآلية تنظيميها والتشديد على أن يكون يدير تلك الفرق من المختصين"، واصفاً القرار بشكله الحالي بأنه "ليس إلا فوضى".
وأوصى كثيرون بأن توظف جهود الطلاب التطوعية في مشاريع بسيطة، منها تشجير المملكة ضمن مخطط "السعودية الخضراء" لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وخدمة المرضى وكبار السن والمعوقين بالمستشفيات والمراكز التأهيلية.
وشدد أصحاب هذا الرأي على أن العمل التطوعي من شأنه أن يحقق فائدة حقيقية للمجتمع من الشباب ويشغل أوقاتهم بما يخفف من "السربتة (الهروب) والتعاطي والمشاكل والهوشات (الشجار) بعد المدرسة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ اسبوعينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...