ما زالت رسالة السياسي الإيراني البارز، زعيم الحركة الخضراء، مير حسين موسوي، الخاضع للإقامة الجبرية في طهران منذ أكثر من عقد، والتي حذر فيها من توريث منصب المرشد الأعلى في إيران، محل جدل واسع في الأروقة السياسية منذ 9 آب/أغسطس الجاري.
وكان قد نشر موسوي رسالة لتكون مقدمة للكتاب الذي يضم الترجمة العربية لبيانات الحركة الخضراء، إذ تناول فيها خطورة توريث السلطة من قبل مجتبى خامنئي خلفاً لوالده آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى الإيراني، عبر الإشاعات التي تدل على ذلك منذ 13 عاماً حتى اليوم.
مير حسين موسوي وزهراء رَهنَوَرْد خلال احتجاجات "الحركة الخضراء"، عام 2009
ويخضع ميرحسين موسوي للإقامة الجبرية بعد قيادته للاحتجاجات على تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2009، والتي قضت بفوز منافسه الرئيس محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية، وقد اتُّهم مجتبى خامنئي نجل المرشد الأعلى بالتلاعب فيها لصالح أحمدي نجاد، ما تسبب في اندلاع احتجاجات عارمة في البلاد سميت بالثورة الخضراء أو الحركة الخضراء، وقد رفعت شعار "أين صوتي؟".
هل يرث الابنُ الحكم من أبيه؟
"هل عادت سلالات (الإمبراطورية) التي يبلغ عمرها 2500 عام، كي يرث الابنُ الحكمَ من أبيه؟"؛ هكذا تساءل مير حسين موسوي المرشح الرئاسي السابق ورئيس وزراء إيران في ثمانينيات القرن الماضي، وأردف: "منذ 13 عاماً ونحن نسمع عن هذه المؤامرة، إذا كانوا لا يبحثون عنها حقاً فلماذا لم ينفوا هذه الأخبار ولو لمرة واحدة؟"، في إشارة واضحة إلى خلافة خامنئي الذي يبلغ من العمر 83 عاماً، والمتربع على منصب الولي الفقيه والمرشد الأعلى في إيران منذ عام 1989.
"هل قدم مسؤولو النظام وخاصة مجلس القيادة إيضاحاً عن توريث خلافة الولي الفقيه؟؛ هذا ليس استفسار مير حسين موسوي فحسب، بل الفكرة ما زالت متداولة بين الرأي العام منذ ما يقارب العقد"
وطالما برز اسم مجتبى خامنئي، كأحد أبرز الأشخاص لقيادة البلاد ما بعد المرشد الحالي، إذ يتمتع الرجل بنفوذ واسع النطاق في مكتب والده، وأيضاً على قراراته حيث يشرف الوالد/المرشد الأعلى على جميع مفاصل الدولة بدعم من مؤسسة الحرس الثوري، كما لعب مجتبى دوراً بارزاً في دعم الرئيس محمود أحمدي نجاد في السباق الرئاسي عام 2009 ضد مرشح التيار الإصلاحي مير حسين موسوي، وقمع الاحتجاجات على إثر ذلك.
مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى الإيراني
ونال مجتبى درجة الاجتهاد في الفقه الجعفري مما يمكنه من الحصول على لقب "آية الله" ونيل منصب "الولي الفقيه" أيضاً، لكن ذلك يتحدى أسس الجمهورية الإسلامية التي تنفي جميع أشكال الانتقال الوراثي للسلطة وفق دستورها.
النيل من قامع احتجاجات 2009 وغضب المحافظين
ولم تهدأ ردود الأفعال المتتالية من رجال السياسة على رسالة مير حسين موسوي الجريئة خلال الأيام الأخيرة، حيث وصفه كبار قادة الحرس الثوري والتيار المحافظ بـ"المتخلف عقلياً" و"المتوهم" و"المفلس"، بينما لم ينفِ مكتب المرشد الأعلى أو مجلس القيادة أو موالي الحكومة، ما إذا كانت هناك خطة لتوريث الحكم في نظام الجمهورية الإسلامية.
وكتب الباحث السياسي المتشدد عبد الله گَنجِي تعليقاً على ذلك: "ادعاء توريث منصب القيادة من قبل موسوي دون وثيقة وبرهان وحجة، هو توأم التهمة في تزوير انتخابات عام 2009".
وتناول التفاعل السلبي مع تصريحات موسوي الجانبَ الآخر من رسالته التي انتقد فيها السياسات الإقليمية للنظام الإيراني ودعم بشار الأسد في سوريا، كما أنه في هذا البيان وصف الجنرالَ حسين همَداني، أحد قادة الحرس الثوري الذي شارك في قمع احتجاجات عام 2009 بأنه "قائد فاشل ذهب ضحية مستبد آخر في الغربة"، بالإشارة إلى مقتل همداني في حلب سوريا عام 2015.
مير حسين موسوي وزوجته زهراء رَهْنَوَرْد
وتصاعدت وتيرة انتقادات المحافظين لموسوي، واعتبر رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف أن "مهاجمة أبطال الوطن الذين قطعوا أقدام المجرمين مثل داعش من إيران، هو كمن يرمي التراب على الشمس فلن يسفر إلا عن فضيحة وتشويه سمعة المعتدين ومؤيديهم".
أما رئيس مجلس بلدية طهران المحافظ مهدي چَمرَان، فوصف الزعيم الإصلاحي موسوي بـ"المتخلف عقلياً"، كما أكد قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الجنرال أمير علي حاجي زاده، بأن موسوي "مفلس سياسياً وعقائدياً" و"متوهم".
"كلام مير حسين موسوي لا يستحق الردّ، وقد تسبب في مشاكل للنظام في وقت ما"؛ هكذا أعلن رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية الجنرال محمد حسين باقري عن رأيه إزاء تصريحات موسوي.
الإصلاحيون بين المدافعين والمنحازين
أما معسكر الإصلاحيين فقد اتخذ الكثير من زعمائه الصمت حتى الآن تجاه رسالة مير حسين موسوي، ليقتصر التفاعل مع الرسالة على المنظرين والباحثين والناشطين من التيار، بين مؤيد ورافض بلهجات قليلة الحدة.
وفي هذا السياق تفاعل أمين عام السابق لحزب كوادر البناء غلام حسين كَرباسْچي، مع قضية توريث منصب المرشد وتصريحات موسوي، عبر حوار صحفي مفصل جاء فيه: "لا نقبل حكمَه في قضية ما أو لربما تكون معلوماته غير صحيحة، لكن الحقيقة هي أن تكون القوى والشخصيات السياسية في مساحة حرة لتلقي المعلومات والاستشارة من المصادر المختلفة، ولكن عندما يكون شخصاً ما قيد الإقامة الجبرية منذ 12 أو 13 سنة، فليس له هذه الإمكانية".
وتساءل الحقوقي والنائب البرلماني الإصلاحي السابق محمود صادقي عن مهمة مجلس خبراء القيادة في هذا المجال: "أليس نواب مجلس خبراء القيادة ممثّلي الشعب؟ فلماذا لم يقدموا تقريراً عن واجبهم المتمثل بالإشراف على نشاط المرشد وخلافته، وفق المادة 111 من الدستور؟".
لجنة سرية وقائمة سرية للغاية
وفي تحدٍّ لجر المعنيين في البلاد للردّ على قضية توريث منصب المرشد حتى ولو عبر إصدار مجرد بيان ينفي ذلك، غردت أمينة عام حزب وحدة الشعب الإيراني الإسلامي الإصلاحية آذَر منصوري: "هل قدم مسؤولو النظام وخاصة مجلس القيادة إيضاحاً عن توريث خلافة الولي الفقيه؟؛ هذا ليس استفسار مير حسين موسوي فحسب، بل الفكرة ما زالت متداولة بين الرأي العام منذ ما يقارب العقد. يكفي إصدار بيان نفي فقط"، ولكن لا نفي ولا إجابة حتى الآن.
ومن واجب مجلس خبراء القيادة أن ينظر في تسمية خليفة "الولي الفقيه" في حال وفاته أو إن تعذرت عليه ممارسة مهامه، كما يُعتبر الإشراف على أدائه من أهم واجبات أعضاء المجلس وهم من كبار رجال الدين المتنفذين.
وتقع مسؤولية اختيار الولي الفقيه على عاتق مجلس خبراء القيادة الذي يضم 88 رجلاً دينياً، حيث يرى بعض المراقبون أنه إذا اقتضت الضرورة فليس من المستبعد أن تعمل مؤسسة الحرس الثوري ومجلس القيادة على تغيير الدستور والوصول بمجتبى خامنئي إلى سدة الحكم.
تثير قضية خلافة خامنئي نقاشاً متجدداً في الأوساط الإيرانية منذ عقد ونيف، حيث إلى جانب نجل المرشد الأعلى، تبرز أسماء أخرى كرئيس الجمهورية الحالي إبراهيم رئيسي وحسن الخميني حفيد روح الله الخميني
وقد كشف عضو المجلس آية الله محسن أراكي عام 2019، عن وجود لجنة تحقيق سرية تتألف من بعض خبراء القيادة وليس كلهم، بغية النظر في قائمة سرية للغاية تضم مرشحي المنصب ما بعد خامنئي.
وتثير قضية خلافة خامنئي نقاشاً متجدداً في الأوساط الإيرانية منذ عقد ونيف، حيث إلى جانب نجل المرشد الأعلى، تبرز أسماء أخرى كرئيس الجمهورية الحالي إبراهيم رئيسي وحسن الخميني حفيد روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية، إذ ينتمي الأخير إلى التيار الإصلاحي والمشهور بآرائه المعتدلة فقهياً وسياسياً.
زميل موسوي في الإقامة الجبرية يدافع عنه
من جانبه تضامن مع رسالة موسوي مهدي كَرّوبي الذي يخضع للإقامة الجبرية أيضاً على إثر احتجاجات 2009 والذي كان مرشحاً منافساً للرئيس أحمدي نجاد وميرحسين موسوي، وندد بتزوير الانتخابات. وفي اتصال مع نجله صرّح كرّوبي بأن ما أثاره موسوي هو جزء أساسي من مشاكل البلاد، وطلب من المعنيين أن يردوا على قضية توريث منصب المرشد التي طرحها موسوي بدل إهانته.
مهدي كرّوبي
وكان زعماء الحركة الخضراء عام 2009، مير حسين موسوي ومهدي كروبي قد حذرا سابقاً من وراثة الحكم في عام 2010 وقبل أسبوع من بدء إقامتهما الجبرية التي ما زالت مستمرة حتى اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...